الدليل على لزوم تنزيه الأنبياء عن الرذائل
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 263 - 266
2025-09-03
198
[قال المصنف]: يجب أن يكون طاهر المولد أمينا صادقا منزها عن الرذائل قبل بعثته أيضا ، لكي تطمئن إليه القلوب وتركن إليه النفوس بل لكي يستحق هذا المقام الإلهي العظيم (أ).
________________________________
(أ) ولقد أشار المصنف لإثبات تنزيه الأنبياء عن المذكورات إلى دليلين :
أحدهما : هو الذي ذكره أكثر المتكلمين ، وحاصله : إن هذه الامور مما يوجب تنفير الناس عنهم ، ومعه لا يحصل الانقياد التام الذي يكون غرضا لبعث الأنبياء وإرسالهم ، ولذلك قال المحقق اللاهيجي : «نزاهة النبي عن الصفات المنقصة والأخلاق الرذيلة والعيوب والأمراض المنفرة ، معتبرة لكون ذلك داعيا إلى قبول أوامره ونواهيه ، والانقياد له والتأسي به فيكون أقرب إلى الغرض المقصود من البعثة ، فيكون لطفا لا محالة واجبا لا يجوز على الله تركه» (1) وهذا الدليل هو الذي اعتمد عليه السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء ، لإثبات عصمتهم قبل النبوة وبعدها من الصغائر والكبائر ، وتبعه الآخرون ، وحيث إن الدليل عام ولا يختص بالعصمة عن الذنوب ، استدلوا به في نزاهة الأنبياء عن المنفرات ، ولو لم تكن من الذنوب كالعيوب والأمراض المنفرة ، ودناءة الآباء وعهر الامهات والفظاظة والغلظة والاشتغال بالصنائع الموهنة والمبتذلة ، ولذا صرح المحقق الطوسي ـ رحمه الله ـ في ضمن كلامه بوجوب تنزه النبي عن كل ما ينفر عنه (2) وصرح العلّامة ـ قدس سره ـ في الباب الحادي عشر بأنه يجب أن يكون منزها عن دناءة الآباء وعهر الامهات وعن الرذائل الخلقية والعيوب الخلقية ، لما في ذلك من النقص ، فيسقط محله من القلوب والمطلوب خلافه (3).
وقال الشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ : «ودليل التنفير الذي اعتمدناه ينفي عنهم جميع القبائح في حال النبوة وقبلها ، وكبائر الذنوب وصغائرها ؛ لأن النفوس إلى من لا يعهد منه قط في حال من الأحوال قبيح لا صغير ولا كبير ، أسكن وأميل ممن كان بخلاف ذلك ، فوجب بذلك نفي الجميع عنهم في كل حال (4) وعليه فلا وجه لاقتصار المصنف ـ رحمه الله ـ في المذكورات ، بل كان عليه أن يذكر تنزه النبي عن الأمراض المنفرة والعيوب الخلقية (بكسر الخاء) ، وكل ما ينفر عنه ، ولو كان هو السهو والنسيان في اموره الشخصية ، لعمومية الدليل. هذا مضافا إلى أن ذكر الأمانة والصدق لا يناسب المقام ، لأن عدم الأمانة خيانة وعدم الصدق كذب ، وهما من المعاصي التي قد فرغنا عن عصمتهم فيها ، فلا وجه لتكرارهما هنا عند ذكر اتصافهم بالكمالات وتنزههم عن المنقصات الخلقية والخلقية.
اللهم الّا أن يقال : إن المصنف لم يذكر سابقا إلّا العصمة عن الذنوب وعن الخطأ والنسيان بعد البعثة فذكر العصمة عن الخيانة والكذب قبل البعثة لا يكون تكرارا ، ولكن عليه أن لا يقتصر عليها ، بل يذكر جميع المعاصي والذنوب. هذا مضافا إلى أن ظاهر ذكر عنوان عقيدتنا في صفات النبي هو الفراغ عن بحث العصمة فلا تغفل.
ثم إن هذا الدليل يرجع إلى إثبات تنزههم عن المذكورات من جهة سكونة الناس واعتمادهم وجلبهم نحوه ليحصل الغرض من البعث والإرسال على الوجه الأتم ، وأما من جهة اقتضاء نفس مقام النبوة وتلقي الوحي فهو ساكت ، ولذا أشار إليه المصنف بالدليل الثاني.
وثانيهما : أن مقام النبوة مقام لا تناله أيدي الناس ، وإلّا لأوحي إليهم ، ولا حاجة إلى إرسال سفير إليهم ، بل هو مقام شامخ لا نصيب فيه إلّا للمقربين ، ومن المعلوم أن المقربين يكونون منزهين عن الرذائل الأخلاقية كالجهل والجبن والحقد والحسد والخشونة والبخل والحرص وأشباهها ، فاستحقاق مقام النبوة موقوف على تنزههم عن الامور التي تنافيه وهو كذلك ، ولكن هذا الدليل أخص من المدعى ، فإن بعض الامور التي تكون من المنفرات لا تكون من المنقصات المعنوية ، فيمكن أن يكون الناس متنفرين من بعض الأمراض أو بعض العيوب الخلقية (بكسر الخاء) ولكنها لا تكون من المنقصات المعنوية كما لا يخفى.
______________
(1) گوهر مراد : ص 301.
(2) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ص 349 الطبعة الحديثة في قم المشرفة.
(3) شرح الباب الحادي عشر : ص 39 الطبعة الحديثة في طهران.
(4) كتاب تمهيد الاصول في علم الكلام : ص 321.
الاكثر قراءة في صفات النبي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة