قال الشيخ الطوسي في الفهرست / 70 : ( أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري ، أبو علي ، كبير القدر ، وكان من خواص أبي محمد ( عليه السلام ) ، ورأى صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، وهو شيخ القميين ووافدهم . وله كتب ، منها : كتاب علل الصلاة ، كبير ، ومسائل الرجال لأبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) ، أخبرنا بهما الحسين بن عبيد الله ، وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن سعد بن عبد الله ، عنه ) .
أقول : هاجر جده الأحوص وأخوه عبد الله ، وجماعة من عشيرتهم من الكوفة في زمن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وأسسوا قماً ، وسرعان ما صارت مركزاً علمياً ، ومدينةً عامرة ، وحاضرةً علمية ، مواليةً لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقد مدح الأئمة ( عليهم السلام ) الأشعريين القميين ، ونبغ منهم رواة كبار ، وعلماء أبرار .
وَعَدَّهُ النجاشي في مصنفي الشيعة مع أبيه إسحاق ، قال / 73 و 91 : « إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري ، قمي ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ( عليهما السلام ) . وابنه أحمد بن إسحاق مشهور . . وكان وافد القميين وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن ( عليهما السلام ) وكان خاصة أبي محمد ( عليه السلام ) » .
وقال ابن الغضائري / 122 : ( أحمد بن إسحاق ، بن عبد الله ، بن سَعد ، بن مالك ، بن الأحْوَص الأشْعري ، أبو علي ، القُميُّ . رأيتُ من كتبه : كتابَ عِلَل الصوم كبيرٌ ، مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) ، جَمَعَهُ ) .
وقال السيد الخوئي « 2 / 54 ، و 48 » : « أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد = أحمد بن إسحاق بن سعد = أحمد بن إسحاق القمي .
عَدَّهُ الشيخ في أصحاب الجواد ، وفي أصحاب أبي محمد العسكري ( عليهما السلام ) قائلاً : أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ، قمي ثقة » .
وفي دلائل الإمامة / 503 : « وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري رضي الله عنه الشيخ الصدوق ، وكيل أبي محمد ( عليه السلام ) ، فلما مضى أبو محمد ( عليه السلام ) إلى كرامة الله عز وجل ، أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، تخرج إليه توقيعاته ، وتحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فيتسلمها ، إلى أن استأذن في المصير إلى قم فخرج الإذن بالمضي ، وذكر أنه لا يبلغ إلى قم ، وأنه يمرض ويموت في الطريق ، فمرض بحلوان ومات ودفن بها ، رضي الله عنه » .
وقال الكشي « 2 / 831 » : « كتب أبو عبد الله البلخي إليَّ يذكر عن الحسين بن روح القمي أن أحمد بن إسحاق كتب إليه يستأذنه في الحج ، فأذن له وبعث إليه بثوب ، فقال أحمد بن إسحاق : نعى إلي نفسي ، فانصرف من الحج فمات بحلوان . . عاش بعد وفاة أبي محمد ( عليه السلام ) ، وأتيت بهذا الخبر ليكون أصح لصلاحه وما ختم له به » . ونحوه النجاشي / 91 .
وروى الكشي ( 2 / 831 ) : ( عن أبي محمد الرازي قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر ، فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا : الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ، ثقات جميعاً ) .
والعليل هو علي بن جعفر الهماني البرمكي ( رحمه الله ) . ( تعليقة الوحيد / 395 ) .
وقال الطوسي في الغيبة / 417 : ( ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة ، خرج التوقيع في مدحهم . روى أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي قال : كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال : أحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ، ثقات ) .
وقال الكشي « 2 / 831 » : « كتب محمد بن أحمد بن الصلت القمي الآبي أبو علي ، إلى الدار كتاباً ذكر فيه قصة أحمد بن إسحاق القمي وصحبته ، وأنه يريد الحج ، واحتاج إلى ألف دينار ، فإن رأى سيدي أن يأمر بإقراضه إياه ويُسترجع منه في البلد إذا انصرفنا ، فأفعل . فوقع ( عليه السلام ) : هي له منا صلة ، وإذا رجع فله عندنا سواها ، وكان أحمد لضعفه لا يُطمع نفسه في أن يبلغ الكوفة ، وفي هذه من الدلالة » .
أي دلالةٌ على أنه يرجع من الحج سالماً ، ولا يصل إلى قم ، فمات بحلوان ( رحمه الله ) .
وقال الميرزا النوري في النجم الثاقب ( 2 / 21 ) : ( استأذن في المسير إلى قم فخرج الإذن بالمضي ، وذكر أنه لا يبلغ إلى قم ، وأنه يمرض ويموت في الطريق ، فمرض بحلوان ومات ودفن بها رضي الله عنه .
ثم قال : وحلوان هي ذَهَاب المعروفة التي تقع في طريق كرمنشاه - بغداد ويقع قبر هذا المعظم قرب نهر تلك القرية ، يبعد ألف قدم تقريباً من جانب الجنوب ، وعلى القبر بناء متواضع خرب ، وذلك لعدم همة وعدم معرفة أغنياء ، بل سكان تلك المنطقة ، بل سكان كرمانشاه والمارة . لذلك بقي هكذا بلا اسم ولا علامة ، ولا يذهب من كل ألف زائر ولا زائرٌ واحد لزيارته ، مع أنه ذلك الإنسان الذي بعث الإمام ( عليه السلام ) خادمه بطي الأرض لتكفينه وتجهيزه ، وهو الذي بنى المسجد المعروف بقم بأمره ( عليه السلام ) ، وكان سنيناً وكيله ( عليه السلام ) في تلك المناطق ، فكان من المناسب أن يُتعامَل معه بشكل أفضل وأحسن من هذا ، ولابد أن يكون قبره مزاراً مهماً ليُحصل ببركة صاحب القبر وبواسطته على الفيوضات الإلهية ) .
كان شخصية قم ورئيسها
قال النجاشي / 91 : ( أحمد بن إسحاق بن عبد الله . . وكان وافد القميين ) . وقال الشيخ في الفهرست / 70 : ( كبير القدر ، وكان من خواص أبي محمد ( عليه السلام ) ورأى صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، وهو شيخ القميين ووافدهم ) .
بنى مسجد قم المعروف بأمر الإمام العسكري ( عليه السلام )
قال الميرزا النوري في النجم الثاقب ( 2 / 21 ) : ( وهو الذي بنى المسجد المعروف بقم بأمره ( عليه السلام ) ) . ولا بد أن الميرزا ( قدس سره ) وجد نصاً بذلك ، ولم أجده .
كانت قم مدينة عامرة ومهجراً للعلويين
تأسست قم في سبعينات القرن الأول للهجرة ، على يد الأشعريين ، وصارت بسرعة مدينة عامرة ، لوقوعها على طريق القادمين من العراق والحجاز إلى خراسان وما وراء النهر .
وقد كتبنا في سيرة الإمام الهادي ( عليه السلام ) أنها تميزت بموقعها الجغرافي ، وبمركزها التجاري ، كما تميزت بشجاعة أهلها وثوراتهم .
وأكبر ميزاتها أنها العاصمة الدينية لأهل البيت ( عليهم السلام ) في إيران ، والمركز العلمي لمذهبهم ، وفيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة ( عليهم السلام ) ، يرجع إليهم الشيعة ، ويدفعون إليهم أخماسهم ونذورهم ليوصلوها إلى الأئمة ( عليهم السلام ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إن لله حرماً وهو مكة ، وإن للرسول ( صلى الله عليه وآله ) حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم » . « البحار : 57 / 216 » .
وكان أهل قم مشهورن بتشيعهم ، فكانت الحكومات الأموية والعباسية لا تحبهم ، وكانت تزيد الخراج عليهم تعصباً ، حتى وصل إلى مليوني درهم ، فاعترض أهل قم وثاروا .
قال الطبري « 7 / 183 » : « وفي هذه السنة « سنة 210 » خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج . ذُكِرَ أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج ، وكان خراجهم ألفي ألف درهم » . وفي تاريخ قم بالفارسية / 122 : ( بلغ مجموع خراج قم سنة 287 ثلاثة ملايين درهم وكسراً ) !
وفي رجال الطوسي / 443 : « لما توجه موسى بن بغا إلى قم ، فوطأها وطأةً خشنة ، وعظم بها ما كان فعل بأهلها ، فكتبوا بذلك إلى أبي محمد صاحب العسكر ( عليه السلام ) يسألونه الدعاء لهم ، فكتب إليهم أن ادعوا بهذا الدعاء في وِتْركم ، وهو . . وذكر الدعاء » .
وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان سنة 253 ، أي في زمن المعتز قبل وفاة الهادي ( عليه السلام ) بسنة . « ثقات ابن حبان : 2 / 331 » .
هذا ، وكانت لقم علاقة بمصر ، لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها إلى مصر ، ونبغ منهم قادة عسكريون كالقائد المعروف : محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل البجة في السودان ، لما منعوا المسلمين مناجم الذهب ، فوضع لهم خطة وانتصر عليهم ، وأسر ملكهم علي بابا وجاء به أسيراً إلى سامراء سنة 241 . وتفصيله في الطبري « 7 / 379 » .
وقد كثرت هجرة العلويين إلى قم فراراً من اضطهاد حكوماتهم ، وكانت سياسة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) التعاطف معهم جميعاً ، من كان منهم تقياً ، أو غير تقي . وبسبب هذه السياسة كان موقف الإمام العسكري ( عليه السلام ) الحاسم مع أحمد بن إسحاق الأشعري لما منع أحد السادة من الدخول اليه !
قال المجلسي في بحار الأنوار ( 50 / 325 ) عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي : ( إن الحسين بن الحسن بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، كان بقم يشرب الخمر علانيةً ، فقصد يوماً لحاجةٍ باب أحمد بن إسحاق الأشعري وكان وكيلاً في الأوقاف بقم ، فلم يأذن له ورجع إلى بيته مهموماً . فتوجه أحمد بن إسحاق إلى الحج ، فلما بلغ سر من رأى استأذن على أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) فلم يأذن له ، فبكى أحمد لذلك طويلاً وتضرع حتى أذن له ، فلما دخل قال : يا ابن رسول الله لمَ منعتني الدخول عليك وأنا من شيعتك ومواليك ؟ قال ( عليه السلام ) : لأنك طردت ابن عمنا عن بابك ! فبكى أحمد وحلف بالله أنه لم يمنعه من الدخول عليه إلا لأن يتوب من شرب الخمر ، قال : صدقت ، ولكن لابد من إكرامهم واحترامهم على كل حال ، وأن لا تحقرهم ولا تستهين بهم لانتسابهم إلينا ، فتكون من الخاسرين !
فلما رجع أحمد إلى قم أتاه أشرافهم ، وكان الحسين معهم فلما رآه أحمد وثب إليه واستقبله وأكرمه وأجلسه في صدر المجلس ، فاستغرب الحسين ذلك منه واستبدعه وسأله عن سببه ، فذكر له ما جرى بينه وبين العسكري ( عليه السلام ) في ذلك . فلما سمع ذلك ندم من أفعاله القبيحة وتاب منها ، ورجع إلى بيته وأهرق الخمور وكسر آلاتها ، وصار من الأتقياء المتورعين ، والصلحاء المتعبدين ، وكان ملازماً للمساجد معتكفاً فيها حتى أدركه الموت ، ودفن قريباً من مزار فاطمة رضي الله عنهما ) .
أقول : في هذه القصة عبرة من عدة جهات ، وأولها أن يجب حفظ بني هاشم رغم سوء بعضهم لأن معدنهم جيد ، ولأنهم ينتمون إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) والزهراء وعلي ( عليهم السلام ) . وقد رأيت أن ذلك السيد العاصي أثبت صحة سياسة الأئمة ( عليهم السلام ) !
مرافقة سعد الأشعري لأحمد بن إسحاق إلى سامراء
روى الصدوق في كمال الدين / 454 ، عن سعد بن عبد الله الأشعري قال : ( كنت امرءً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كَلِفاً باستظهار ما يصح لي من حقائقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصباً لمذهب الإمامية ، راغباً عن الأمن والسلامة ، في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم . معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمتهم ، هتاكاً لحجب قادتهم .
إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلاً ، وأشنعهم سؤالاً ، وأثبتهم على الباطل قدماً . فقال ذات يوم وأنا أناظره : تباً لك ولأصحابك يا سعد ، إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرِين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده ، وأنه هوالمقلد لأمر التأويل ، والملقى إليه أزمة الأمة ، وعليه المعول في شعب الصدع ، ولَمِّ الشعث ، وسدِّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك . وكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدةً إلى مكان يستخفي فيه ، ولما رأينا النبي متوجهاً إلى الإنجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد ، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها ، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث به ولم يحفل به لاستثقاله ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها .
قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتى ، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والرد عليَّ ، ثم قال : يا سعد ودونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض ، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام ، كانا يُسِرَّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ،
أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أوكرهاً ؟
قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفاً من الإلزام وحذراً من أني إن أقررت له بطوعهما للإسلام ، احتجَّ بأن بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا . . وإن قلت : أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس . قال سعد : فصدرت عنه مُزْوَرّاً قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل ، لم أجد لها مجيباً ، على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد ( عليه السلام ) فارتحلت خلفه ، وقد كان خرج قاصداً نحومولانا بسر من رأى ، فلحقته في بعض المنازل ، فلما تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثم العادة في الأسئلة .
قال : قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة ، فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد ( عليه السلام ) وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا ( عليه السلام ) .
فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا ، فاستأذنا فخرج علينا الإذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم ، على كل صرة منها ختم صاحبها . قال سعد : فما شبهت وجه مولانا أبي محمد ( عليه السلام ) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين ، كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها ، كيلا يصده عن كتابة ما أراد .
سلمنا عليه فألطف في الجواب ، وأومأ إلينا بالجلوس ، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه ، فنظر الهادي ( عليه السلام ) إلى الغلام وقال له : يا بني فُضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا مولاي أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة ، قد شيب أحلها بأحرمها ؟
فقال مولاي : يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها ، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم ، يشتمل على اثنين وستين ديناراً ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير . فقال مولانا : صدقت يا بني ، دُلَّ الرجل على الحرام منها ، فقال ( عليه السلام ) : فتش عن دينار رازي السكة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آملية وزنها ربع دينار ، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل مَنّاً وربع مَنّ ، فأتت على ذلك مدةٌ وفي انتهائها قُيَّضَ لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك مَنّاً ونصف من غزل أدق مما كان دفعه إليه ، واتخذ من ذلك ثوباً ، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه !
فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة . ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين ديناراً ، لا يحل لنا لمسها . قال : وكيف ذاك ؟ قال : لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل وافٍ ، وكان ما حص الأكار بكيل بخس ، فقال مولانا : صدقت يا بنيَّ .
ثم قال : يا أحمد بن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها أوتوصي بردها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شئ منها ، وائتنا بثوب العجوز .
قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته ، فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمد ( عليه السلام ) فقال : ما جاء بك يا سعد ؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا . قال : والمسائل التي أردت أن تسأله عنها ؟ قلت : على حالها يا مولاي . قال : فسل قرة عيني ، وأومأ إلى الغلام ، فقال لي الغلام : سل عما بدا لك منها !
فقلت له : مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جعل طلاق نساءه بيد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد كان طلاقهن وفاته . قال : ما الطلاق ؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج ؟ قلت : لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن ، قال : كيف وقد خلى الموت سبيلهن ؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حكمه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟
قال : إن الله تقدس اسمه عَظَّمَ شأن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فخصهن بشرف الأمهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن مادمن لله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين !
قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته ؟ قال : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحد ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزيٌ ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه .
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى ( عليه السلام ) : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ، فإن فقهاء القريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ! فقال : من قال ذلك فقد افترى على موسى ( عليه السلام ) واستجهله في نبوته ، لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين ، إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما ، فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر . قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما . قال : إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك ، وكان شديد الحب لأهله ، فقال الله تعالى : إخْلَعْ نَعْلَيْك ، أي إنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً .
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل كهيعص ؟ قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته ، وقال : كهيعص ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره . فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ؟ ثم كان يقول : اللهم ارزقني ولداً تقرُّ به عيني على الكبر ، وأجعله وارثاً وصياً ، واجعل محله مني محل الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتِنِّي بحبه ، ثم فجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده ! فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين ( عليه السلام ) كذلك ، وله قصة طويلة .
قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ؟ قال : مصلح أومفسد ؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد مايخطر ببال غيره من صلاح أوفساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم ، مثل موسى وعيسى ( عليهما السلام ) ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هَمَّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق ، وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا ، فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا . . إلى قوله : فَقَالُوا أَرِنَا اللَّه جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ! فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور ، وما تكنُّ الضمائر ، وتتصرف عليه السرائر ، وأن لاخطر لاختيار المهاجرِين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء ( عليهم السلام ) على ذوي الفساد ، لما أرادوا أهل الصلاح !
ثم قال مولانا : يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار ، إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده ، وأنه هوالمقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة ، وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدةً من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث له ، ولم يحفل به لاستثقاله إياه ، وعلمه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها .
فهلا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ، فكان لا يجد بداً من قوله لك : بلى . قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله أن الخلافة من بعده لأبي بكر ، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر لعثمان ، ومن بعد عثمان لعلي ؟ فكان أيضاً لا يجد بداً من قوله لك : نعم .
ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يخرجهم جميعاً على الترتيب إلى الغار ، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم ، وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم !
ولما قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أوكرهاً ؟ لِم لمْ تقل له : بل أسلما طمعاً ، وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة ، وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال ، من قصة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ومن عواقب أمره .
فكانت اليهود تذكر أن محمداً يسلط على العرب كما كان بختنصر سُلط على بني إسرائيل ، ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل ، غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي ، فأتيا محمداً فساعداه على شهادة ألا إله إلا الله ، وبايعاه طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولايةَ بلد ، إذا استقامت أموره ، واستتبت أحواله ! فلما آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين ، على أن يقتلوه فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً ! كما أتى طلحة والزبير عليا ( عليه السلام ) فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلما أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه ، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين .
قال سعد : ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي ( عليه السلام ) للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت : ما أبطأك وأبكاك ؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبرْهُ ، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسماً وهو يصلي على محمد وآل محمد ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلي عليه . قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أياماً ، فلا نرى الغلام بين يديه . [ فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتد المحنة ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء أمك ، وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك ، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك .
قال : فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثم قال : يا ابن إسحاق لا تَكلف في دعائك شططاَ فإنك ملاق الله تعالى في صدرك هذا ، فخرَّ أحمد مغشياَ عليه ، فلما أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفناً ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فإنك لن تعدم ما سألت ، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملاً .
قال سعد : فلما انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ ، حُمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها . فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات ، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها ، ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده .
قال سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد ( عليه السلام ) وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه ن فإنه من أكرمكم محلاً عند سيدكم . ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل ، حتى قضينا حقه ، وفرغنا من أمره ، ( رحمه الله ) ] .
ملاحظات
1 . يتضمن هذا النص وصفاً دقيقاً لحالة المجتمع في عصره ، والحركة الفكرية المذهبية ، والتواصل والتنقل بين المدن الإسلامية .
2 . كما يظهر منه دور قم وعلمائها ، وأنهم كانوا وكلاء الأئمة ( عليهم السلام ) في إيران وما وراءها ، وتظهر مكانة أحمد بن إسحاق خاصة ( رحمه الله ) .
3 . يدل على أن الإعطاء للإمام ( عليه السلام ) كان صفة عامة عند متديني الشيعة ، سواء من خُمس ما زاد عن مصرفهم السنوي ، أو نذورهم وهداياهم ، فكانوا يعطونها إلى وكلائه ويوصلها الوكلاء بأمانة ، ويخبرهم الإمام ( عليه السلام ) بأصلها وأسماء أصحابها ، ويردها إن كان فيها إشكال .
والشيعة يعتقدون أن الإمام ( عليه السلام ) غني عن أموالهم ، وأنهم هم بحاجة لأن يقبلها منهم ، ليطهروا بذلك ، وتتبارك أموالهم ، كما قال الله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيِهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
4 . لا يجب علينا التدقيق الذي قام به الإمام المهدي صلوات الله عليه في أصل المال ومنشئه ، بل لا يمكننا ذلك لأنا لا نعلم ما يعلم . فعلينا العمل بظاهر الأمور وقاعدة : كل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه ؟
5 . الظاهر أن الفقرة الأخيرة التي جعلناها بين معقوفين مضافة إلى هذا النص من نص آخر يصف وفاة أحمد بن إسحاق ، والتي كانت بعد وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) بنحو أربعين سنة . ويؤيد ذلك أن رواية الطبري في دلائل الإمامة لزيارة سعد مع ابن إسحاق لا توجد فيها هذه الفقرة .
6 . صح عند علمائنا أن أحمد بن إسحاق عاش بعد وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) وكان وكيل ابنه المهدي ( عليه السلام ) . بينما تذكر الرواية أنه توفي في حياة العسكري ( عليه السلام ) ، ولذلك ردها العلماء وقال بعضهم إنها موضوعة !
والذي أعتقده أنها صحيحة لكن وقع خلل أو تصحيف في آخرها ، لأن وفاة أحمد بن إسحاق ( رحمه الله ) كانت في حلوان كما وصفت الرواية ، لكن في سفرة أخرى ، وليست في تلك السفرة ، فقد زار أحمد بن إسحاق سامراء مرات بعدها ، وذهب منها إلى الحج ، وكان سعد معه في آخر حجة كما سيأتي .
ويؤيد ما قلناه أن الطبري رواها في دلائل الإمامة / 506 ، بسند آخر بدون قصة موت أحمد بن إسحاق في رجوعه يومها من سامراء .
قال الطبري في دلائل الإمامة / 503 : ( مضى أبو محمد يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة . وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري رضي الله عنه الشيخ الصدوق ، وكيل أبي محمد ( عليه السلام ) ، فلما مضى أبو محمد إلى كرامة الله عز وجل أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، تخرج إليه توقيعاته ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا ، فيتسلمها ، إلى أن استأذن في المصيرإلى قم ، فخرج الإذن بالمضي ، وذكر أنه لا يبلغ إلى قم وأنه يمرض ويموت في الطريق ، فمرض بحلوان ومات ودفن بها رضي الله عنه . وأقام مولانا صلوات الله عليه بعد مضي أحمد بن إسحاق الأشعري بسر من رأى مدة ، ثم غاب لما روي في الغيبة من الأخبار عن السادة ( عليهم السلام ) ، مع أنه مشاهد في المواطن الشريفة الكريمة العالية ، والمقامات العظيمة ، وقد دلت الآثار على صحة مشاهدته ( .
وقد تفاوتت الرواية في المدة التي عاشها بعد وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، والمدة في رواية دلائل الإمامة مجملة ، لكن رواية الكشي ( 2 / 831 ) تقول إنه عاش بعد الإمام العسكري ( عليه السلام ) أكثر من خمس وأربعين سنة ، لأنه كتب إلى السفير الحسين بن روح ( رحمه الله ) الذي بدأت سفارته سنة 305 ، قال : ( عن الحسين بن روح القمي أن أحمد بن إسحاق كتب إليه يستأذنه في الحج فأذن له وبعث إليه بثوب ، فقال أحمد بن إسحاق : نعى إليَّ نفسي ، فانصرف من الحج فمات بحلوان . أحمد بن إسحاق بن سعد القمي عاش بعد وفاة أبي محمد ( عليه السلام ) ، وأتيت بهذا الخبر ليكون أصح لصلاحه ، وما ختم له به ) .
وروى الطوسي في الغيبة / 355 ، أنه كان يذهب إلى الحج بعد وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) وينزل في بغداد قال : ( أخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر قال : حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد ( عليه السلام ) فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام ، فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت : إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق وهو عندنا الثقة المرضي حدثنا فيك بكيت وكيت ، واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمروومحله ، وقلت : أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه ، فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك ، هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان ( عليه السلام ) ؟
فبكى ثم قال : على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حي . قلت : نعم . قال : قد رأيته ( عليه السلام ) وعنقه هكذا ، يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً ) .
وفي رواية الصدوق في كمال الدين / 441 : ( فقال لي : نعم وله عنق مثل ذي ، وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه . قال قلت : فالاسم ؟ قال : إياك أن تبحث عن هذا ، فإنه عند القوم أن هذا النسل قد انقطع ) .
أقول : هاجم الخليفة بيت الإمام العسكري ( عليه السلام ) يبحث عن ابنه المهدي ( عليه السلام ) فلم يجده ، وظنوا أن جاريته صقيل حامل فحبسوها عند قاضي القضاة . ثم هرب الخليفة والدولة إلى بغداد ، ونجت جارية الإمام المحبوسة وعادت إلى بيت الإمام ( عليه السلام ) . وهذا النص يدل على أن قاضي القضاة أصدر أمراً بتوزيع تركة الإمام على أمه وأخيه ، لأنه لم يثبت أن له ولداً .
وقد أراد الإمام المهدي ( عليه السلام ) أن لا يرد الشيعة قرار الخليفة حتى لا يؤخذوا ويشتد البحث عن الولد ، ولهذا نجد عثمان بن سعيد يخبرهم بوجوده وأنه رآه ويطلب منهم أن لا يخبروا أحداً بذلك عن لسانه ما دام حياً !
مناقشة رد السيد الخوئي ( قدس سره ) لهذه الرواية !
رد السيد الخوئي ( قدس سره ) رواية سعد المتقدمة فقال ( 9 / 82 ) : ( وهذه الرواية ضعيفة السند جداً ، فإن محمد بن بحر بن سهل الشيباني لم يوثق ، وهو متهم بالغلو ، وغيره من رجال سند الرواية مجاهيل . على أنها قد اشتملت على أمرين لا يمكن تصديقهما : أحدهما : حكايتها صد الحجة سلام الله عليه أباه من الكتابة والإمام ( عليه السلام ) كان يشغله برد الرمانة الذهبية ! إذ يقبح صدور ذلك من الصبي المميز فكيف ممن هو عالم بالغيب ، وبجواب المسائل الصعبة ؟ الثاني : حكايتها عن موت أحمد بن إسحاق في زمان العسكري مع أنك عرفت في ترجمته أنه عاش إلى ما بعد العسكري ( عليه السلام ) ) .
لكن ما ذكره ( قدس سره ) غير تام : أولاً ، لأن الطبري رواها في دلائل الإمامة / 506 ، بسند آخر : عن عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاث مائة قال : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : كنت امرءً لهجاً بجمع الكتب . . ) .
وقد رواها إلى قوله : ( وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أياماً فلا نرى الغلام ) . وليس فيها خبر موت ابن إسحاق في حلوان في تلك السفرة .
وثانياً ، ما ورد في طفولة الإمام المهدي ( عليه السلام ) طبيعي وغير مستنكر ، وقد ورد له شبيهٌ في طفولة الإمام الكاظم وطفولة نبي الله عيسى ( عليهم السلام ) ، ولا ينافي ذلك عصمته وعلمه ، لأن السن له اقتضاء .
فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) كان يبكي بكاءً شديداً فلما أعيت مريم كثره بكائه قال لها : خذي من لحا هذه الشجرة فاجعليه وجوراً ثم اسقينيه . فإذا سقى بكى بكاءً شديداً فتقول مريم : ما ذا أمرتني ؟ فيقول : يا أماه علم النبوة وضعف الصبا ) . ( قصص الأنبياء / 269 ) .
وثالثاً ، لا يصح تضعيفه بابن بحر ، لأن السيد الخوئي قال فيه ( 16 / 131 ) : ( قال النجاشي : محمد بن بحر الرهني أبو الحسين الشيباني ، ساكن نرماشين من أرض كرمان . قال بعض أصحابنا : إنه كان في مذهبه ارتفاع ، وحديثه قريب من السلامة ولا أدري من أين قيل ذلك ) !
فقد تعجب النجاشي وغيره من وصفه بالارتفاع أي الغلو ، وقال : من أين جاءت التهمة وهذه أحاديثه قريبة من السلامة أي خالية من الغلو ! والجواب : أنها جاءت من خصوم الشيعة ، فقد قال ابن حجر في لسان الميزان ( 5 / 89 ) و ( 7 / 6 ) : ( محمد بن بحر بن سهل الشيباني السجستاني ، أبو الحسين ذكره أبو الحسن بن بانويه في تاريخ الري وقال : شيخ من شيوخ الشيعة يكنى أبا الحسين ، وكان من علمائهم وله تصانيف بخراسان ، وكان مكيناً عندهم ، وسكن بعض قرى كرمان . قال : وقيل وكان في مذهبه غلو وارتفاع ، وكان قوياً في الأدب واللغة روى عنه الخطابي في غريب الحديث ، وكان سمع من سعد بن عبد الله بن بطة , ومات قبل الثلاثين والثلاث مئة ) .
وقد يكون سبب قولهم إنه مغالٍ أنه فضل الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) على الملائكة فقد ألف كتاباً في ذلك ، واستدل عليه بالعقل والأحاديث ، وعقد الصدوق باباً اقتبس فيه من كلامه في ذلك ، وترحم عليه ، رحمهما الله .
قال في علل الشرائع ( 1 / 20 ) : ( باب ما ذكره محمد بن الشيباني المعروف بالرهني ( رحمه الله ) في كتابه : من قول من فضلوا الأنبياء والرسل والأئمة والحجج صلوات الله عليهم أجمعين على الملائكة ) .
وذكر في الذريعة عدداً من كتبه وهي تدل على جلالته ، مثلاً ( 17 / 160 ) : ( القلايد : في الكلام على مسائل الخلاف التي بيننا وبين المخالفين ، للشيخ أبي الحسين محمد بن بحر الرهني الشيباني . . وهو شيخ أبي العباس بن نوح ، الذي هو شيخ النجاشي ) . وهذا كاف في توثيق ابن بحر ( رحمه الله ) .
آخر حجة حجها أحمد بن إسحاق ( رحمه الله )
وفي رجال الكشي ( 2 / 831 ) : ( كتب إلى الحسين بن روح القمي يستأذنه في الحج ، فانصرف من الحج ، فمات بحلوان . . كتب محمد بن أحمد بن الصلت القمي الآبي أبو علي إلى الدار كتاباً ذكر فيه قصة أحمد بن إسحاق القمي وصحبته ، وأنه يريد الحج واحتاج إلى ألف دينار ، فإن رأى سيدي أن يأمر باقراضه إياه ويسترجع منه في البلد إذا انصرفنا ، فأفعل . فوقع ( عليه السلام ) : هي له مِنَّا صلة ، وإذا رجع فله عندنا سواها ، وكان أحمد لضعفه لا يطمع نفسه في أن يبلغ الكوفة . وفي هذه من الدلالة ) .
أقول : يظهر من مجموع النصوص أن سعد بن عبد الله بن أبي خلف ( رحمه الله ) ، كان مع أحمد في هذه السفرة أيضاً ، وروى وفاته وإرسال الإمام المهدي ( عليه السلام ) كافوراً خادمه وخادم أبيه لتكفينه وتجهيزه ، فخلط بعض الرواة بين السفرتين ، وجعل قول الحسين بن روح ( رحمه الله ) قول الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
ما رواه أحمد بن إسحاق في الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )
1 . في كمال الدين / 433 : ( حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح ( عليه السلام ) ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي ( عليه السلام ) إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده ( عليه السلام ) الذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته ، والولي لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرك الله به ، مثلما سرنا به . والسلام ) .
2 . روى الطبري في إثبات الوصية / 217 : ( عن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمد ( عليه السلام ) فقال لي : يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب ؟ قلت يا سيدي لما ورد الكتاب بخبر سيدنا ومولده ، لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق . فقال : أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة الله .
ثم أمر أبو محمد ( عليه السلام ) والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومأتين ، وعرفها ما يناله في سنة الستين ، وأحضر الصاحب ( عليه السلام ) فأوصى إليه وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه ، وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب ( عليه السلام ) جميعاً إلى مكة ) .
أقول : معناه أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) كتب إلى أحمد بن إسحاق يخبره بولادة ابنه المهدي ( عليه السلام ) فأخبر الناس بولادته ( عليه السلام ) وآمنوا بأنه الإمام الثاني عشر الموعود . ثم سأل الإمام ابن إسحاق عن موقف أهل قم من رسالته فأخبره أنهم لما وصلت الرسالة قبلوها وقالوا بالحق وإمامة الثاني عشر ( عليه السلام ) . فذكرهم الإمام ( عليه السلام ) بقاعدة : لا تخلو الأرض من حجة لله تعالى .
ثم ذكر الراوي أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) كان يهيئ أسرته لفقده في سنة مئتين وستين ، فأحضر والدته وأخبرها بما يجري ، وأمرها أن تكون في المدينة ، فإذا توفي جاءت إلى سامراء وأظهرت وصيته لقاضي القضاة .
وقد رواه في عيون المعجزات / 126 ، عن أحمد بن مصقلة ، بدل ابن إسحاق .
3 . في كمال الدين / 408 : ( عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) يقول : الحمد لله الذي لم يُخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خَلْقاً وخُلُقاً ، ويحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ، ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ) .
4 . في كمال الدين / : 385 ( عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي ( عليهما السلام ) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعد ه ، فقال لي مبتدئاً : يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يُخْلِ الأرض منذ خلق آدم ( عليه السلام ) ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض . قال فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض ( عليه السلام ) مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلامٌ كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكَنِيُّهُ ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . يا أحمد بن إسحاق مَثَلُهُ في هذه الأمة مثلُ الخضر ( عليه السلام ) ، ومثله مثل ذي القرنين . والله ليغيبن غيبةً لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه .
فقال أحمد بن إسحاق فقلت له : يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام ( عليه السلام ) بلسان عربي فصيح فقال : أنا بقية الله في أرضه ، والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق !
فقال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسروراً فرحاً . فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت عليَّ فما السُّنَّةُ الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد . قلت : يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول ؟ قال : إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . يا أحمد بن إسحاق : هذا أمرٌ من أمر الله ، وسرٌّ من سر الله ، وغيبٌ من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين ، تكن معنا غداً في عليين ) .
5 . قال السيد ابن طاووس في فرج المهموم / : 37 ( فصلٌ فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله عليهما ، ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء ، وهو كتاب معتمد عند الأولياء ، وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه وقد درس تاريخه ، فيه دلالات الأئمة وولادة المهدي صلوات الله عليهم ، رواه الحسن بن جعفر الصيمري ومؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري وكانت له مكاتبات إلى الهادي والعسكري وجوابهما إليه ، وهو ثقة معتمد عليه ، فقال ما هذا لفظه : حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق بن مصقلة ، أنه كان بقم منجم يهودي وكان موصوفاً بالحذق في الحساب ، فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له : قد ولد مولودٌ في وقت كذا وكذا ، فخذ الطالع واعمل له ميلاداً ، فأخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملاً له ، فقال لأحمد : لست أرى النجوم تدلني على شئ لك من هذا المولود بوجه الحساب ! إن هذا المولود ليس لك ولا يكون مثل هذا المولود إلا لنبي أو وصي نبي ! وإن النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً وسهلاً وجبلاً ، حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له ، وقال بولايته !
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس : وهذا من آيات الله الباهرة ، وحججه على من عرفه بالعين الباصرة ( العقل ) فإن أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور ، فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور . وقد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي صلوات الله عليه ، ولم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه ، فذكر أنه حقق طالعه وأحضر زايجته ، وكما سبقنا راوي هذا الحديث إليه ، فصار ذلك إجماعاً منهما عليه ) .
6 . في كمال الدين / 442 : ( حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي الله عنه ، فقلت للعمري : إني أسألك عن مسألة كما قال الله عز وجل في قصة إبراهيم : قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى : هل رأيت صاحبي ؟ فقال لي : نعم وله عنق مثل ذي وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه ، قال قلت : فالاسم ؟ قال : إياك أن تبحث عن هذا ، فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع ) !
وفي الكافي ( 1 / 330 ) : ( عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو ( رحمه الله ) عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له : يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شئ ، وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجة ، وأغلق باب التوبةف : لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة ، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً وإن إبراهيم ( عليه السلام ) سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى ، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى . وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته وقلت : من أعامل أو عمن آخذ ، وقول من أقبل ؟
فقال له : العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي ، وما قال لك عني فعني يقول ، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون . وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد ( عليه السلام ) عن مثل ذلك ، فقال له : العمري وابنه ثقتان ، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان ، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك . قال : فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال : سل حاجتك . فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد ( عليه السلام ) ؟ فقال : إي والله ورقبته مثل ذا ، وأومأ بيده . فقلت له : فبقيت واحدة فقال لي : هات ، قلت : فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عند ، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ، ولكن عنه ( عليه السلام ) فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه ، وهوذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك ) .
7 . روى أحمد بن إسحاق ( الكافي : 1 / 328 ) : ( عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد ( عليه السلام ) : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : سل ، قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم ، فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟ فقال : بالمدينة ) .
8 . في الكافي ( 1 / 518 ) : ( عن سعيد بن عبد الله قال : إن الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة ، تكلموا بعد مضي أبي محمد ( عليه السلام ) فيما في أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص ، فجاء الحسن بن النضر إلى أبي الصدام فقال : إني أريد الحج ، فقال له : أبو صدام أخره هذه السنة ، فقال له الحسن بن النضر : إني أفزع في المنام ولابد من الخروج ، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حماد ، وأوصى للناحية بمال ، وأمره أن لا يخرج شيئاً إلا من يده إلى يده بعد ظهور . قال : فقال الحسن : لما وافيت بغداد اكتريت داراً فنزلتها ، فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي ، فقلت له ما هذا ؟ قال هو ما ترى ، ثم جاء ني آخر بمثلها وآخر حتى كبسوا الدار ( أي ملؤوها بالبضاعة والأمانات ) ثم جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه ، فتعجبت وبقيت متفكراً ، فوردت علي رقعة الرجل ( أي الإمام المهدي ( عليه السلام ) ) : إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك ، فرحلت وحملت ما معي ، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلاً ، فاجتزت عليه وسلمني الله منه ، فوافيت العسكر ونزلت ، فوردت علي رقعة أن احمل ما معك ، فعبيته في صنان ( سِلال ) الحمالين ، فلما بلغت الدهليز إذا فيه أسود قائم فقال : أنت الحسن بن النضر ؟ قلت : نعم ، قال : أدخل ، فدخلت الدار ودخلت بيتاً وفرغت صنان الحمالين ، وإذا في زاوية البيت خبز كثير ، فأعطى كل واحد من الحمالين رغيفين ، وأخرجوا . وإذا بيت عليه ستر فنوديت منه : يا حسن بن النضر أحمد الله على ما من به عليك ولا تشكن ، فود الشيطان أنك شككت ، وأخرج إلي ثوبين وقيل : خذها فستحتاج إليهما فأخذتهما وخرجت ، قال سعد : فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان ، وكُفن في الثوبين ) .
9 . عَدُّوا أحمد بن إسحاق من الوكلاء الذين تشرفوا برؤية المهدي ( عليه السلام ) ففي كمال الدين / 442 : ( حدثنا أبو علي الأسدي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ، ممن وقف على معجزات صاحب الزمان ( عليه السلام ) ورآه من الوكلاء . ببغداد : العمري وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار . ومن الكوفة : العاصمي . ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن صالح . ومن أهل الري : البسامي والأسدي ، يعني نفسه . ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء . ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان .
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس ، وأبو عبد الله الكندي ، وأبو عبد الله الجنيدي ، وهارون القزاز ، والنيلي ، وأبو القاسم بن - دبيس ، وأبو عبد الله بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت ، وصاحب النوَّاء ، وصاحب الصرة المختومة .
ومن همدان : محمد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران . ومن الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد بن أخية وأبو الحسن . ومن إصفهان ابن باذشالة . ومن الصيمرة : زيدان . ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعلي بن محمد بن إسحاق ، وأبوه ، والحسن بن يعقوب . ومن أهل الري : القاسم بن موسى وابنه ، وأبو محمد بن هارون . وصاحب الحصاة ، وعلي بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبو جعفر الرفاء . ومن قزوين : مرداس ، وعلي بن أحمد . ومن فاقتر : رجلان . ومن شهرزور : ابن الخال . ومن فارس : المحروج . ومن مرو : صاحب الألف دينار ، وصاحب المال والرقعة البيضاء ، وأبو ثابت . ومن نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح . ومن اليمن : الفضل بن يزيد والحسن ابنه ، والجعفري ، وابن الأعجمي والشمشاطي . ومن مصر : صاحب المولودين ، وصاحب المال بمكة وأبو رجاء . ومن نصيبين : أبو محمد بن الوجناء . ومن الأهواز الحصيني ) .
10 . ورووا رسالة جعفر الكذاب إلى أحمد بن إسحاق ، وجواب الإمام ( عليه السلام ) عليها ، ففي غيبة الطوسي / 290 : ( عن سعد بن عبد الله الأشعري قال : حدثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ( رحمه الله ) أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرَّفه فيه نفسه ، ويعلمه أنه القيِّم بعد أخيه ، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلها .
قال أحمد بن إسحاق : فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان ( عليه السلام ) وصيرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج الجواب إليَّ في ذلك :
بسم الله الرحمن الرحيم : أتاني كتابك أبقاك الله ، والكتاب الذي أنفذته درجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه ، وتكرر الخطأ فيه ، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمداً لا شريك له على إحسانه إلينا ، وفضله علينا .
أبى الله عز وجل للحق إلا إتماماً ، وللباطل إلا زهوقاً ، وهو شاهد علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ، وسألنا عما نحن فيه مختلفون . إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامةً مفترضة ، ولا طاعةً ولا ذمةً ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى .
يا هذا يرحمك الله ، إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً ، ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً ، ثم بعث إليهم النبيين ( عليهم السلام ) مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتاباً ، وبعث إليهم ملائكة يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة . فمنهم من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً ، ومنهم من كلمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً ، ومنهم من أحيا الموتى بإذن الله ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شئ .
ثم بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) رحمة للعالمين ، وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين من آياته وعلاماته ما بين . ثم قبضه ( صلى الله عليه وآله ) حميداً فقيداً سعيداً ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً واحداً ، أحيا بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم ، فرقاناً بيِّناً يعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس ، ونزههم من اللبس ، وجعلهم خزان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سره ، وأيدهم بالدلائل . ولولا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادَّعى أمر الله عز وجل كل أحد ، ولما عُرف الحق من الباطل ، ولا العالم من الجاهل .
وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه ، أبفقه في دين الله ، فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ، ولا يفرق بين خطأ وصواب ! أم بعلمٍ ، فما يعلم حقاً من باطل ، ولا محكماً من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها !
أم بورعٍ ، فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوماً ، يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره قد تأدى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة !
أم بآية فليأت بها ، أم بحجة فليقمها ، أو بدلالة فليذكرها . قالالله عز وجل في كتابه : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . حَم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِى بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللَّه مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ . ( الأحقاف : 1 - 6 ) .
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها ، أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها ، لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه ، والله حسيبه !
حفظ الله الحق على أهله ، وأقره في مستقره . وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .
وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق ، واضمحل الباطل ، وانحسر عنكم ، وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . وصلى الله على محمد وآل محمد ) .
11 . ورويَ عنه عدة روايات في الإمام المهدي ( عليه السلام ) يعد ظهوره ، ففي كامل الزيارات / 233 ، روى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فينتفض هو بها فتستدير عليه ، فيُغَشِّيها بخداجة من إستبرق ، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضةً لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم ! فينشر راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبداً إلا هتكه الله . فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد ، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم ، فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك ، وثلاث مائة وثلاث عشر ملكاً .
قلت : كل هؤلاء الملائكة ، قال : نعم الذين كانوا مع نوح في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار ، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل ، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسومين ، وألف مردفين ، وثلاث مائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين ، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين ( عليه السلام ) فلم يؤذن لهم في القتال ، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض مريض إلا عادوه ، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته ، واستغفروا له بعد موته . وكل هؤلاء في الأرض ، ينتظرون قيام القائم ( عليه السلام ) إلى وقت خروجه ) .
نماذج مما رواه أحمد بن إسحاق ( رحمه الله ) في العقائد
1 . ردَّ الإمام ( عليه السلام ) ما نسبه المجسمة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من رؤية الله تعالى بالعين . قال أحمد بن إسحاق : « كتبت إلى أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر ، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه ، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، وكان ذلك التشبيه . لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات » . « الكافي : 1 / 97 » .
2 . وفي الكافي ( 2 / 267 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أصول الكفر ثلاثة : الحرص ، والاستكبار ، والحسد ، فأما الحرص فان آدم ( عليه السلام ) حين نهي عن الشجرة ، حمله الحرص على أن أكل منها . وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى ، وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه ) .
3 . وفي الكافي ( 2 / 400 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الشك والمعصية في النار ، ليسا منا ولا إلينا . (
4 . وروى عنه في الكافي ( 1 / 33 ) أن معاوية بن عمار سأل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( رجلٌ راويةٌ لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدبه قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية ، أيهما أفضل ؟ قال : الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد ) .
5 . روى في أمالي الطوسي / 135 : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : سمعته يقول لخيثمة : يا خيثمة أقرئ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإن لقياهم حياة أمرنا . قال : ثم رفع يده ( عليه السلام ) فقال : رحم الله من أحيا أمرنا ) .
6 . وفي قرب الإسناد / 39 : ) عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال للفضيل : تجلسون وتتحدثون ؟ فقال : نعم ، فقال : إن تلك المجالس أحبها ، فأحيوا أمرنا ، فرحم الله من أحيا أمرنا ، يا فضيل من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر ) .
7 . في اليقين للسيد ابن طاووس / 499 ( حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن الضحاك ، حدثنا محمد بن ضريس ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول ( صلى الله عليه وآله ) : عليٌّ يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ) .
8 . وفي أمالي الصدوق / 188 : ( قال ( صلى الله عليه وآله ) : معاشر الناس ، إن علياً مني وأنا من علي ، خُلق من طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين .
معاشر الناس : من أحب علياً أحببته ، ومن أبغض علياً أبغضته ومن وصل علياً وصلته ، ومن قطع علياً قطعته ، ومن جفا علياً جفوته ، ومن والى علياً واليته ، ومن عادى علياً عاديته .
معاشر الناس : أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً . معاشر الناس : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، ما نصبت علياً عَلَماً لأمتي في الأرض حتى نَوَّهَ الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على ملائكته ) .
9 . وروى في الكافي ( 1 / 143 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : وَللَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ، قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا ) .
10 . وفي الكافي ( 1 / 449 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن إسحاق بن جعفر ، عن أبيه ( عليه السلام ) قال : قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً ؟ فقال : كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول :
ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمداً * نبياً كموسى خُطَّ في أولِ الكُتْبِ
وفي حديث آخر : كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول :
لقد علموا أن ابننا لا مكذبٌ * لدينا ولا يُعبَى بقيل الأباطل
وأبيضُ يستسقى الغمامُ بوجههِ * ثِمَالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأرامل
11 . وفي الخصال للصدوق / 430 : ( عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كان لي من رسول الله عشرٌ ما يسرني بالواحدة منهن ما طلعت عليه الشمس : قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة ، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة كما يتواجه الإخوان في الله ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وأنت وصيي ووارثي وخليفتي في الأهل والمال والمسلمين في كل غيبة ، شفاعتك شفاعتي ، ووليك وليي ووليي ولي الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ) .
روايته عيد الزهراء ( عليها السلام )
المشهور بين جمهور الشيعة أن التاسع من ربيع الأول هو يوم عيدٍ وفرحة ويسمونه عيد الزهراء وفرحة الزهراء ( عليها السلام ) . وقيل إن سبب تسميته بذلك ونسبته إلى الزهرء ( عليها السلام ) : أنه يوم هلاك عمر بن سعد قاتل ابنها الحسين ( عليه السلام ) وقيل إنه يوم هلاك عمر بن الخطاب ، لكن اتفق المؤرخون على أن عمر ابن الخطاب مات في آخر ذي الحجة ، وليس في ربيع الأول .
وعمدة ما استدل به المثبتون لعيد الزهراء ( عليها السلام ) روايةٌ رواها الطبري الشيعي في دلائل الإمامة عن أحمد بن إسحاق الأشعري القمي ( رحمه الله ) ولا توجد في نسختها المطبوعة ، لكن ينقلها عنها السيد نعمة الله الجزائري وننقلها من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان الحلي / 89 ، قال : ( ما نقله الشيخ الفاضل علي بن مظاهر الواسطي ، عن محمد بن العلا الهمداني الواسطي ، ويحيى بن جريح البغدادي قال : تنازعنا في أمر ابن الخطاب فاشتبه علينا أمره ، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمي صاحب العسكري ( عليه السلام ) بمدينة قم ، وقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبية عراقية ، فسألناها عنه فقالت : هو مشغول بعياله فإنه يوم عيد ! فقلنا : سبحان الله ! الأعياد عند الشيعة أربعة : الأضحى والفطر ويوم الغدير ويوم الجمعة . قالت : فإن أحمد يروي عن سيده أبي الحسن علي بن محمد العسكري ( عليه السلام ) أن هذا اليوم يوم عيد ، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم . قلنا : فاستأذني لنا بالدخول عليه وعرفيه بمكاننا ، فدخلت عليه وأخبرته بمكاننا فخرج إلينا وهو متزر بمئزر له ، محتضن لكسائه يمسح وجهه ، فأنكرنا ذلك عليه ، فقال : لا عليكما فإني كنت اغتسلت للعيد . قلنا : أو هذا يوم عيد ؟ وكان ذلك اليوم التاسع من شهر ربيع الأول . قال : نعم ، ثم أدخلنا داره وأجلسنا على سرير له وقال : إني قصدت مولانا أبا الحسن العسكري ( عليه السلام ) مع جماعة من إخوتي بسرَّ من رأى كما قصدتماني ، فأستأذنا بالدخول عليه في هذا اليوم وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأول ، وسيدنا قد أوعز إلى كل واحد من خدمه أن يلبس ماله من الثياب الجدد ، وكان بين يديه مجمرة وهو يحرق العود بنفسه . قلنا : بآبائنا أنت وأُمهاتنا يا ابن رسول الله هل تجدد لأهل البيت فرح ؟ فقال : وأي يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم ، ولقد حدثني أبي أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأول على جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : فرأيت سيدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن والحسين ( عليهم السلام ) يأكلون مع رسول الله ورسول الله يتبسم في وجوههم ويقول لولديه الحسن والحسين : كُلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم الذي يقبض الله فيه عدوه وعدو جدكما ويستجيب فيه دعاء أُمكما . . . إلى آخر الرواية ، وفي آخرها : قال محمد بن العلا الهمداني ويحيى بن جريح : فقام كل واحد منا وقبل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمي ، وقلنا له : الحمد لله الذي قيضك لنا حتى شرفتنا بفضل هذا اليوم ، ثم رجعنا عنه وتعيدنا في ذلك اليوم ) .
ويشكل بعضهم على الرواية بأن رواتها : علي بن مظاهر الواسطي ومحمد بن العلا الهمداني الواسطي ، ويحيى بن جريح البغدادي ، وهم مجهولون ، لم يذكرهم علماء الجرح والتعديل بتوثيق أو غيره .
لكن فقهاءنا أفتوا باستحباب غسل يوم التاسع من ربيع . قال في جواهر الكلام ( 5 / ( 44 : ( وأما الغسل للتاسع من ربيع الأول فقد حكي أنه من فعل أحمد بن إسحاق القمي معللاً له بأنه يوم عيد ، لما روي ما اتفق فيه من الأمر العظيم الذي يسرُّ المؤمنين ويكيد المنافقين ، لكن قال في المصابيح : إن المشهور بين علمائنا وعلماء الجمهور أن ذلك واقع في السادس والعشرين من ذي الحجة ، وقيل في السابع والعشرين منه . قلت : لكن المعروف الآن بين الشيعة إنما هو يوم تاسع ربيع ، وقد عثرت على خبر مسنداً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في فضل هذا اليوم وشرفه وبركته وأنه يوم سرور لهم ( عليهم السلام ) ما يحير فيه الذهن ، وهو طويل ، وفيه تصريح باتفاق ذلك الأمر فيه ، فلعلنا نقول باستحباب الغسل فيه بناء على استحبابه لمثل هذه الأزمنة ، وسيما مع كونه عيداً لنا وأئمتنا ( عليهم السلام ) ) .
وقال الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) في كتاب الطهارة ( 3 / : ( 61 ( منها : الغسل للتاسع من ربيع الأول ، حكاه المجلسي في زاد المعاد من فعل أحمد بن إسحاق القمي ، معلَّلًا بأنّه يوم عيد ، لكن المحكي عن المشهور بين علمائنا وعلماء الجمهور أن سبب هذا العيد اتفق في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة ، وقيل السابع والعشرين . وكيف كان فلم يسند أحمد بن إسحاق الغسل إلَّا إلى كونه عيداً من الأعياد ، ولعل هذا المقدار يكفي للاستحباب ، بناءً على احتمال أن يكون فتواه عن رواية عامة لجميع الأعياد ) .
نماذج من مروياته في الفقه والآداب
1 . في الكافي ( 3 / 72 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الطهر على الطهر عشر حسنات ) .
2 . وفي الكافي ( 3 / 274 ) : ( عن بكر بن محمد الأزدي قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لفضل الوقت الأول على الأخير خير للرجل من ولده وماله ) .
3 . وروى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( ما زار مسلم أخاه في الله ، إلا ناداه الله عز وجل : أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة ) . ( ثواب الأعمال / 185 ) .
4 . وفي الكافي ( 2 / 194 ) : ( عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال قال : من طاف بهذا البيت طوافاً واحداً كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستة آلاف سيئة ، ورفع الله له ستة آلاف درجة ، حتى إذا كان عند الملتزم فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة . قلت له : جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف ؟ قال : نعم وأخبرك بأفضل من ذلك ، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف ، حتى بلغ عشراً ) .
5 . وروى عن عبد الله بن سنان ( الكافي : 2 / 192 ) أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قرأ هذه الآية : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِيناً . فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فما ثواب من أدخل عليه السرور فقلت : جعلت فداك عشر حسنات فقال : إي والله وألف ألف حسنة ) .
6 . في الكافي ( 2 / 178 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عز وجل أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة ) .
7 . في الكافي ( 2 / 183 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إن الله عز وجل لا يقدر أحد قدره ، وكذلك لا يقدر قدر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) وكذلك لا يقدر قدر المؤمن ، إنه ليلقى أخاه فيصافحه فينظر الله إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا ، كما تتحات الريح الشديدة الورق عن الشجر ) .
8 . في الكافي ( 2 / 624 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير وغيره ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال قال : من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم ) .
9 . في الكافي ( 3 / 174 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن سليمان بن خالد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة ، وإذا ربَّع خرج من الذنوب ) .
10 . في الكافي ( 3 / 205 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداء ، وأن يكون في قميص حتى يُعرف ) .
11 . في الكافي ( 3 / 217 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام ثلاثة أيام ) .
12 . في الكافي ( 2 / 142 ) : ( عنه . . عن الإمام الصاق ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال الله عز وجل : إن من أغبط أوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح ، أحسن عبادة ربه ، وعبد الله في السريرة ، وكان غامضاً في الناس ، فلم يشر إليه بالأصابع ، وكان رزقه كفافاً ، فصبر عليه فعجلت به المنية ، فقل تراثه وقلت بواكيه ) .
13 . في الكافي ( 5 / 54 ) : ( عنه . . عن الإمام الصاق ( عليه السلام ) قال : من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته ) .
14 . في الكافي : 5 / 526 ) : ( عنه . . عن الإمام الصاق ( عليه السلام ) قال : أتدري كيف بايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النساء ؟ قلت : الله أعلم وابن رسوله أعلم ، قال : جمعهن حوله ثم دعا بتور برام ( سطل ) فصب فيه نضوحاً ، ثم غمس يده فيه ، ثم قال : إسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لاتشركن بالله شيئاً ، ولا تسرقن ولا تزنين ولاتقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولاتعصين بعولتكن في معروف ، أقررتن ؟ قلن : نعم . فأخرج يده من التور ، ثم قال لهن : إغمسن أيديكن ، ففعلن فكانت يد رسول الله الطاهرة ( صلى الله عليه وآله ) أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمَحْرَم ) .
15 . في الكافي ( 2 / 267 ) : ( عنه . . عن الإمام الصاق ( عليه السلام ) قال : إن للقلب أذنين ، فإذا همَّ العبد بذنب قال له روح الإيمان : لا تفعل ، وقال له الشيطان : إفعل ، وإذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان ( .
16 . في الكافي ( 7 / 297 ) : ( عن عبد الله بن عامر قال : سمعته يقول : وقد تجارينا ذكر الصعاليك فقال عبد الله بن عامر : حدثني هذا وأومأ إلى أحمد بن إسحاق أنه كتب إلى أبي محمد ( عليه السلام ) يسأل عنهم فكتب إليه : أقتلهم ) .
والمقصود بهم السراق الذين يأتي الواحد منهم على شكل صعلوك مستعطٍ ، ويسرق أو يتحين الفرصة ليسرق !
17 . وروى عنه في التهذيب ( 7 / ( 259 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( ذكر له المتعة أهي من الأربع ؟ قال : تزوج منهن ألفاً ، فإنهن مستأجرات ) .
18 . في الكافي : 5 / 521 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال سألته عن قول الله تعالى : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ؟ قال : الخاتم والمِسكة وهي القُلْبُ ) .
والقُلْبُ هو السوار وهو من الزينة الظاهرة .
19 . وروى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : الطيب يشد القلب ) . ( الكافي : 6 / 510 ) .
20 . وفي الكافي ( 6 / 305 ) : ) عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : السويق ينبت اللحم ويشد العظم ) .
والسويق يقال لكل مقلي مطحون ، من البر والعدس والحمص ، وغيرها .
21 . وروى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( إكنسوا أفنيتكم ، ولا تشبهوا باليهود ) . ( الكافي : 6 / 531 ) . وهو يدل على أن ما نراه من وسخ بيوت اليهود قديم !
22 . وفي مفتاح الفلاح للبهائي / 219 : ( ينبغي أن يكون اضطجاعك على جانبك الأيمن ، فإنه نوم المؤمنين كما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح ، عن أحمد بن إسحاق قال : قلت لأبي محمد يعني الحسن العسكري ( عليه السلام ) : جعلت فداك إني مغتم لشئ يصيبني في نفسي ، وقد أردت أن أسأل أباك ( عليه السلام ) عنه فلم يُقض لي ذلك . فقال : وما هو يا أحمد ؟ فقلت : روي لنا عن آبائك ( عليهم السلام ) أن نوم الأنبياء على أقفيتهم ، ونوم المؤمنين على أيمانهم ، ونوم المنافقين على شمائلهم ، ونوم الشياطين على وجوههم . فقال ( عليه السلام ) : كذلك هو ، فقلت : يا سيدي ، فإني أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها !
فسكت ساعة فقال : يا أحمد أدنُ مني ، فدنوت منه فقال : أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها ، فأخرج يده من تحت ثيابه فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر ، وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرات .
فقال أحمد : فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل بي ذلك ، ولا يأخذني عليها نومٌ أصلاً ) .
من رواياته حول الدعاء
1 . في الكافي ( 2 / 477 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس فإذا أراد ذلك قدم شيئاًفتصدق به وشم شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله ) .
2 . في الكافي ( 2 / 491 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق ابن عمار ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته ، شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل : عبدي ، دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا ، فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا ، مما يرى من حسن الثواب ) .
3 . في الكافي ( 2 / 534 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن داود الرقي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا تَدَعْ أن تدعو بهذا الدعاء ثلاث مرات إذا أصبحت وثلاث مرات إذا أمسيت : اللهم اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد . فإن أبي ( عليه السلام ) كان يقول : هذا من الدعاء المخزون ) .
4 . في الكافي ( 2 / 535 ) : ( عن أحمد بن إسحاق ، جميعاً عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات : الحمد لله الذي علا فقهر ، والحمد لله الذي بطن فخبر ، والحمد لله الذي ملك فقدر ، والحمد لله الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء ، وهو على كل شئ قدير . خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه ) .
5 . في الكافي ( 2 / 549 ) لرفع الغم : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن سعيد بن يسار قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إذا صليت المغرب فأمرَّ يدك على جبهتك وقل : بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم والغم والحزن . ثلاث مرات ) .
6 . وفي قرب الإسناد / 40 : ( عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد قال : خرجت أطوف وأنا إلى جنب أبي عبد الله ( الصادق ( عليه السلام ) ) حتى فرغ من طوافه ، ثم مال فصلى ركعتين مع ركن البيت والحجر ، فسمعته يقول ساجداً : سجد وجهي لك تعبداً ورقاً ، ولا إله إلا أنت حقاً حقاً ، الأول قبل كل شئ ، والآخر بعد كل شئ . وها أنا ذا بين يديك ناصيتي بيدك ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك ، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي ، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك . ثم رفع رأسه ، ووجهه من البكاء كأنما غمس في الماء ) .
7 . وفي الكافي ( 2 / 624 ) : ( عنه . . عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في العوذة قال : تأخذ قُلَّةً جديدةً فتجعل فيها ماء ثم تقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثين مرة ثم تعلق وتشرب منها وتتوضأ ، ويزداد فيها ماء ، إن شاء الله ) .
8 . وفي الكافي : 3 / 488 ) : ( عنه . . عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : شرف المؤمن صلاته بالليل وعز المؤمن كفه عن أعراض الناس ) .
9 . ورويَ عنه ( الكافي : 4 / 74 ) دعاء أيام شهر رمضان ، وفي ( الكافي : 4 / 95 ) دعاء كل ليلة من شهر رمضان ، وفي ( الكافي ( 4 / 166 ) دعاء وداع شهر رمضان . وروى عنه كامل الزيارات / 385 ، و 390 ، زيارة الحسين عن الصادق ( عليهما السلام ) .
تعدد اسم أحمد بن إسحاق في الرواة
توجد رواية في كتاب طب الأئمة ( عليهم السلام ) لابن بسطام النيسابوري / 91 ، عن محمد بن عبد الله الكاتب ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : ( كنت كثيراً ما أجالس الرضا ( عليه السلام ) فقلت يا بن رسول الله ان أبي مبطون منذ ثلاث ليال لا يملك بطنه ، فقال : أين أنت من الدواء الجامع قلت : لا أعرفه ، قال : هو عند أحمد بن إبراهيم التمار فخذ منه حبة واحدة واسق أباك بماء الآس المطبوخ فإنه يبرأ من ساعته ) .
والظاهر أنه أحمد بن إسحاق آخر ، لأنه كان يجالس الرضا ( عليه السلام ) والمترجم له توفي في زمن الحسين بن روح بعد الثلاث مئة ، وقد رجح النمازي في مستدركاته ( 1 / 261 ) اتحادهما ، لكنه بعيد جداً ، بينما قال في مستدرك سفينة البحار ( 5 / 238 ) : ( مات مؤلف طب الأئمة ابن بسطام سنة 403 ) !
وفي حلية الأولياء ( 6 / 123 ) حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن سليمان . .
وفي مستدرك الحاكم ( 4 / 482 ) حدثنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه رضي الله عنه ، أنبأ الحسن بن علي بن زياد . وفي أمالي الطوسي / 578 : ( حدثني أحمد بن إسحاق بن العباس ( .
وكل هؤلاء غير أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ( رحمه الله ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة