1

بمختلف الألوان
إنَّ الفَضلَ في كتابِ اللهِ عَظيمٌ، واسِعٌ لا يُحَدُّ، فَقَد أغدَقَ اللهُ تَعالى على عِبادِهِ نِعَمًا ظاهِرَةً وباطِنَةً، مَنَحَهُمُ المالَ والبَنينَ، وأعلى شأنَهُم بالعِزَّةِ والكرامَةِ. وهذا الفَضلُ الإلهيُّ ليسَ مَحصُورًا في النِّعَمِ الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ، بَلْ يَتَجَلَّى بأسمَى... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الماء... بين مهر الزهراء وعطش الحسين
عدد المقالات : 43
كيف يُمكن للذاكرة أن تمحو وجهَ الطف كيف للقلب أن يهدأ، والدمع لم يجف منذ أن ارتفعت رايات كربلاء ما بين العطش واللهيب، وما بين السيف والرضيع، كُتبت حكاية لا تنطفئ، ووجَعٌ لا يُنسى. فالحسين لم يكن شهيدَ أرضٍ فقط، بل صار ميثاقَ وفاءٍ لكلّ الأحرار، وصوتًا دائمًا في ضمير الأمة. شلون أنساك...وهل تُنسى كربلاءوالماء مهر الزهراء...أليس الماء حينها صار حرامًا لأنّه كان ثمنَ دمعة الزهراء وبكائها وحسين نذبح عطشان... فكل قطرة دم في جسد الحسين كانت تستصرخ الضمير الإنساني: أما من ناصرٍ ينصرنا في حضرة هذه الذكرى، لا يكون الكلام ترفًا، بل شهادةً متجددة، بأنّ عاشوراء باقية، وأنّنا ما زلنا نحمل عطش الحسين في أرواحنا، ونعاهده أن لا ننسى ما حيينا.
هذا النص مستلهم من بيتٍ ورد في قصيدة خالدة للرادود الحسيني حمزة الصغير، جاء فيها:"شلون أنساك... والماء مهر الزهرا، وحسين نذبح عطشان
"بيتٌ واحد جمع بين مظلومية الزهراء (عليها السلام)، وفاجعة كربلاء، فصار صدىً يهتف به وجدان الشيعة عبر الأجيال.

كيف لي أن أنساك
وهل ينسى القلب دقّاته، والروح ميثاقها
أكتب إليك، لا بحبر القلم، بل بدمعة العين ووجع الذاكرة، أبحث عن وسيلة للنسيان فلا أجد إلا حضورك في كل التفاصيل... في الماء، نعم الماء.
الماء... ذلك السائل الذي يرويه الجميع ليرتوي، لكنّه عندي قصة دم وشهادة.
كيف أنساك والماء في ذاكرتي ليس فقط شرابًاهو مهر الزهراء (عليها السلام)، ذاك الماء الذي حُرم منه بيت النبوة حين طُوقت دار فاطمة، وكُسر الباب، فأصبح المهر دمعة، وأصبحت الحُرمة قضية.
ثم جاء الحسين (عليه السلام)...وجاء يوم عاشوراء...
فكان الماء شاهدًا على أعظم مأساة عرفها الوجود.
كيف أنساكوقد ذُبح سبط النبيّ، ريحانة الرسالة، عطشانًا
تخنقه حرارة الشمس، وتغلي الأرض تحت قدميه،
وأطفاله يصرخون: "العطش... العطش"،
والماء محجوب بسيوف الباطل وجفاف الضمير.
شلون أنساك
وكل قطرة ماء أرتشفها تعاتبني، تقول لي:
"أتشرب وأنا الذي حُرم منه الحسين"
لا، لن أنساك،
لأنك تسكن في وعيي، في ضميري،
لأنك أنت من علّمني أن العطش إذا كان في سبيل الله، فهو خلود.
وأنّ الدم إذا سال من أجل الحق، فهو نهر من نور.
الحسين (عليه السلام) لم يُذبح فقط،
بل سُقي العطش وسُكب الحنين في قلب كلّ حر.
والزهراء (عليها السلام) لم تُظلم فقط،
بل خُطّ اسمها على وجه التاريخ كأعظم صابرة وأصدق مظلومة.
فكيف أنساك
والماء عندي ليس ماءً، بل وعدًا ووفاءً، عطشًا مقدسًا، وثأرًا لم يُنسى.
شلون أنساك الماء... مهر الزهراء ودم الحسين
رؤية وجدانية عقائدية في الذاكرة الشيعية
كيف أنساك وهل يُنسى مَن صار الماء شاهدًا على غربته،
والعطش لسانًا لظلامته كيف أنسى والماء في مدرستنا ليس مجرد سائل... بل مهرٌ لفاطمة ، وعطشٌ الحسين ،
ودمعةٌ في عيون المنتظرين

الماء... مهر الزهراء (عليها السلام)

جاء في رواية معتبرة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في تفسير آية وَآتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً

في خبر طويل عن الباقر (عليه السلام) وجعلت نحلتها من علي خمس الدنيا وثلث الجنة وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، ونيل مصر ونهروان، ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لامتك.
(بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ١١٣)
فالماء، منذ تلك اللحظة، لم يعُد مجرد مادة، بل تحوّل إلى رمز لعهدٍ إلهي بين النور والنور، بين علي وفاطمة، وحين قُتلت الزهراء، انكسر ذلك المهر في الوجدان، ليصبح الماء شاهدًا على أول المظالم بعد النبي صلى الله عليه وآله.

الحسين (عليه السلام)... والعطش الخالد
لا تكاد تُذكر كربلاء إلّا ويذكر معها عطش الحسين، فقد مُنع الماء عنه وعن عياله لثلاثة أيّام، في وقتٍ كانت الشمس تُحرق الوجوه، والرمال تلتهب تحت الأقدام. منعوا الماء عن الحسين وهو ابن من قال: سقاة الحوض في الجنة علي والحسن والحسين. أراد أن يسقي الرضيع، فما رُحم، بل ذُبح الرضيع وهو بين يديه.
قُتل الحسين وهو يقول:أنا الحسين بن علي، آليت أن لا أنثني... والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل..ولم يكن عطش الحسين عطش الجسد فحسب، بل كان أيضًا عطشًا للعدالة، عطشًا للحق، عطشًا لقلوبٍ تفقه رسالته وترويها بدموع الولاء.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الحسين صاحب كربلا قتل مظلوما " مكروبا عطشانا " لهفانا "
(بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ٤٦)

ويذكر المؤرخون: أنّ العباس حين بلغ شريعة الفرات، وغرف الماء بيده، نظر إليه ثم رمى به، وقال: يا نفس من بعد الحسين هوني... وبعده لا كنتِ أن تكوني".
(لهوف ابن طاووس)

العطش في كربلاء لم يكن عطش أجساد، بل كان عطش قيم، عطش عدالة، عطش إصلاح، ولذا بقى الماء في الوجدان الشيعي.

الماء عند المنتظرين... نذرٌ ودمعة وفي زيارات الحسين ع المخصوصة، نقرأ مرارًا: السلام على الشيب الخضيب، السلام على الخد التريب، السلام على البدن السليب...
وأشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في الله حق جهاده...
(كامل الزيارات لابن قولويه)

ويُستحب في ليلة العاشر من المحرم أن يمتنع المؤمنون عن شرب الماء، وفاءً لعطش الحسين،وكم من محبٍّ وقف عند شربة ماء وقال: "السلام عليك يا أبا عبد الله... قتلوك عطشان

كيف أنساكوكيف أنسى الماء وهو شاهدٌ على الظلم الأول لفاطمة (ع) وعلى الظلم الأكبر للحسين (ع)،وعلى الغيبة الطويلة لصاحب الزمان (عج) الذي ينتظر أن يثأر لكل تلك الدماء
قال الإمام المهدي (عج) في التوقيع الشريف:
لأندبنك صباحًا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دمًا...
(بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ٢٣٨)

فكيف أنساك
وكل شربة ماء أراها كأنها تسألني:هل وفيت بعهد الحسين هل انتظرت المهدي هل كنت من العطاشى إلى العدالة
في الختام
الحسين لم يُقتل فقط، بل قُتل مظلومًا مكروبًا عطشانًا لهفانًا.وكل وصف من هذه الأوصاف هو جرحٌ في جسد الأمة، ونداءٌ في وجدان الأحرار.
حين نقف على أبواب عاشوراء، لا نقف فقط لنستذكر المأساة، بل لنفهم حجم الرسالة.
فالحسين ما خرج إلا للإصلاح، وما قُتل إلا لأنّ الصمت آنذاك كان جريمة، وما رفع سيفه إلّا ليقيم دين جدّه، لا لطلب الملك أو الجاه.
إنّ هذا الإمام العظيم لا يُبكى عليه فقط، بل يُبكى معه، وتُقام في قلوبنا معه ثورة على كل انحراف، وكل تهاون، وكل خضوع لظلم أو باطل.
فيا سيد الشهداء، نعاهدك أن لا نكون ممن يسمعون صرختك ويصمتون، بل نكون ممن يروون ظمأك بدموع الولاء، ويسيرون على خطاك حتى نصبح ممن ينصرونك إذا ناديت: ألا هل من ناصرٍ ينصرنا
للنشر : مجلة أقلام بمختلف الألوان
الكاتب: الشيخ أحمد عباس الساعدي
موسم محرم الحرام 1447 هـ / 2025 م
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 يوم
2025/06/30م
زيد علي كريم يتراءى لي ضريحك وكيف كانت تلك الليلة الحزينة التي تشفى جسد عليل أصابه ما أصابه من الآلام والأحزان، من وجد متلهفا للقائك ماذا فعلت به لكي يصبح أسير حبك راغبا ومتلهفا لحضرتك المعطرة .... أنتظرت حتى الفجر وأنا تحت قبتك وبين الحرمين مابينك وبين قطيع الكفين ، فذاك يسلم وذاك يهتف ياهلا بزوار... المزيد
عدد المقالات : 85
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 يوم
2025/06/30م
موسوعة "مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة": المؤلّفون: اشترك في تأليفها جمعٌ من الباحثين والمحققين من أهل الخبرة في قضايا السيرة الحسينية، فكانت ثمرة جهد علمي جماعي، نُسجت فصوله على امتداد ستة أجزاء محورية، خُتمت بمجلد سابع يضم الفهارس التفصيلية، من إعداد السيد هاني الرضويان. محتواها... المزيد
عدد المقالات : 127
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 يوم
2025/06/30م
ـ من أنت ـ أبو وهب بن عمرو الصيرفي الكوفي ـ ماهي مهنتك ـ قاض ـ أين تسكن ـ أسكن في بغداد،في محلة الكرخ ـ لماذا حملت القصبة ودرت في الأسواق مدعيا الجنون ـ آه... ذلك أفضل وأسلم من أن أشترك في معاداة محمد وآل محمد،وأسهم في إصدار فتوی باغتيـ.ال الإمام موسی بن جعفر ـ من طلب منك ذلك ـ هارون الرشيـ.د أراد أن... المزيد
عدد المقالات : 54
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 يوم
2025/06/30م
يوم الجمعة المصادف 20 حزيران-2025 يوم تاريخي الصراع الاسلامي الصهيوني حيث قامت الجمهورية الاسلامية الايرانية باذلال واهانة الكيان الصهيوني المدعوم من أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وباقي الشلة الغربية انها اهانة غير مسبوقة جعلت المراقبين الغربيين في حيرة من أمرهم وهم يتساءلون: يا ترى كيف تكون... المزيد
عدد المقالات : 10
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/06/22م
اليوم السبت، منذ الصغر وأنا لا أحب يوم السبت، إذ لم يكن عطلة، وكان يوما مدرسيا طويلا، ست حصص تمشي كسلحفاة عرجاء هذه المرة الأولی التي أنتظر فيها قدوم السبت لكنّ الساعةَ تسير حافية الأميال، تتعثر بالدقائق توسلتها أن تقهقه بوجهي، ولكن لاجدوی سلطة الزمن هي المتحكمة () جاء الصبح وتنفست المواعيد، يجب أن... المزيد
عدد المقالات : 54
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/06/18م
في صحراء الشمس، وعلى صهوة البيان، وقف النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) والسماء تصغي والأرض تتهيّأ لموعدٍ خالد. فوق هامات الحجيج، ارتفع النداء: "من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه." لم تكن كلمات، بل كانت وصايا السماء، كانت يدًا مرفوعة من نور، تبايع العدل والوصاية والهدى. ومنذ ذلك اليوم، صار الغدير نبضَ... المزيد
عدد المقالات : 3
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/06/09م
ظمأ وعشق ( قصة مبعوث الحسين مسلم بن عقيل ) *( رسائل ومبعوث) لَحِقَ الأمَّةَ عارٌ بعد تسلّم يزيد الخلافة ممَّا دعا أهل الكوفة الى إرسال الرسائل المتكررة لابن بنت رسول الله في المدينة أرسلوا له الدعوة يحملونه المسؤولية أَمام الله والأمَّة إنْ تأخر عن إنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم. تمهل الإمامُ... المزيد
عدد المقالات : 381
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 4 اسابيع
2025/06/02م
بقلم زيد علي كريم الكفلي جلست وحدي في غرفتي الصغيرة وجلس معي طيرا توقف عن الطيران... شاهدت بصيص شعاع نور أنار ظلامي أخذت أتأمله طويلا... سمعت صوته يحوم في أزقة أفكاري إلى متى وأنت تجلس في هذا الظلام بحثت عنه في كل الظلمات... في وراء النجمات... في أوراق الزمن الماضي... رأيت صورته المعلقة على جدران قلبي... المزيد
عدد المقالات : 85
علمية
وهي عبارة عن موجات مائية عملاقة يُمْكِنُ أن تنتقل بسرعة عبر المحيطات ، وهوامشها الساحلية يترتب عليها تأثيرات بيئية كبيرة في المناطق التي تحدث فيها، إن ظاهرة الأمواج المائية العملاقة Tsunami الشاملة التي حدثت في عام ١٩٤٦ في المحيط الهادي ، والحدوث... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء السابع عشر: الإلكترون الذي يعزف نغمة طاقته الخاصة الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 27/6/2025 في عام 1911، اقترح دي برولي أنه إذا كانت الموجات يمكن أن تمتلك خصائص جسيمية، فمن المعقول أيضًا أن تمتلك الجسيمات خواص... المزيد
في الثالث عشر من يونيو عام 1903، جلس العالمُ ساكنًا، لكنه لم يكن صامتًا، كانت قاعة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم مزدانة بعبق المجد الحقيقي، إذ وقف الحاضرون على أقدامهم تحيةً لامرأة لم يعرفوا لها مثيلًا: ماري سكلودوفسكا كوري، العالمة التي... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/06/23
صدر عن قسمِ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، دليلُ القصص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة عن الامام الحسن العسكري...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
2025/06/23
( تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com