1

بمختلف الألوان
رِسالةٌ إلى قَلبِكَ (الرَّحمَةُ) عِندَما تَضِيقُ بِكَ الدُّنيا، وَعِندَما تَتَسَاءَلُ: أينَ الفَرجُ مَتَى تَنكَشِفُ الغُمَّةُ تَذَكَّرْ هذهِ الآيَةَ العَظيمَةَ: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... ترك الصلاة وأثرها في الضياع والحرمان (34)
عدد المقالات : 323
حسن الهاشمي
الفاصل بين المؤمن المقيّد بالأحكام الشرعية وبين الانسان المتهتّك لحرمات الله تعالى، العامل بالمنكر والخائض بالفواحش والسيئات، هو ان الأول يتسامى روحيا واجتماعيا والثاني يتسافد في كل الأصعدة، والنقطة الفاصلة بين التسامي والتسافد هي ذكر الله في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شاردة وواردة، ومن الواضح ان ذكر الله أساس السعادة والخير والرفاه للفرد والمجتمع على حد سواء، وبما ان الصلاة التي يؤدّيها المؤمن خمس مرات في اليوم هي ذكر وعبادة واستقامة، فإنها تعدّ الباب الرئيسي للدلوف الى أبواب الرحمة الإلهية، والابتعاد عن كل ما يعرقل تلك المسيرة الربانية الخالدة من شين وفاحشة وإفك وطغيان، يقول تعالى في هذا الصدد: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت:٤٥.
في الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب، وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري بنقائه وطهارته؛ لأن في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الموبقات، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادة والشهوات، فالعبد عندما يتخلص من قيود الفحشاء والمنكر، فإنه يتسامى في أجواء الطهر والفضيلة ولا يتحقق ذلك إلا بالصلاة والدعاء والارتباط الروحي بالخالق المتعال، وحينما تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإن ترك الصلاة جالبة لهما، وهذه الآية تحثّ على الصلاة، ومفهومها يحذر من مغبة تركها لئلا يقع المكلف في محذور المنكر والمعاصي والذنوب التي لها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل: (في الآية الآنفة الذكر يمكن التفريق بين الفحشاء والمنكر بأن الفحشاء هي إشارة للذنوب الكبيرة الخفية، وأما المنكر فهو الذنوب الكبيرة الظاهرة، أو أن الفحشاء هي الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية، والمنكر من أثر القوى الغضبية.
طبيعة الصلاة - حيث أنها تذكر بأقوى رادع للنفس، وهو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد - فإنها تردع عن الفحشاء والمنكر، فالإنسان الذي يقف للصلاة، ويكبر، يرى الله أعلى من كل شئ وأسمى من كل شئ، ويتذكر نعمه فيحمده ويشكره، ويثني عليه وينعته بأنه رحمان رحيم، ويذكر يوم الجزاء " يوم الدين " ويعترف بالعبودية له، ويطلب منه العون، ويستهديه الصراط المستقيم، ويتعوذ به من طريق المغضوب عليهم، ويلتجئ إليه (مضمون سورة الحمد).
فلا شك أن قلب مثل هذا الإنسان وروحه سوف تدبّ فيها حركة نحو الحق، واندفاع نحو الطهارة، ونهوض نحو التقوى. يركع لله.. ويضع جبهته على الأرض ساجدا لحضرته، ويغرق في عظمته، وينسى أنانيته وذاتياته جميعا، ويشهد بوحدانيته وبرسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، ويصلي ويسلم على نبيه، ويرفع يديه متضرعا بالدعاء ليجعله في زمرة عباده الصالحين، جميع هذه الأمور تمنح وجوده موجا من المعنوية، وتكون سدا منيعا بوجه الذنوب، ويتكرر هذا العمل عدة مرات ليل نهار.
وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن الإنسان حين يتهيأ لمقدمات الصلاة، يطهر بدنه ويبعد عنه مسائل الحرام والغصب، ويتجه إلى الحبيب، فكل هذه الأمور لها تأثير رادع لنوازع الفحشاء والمنكر، غاية ما في الأمر أن كل صلاة - بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها - أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر، فتارة تنهى نهيا كليا وأخرى جزئيا ومحدودا.
ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثرا حتى لو كانت الصلاة صورية، وحتى لو كان ملوثا بالذنب وبالطبع فإن مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لو لم يصلوا صلاة كهذه لكانوا أسوأ مما هم عليه.
هذا الأثر للصلاة له أهمية قصوى إلى درجة أننا نجده في الروايات الإسلامية معيارا لقبول الصلاة وعدمها، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل، فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه ".
ويقول القرآن تعقيبا على ما ذكره ومن شأن الصلاة ولذكر الله أكبر، وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة أخرى في الصلاة، أي أن أثرا آخر من آثار الصلاة وبركاتها أهم من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر هو تذكير الإنسان بربه، هذا الذكر هو أساس السعادة والخير، بل العامل الأصلي للنهي عن الفحشاء والمنكر أيضا هو ذكر الله، وكونه أكبر لأنه العلة والأساس للصلاة.
وأساسا... فإن ذكر الله فيه حياة القلوب ودعتها، ولا شئ يبلغ مبلغه ألا بذكر الله تطمئن القلوب، ولا ريب أن روح العبادة بجميع أقسامها - صلاة كانت أم غيرها - هو ذكر الله، فأذكار الصلاة، وأفعالها ومقدماتها، جميعها في الواقع تحيي ذكر الله في قلب الإنسان) بتصرف وتلخيص الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 12 ص400 ـ 403.
فالصلاة سعي للهجرة إلى الله تعالى والتسامي نحوه، وهي محاولة للتعالي عن السفاسف والانتقال إليه في تلك الهجرة الناصعة، وهي عودة إلى الله بعد كل فترة زمنية يمارس فيها الإنسان حياته؛ فيتعامل مع نفسه أو مع الله والناس الذين يعيش معهم، فيتهاون بأداء حقوق الله عليه حيناً، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذاً ومنحرفاً حيناً آخر، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية، والتوجهات النفسية المنحرفة، فيجد في الصلاة محطة لتطهير النفس، والتأمل في خيرها وصلاحها، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجهه في الحياة.
فهو في وقفته الصادقة بين يدي الله تعالى، يستغفره ويتضرّع إليه، ويعلن براءته وندمه عما اقترفه من ذنوب ومعاصي، ورغبته في الاستقامة والطهارة، فيجدّد بذلك عهده مع الله، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها، وأصفى أجوائها، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير، وتتصاغر نوازع الشر، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام، فتقوى بذلك العزيمة، وتشتّد الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كل سيئ في الحياة، بممارسة انسحاب النفس الدائم، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام.
وبما ان للإيمان درجات فان للشقاء درجات أيضا، وكلما ذاب الانسان في حبه لله تعالى وتفانى من أجل القيم والمقدسات كلما ابتعد عن المنكر والفواحش والسيئات، وقبول الصلاة من عدمها يرتكز على قاعدة "ثواب الأعمال وعقابها" اتساعا وضيقا، فذروة الثواب هي التعلق بالحب الإلهي واقصاء كل ما يحول دونه، وذروة العقاب هي التعلق بالحب الشهوي واقصاء كل ما يحول دونه، وما بينهما درجات في الايمان ودرجات في الطغيان، والسعيد من يرجح كفة الايمان على من سواها فهي الجالبة للخير والرفاه والسعادة وما دونها خرط للقتاد.
لذا كانت الصلاة نظاماً تعبدياً لوقاية النفس من شذوذها، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة والتربية المستقيمة، ولعل الله تعالى حذّرنا من مغبّة ترك الصلاة لئلا نقع في مستنفع الفساد والرذيلة التي لها آثار وضعية يكتوي بها كلّ من تسوّل له نفسه بترك شكر المنعم، ويا لها من آثار وخيمة تسلب البركة والبهاء والتوفيق من العبد، ولا خير بحياة ليس لها حصانة توقيه الشرور والمخاطر، والصلاة هي خير حصن للمؤمن وإنها قربان كل تقي، وتاركها لا يزال يتخبطه الشيطان حتى يرد المهالك غير مأسوف عليه.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
مع تزايد درجة التعقيد وسرعة التغيير في بيئة الأعمال أصبح هناك ضرورة ملحة لتفعيل دور التفكير الاستراتيجي وما ينتج عنه من توجهات وخطط استراتيجية قادرة على تحديد الاتجاه المستقبلي وتحليل التغيرات في البيئة الداخلية وما يرتبط بها من نقاط قوة وأوجه ضعف ، ومن جهة أخرى فالتخطيط يعد أحد سمات الإدارة... المزيد
عدد المقالات : 33
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
بعد غزو صدام للكويت في آب-1990 دخل المنتخب العراقي نفق مظلم حيث قرر الاتحاد العربي منعه من المشاركة في البطولات العربية في تلك الايام كانت المنتخب العراقي يستعد للمشاركة بدورة الالعاب الاسيوية في الصين بقيادة تدريبية روسية ثم تصدر عقوبات دولية على المنتخب العراقي ومنعه من اللعب والمشاركة في اي بطولة... المزيد
عدد المقالات : 7
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
كتاب ️ يوم الغدير أو حجّة الوداع️ إنّ الكتب تتفاوت في قيمتها وهذا لا نكير عليه ولا رادّ له وهذا التفاوت له مناشىء عديدة، ولكن الكتب التي تّكتب لبيان الحقائق بموضوعيّة وانصاف، وتذكرالعقائد الحقّة، أجدر من غيرها بالمطالعة، وهي أكثر من أن تكون محض توثيقٍ تاريخيّ؛ لأنّها تنطلق من وعيٍ وحمل همّ... المزيد
عدد المقالات : 112
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
كلمة (اتصال) مشتقة من الأصل اللاتينى COMMUNIS ومعناها عام أو شائع أو مألوف وهكذا فإن الاتصال هو النشاط الذي يستهدف تحقيق العمومية أو الذيوع أو الانتشار أو الشيوع أو المألوفية لفكرة أو موضوع أو منشأة أو قضية عن طريق انتقال المعلومات أو الأفكار أو الآراء أو الاتجاهات من شخص أو جماعة إلى أشخاص أو جماعات أخري... المزيد
عدد المقالات : 33
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
قصيدة للشاعر/حمدي الروبي .......................... نظراتك واهمة حيرى تاهت في أنَّاتِ الظلم واختنقت في دائرة البوح حيثُ الأصوات تلاشت مع آهاتِ الحبِ الأحمق في صلواتِ حبيبٍ يغرق في عالم شرٍّ تتمنِّينَ زواله أو تغييره .. أو تلوينه أو ... أو ... أنا مثلك .. توَّاقٌ للحب للنور .. يفيض من القلب فيمحو ما رانَ على... المزيد
عدد المقالات : 33
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
في إحدى القُرى الوادعةِ، عاشَ رجلٌ يُدعى "أبو خالد"، جمعَ مِنَ المالِ والثَّراءِ ما جعلَهُ سيّدًا في أعيُنِ الناسِ، إلّا أنَّ البخلَ الذي يسكنُ روحَهُ حجبَهُ عنْ كرمِ الأخلاقِ، حتّى صارَ ذكرُهُ بينَ أهلِ قريتهِ مقرونًا بالحِرصِ والأنانيّةِ. كانَ بيتُهُ عامرًا بالخيراتِ، لكنَّهُ مُغلَقُ الأبوابِ،... المزيد
عدد المقالات : 9
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
يكتبها/حمدي الروبي ............................................... الحياةُ سلسلةٌ مُتتابعة من الآمال والأحلام .. جمالها في أحلامها .. لذتُها في آمالها .. هكذا كانت ترى الحياة ، وظلت ترسم لنفسها أحلاماً ورديةً وآمالاً عطريةً لا حدود لها حتى أنهت دراستها في كلية الطب بتفوقٍ ملحوظ واستلمت وظيفتها كطبيبة لتمارس هذه المهنة... المزيد
عدد المقالات : 33
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/05/28م
[أف لهذه الساعة تأكل الزمن ببطء شديد] كم رددت هذه العبارة وأنا انتظر مضي هذه الليلة، أنا وأخي وأختي، ننتظر صباح العيد كي نرتدي ملابسنا الجديدة، فقد شهدنا حيرة أمي وهي تحاول جمع المال الكافي لتشتري لنا ملابس العيد، ولم يكف المال الذي جمعته، فباعت قرطا صغيرا أهداه لها خالي، وقفت أمام المرآة وخلعته... المزيد
عدد المقالات : 32
علمية
تلعب الكيمياء العضوية دورًا محوريًا في فهم آلية الجلطة الدماغية وتشخيصها وعلاجها. فالجلطة الدماغية، سواء كانت إقفارية ناتجة عن انسداد أحد الأوعية الدموية في الدماغ، أو نزيفية ناتجة عن تمزق أحد الأوعية، تتضمن سلسلة معقدة من التفاعلات الحيوية... المزيد
القرآن الكريم كتاب هداية ورحمة، وهو جامعٌ بين الهداية الروحيّة والمعرفة العلميّة وقد أشار القرآن في العديد من آياته إلى مفاهيم علميّة دقيقة، منها ما يتعلّق بعلم الكيمياء الذي يُعنَى بدراسة المادة وتفاعلاتها. هذه الإشارات العلميّة في القرآن... المزيد
تخيل معي عالمًا صغيرًا جدًا، حيث تتحرك جسيمات بحجم نانومتر واحد فقط، أصغر بكثير من أي خلية في جسمنا. هذا العالم هو ميدان معركة حديثة تخوضها الفيزياء ضد السرطان باستخدام الروبوتات النانوية. هذه الجسيمات ليست مجرد أدوات طبية، بل هي نتاج فهم عميق... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
ميدان الأوّلويّات
السيد رياض الفاضلي
2024/10/14م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/05/04
أصدر قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتابًا بعنوان "قلوب بلا مأوى". يضمّ الكتاب مجموعة قصصية إنسانية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
2025/05/04
( صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com