جاء في کتاب موسوعة في ظلال شهداء الطف للشيخ حيدر الصمياني: عن حنظلة الشبامي: أبو مخنف في مقتله: وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي، فقام بين يدي الحسين عليه السلام: فأخذ ينادي: يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب: "مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِباد وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ" (غافر 30-33). يا قوم لا تقتلوا حسيناً عليه السلام، فيسحتكم الله بعذابٍ: "وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى" (طه 41). فقال له الحسين عليه السلام: يا بن أسعد رحمك الله إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين. قال: صدقت، جعلت فداك أنت أفقه منيّ وأحقّ بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بأخواننا فقال عليه السلام: رحُ إلى خير من الدنيا وما فيها وإلى مُلك لا يبلى، فقال السلام عليك أبا عبد الله، صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعرّف بيننا وبينك في جنته، فقال عليه السلام: آمين، آمين.
وعن وقفات مع خطبة الشهيد حنظلة بن أسعد الشبامي يقول الشيخ حيدر الصمياني: أولاً: جاء في الروايات أنّ الشهيد بقي مع الحسين عليه السلام حتى لم يبقَ معه من أصحابه إلا أثنان وهما عمرو بن سويد بن أبي المطاع الخثعمي وبشر بن عمرو الحضرمي، وكان بين الفينة والاُخرى يستأذن الحسين عليه السلام من أجل ان يتحدث مع القوم، علّه يكون سبباً في هداية واحد منهم، ومن ثم ينتسله من نار جهنم، وهذا إ، دلّ على شيء فانما يدلّ على وعي عميق وكبير لمسؤوليته الشرعية والتي ينبغي على الإنسان المبلّغ والداعية إلى الله عزّ وجل أن لا يتنازل عنها بأيّ حال من الأحوال، مهما ادلهمت الخطوب حيث يتوجب عليه أن يوصل صوته إلى كلّ من يسمعه، كما تحرك على اساس ذلك شهيدنا الكربلائي وهو يعيش آخر ساعة من حياته على الثرى، حتى يتحول إلى قدوة يمشي خلفها كل كربلائي حسيني بالشكل الذي لا يدع اليأس يدخل إلى جوفه أبداً، بل ويظل يعيش الأمل في أن يستنقذ ما يمكن له استنقاذه. والقرآن الكريم ربما يعطينا درساً هامّاً في هذا المجال، حيث يقول في آية من آياته الكريمة: "وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الأعراف 164). وقد جاءت هذه الآية الكريمة في قصة أصحاب السبت وملخصها أن الله أمر أهل قرية يسكنها اليهود بعدم صيد الحيتان يوم السبت وأبيح لهم في باقي أيام الأسبوع، فوسوس لهم الشيطان بأن ينصبوا شباكهم يوم السبت فإذا ما جاء يوم الأحد أخذوا ما حملته شباكهم من السمك.
ويستطرد الشيخ الصمياني حول حنظلة بن أسعد قائلا: قول الحسين عليه السلام، للشهيد حنظلة: (إرجع يابن أسعد فإنّهم قد استوجبوا العذاب حينما ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقن ونهضوا اليك يستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين). وهنا يشير الإمام الحسين عليه السلام، في حديثه هذا إلى مفهوم قرآني إيماني، ألا وهو عقوبة ردّ الحقّ بعد معرفته، وكأن الحسين عليه السلام يريد ان يذكرّ الشهيد بدعوة نوح إلى قومه وكيفية مواجهتهم له، يقول القرآن الكريم متحدثاً عن نوح عليه السلام ودعوته لقومه: "قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً" (نوح 5-10). وبعد كلّ هذا البيان والمعرفة التي واجهوها بمنتهى القسوة والتحجر وردّ الحق الذي جاءهم به نوح عليه السلام جاءت العقوبة الإلهية. "رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً" (نوح 26-27)، وقوله " فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِر وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ" (القمر 10-12). وهكذا حينما تحدث القرآن الكريم عن أهل الكتاب وردّهم الحق بعد ما عرفوه وما ترتب على ذلك من عذاب وحساب. "وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ" (آل عمران 19). وقوله تعالى: " كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" (آل عمران 86-88). وهكذا كان الشهيد حنظلة يتوق إلى الجنة والى حورها ونعيمها الدائم لاسيّما في ظل رضا الله الأكبر: "فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ" (القمر 55). لقد كان الشهيد يريد أن يدخل الجنة بسرعة ليلتحق بركب من مضى قبله، ولكنه في نفس الوقت يريد أن يدخل الجنة بإذن الحسين عليه السلام ولهذا نجده ليسأل الحسين عليه السلام مثل هذا السؤال الذي يتضمن في حقيقته طلب الإذن من الحسين عليه السلام في النزول إلى المعركة والدخول إلى الجنة، سيدي أفلا نروح إلى الجنة
جاء في کتاب موسوعة في ظلال شهداء الطف للشيخ حيدر الصمياني: يقول ابن سعد في الطبقات: (إنّ ستة عشر رجلاً من بني تغلب مسلمين ونصارى، وفدوا إلى رسول الله عليهم صُلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث، فصالح رسول الله النصارى على أن يقرّهم في دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم). وإنّما اشترط رسول الله عليهم ذلك لأنّ النصارى كانوا يغسلون أولادهم في الماء بعد ولادتهم، بل وحتى الحوامل، ويعتقدون بذلك أنّهم سوف يتطهّرون من إثم آدم وبنيه، لأنّ هذا الماء هو الماء الذي ولد فيه عيسى عليه السلام، وتسمى هذه العملية عند المسيح بالتعميد. وهنا يقف القرآن الكريم موقفاً حازماً مبيّناً لهم أنّ هذه العملية لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تعطي الطهارة للإنسان، لأنّ الطهارة أمرٌ معنوي يأتي للإنسان من داخله، من خلال تفاعله مع قيم السماء وأخلاق الرسالة، ولو غمس الإنسان نفسه بالماء الأصفر الذي يعدّوه في حوض ألف مرّة، بل في جميع المياه ولو كانت مياه البحار والمحيطات، فإنّ هذا سوف لا يزيل أيّ شيء من النجاسات الخُلُقيّة عن نفس هذا الإنسان وعقله وقلبه. ومن ثم فإنّ التطهّر بالطريقة التي يؤمنون بها هو ضرب من الخرافة وسخافة للعقل البشري، وذلك أن التخلّص من كلّ موروثه الذي يحمله خلال دقائق في الماء هو أمر غير عقلائي.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN