جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله "وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ" ﴿الممتحنة 12﴾ "وَلَا يَزْنِينَ" أي باتخاذ الأخدان وغير ذلك وقوله: "ولا يقتلن أولادهن"بالوأد وغيره وإسقاط الأجنة.. قوله سبحانه "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" ﴿الفرقان 68﴾ "ولا يزنون"أي لا يطئون الفرج الحرام وقد كان شائعا بين العرب في الجاهلية، وكان الإسلام معروفا بتحريم الزنا والخمر من أول ما ظهرت دعوته.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)" (النور 2-3) "الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ". قيل: هذه الآية من مشكلات القرآن ومتشابهاته لأن ظاهرها الإخبار بأن الزاني لا ينكح إلا زانية مثله أو مشركة، وان الزانية لا ينكحها إلا زان مثلها أو مشرك، مع أن الزاني قد يتزوج عفيفة شريفة، والزانية قد تتزوج عفيفا شريفا، فكيف جاء ظاهر الآية على خلاف الواقع؟. وفي رأينا ان الآية من المحكمات الواضحات، فليست هي إخبارا عن الواقع كي يقال: انها تنافره وتناقضه، ولا حكما شرعيا يحرّم على الزاني ان يتزوج مسلمة عفيفة، وعلى الزانية ان تتزوج مسلما عفيفا، بل عليهما إذا أرادا الزواج أن يتزوج هو بزانية مثله أو مشركة، وان تتزوج هي بزان مثلها أو مشرك، كما زعم كثير من المفسرين.. كلا، ليس هذا هو المراد، لأن المسلم تحرم عليه المشركة، وان ثبت عليه الزنا من قبل، وكذا المسلمة فإنها تحرم على المشرك حتى ولو ثبت عليها الزنا من قبل. كلا، ليست الآية إخبارا عما هو كائن، ولا حكما شرعيا، بل معناها الظاهر بصرف النظر عما قيل في سبب نزولها ان الزنا من أفحش القبائح وأشنعها، ولا يفعله إلا عاهر فاجر، فإذا رغب فيه راغب فلا يجد أحدا يستجيب لرغبته إلا من هو مثله في الفسق والفجور رجلا كان أو امرأة، وبكلمة أخصر ان معنى الآية أشبه بقولك للمجرم: لا يقرك على جريمتك إلا مجرم مثلك لا دين له ولا ضمير. وأين هذا من الإخبار عما وقع أو من تشريع الأحكام؟ وقوله تعالى: "أَوْ مُشْرِكَةً" (أَوْ مُشْرِكٌ) يومئ إلى أن الزنا بمنزلة الشرك باللَّه. وقد ساوى سبحانه في الحكم بين الشرك وقتل النفس المحترمة والزنا حيث قال: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" (الفرقان 68)، وسئل النبي صلى الله عليه واله عن أعظم الذنوب فذكر هذه الثلاثة "وحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ "وأيضا على المؤمنات، وانما اكنفى بذكر المؤمنين تغليبا. وذلك إشارة إلى الزنا بدليل ظاهر السياق.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا" ﴿الإسراء 32﴾ فلسفة تحريم الزنا: يمكن الإِشارة إِلى خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا، وهي: 1 ـ شياع حالة الفوضى في النظام العائلي، وانقطاع العلاقة بين الأبناء والآباء، هذه الرابطة التي تختص بكونها سبباً للتعارف الإِجتماعي، بل إنّها تكون سبباً لصيانة الأبناء، ووضع أُسس المحبّة الدائمة في مراحل العمر المختلفة، والتي هي ضمانة الحفاظ على الأبناء. إِنَّ العلاقات الإِجتماعية القائمة فى أساس العلاقات العائلية ستتعرض للانهيار والتصدّع إِذا شاع وجود الابناء غير الشرعيين (أبناء الزنا)، وللمرء أن يتصّور مصير الأبناء فيما إِذا كانوا ثمرّة للزنا، ومقدار العناء الذي يتحملونه في حياتهم مِن لحظة الولادة وحتى الكبر. وعلاوة على ذلك، فإِنّهم سيحرمون من الحبّ الأُسري الذي يعتبر عاملا في الحدّ الجريمة من في المجتمع الإِسلامي، وحينئذ يتحول المجمتع الإِنساني بالزنا إِلى مجتمع حيواني تغزوه الجريمة والقساوة من كل جانب. 2 ـ إِنَّ إِشاعة الزنا في جماعة ما، ستقود إلى سلسلة واسعة مِن الإِنحرافات أساسها التصرفات الفردية والإِجتماعية المنحرفة لذوي الشهوات الجامحة. وما ذكر في هذا الصدد من القصص عن الجرائم والإِنحرافات المنبعثة عن مراكز الفحشاء والزنا في المجتمعات يوضح هذه الحقيقة، وهي أنّ الانحرافات الجنسية تقترن عادة بأبشع الوان الجرائم والجنايات. 3 ـ لقد أثبت العلم ودلَّت التجارب على أنَّ إِشاعة الزنا سبب لكثير مِن الأمراض والمآسي الصحية وكل المعطيات تشير إِلى فشل مُكافحة هذه الأمراض مِن دون مُكافحة الزنا أصلا. (يمكن أن تلاحظ موجات مرض الإِيدز في المجتمعات المعاصرة، ونتائجها الصحية والنفسية المدمِّرة). 4 ـ إِنَّ شياع الزنا غالباً ما يؤدي إِلى محاولة إِسقاط الجنين وقطع النسل، لأنَّ مِثل هؤلاء النساء (الزانيات) لا يرضين بتربية الأطفال، وعادة ما يكون الطفل عائقاً كبيراً أمام الإِنطلاق في ممارسة هذه الأعمال المنحرفة، لذلك فهن يُحاولن إِسقاط الجنين وقطع النسل. أمّا النظرية التي تقول، بأنَّ الدولة يمكنها ـ من خلال مؤسسات خاصّة ـ جمع الأولاد غير الشرعيين وتربيتهم والعناية بهم، فإِنَّ التجارب أثبتت فشل هذه المؤسسات في تأدية أهدافها، إِذ هناك صعوبات التربية، وهناك النظرة الإِجتماعية لهؤلاء، ثمّ هناك ضغوطات العزلة والوحدة وفقدان محبّة الوالدين وعطفهما، كل هذه العوامل تؤدي إِلى تحويل هذه الطبقة مِن الأولاد الى قساة وجناة وفاقدي الشخصية. 5 ـ يجب أن لا ننسى أنَّ هدف الزواج ليس إِشباع الغريزة الجنسية وحسب، بل المشاركة في تأسيس الحياة على أساس تحقيق الإِستقرار الفكري والأنس الروحي للزوجين. وأمّا تربية الأبناء والتعامل مع قضايا الحياة، فهي آثار طبيعية للزواج، وكل هذه الأُمور لا يمكن لها أن تثمر مِن دون أن تختص المرأة بالرجل وقطع دابر الزنا وأشكال المشاعية الجنسية. في حديث عن الإِمام علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: (في الزنا ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فأمّا اللاتي في الدنيا، فيذهب بنور الوجه، ويقطع الرزق، ويسرع الفناء. وأمّا اللّواتي في الآخرة، فغضب الرب، وسوء الحساب، والدخول في النّار، أو الخلود في النّار).
جاء في كتاب بحوث في تاريخ القرآن عن النسخ في الآية (3) من سورة النور للمؤلف السيد مير محمدي زرندي: قوله تعالى "الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" (النور 3). غاية الأمر: أن الحكم قد قيد بما إذا كان الزاني والزانية معلنين، وبما إذا أقيم عليهما الحد، وهذا من تقييد الآية بالسنة، ولا مانع منه، ونذكر من تلك الأخبار على سبيل المثال: 1 - ما رواه الشيخ الحر العاملي رحمه الله بسنده عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا، ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا، إلا بعد أن تعرف منهما التوبة. 2 - وما رواه أيضا عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل "الزاني لا ينكح إلا زانية" الخ قال: هن نساء مشهورات بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا، قد شهروا بالزنا، وعرفوا به، والناس اليوم بذلك المنزل، فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا (منهم) لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه توبة. هذا، ولكننا نجد مع ذلك أن بعض أصحابنا قد أفتى بجواز نكاح الزاني لغير الزانية، وبالعكس، ولكنه مكروه، ولعل حملهم الآية على الكراهة من أجل تلك النصوص الواردة الدالة على جواز نكاح الزانية. قال المحقق الحلي: من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا. وقال الشارح: والمعروف من مذهب الأصحاب جواز مناكحة الزاني على كراهة، فإنهم حكموا بكراهة تزويج الفاسق مطلقا، من غير فرق بين الزاني وغيره. وأما أهل السنة فجمهورهم يقول بجواز نكاح الزانية، ولكنه مذموم. قال ابن رشد: واختلفوا في زواج الزانية، فأجاز هذا الجمهور، ومنعها قوم إلى أن قال: وإنما صار الجمهور على ذلك لحمل الآية على الذم لا على التحريم، لما جاء في الحديث: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله في زوجته: أنها لا ترد يد لامس، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: طلقها، فقال: إني أحبها. فقال له: فأمسكها. وأما الثاني وهو جواز نكاح المسلم المشركة والمسلمة المشرك فإن قبلنا دلالة الآية عليه فإننا نقول: إن الناسخ تارة يكون هو قوله تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" (الممتحنة 10).
جاء في موقع طريق الاسلام عن أيات في السياسة للكاتب مدحت القصراوي: عقوبة الجرائم العامة من القتل والزنا والسرقة والحِرابة وقطع الطريق والقذف، تخاطَب بها السلطة السياسية لإقامتها. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى" (البقرة 178)، "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ" (النور 2)، "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة 38)، "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ" (المائدة 33)، "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور 4). الحكم: الأحكام التي جاءت في الشريعة هي القوانين التي تلتزمها الدولة المسلمة ولا يجوز لها أن تلتزم قوانين أخرى، وما ليس فيه نص: يُجتهد فيه وفق الشريعة وأصولها، وإلا فلِمَ نزلت؟ فلو كانت تخييرًا للناس لَمَا كان هناك واجب ومحرّم بل كانت كلها مباحات واستحسانات.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN