قال الله تعالى عن كلمة سراب ومشتقاتها "لَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا" الكهف 61 سربا اسم، سرباً: مذهباً أو مسلكاً، سَرَباً: طريقاً كالنفق، سربا: أي مثل السرب، وهو الشق الطويل لا نفاذ له، وذلك أن الله تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته منه، وجَدَّا في السَّيْر، فلما وصلا ملتقى البحرين جلسا عند صخرة، ونسيا حوتهما الذي أُمر موسى بأخذه معه قوتًا لهما، وحمله يوشع في مِكْتَل، فإذا الحوت يصبح حيًّا وينحدر في البحر، ويتخذ له فيه طريقًا مفتوحًا، و "سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ" الرعد 10 وَسَارِبٌ: و حرف عطف، سَارِبٌۢ اسم، سارب: سالك أو ظاهر، أو ذاهب في طريقه ظاهراً، أو متصرف في حوائجه، و السَّرب: الطريق و الوجهة، وسارب: ظاهر بذهابه في سربه، أي طريقه بالنهار، يستوي في علمه تعالى مَن أخفى القول منكم ومَن جهر به، ويستوي عنده مَن استتر بأعماله في ظلمة الليل، ومن جهر بها في وضح النهار، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ" النور 39 كسَرَابٍ: كَ حرف جر، سَرَابٍۭ اسم، كَسَرَابٍ: شعاع أبيض يرى في البر عند اشتداد الحر كالماء السارب، والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةِ: جمع قاع: أي فيلاه وهو شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري، والذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله، أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم في الآخرة، كصلة الأرحام وفك الأسرى وغيرها، كسراب، وهو ما يشاهَد كالماء على الأرض المستوية في الظهيرة، يظنه العطشان ماء، فإذا أتاه لم يجده ماء، و "وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا" النبإ 20 سرابا اسم، سَرَابًا: كالسراب الذي لا حقيقة له، فكانت سرابا: فالسّراب الذي لا حَقيقة له، فكانت سرابا: هباء، أي مثله في خفة سيرها، ونسفت الجبال بعد ثبوتها، فكانت كالسراب.
وردت كلمة سربا ومشتقاتها في القرآن الكريم: وَسَارِبٌ، سَرَبًا، كَسَرَابٍ، سَرَابًا. جاء في معاني القرآن الكريم: السرب: الذهاب في حدور، والسرب: المكان المنحدر، قال تعالى: "فاتخذ سبيله في البحر سربا" (الكهف 61)، يقال: سرب سربا وسروبا (انظر: الأفعال 3/511، والبصائر 3/211)، نحو مر مرا ومرورا، وانسرب انسرابا كذلك، لكن سرب يقال على تصور الفعل من فاعله وانسرب على الانفعال منه. وسرب الدمع: سال، وانسربت الحية إلى جحرها، وسرب الماء من السقاء، وماء سرب، وسرب: متقطر من سقائه، والسارب: الذاهب في سربه أي طريق كان، قال تعالى: "ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" (الرعد 10)، والسرب: جمع سارب، نحو: ركب وراكب، وتعورف في الإبل حتى قيل: زعرت سربه، أي: إبله. وهو آمن في سربه، أي في نفسه، وقيل: في أهله ونسائه، فجعل السرب كناية، وقيل: اذهبي فلا أنده سربك. قولهم: اذهب فلا أنده سربك، أي: لا أرد إبلك حتى تذهب حيث شاءت، أي: لا حاجة لي فيك، ويقولون للمرأة عند الطلاق: اذهبي فلا أنده سربك. فتطلق بهذه الكلمة، وكان هذا في الجاهلية، وأصل النده: الزجر.
عن تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ" الرعد 10 "سارب" أي: ذاهب في سربه، بالفتح أي: في طريقه ومذهبه، يقال: سرب في الأرض سروبا، والمعنى: سواء عنده من استخفي أي: طلب الخفاء في مختبأ "بالليل" في ظلمته ومن يضطرب في كل وجه ظاهرا "بالنهار" يبصر كل أحد، والضمير في "له" راجع إلى "من" والمعنى: لمن أسر ومن جهر، ومن استخفي ومن سرب. قوله تعالى "لَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا" الكهف 61 أي: مسلكا يذهب فيه، صار الماء عليه مثل الطاق وحصل من الماء في مثل السرب. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ" (النور 39): سراب شعاع من ضوء الشمس "يَحْسَبُهُ اَلظَّمْآنُ مََاءً" (النور 39) و بقيعة كلمتان: باء الجر، وقيعة جمع، واحده قاع بمعنى الأرض المستوية الخالية "حَتََّى إِذََا جََاءَهُ" الهاء للسراب "لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اَللََّهَ عِنْدَهُ فَوَفََّاهُ حِسََابَهُ" (النور 39) لما ذكر سبحانه حال المؤمنين، و أن أعمالهم من أجل الحياة الدنيا لا تلهيهم عن العبادة و القيام بحق اللّه سبحانه، أشار إلى أعمال الكافرين و أنها تماما كالسراب الخادع لا تجديهم شيئا حين يقفون غدا بين يدي اللّه لنقاش الحساب، بل يجدون عنده تعالى المقت و العذاب الأليم على أسوائهم و آلامهم. سرابا تماما كالظامئ يحسب الدخان سحابا و السراب ماء، فيمد كفيه ليملأهما بالماء، و يفتح فاه ليشرب و يبرد غلته، و إذا بالآمال تتبخر إلى حسرات و زفرات. قوله تعالى "وَ سُيِّرَتِ اَلْجِبََالُ فَكََانَتْ سَرََاباً" (النبأ 20) شيئا كلا شيء حيث تتفتت و تذهب مع الريح كالغبار المنتشر.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: سرب على وزن جرب كما يقول الراغب في مفرداته، و هي تعني السير في الطريق المنحدر، و سرب على وزن حرب تعني الطريق المنحدر. قوله تعالى: "فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما" (الكهف 61) أي السمكّة التي كانت معهما، أمّا العجيب في الأمر فإنّ الحوت: "فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً" (الكهف 61). و هناك كلام كثير بين المفسّرين عن نوعية السمك الذي كان معدا للغذاء ظاهرا هل كانت سمكّة مشوية، أو مملّحة أو سمكّة طازجة حيث بعثت فيها الحياة بشكل اعجازي و قفزت الى الماء و غاصت فيه، هناك كلام كثير بين المفسّرين. و في بعض كتب التّفسير نرى أنّ هناك حديثا عن عين تهب الحياة، و أنّ السمكة عند ما أصابها مقدار من ماء تلك العين عادت إليها الحياة. و هناك احتمال آخر و هو أن السمكّة كانت حيّة، بمعنى أنّها لم تكن قد ماتت بالكامل، حيث يوجد بعض أنواع السمك يبقى على قيد الحياة فترة بعد إخراجه من الماء، و يعود إلى الحياة الكاملة إذا أعيد في هذه الفترة إلى الماء. قوله تعالى "وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا" النبإ 20 السراب: من السرب هو الذهاب في طريق منحدر، فعند ما يسير الإنسان بين المنحدرات في الصحراء، يتراءى له من بعيد تلألؤا يطنّه ماء، و ما هو إلّا انكسار في الأشعة يسمى السراب، ثمّ أطلقت كلمة السراب على كلّ ظاهر خال من المحتوى. و لكن هل أن هذه الحوادث تتعلق بالنفخة الاولى للصور التي تحكي عن نهاية العالم، أم هي متعلقة بالنفخة الثّانية و التي تقوم القيامة بها بلا شك أنّ الآية: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً تشير إلى نفخة الصور الثّانية، لأنّها تحكي عن إحياء الأموات و محبتهم في عرصة المحشر أفواجا، و كذا الحال بالنسبة للحوادث المذكورة فإنّها متعلقة بنفخة الصور الثّانية، إلّا أنّه من الممكن حمل بداية حركة الجبال على النفخة الاولى، و نهاية السراب ستكون بعد النفخة الثّانية.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN