حسن الهاشمي
ربما يكون السؤال غريبا في الوهلة الأولى، ولكن الغرابة ستنقشع اذا ما عرفنا انه كلما اقتربنا من زمن ظهور المصلح الموعود كلما كثر الظلم والفساد واندثرت الكثير من معالم الدين الخالدة، وحينما يبزغ نور المصلح وينتشر عطاءه المادي والمعنوي، ويحكم بين الناس بالعدل والاحسان، ويطبق أحكام الدين بشكلها الصحيح والواقعي، وقتئذ يتصور الناس ان القائم جاء بدين جديد، ولكنه في حقيقة الأمر قد أماط اللثام عن نفس دين جده المصطفى بعد ان اعتراه النسيان والهجران والتحريف والتجهيل، ومثلما بدأ غريبا في زمن الجاهلية الأولى سيعود غريبا في زمن الجاهلية الثانية، ولكن بفارق ان غربته في زمن الرسول كانت بسبب الجاهلية، أما غربته في زمن المصلح كانت بسبب الابتعاد عن الأحكام الدينية وكثرة الظلم والفساد بين الأمم.
يقول الإمام الباقر عليه السلام في هذا المضمار: (إنّ قائمنا إذا قام دعا النّاس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) الكافي للكليني: ٤ / ٣٦٦. اتضح كيف ان الاسلام بدأ برسول الله غريبا وسيعود غريبا بحفيده المهدي اضافة الى أنّه لا يراد بالأمر الجديد الأحكام الخارجة عن الإسلام والقرآن؛ لأنّ أحكام الإسلام كانت موجودة منذ زمن الرسول الأعظم، وإن كان بعضها لم تبيّن لمصالح لحدّ الآن، أو لم تصل بعد إلى مرحلة التطبيق، فلعلّ المراد بالأمر الجديد ما كان جديداً بنظر النّاس في ذلك اليوم، أو أنّ ابتعاد النّاس عن الإسلام والقرآن سيجعلهما في غربة، وعلى هذا فإنّ معظم النّاس في عصر الظهور سيكونون بعيدين عن القرآن والإسلام، ومع مجيء بقية الله سوف يظنّون أنّه جاء بأحكام جديدة.
وبعبارة أخرى ان النور عندما يبزغ في الظلام الدامس سيبدو غريبا في تلك الأجواء المتلبدة، اذ ان الغربة انتابت الجاهلية لانهيار اسسها المعوجة ومصالحها الضيقة، وان الغربة ستنتاب دولة المهدي لما لحق بها من تدليس وتزوير وتحريف وامتهان، وبطبيعة الحال ما أظهره الرسول الأعظم من تعاليم فاخرة وما سيظهره المصلح الموعود من أحكام زاخرة، فانه سيجعل أحكامهما الراقية في نظر الطواغيت والانتهازيين والظلمة والمارقين والجهلة أحكاما غريبة عليهم، ولكنها في المقابل ستكون مفرحة ومثلجة لصدور المستضعفين والأحرار في العالم، ولكن تبقى الغربة تنتاب الناس على نطاق أوسع، يستفاد ذلك من قول الإمام الصادق عليه السلام: (وهداهم إلى أمر قد دثر) الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - ص ٣٨٣. انّهم لما كانوا بعيدين عن القرآن وأحكام الإسلام سيخفى عليهم كلّ شيء فيهديهم المصلح الموعود إلى ما قد خفي عليهم، وسيهديهم الى ما قد دثر عنهم بسبب كفرهم وابتعادهم عن الأحكام الواقعية التي نزلت على النبي الأعظم وقام بتبليغها للناس، وسيأتي حفيده المهدي ليطبقها بحذافيرها عند ظهوره المبارك.
ويؤيّد ذلك أيضاً ما نقل عن الامام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ) البقرة: ١٩٣. قال: (لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، ولكنّهم يقتلون حتّى يوحّد الله عزّ وجلّ وحتّى لا يكون شرك) بحار الأنوار للمجلسي: ٥٢ / ٣٧٨. نعم يأتي تأويلها بالكامل في زمن الظهور المبارك للمهدي الموعود، والفرق بين مقاتلة الرسول لأعداء الدين تكون على نطاق محدود لحفظ الرسالة من كيد الفجار واستمرار الاختبار الإلهي لعباده أيهم شاكرا أو كفورا، أما مقاتلة المصلح الموعود للكافرين والمعاندين فهي على نطاق الكرة الأرضية في زمن انتهى فيه الاختبار الإلهي، وسيخضع العالم كله لدولة التوحيد الخالص الخالي من الشرك والظلم والفسوق والعصيان.
تلخّص أنّه لا يقبل في زمن المهدي عليه السلام من أحد غير الإسلام، حيث ان الاسلام هو خاتم الرسالات، مصدق لما جاءت به الرسل من قبل، لا يفرق بين أحد منهم، كلهم مرسلون من قبل الله تعالى، وكلهم يدعون الى التوحيد، وآخرهم يدعو بما دعا اليه أوسطهم وأولهم، فالإسلام جامع للأديان مهيمن عليها، وبعد نزوله على الرسول الأعظم تم نسخ الرسالات التي قبله، نعم هي مقبولة لمن تبعها في عهدها، وقد جعل الله تعالى لكل أمة شرعة ومنهاجا، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، ولكن ليبلوهم في ما آتاهم، أما بعد مجيء الاسلام فان الرسول قد بلغ ما أنزل اليه من ربه وحفيده المهدي يدعو بدين جده والانسانية المعذبة والمستضعفة كلهم يؤمنون بدعوته المباركة، حتى السيد المسيح حينما ينزل من السماء ويلتحق بالمصلح الموعود يؤمن بالإسلام منهجا ودستورا؛ لجامعيته وخاتميته وأفضلية الرسول والمرسل والرسالة والامامة الخاتمة على سائر الرسل والكتب الإلهية، التي هي مكملة لها وفي طولها، ولا تناقض فيما نزل من عند الله تعالى على الأنبياء منذ بدء الخليقة الى قيام الساعة.
ولأجل الاتفاق على كلمة سواء تجمع الانسانية على مبدأ التوحيد، ولأجل المسابقة في الخيرات وعدم اتباع الأهواء والشهوات، ولأجل الالتفاف حول المرجعية الواحدة التي تأخذ بيد البشرية الى مرفأ السلام والوحدة والخلاص، من أجل كل ذلك قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران: 85. ان المصلح الموعود يعرض أحكام الاسلام على الانسانية المعذبة فيتقبلوه بقبول حسن؛ لما فيه من عناصر القوة والمنعة في تأمين العدالة وصون الكرامة وحفظ الحقوق لكافة طبقات المجتمع، وقمع كل من تسول له نفسه المساس بكرامة الانسان وقيمه وكل ما من شأنه ان يحفظ دينه واخلاقه وحقوقه المشروعة، وكل من يقف أمام المشروع الاصلاحي ويحاول هدمه لمصالح حزبية أو شخصية ضيقة فان المصلح الموعود له بالمرصاد، نعم فالإسلام بعد الرسول والامام الخاتم كسفينة نوح من ركبها نجى وفاز وارتقى ومن تخلف عنها هلك وغرق وهوى.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN