حسن الهاشمي
اذا اردت النجاة تعامل مع الأجوفين بوسطية، لا إفراط ولا تفريط.
شهوتان عظيمتان تداهمان الانسان: شهوة البطن وشهوة الفرج، ازاء تلبية حاجتيهما الملحة البعض يلجأ الى الشره أو الفتور وهو مفسدة للدين والبدن، والآخر يلجأ الى الاعتدال وهو مصحة للبدن وعبادة للخالق ومصدر خير وعطاء للفرد والمجتمع.
حقا ان لذة العفة والوسطية أعلى بمراتب من لذة الشره والنهم والافراط، دوافع الأولى صيانة النفس والبدن من التلف، والتقيّد بأحكام الشرع، ومخافة الله تعالى يوم الوعيد، ودوافع الثانية التجري على أحكام الشرع، ومحاربة الله تعالى في السر والعلن، والتعدي على حقوق الغير، وشتان ما بينهما من منطلق وممارسة ومآل.
كلنا طرق مسمعه جملة "الحمد لله على نعمة العفاف والكفاف" وهي الجملة التي لا يستقيم أمرها الا بعد كف النفس عن اقتحام المحرمات، ونراها واضحة جلية في معنى العفة لغةً: (مصدر عفَّ يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفِيفٌ والمرأة عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ وأعَفَّهُ الله، واسْتَعَفَّ عن المسألة أي: عفَّ، وتَعَفَّفَ: تكلف العِفَّةَ. والعِفة الكَفُّ عما لا يَحِلُّ ويَجْمُل، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ) لسان العرب لابن منظور: 9/253. ومعنى العفة اصطلاحًا وهي: (هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة، والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة) التعريفات للجرجاني ص151.
العفاف ان تصون نفسك وتحصنها بالتقوى وعاقبة المنايا، وتنزهها عن الصغائر والدنايا، والشره ان تطلق العنان لشهواتك وتتخبط خبط شعواء وتتصرف على غير علم ولا بصيرة، ولا غرابة أن تكون العفة شيمة الأكياس والشره سجية الأرجاس.
لا يزال العفيف يسعى في تلبية احتياجات الفرج والبطن دونما طمع او جشع او تعد على حقوق الآخرين، بل يتحرك في تلبيتها ضمن المال الحلال وبشكلها المعتدل لكي يحافظ على سلامة دينه وبدنه، في حين ترى المتهتك يقوم بتلبية رغباته بشتى الطرق لا يحده شرع ولا أخلاق ولا عرف، وهو بذلك تتقاذفه الأمراض النفسية والجسدية ذات اليمين وذات الشمال، علاوة على انه يكون عرضة للتساؤل والحساب العسير يوم القيامة.
كفّ النفس عن اقتحام المحرمات والشبهات وترويضها في ممارسة الطاعات والعبادات هي في الحقيقة قمة العفاف وذروة الكرامة والاستقامة والسداد، نعم من شروط العفة والكرامة ان لا تسأل الناس الحافا وتكرارا لئلا يراق ماء وجهك، فالخنوع وذل السؤال لا يجتمعان أبدا مع العفة وكرم الفعال، قال تعالى في هذا المجال: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) البقرة: ٢٧٣.
نعم القناعة فيما عندك بعد السعي في طلب الحلال هي التي تحصنك من الاعتداء على أموال اليتامى والضعفاء، وهي التي تغذيك بأمصال مناعة التطاول على ميزانية الدولة اذا ما تبوأت منصبا حكوميا أو وجاهة اجتماعية، وهي التي تحجبك عن الرشوة ومال الحرام اذا ما خدمت في دوائر الدولة أو تصديت للحكم والقضاء، واذا رأيت بلدا غنيا يعاني أهله من الفقر ونقص الخدمات فهو ايذان بسقوط مسؤوليه في فخ الطمع والجشع والغش والاحتيال، ولا علاج لهذه الآفة الا بإصلاح الحال وانتخاب من يتحلون بالقناعة والنزاهة التي بهما يمكن التحلي بمزية الكفاف والعفاف، عن الإمام علي عليه السلام: (من قنعت نفسه أعانته على النزاهة والعفاف) غرر الحكم للآمدي: 8663.
من جهة اخرى فالعفيف هو الذي يكون عنده الوفرة من المال ويكتفي بالزواج دون السفاح، ويتمتع بحياة حرة كريمة دونما تبذير واسراف، ويبدد فضلة أمواله بين الفقراء والمساكين وأهل الزمانة والبلوى من عباد الله المحتاجين دونما تحقير وذل ومهانة، أما الذي ليس له مال ولم يطرق أبواب السفاح والزنا، ولم ينفق في سبيل الله، أو حتى لم يأكل ما يشتهي بالحلال لقلة ما في اليد، فان حالة العفة مسلوبة عنه في هذه المساحة ـ وأعني بها الامتناع عن المعصية أو التمتع بالأمور المحللة ـ لأنها سالبة بانتفاء موضوعها، فالعفة أن يمتنع عن الشيء وهو قادر على استيفائه ترويضا للنفس ونفعا للعباد وارضاء للخالق، فعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: (لم يتحل بالعفة من اشتهى ما لا يجد) غرر الحكم للآمدي: 7552.
ولكي يتصف الانسان بالطاعة والتغلب على الشهوات، ولكي يحالفه العز والكرامة والشهامة، ولكي تزكو أعماله وتنمو ويصيبها وابل من البركة والرحمة والرضوان، ولكي يكون ورعا في الدين مطيعا لرب العالمين، لابد ان يكون عفيفا يقبل بالقليل ويشكر الله تعالى الرب الجليل، ولا يكون كذلك الا اذا اتصف بصفات العفة ويمكن رصدها بالنقاط التالية:
1ـ تحصين الفروج بالزواج والمحافظة عليها من كل دنس وزنا وسفاح.
2ـ الاكتفاء بحياة حرة كريمة من المال الحلال وبذل ما فضل منه على المعوزين.
3ـ العفة رأس كل خير وانها من شيم الأشراف، والالتزام بها يؤدي الى الجنان والتخلف عنها يودي الى النيران.
4ـ صيانة عرض العفيف منوطة بكف النفس عن أعراض الناس، طبقا لمقولة كما تدين تدان.
5ـ استحضار ان الله تعالى يحب المتعفف ويبغض البذيء، هو خير حافز لتقمص ثوب العفة المبارك.
6ـ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، والكفاف مع العفاف خير من الغنى مع الجور.
7ـ أصل العفاف القناعة، وهي توفر لك حياة تكاد ان تكون خالية من الأحزان والمشاكل والعقبات.
8ـ قدر الرجل على قدر همته، وعفته على قدر غيرته.
9ـ الصبر على الشهوة عفة، ومن عقل عف ومن جهل انتهك.
10ـ ثمرة العفة صيانة النفس والأطراف والجوارح والجوانح عن الانحراف والتيه والضلال.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN