أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-21
632
التاريخ: 5-05-2015
20721
التاريخ: 2-03-2015
6293
التاريخ: 2024-04-03
748
|
قال ـ عليه السلام : القرآن ذلول ذو وجوه ، فاحملوه على احسن الوجوه (1).
اقول : في نهاية ابن الاثير : الذلول من الذل بالكسر ضد الصعب (2).
وفي مجمع البيان في فصل اللغة في الاية الكريمة {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك: 15] : الذلول من المراكب ما لا صعوبة فيه (3).
فالظاهر في وجه الشبه ان يقال : كما ان الذلول من المراكب ينقاد لراكبه ويطيعه حيث يشاء ، والى اي وجه يريد انعطافه.
كذلك القرآن لما كان ذا وجوه كثيرة ، كما يشعر به الاتيان بصيغة جمع الكثرة يمكنهم حمله على اي وجه ارادوا واي مذهب شأوا.
ولذلك قال علي ـ عليه السلام ـ في وصيته لعبد الله بن عباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج : لا تخاصمهم بالقرآن ، فان القرآن حمال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فانهم لم يجدوا عنها محيصا ، كذا في نهج البلاغة (4).
ومن هنا ترى الامة بعد نبيهم ـ صلى الله عليه وآله ـ قد كثر اختلافهم في المذاهب والاعتقادات ، وكلهم يحتجوا بآي منه ، وقلت آية لم يذكروا فيها وجوها عديدة ومحامل سنية ، ولم ينقلوا فيها اقوالا ومذاهب ، كما يشهد به تتبع التفاسير والسير ، وخاصة التفسير الكبير (5) للأمام الطبرسي رحمه الله.
لكن الواجب على ما دل عليه ظاهر الخبر ، ويؤيده قوله تعالى {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] حمله على احسن الوجوه ، وهو ما كان ظاهرا قريبا متبادرا محفوفا بشواهد شرعية ، مقرونا بقواعد عربية ، مطابقا للأمر نفسه ، موافقا لميزان العقل وقانونه من غير كلفة وسماجة.
ولذا كان مدار الاستدلال بالآيات والروايات من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر ، لا ان يفسره بمجرد رأيه وميله واستحسان عقله من غير دليل ولا شاهد غير معتبر عقلا او نقلا.
كما يوجد في كلام المبتدعين ، فانهم يأولونه على وفق آرائهم ، ليحتجوا به على اغراضهم الفاسدة واديانهم الكاسدة. ولولا ذلك الرأي لم يكن لهم من القرآن ذلك المعنى.
وهذا يكون مع العلم تارة ، كالذي يحتج بآية على تصحيح بدعته ، وهو يعلم انه ليس المراد بها ذلك ، ولكن يلبس به على خصمه ، ومع الجهل اخرى.
ولكن اذا كانت الآية محتملة ، فيميل فهمه الى الوجه الذي يوافق غرضه ، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح ، فيطلب له دليلا من القرآن ، ويستدل عليه بما يعلم انه غير مراد ، ولكن يقول به لتغرير الناس ودعوتهم على مذهب الباطل ، فينزل القرآن على رأيه ومذهبه على امر يعلم قطعا انه ما اريد به ذلك.
وذلك كما روى الصدوق في معاني الاخبار عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال : من اتبع هواه واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه وتصفه (6).
فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني ، لأنظر مقداره ومحله ، فرأيته قد احدق به خلق كثير من غثاء العامة ، فوقفت منتبذا عنهم ، متغشيا بلثام ، انظر اليه واليهم ، فما زال يراوغهم (7) حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر ، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم.
وتبعته اقتفي اثره ، فلم يلبث ان مر بخباز ، فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة.
ثم مر بعده بصاحب رمان ، فما زال به حتى تغفله ، فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثم اقول : وما حاجته اذا الى المسارقة.
ثم لم ازل اتبعه حتى مر بمريض ، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء.
فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك واحببت لقاءك ، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي ، واني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.
قال : ما هو؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانيتين.
قال فقال لي : قبل كل شيء حدثني من انت؟ قلت : رجل من ولد آدم ـ عليه السلام ـ من امة محمد ـ صلى الله عليه وآله.
قال : حدثني من انت؟
قلت : رجل من أهل بيت رسولا الله ـ صلى الله عليه وآله.
قال : اين بلدك؟
قلت : المدينة.
قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم.
قلت : بلى.
فقال لي : فما ينفعك شرف اصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وابيك ، لئلا تنكر ما يجب ان يحمد ويمدح عليه فاعله؟
قلت : وما هو؟
قال : القرآن كتاب الله.
قلت : وما الذي جهلت منه؟
قال : قول الله عز وجل {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام : 160] واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، فهذا اربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بها اربعين حسنة ، فانتقص من اربعين حسنة اربع بأربع سيئات ، بقي لي ست وثلاثون حسنة.
قلت : ثكلتك امك ، انت الجاهل بكتاب الله ، اما سمعت انه عز وجل يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة : 27].
انك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت رمانتين كانت ايضا سيئتين ، ولما دفعتهما الى غير صاحبيهما بغير امر صاحبيهما ، كنت انما اضفت اربع سيئات الى اربع سيئات ، ولم تضف اربعين حسنة الى اربع سيئات ، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته.
قال الصادق ـ عليه السلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يَضلون ويُضلون.
وهذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر رحمه الله ، فارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية.
فدخل عمرو على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا. قال : لماذا؟ قال : قتل عمار. فقال معاوية : قتل عمار فماذا؟ قال : اليس قد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية؟ فقال له معاوية : دحضت في قولك ، انحن قتلناه؟ انما قتله علي بن ابي طالب لما القاه بين رماحنا.
فاتصل ذلك بعلي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ فقال : اذاً رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الذي قتل حمزة لما القاه بين رماح المشركين.
ثم قال الصادق ـ عليه السلام : طوبى للذين هم كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين (8).
وفي هذا الخبر احكام ، اذا تأملها عارف يعرفها.
وفي الخبر الاول دلالة ظاهرة على بطلان قول من لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن الا بخبر وسمع {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد : 24].
ونحن قد فصلنا القول فيه في تعليقاتنا على الآيات الاحكامية للفاضل المولى احمد الأردبيلي قدس سره ، فمن اراد الاطلاع عليه فليراجع اليه ، والى الله المرجع والمآب ، وهو يهدي من يشاء الى الصراط السوي والطريق الصواب.
______________________
(1) عوالي اللالي : 4 / 104 ، برقم : 153.
(2) نهاية ابن الاثير : 2 / 166.
(3) مجمع البيان : 5 / 325.
(4) نهج البلاغة : 465 ، برقم : 77.
(5) وهو تفسير مجمع البيان ، والتفسير الصغير هو جوامع الجامع له.
(6) في المصدر : وتسفه.
(7) يراوغهم يخالفهم ، ويميل عن طريقتهم ، راغ الرجل روغا وروغانا مال وحاد عن الشيء « منه ».
(8) معاني الاخبار : 33 ـ 35.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|