المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7457 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
لا عبادة كل تفكر
2024-04-27
معنى التدليس
2024-04-27
معنى زحزحه
2024-04-27
شر البخل
2024-04-27
الاختيار الإلهي في اقتران فاطمة بعلي (عليهما السلام)
2024-04-27
دروس من مدير ناجح
2024-04-27

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


التعبدية والتوصلية  
  
2206   07:42 صباحاً   التاريخ: 28-8-2016
المؤلف : السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
الكتاب أو المصدر : أجود التقريرات
الجزء والصفحة : ص 97-125.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016 2205
التاريخ: 1-9-2016 2492
التاريخ: 29-8-2016 1156
التاريخ: 29-8-2016 4044

والكلام فيه يقع تارة من جهة الاصل اللفظي وهو اصالة الاطلاق وبيان أن مقتضى الاطلاق هل هو التعبدية أو التوصلية أو انه لا يدل على شيء منهما اصلا واخرى من جهة الاصل العملي بعد الفراغ عن عدم وجود الاطلاق اما لاستحالته أو لعدم تمامية مقدمات الحكمة في خصوص مقام وتحقيق المقام انما يتم برسم امور:

(الامر الاول): أن الوظائف العملية في شرعنا أوفى ساير الشرايع تارة يكون تشريعها لأجل التعبد والتقرب بها المعبر عنه في اللغة الفارسية بپرستش وأخرى لأجل مطلق وجودها في الخارج وان أمكن التقرب بها أيضا فالأول يسمى بالتعبدي والثاني بالتوصلي وقد يطلق التوصلي على معنى يعم بعض التعبديات ايضا وهو ما يسقط امره بمطلق وجوده في الخارج ولو كان بفعل الغير أو من دون ارادة واختيار أو بفعل محرم من المحرمات والتوصلي بالمعنى الاول يجتمع مع المعنى الثاني غالبا كوجوب ازالة النجاسات وغيرها وقد يفترق عنه كما في وجوب رد السلام فانه واجب توصلي بالمعنى الاول ولا يسقط بفعل الغير أو من دون ارادة واختيار والتوصلي بالمعنى الثاني قد يفترق عن الاول كما في الصلاة الواجبة على ولى الميت فانها تسقط بفعل الغير مع كونها تعبدية شرعت لقصد التقرب بها والتوصلي بالمعنى الاول هو الذى وقع فيه النزاع من الاعلام ولعل المشهور على جواز التمسك بالإطلاق في اثباته وأما بالمعنى الثاني فلم يدع أحد جواز التمسك بالإطلاق لإثباته وبيان ذلك يحتاج إلى بسط الكلام في خصوص كل واحد من الاقسام وهو السقوط بفعل الغير أو من دون ارادة واختيار أو بفعل المحرم فنقول القسم الاول وهو السقوط بفعل الغير ينقسم (1) إلى السقوط بفعل الغير مع الاستنابة وبدونها (أما) السقوط بالاستنابة فمقتضى الاطلاق عدمه فان تشريع الاستنابة ليس عبارة عن ايجاب العمل على المكلف أعم من المباشرة والتسبيب بداهة أن عمل الغير ليس عملا تسبيبيا للمستنيب فيما إذا كانت ارادة النائب ارادة مستقلة ولم تكن تحت ارادته نعم فيما إذا كانت كذلك كإرادة البهائم أو الصبيان يصح ذلك ويستند العمل إلى الغير واما فيما نحن فيه فليس هناك الا اجارة واستنابة والعمل حقيقة للنائب ولا تقتضي الاستنابة ان يكون عمل النائب عمل المستنيب والمستأجر كما ان تشريعها ليس عبارة عن ايجاب العمل على المكلف اعم من كونه ببدنه الحقيقي أو التنزيلي بان يكون النائب منزلا بدنه منزلة بدن المنوب عنه فان التنزيل ممالا يخطر ببال النائب والمنوب عنه اصلا بل حقيقة تشريعها يرجع إلى ايجاب عملين على المكلف على نحو التخيير كما هو الشأن في كل عملين يكون أحدهما مسقطا للأخر من دون أن يكون بينهما جامع عرفي وان كان هناك جامع ملاكي وعليه فيكون الشك في السقوط مع الاستنابة راجعا إلى الشك في ان وجوب العمل على المكلف هل هو على نحو التعيين أو التخيير ومن المعلوم أن الأطلاق في المقام يعين التعيينية فان مقتضى الأطلاق ان العمل واجب سواء استناب أحدا أم لا وسيجئ ان شاء الله أن مقتضى الاطلاق قد يكون هو التوسعة وقد يكون هو التضييق ولكن التحقيق عدم صحة رجوع الاستنابة إلى الوجوب التخييري أيضا لبداهة عدم فراغ ذمة الولي بمجرد الاستنابة قطعا فلا تكون طرفا للوجوب التخييري شرعا ولجواز التبرع في كل ما تدخله النيابة اجماعا ولا معنى لكون فعل الغير من اطراف الوجوب التخييري فالحق ان حقيقة النيابة عبارة عن تنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه وفرض ان الفعل فعله فيكون العمل الواجب على الولي فيه ثلاث جهات:

(الاولى) الوجوب التعييني من جهة المادة وهو نفس الصلاة مثلا مع قطع النظر عن مصدرها بمعنى أن المولى يريد أصل وجود الصلاة في الخارج ولا تسقط بمجرد الاستنابة.

(الثانية) التخيير من جهة المصدر بمعنى أن الولي مخير بين اصدارها بالمباشرة واصدارها بالاستنابة.

(الثالثة) الوجوب المشروط بعدم فعل الغير كما سنبينه في القسم الثاني ان شاء الله تعالى فإذا شك في واجب انه يسقط بفعل الغير مع الاستنابة ام لا فمرجعه إلى الشك في الوجوب التخييري من جهة المصدر ومع الواضح أن نفس توجه الخطاب إلى المكلف من دون تقييد يرفع الشك من هذه الجهة ويجعله ظاهرا في الوجوب التعييني وهذا الظهور أقوى من ظهور الصيغة في التعيين من جهة المادة كما هو واضح (واما) السقوط بفعل الغير من دون الاستنابة فينفيه اطلاق الصيغة ايضا فان مرجعه إلى كون فعل الغير رافعا للموضوع أو لملاكه مثلا ايجاب القضاء على ولى الميت أو ايجاب اداء الدين على المكلف مشروط عقلا ببقاء موضوعه وهو اشتغال ذمة الميت أو المديون فإذا فرضنا سقوط اشتغال الذمة بالصلاة أو الدين بصلاة المتبرع أو ادائه فلا موضوع لإيجاب القضاء أو اداء الدين اصلا فلا محالة يكون التكليف بالقضاء أو الاداء مشروطا بعدم فعل الغير فإذا شككنا في السقوط بفعل الغير فمرجع الشك إلى الشك في اشتراط الخطاب وعدمه واطلاق الخطاب ينفى الاشتراط ويثبت كونه مطلقا.

(فان قلت) على ما ذكرت فالشك في السقوط بفعل الغير يرجع إلى الشك في بقاء الموضوع وعدمه ومن الواضح أنه لا اطلاق للخطاب بالإضافة إلى وجود موضوعه وعدمه بل هو مشروط به عقلا فلا يمكن دفعه بالإطلاق.

(قلت نعم) ولكن بقاء الموضوع وعدمه يستكشف من السقوط بفعل الغير وعدمه وبقاء الموضوع وعدمه فيما نحن فيه تابع لجعل الشارع وسيجئ ان شاء الله أن كل موضوع شرط وكل شرط موضوع فإذا أثبتنا بأطلاق الخطاب أن التكليف غير مشروط بعدم فعل الغير فيستكشف من هذا بقاء الموضوع قهرا وغرضنا من التمسك بالإطلاق هو التمسك به من جهة عدم الاشتراط بعدم فعل الغير الملازم لبقاء الموضوع عقلا لا التمسك به من جهة بقاء الموضوع وعدمه بهذا العنوان.

(فتحصل) من جميع ما ذكرنا أن مقتضى الاصل اللفظى فيما إذا شك في سقوط واجب بفعل الغير بالاستنابة أو بدونها هو عدم السقوط لأطلاق الصيغة في التعيينية من جهة المصدر وعدم اشتراطه بعدم فعل الغير له (وأما) مقتضى الاصل العملي ان لم يكن هناك اطلاق فيختلف بالإضافة إلى السقوط بالاستنابة أو بدونها أما إذا كان الشك في السقوط بفعل الغير معها فلا محالة يكون مرجع الشك إلى أن التكليف المتعلق بخصوص الصلاة من الولي هل له عدل آخر وهو التكليف بالاستنابة حتى يسقط الخطاب الاول بامتثال الثاني أولا فالشك يرجع إلى الشك في الامتثال بعد القطع بالاشتغال ومن الواضح أن الحكم فيه هو الاحتياط وأن قلنا بالبراءة فيما إذا كان الجامع واجبا قطعا وكان الشك في وجوب احدى الخصوصيتين على التعيين وعدمه حتى يكون مرجع الشك إلى الشك في وجوب التخيير العقلي وعدمه لكون التكليف بالجامع متيقنا وان الشك في وجود الخصوصية يدفع بالأصل بخلاف المقام فان المفروض فيه عدم وجوب الجامع قطعا لكون التخيير على فرضه شرعيا فالتكليف متعلق بالصلاة مع الخصوصية على الفرض وانما الشك في اسقاط شيء آخر لهذا الواجب لاحتمال كونه عدلا للتخيير فمقتضى القاعدة ح هو الاشتغال لا البراءة وأما إذا كان الشك في السقوط بفعل الغير تبرعا فحيث ان مرجع الشك إلى الشك في الاشتراط وعدمه فلا محالة يكون تعلق التكليف في فرض فعل الغير تبرعا مشكوكا فمقتضى القاعدة هو البراءة (الا) أن التحقيق ان الشك في الاشتراط والاطلاق ان كان من أول الامر فالأمر كذلك الا أن المقام ليس من هذا القبيل بل الشك فيه بقاء لا حدوثا.

(بيان ذلك) أن التكليف بالقضاء تعلق بالولي حين الموت قطعا وفى ذلك الزمان لم يكن تبرع من أحد على الفرض فكان التكليف في زمان فعليا فإذا شككنا في البقاء وعدمه بعد فعل الغير من جهة الشك في الاشتراط وعدمه فلا محالة يجرى الاستصحاب موضوعا فيما إذا كان الشك من جهة الشك في بقاء الموضوع كمسألة الدين أو حكما فيما إذا لم يكن كذلك كما إذا شككنا في ان الحج الواجب على المريض غير المتمكن من المباشرة هل يسقط بفعل الغير تبرعا اولا فمقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب بعد فعل الغير ايضا ونظير ما نحن فيه حكم الشك في الاقل والاكثر فانه إذا كان الشك في وجوب الجزء الزائد على المتيقن من أول الامر كما إذا شككنا في وجوب السورة في الصلاة فمقتضى القاعدة هو البراءة لا الاستصحاب لان القدر المتيقن من الخطاب قد فرع ذمة المكلف عنه يقينا والزائد المشكوك منفى بأصل البراءة من أول الامر وأما إذا كان الشك في عدم وجوبها لعارض بقاء فمقتضى القاعدة هو استصحاب وجوب الصلاة مع السورة وان كان الشك دائرا بين الاقل والاكثر.

(فتحصل) أن مقتضى القاعدة هو الاشتغال في الشق الاول والاستصحاب في الشق الثاني وأما القسم الثاني وهو السقوط من دون ارادة واختيار فالتحقيق ان يقال انه قد يدعى ان مادة الافعال منصرفة إلى خصوص ما إذا صدرت عن ارادة واختيار كما قد يقال بأن هيأتها منصرفة إلى ذلك (والحق) في المقام عدم صحة كلتا الدعويين (أما الاولى) فلان المادة ان لم تكن بنفسها قصدية كالتعظيم وامثاله فلا وجه لانصرافها إلى خصوص ما اذا صدرت بالاختيار بعد صدقها على تمام افرادها بالتواطيء (وأما الثانية) فقد بينا سابقا أن هيئات الافعال موضوعة (2) لإفادة قيام المبادئ وانتسابها إلى فاعلها وبعبارة أخرى لإفادة قيام العرض بموضوعه ، هذا أمر يشترك فيه جميع المواد سواء كانت من قبيل الافعال أو الاوصاف وما كان من قبيل الافعال اعم من أن يكون اختياريا أو غير اختياري فدعوى الانصراف في الهيئة المشتركة بين الجميع خالية عن الدليل ولذا ترى أن الفقهاء أفتوا بضمان المتلف اختيارا أو غفلة أو في حال النوم أو ما اشبه ذلك تمسكا بعموم من أتلف مال الغير فهو له ضامن وبالجملة المدعى هو الانصراف في خصوص ما إذا كانت المادة اختيارية في حد نفسها مع أن الهيئة لم توضع في خصوص هذه المواد حتى يدعى انصرافها إلى خصوص ما إذا صدرت عن الاختيار بل وضعت لمعنى مشترك بين جميع المواد (واما) دعوى انصرافها إلى ما إذا كانت قائمة بالفاعل من دون قهر واجبار من الغير فليست بذلك البعيد كما ادعى ذلك الشيخ الأنصاري (قدس سره) في قوله (عليه السلام) (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وأن الخيار لا يسقط بتفريق الغير للمتبايعين قهرا نعم تمتاز صيغة افعل عن سائر الافعال في الدلالة على الاختيارية من وجهين:

(الاول) ان المطلوب على المذهب الحق لابد وأن يكون حسنا بالحسن الفاعلي (3) وهو لا يتحقق الا في خصوص الفعل الإرادي نعم الحسن الفعلي لا يتخلف  عن الفعل سواء صدر بالاختيار أم لا الا انه ليس مصححا للتكليف بل المصحح له هو الحسن الفاعلي المختص بحال الإرادة والاختيار.

(الثاني) ان الطلب التشريعي كما ذكرناه هو تحريك عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته واختياره وجعل الداعي له لان يفعل ومن البديهي أنه انما يمكن جعل الداعي في خصوص الفعل الإرادي لا الاعم منه ومن غيره وعليه فالمطلوب دائما هو الفعل الإرادي فإذا شك في سقوطه بغير الارادي فحيث انه لا يمكن التخيير بينهما عقلا فيرجع الشك إلى الشك في اشتراط الخطاب وعدمه فيكون حاله حال الشك في السقوط بفعل الغير وقد عرفت أن مقتضى الا طلاق فيه هو عدم الاشتراط ان كان هناك اطلاق والا فالمرجع هو الاستصحاب دون البراءة وأما القسم الثالث وهو السقوط بفعل المحرم فحاصل الكلام فيه أن نسبة دليل التحريم إلى دليل الواجب تكون تارة نسبة الاخص إلى الاعم كما في باب النهى عن العبادة واخرى نسبة العموم من وجه كما في باب اجتماع الامر والنهى فان كان من قبيل الاول فلا اشكال في انه يضيق دائرة الواجب ويخصصه بغير الفرد المحرم كما إذا قال اغسل ثوبك ولا تغسل بالماء المغصوب وان كان من قبيل الثاني فحيث ان المأتى به في ضمن الفرد المحرم لا يكون متصفا بالحسن الفاعلي (4) لفرض وقوعه مبغوضا عليه فلا محالة لا يكون مأمورا به وان قلنا بجواز اجتماع الامر والنهى لتعدد متعلق الامر والنهى الا أن المأتى به في ضمن افراد المحرم حيث أنه فاقد للحسن الفاعلي وهو من شرائط كون الشيء مأمورا به فلا محالة لا يكون مأمورا به فإذا قام الدليل على سقوط التكليف به فهو يكشف عن تحقق المصلحة أو عن ارتفاع الموضوع فلا محالة يكون التكليف مشروطا بعدمه كما في ازالة النجاسة بالماء المغصوب حيث انه لا نجاسة بعد الغسل به حتى يؤمر بغسلها فإذا شككنا في الاشتراط وعدمه فالمرجع هو اصالة الاطلاق ان كان والا فالاستصحاب.

(فتحصل) أن مقتضى الاصل اللفظي والعملي في تمام الاقسام هو عدم التوصلية.

الامر الثاني: قد عرفت أن محل الكلام انما هو التوصلي في قبال التعبدي وهو العمل الذى شرع لأجل التعبد به وحيث أن التعبد امر قصدي فلا محالة يكون بأحد الدواعي القربية (منها) قصد الامر و (منها) قصد المصلحة و (منها) قصد كون المولى اهلا لذلك إلى غير ذلك والكلام فعلا متمحض في خصوص قصد الامر وأنه مما يمكن اخذه في متعلق الامر أولا وحيث أن الاطلاق كما سيجئ انشاء الله تعالى يقابل التقييد تقابل العدم والملكة فما لم يكن المورد قابلا للتقليد لم يكن قابلا للإطلاق ايضا (5) وتوضيح المقام أن يقال أن العناوين المأخوذة في متعلقات التكاليف كالصلاة والغسل وغيرهما اوفى موضوعاتها وهى كل ماله دخل في فعلية الحكم ويسمى بالشرائط كالوقت والبلوغ مثلا في الاول وهما مع وجود الماء في الثاني لها انقسامات اولية وثانوية ونعنى بالانقسامات الأولية كل انقسام لها باعتبار نفسها مع قطع النظر عن وجود التكليف ككون الصلاة مع الطهارة وعدمها وكون الماء حلوا اومرا إلى غير ذلك ونعنى بالانقسامات الثانوية كل انقسام لها باعتبار تعلق التكليف بحيث لا معنى للانقسام مع قطع النظر عنه ككون المكلف وهو موضوع الحكم عالما به أو جاهلا وككون الصلاة مع قصد القربة أو بدونه.

(أما الانقسامات الاولية) فلا بدوان يكون التكليف بالإضافة إليها مطلقا أو مقيدا والالزم عدم محدودية متعلق التكليف أو موضوعه وهذا يستحيل على الحكيم المطلق وكذا على غيره الملتفت مثلا إذا التفت الأنسان إلى انقسام الماء إلى قسمين فاما ان يكون طلبه مقيدا بخصوصية أحد القسمين أو لا يكون مقيدا وعى كلا التقديرين لا يمكن الاهمال في مقام الثبوت والواقع نعم يمكن ذلك في مقام الاثبات والدلالة بأن لا يكون المولى في مقام بيان تمام مراده اوفى مقام الثبوت من الجاهل غير الملتفت إلى الانقسام كما لو فرضنا الامر بإكرام جيرانه غير ملتفت إلى انقسامهم إلى صديق وعدو فانه حينئذ لا يكون اطلاق أو تقييد حتى بلحاظ مقام الثبوت ايضا واما الانقسامات الثانوية سواء كانت لموضوعات التكاليف أو لمتعلقاتها فلا يعقل فيها التقيد فلا يتصور فيها الاطلاق ايضا (أما) عدم تعقل تقييد الموضوع بحال العلم بالحكم فللزوم الدور وبيانه أن فعلية كل حكم تتوقف على وجود موضوعه بقيوده ومشخصاته بداهة أنها بالإضافة إليه من قبيل الشروط بالإضافة إلى المشروط كما سيجيئ في الواجب المشروط انشاء الله تعالى ان كل شرط موضوع وكل موضوع شرط وحيث أنه يتوقف العلم بشخص الحكم على وجود الحكم خارجا وفرضه موجودا والا لا يعقل العلم به فيلزم الدور المصرح وهو توقف الشيء على ما توقف عليه وكون الشيء معلولا لمعلوله بلا واسطة غاية الامر أن التوقف من احد الطرفين عقلي وهو توقف العلم على وجود المعلوم ومن الطرف الاخر جعلي وهو توقف فعلية الحكم على وجود العلم لأخذه في الموضوع شرعا هذا بحسب مقام الفعلية (واما) بحسب مقام الأنشاء فقد يقال بعدم استحالة اخذ العلم في الموضوع في ذاك المقام لعدم توقف الانشاء على وجود الموضوع قطعا (الا ان) التحقيق استحالته ايضا من وجهين:

(الاول) ان المجعول في مقام الانشاء كما سيجيئ انشاء الله تعالى ليس الا الاحكام الفعلية لموضوعاتها الخارجية وبعبارة اخرى الاحكام الفعلية هي الاحكام الموجودة بنفس الانشاء لموضوعاتها المقدر وجودها غاية الامر انها قبل وجود موضوعاتها فرضية وبعده خارجية فإذا فرضنا امتناع المجعول لاستلزامه الدور فيلزم امتناع الجعل ايضا إذا استحالة الوجود يستلزم استحالة الايجاد قطعا.

(الثاني) ان الدور وان لم يلزم في مقام الانشاء الا ان محذوره وهو لزوم توقف الشيء على نفسه المستلزم لتقدم الشيء على نفسه وفرضه قبل وجوده لازم لا محالة (وبيانه) ان العلم بشخص الحكم (تارة) يؤخذ في الموضوع على نحو القضايا الوهمية غير المعقولة كأنياب الاغوال التي لا تنطبق على الخارج اصلا وحينئذ فلا كلام لنا عليه واخرى يؤخذ في الموضوع على نحو القضايا الحقيقية المستعملة في تمام العلوم التي منها القضايا المتكفلة للأحكام الشرعية وحينئذ فلابد من فرض الموضوع في مقام الانشاء والحكم على المفروض كما في قضية الخمر حرام فإن الحاكم في مقام حكمه بالحرمة يفرض وجود الخمر خارجا ويحكم عليه بالحرمة فإذا فرضنا اخذ العلم بالحكم في مقام الانشاء بنحو يكون مرآة لما في الخارج وينطبق عليه فلابد من ان يفرض وجود العلم بالحكم في ذاك المقام ومن الواضح ان فرض وجود العلم بالحكم فرض وجود الحكم فلابد وان يكون الحكم مفروض الوجود قبل وجوده ولو بالقبلية الرتبيه وهو ما ذكرناه من محذور الدور بعينه وان لم يكن دورا اصطلاحا وما وقع في كلام جماعة من الاساطين من التعبير بالدور فهو من باب المسامحة في التعبير (واما) تقييد متعلق التكليف بقصد امتثال الامر فقد يقال بإمكانه من ناحية الامر وعدم لزوم محذور الدور لإمكان تصور قصد الامر قبل وجوده الا ان المانع عنه عدم قدرة المكلف حينئذ على الامتثال فان المفروض ان المأمور به هي الصلاة المقيدة مثلا فذات الصلاة وحدها لا امر بها فلا يمكن ايجادها بداعي امرها حتى يؤمر بها وكونها مأمورا بها في ضمن تعلق الامر بالمجموع لا يصحح كونها مأمورا بها إذا اتى بها وحدها بداعي الامر بالمجموع كما لا يخفى.

(لكن التحقيق) ان عدم القدرة في محل الكلام ليس ناشئا من عدم تمكن المكلف من اسباب الفعل مع امكان الفعل في حد ذاته كالطيران إلى الهواء بل من استحالة التقييد في حد ذاته في مقام الانشاء والفعلية والامتثال (اما) في مقام الانشاء فلما عرفت (6) من ان الموضوع في القضايا الحقيقية دون الفرضية غير المعقولة لابد وان يكون مفروض الوجود في الخارج في مقام اخذه موضوعا من دون ان يكون تحت التكليف اصلا ولا فرق فيه بين ان لا يكون الموضوع تحت اختيار المكلف وقدرته كما في (صل في الوقت) فان الوقت غير مقدور للمكلف أو يكون تحت اختياره وقدرته كما في (اوفوا بالعقود) فان معناه انه إذا فرض عقد في الخارج يجب الوفاء به لا انه يجب على المكلف ايجاد عقد في الخارج والوفاء به وحينئذ فلو اخذ قصد امتثال الامر قيدا للمأمور به فلا محالة يكون الامر موضوعا للتكليف ومفروض الوجود في مقام الانشاء (وهذا) ما ذكرناه من لوازم تقدم الشيء على نفسه وبعبارة واضحة كل امر اختياري أو غير اختياري اخذ متعلقا لمتعلق التكليف فوجود التكليف مشروط بفرض وجوده بفرض مطابق للواقع وحيث ان متعلق المتعلق فيما نحن فيه هو نفس الامر فيكون وجوده مشروطا بفرض وجود نفسه فرضا مطابقا للخارج فيلزم كونه مفروض الوجود قبل وجوده وهو بعينه محذور الدور (واما في) مقام الفعلية الحكم يتوقف على فعلية موضوعه اعني متعلقات متعلق التكليف وحيث ان المفروض ان نفسه هو الموضوع لنفسه ومتعلق متعلقه فيتوقف على فعليته نفسه ولازمه تقدم فعلية على فعليته (واما) في مقام الامتثال فلان قصد الامتثال متأخر عن اتيان تمام اجزاء المأمور به وقيوده طبعا فان قصد الامتثال انما يكون بها وحيث انا فرضنا من جملة الاجزاء والقيود نفس قصد الامتثال الذى هو عبارة عن دعوة شخص ذاك الامر فلابد وان يكون المكلف في مقام امتثاله قاصدا للامتثال قبل قصد امتثاله فيلزم تقدم الشيء على نفسه.

(وبالجملة) محذور الدور هو تقدم الشيء على نفسه وفرضه موجودا قبل وجوده موجود في تمام المراتب الثلاث وان يلزم هو بنفسه وكأن تعبير بعض الاساطين بالدور من باب المسامحة (هذا كله) بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره) من ان القربة وكون الفعل عبادة لا تتحققان الا بقصد الامر فقط وبقية الدواعي انما هي في طول ذاك الداعي (لا في) عرضه (واما) بناء على ما ذهب إليه أستاذ الاساطين الشيخ الأنصاري (قدس سره) من كون قصد الجهة وهى المصلحة موجبا للتقرب في عرض قصد الامر فيلزم من اخذه في المأمور به ذاك المحذور عينا (7) فان قصد جهة الصلاة مثلا يتوقف على كون الصلاة ذات جهة وكون الجهة مترتبة على نفسها والمفروض ان الجهة انما تترتب على قصد الجهة لفرض كونه جزء المأمور به فبدونه لا جهة حتى تقصد فالجهة فرع قصدها وقصدها فرع تحققها فيلزم توقف الشيء على ما يتوقف عليه بلا واسطة وهو الدور المصرح المستلزم لتقدم الشيء على نفسه بمرتبتين فاءن الشيء متأخر عن علته بمرتبة والمفروض انه متقدم على علته بمرتبة لكونه علة لعلته فيتقدم على نفسه بمرتبتين.

(واما) على المختار من كون جميع الدواعي القربية في عرض واحد وان الجامع بين الجميع كون العمل لله كما يستفاد من قوله (عليه السلام) (وكان عمله بنية صالحة يقصد بها ربه) فوجه امتناع اخذ الجامع المنطبق على جميع الدواعي القربية في المأمور به هو ان الداعي اياما فرض فهو في مرتبة سابقة على الارادة المحركة للعمل فيستحيل كونه في عرض العمل الصادر عن الارادة التكوينية فان المفروض سبقه على الارادة وتأخر العمل عنها فإذا لم يمكن وقوع الداعي في حيز الارادة التكوينية (8) فلا يمكن وقوعه في حين الارادة التشريعية ايضا بداهة ان متعلق الارادة التشريعية هو بعينه ما يوجده العبد في الخارج وتتعلق به ارادته فلو لم يمكن تعلق الارادة التكوينية بشيء لا يمكن تعلق الارادة التشريعية به ايضا (إذا عرفت) عدم امكان اخذ داعى القربة في متعلق الامر فلابد من بيان ما به يمتاز التعبدي عن التوصلي فما قيل أو يمكن ان يقال في تصويره وجوه الاول ما حكى بعض تقريرات العلامة الشيرازي (قدس سره) وحاصله ان نفس الداعي القربى وأن لم يمكن اخذه في المتعلق بوجه من الوجوه الا انه يمكن اخذ عنوان في المأمور به يكون ملازما لاحد الدواعي القربية وجودا وعدما فالفرق بالأخرة انما يكون باختلاف المتعلق والدواعي ملازمة لذلك العنوان المقيد به متعلق الامر (وفيه) ان هذا الوجه وان كان لطيفا في نفسه الا انه يرد عليه انه لو فرضنا (9) ولو محالا انفكاك ذاك العنوان عن احد الدواعي وبالعكس فلا بدوان تكون العبادة صحيحة على الاول دون الثاني (مع) انه لا يلتزم به ففيه قطعا لبداهة صحة العمل مع الداعي القربى قطعا وان لم يوجد هناك عنوان اصلا وفساده مع عدمه وان وجد ذلك العنوان الثاني ان الفرق بينهما من ناحية الامر وان حقيقة الامر التعبدي مع حقيقة الامر التوصلى متباينان فالأول يقتضى بنفسه ان يكون باعثا فعليا دون الثاني فإنه لا يقتضى الانفس وجود المأمور به في الخارج من دون ان يقتضى كونه داعيا بالفعل وان كان فيه صلاحية ذلك ويرد على هذا الوجه:

(اولا) ان هذا مبتن على ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره) من لزوم كون الامر داعيا وان بقية الدواعي في طوله لا في عرضه واما على المختار (فلا اشكال) في كفاية بقية الدواعي فلا تكون دعوة الامر التعبدي فعلا من لوازم ذاته قطعا.

(وثانيا) (10) ان دعوة الامر في مرتبة متأخرة عنه لا محالة فلا يمكن كونها في عرضه وموجودة بوجوده بحيث يكون المولى موجدا لنفس الامر ودعوته والا لتقدم الشيء على نفسه وبعبارة واضحة دعوة شيء فرع ثبوت ذاك الشيء فانه موضوعه فيستحيل ان تكون موجودة في عرضه الثالث (11) كون الفرق بينهما بحسب الغرض وان الغرض لا يحصل من الامر التعبدي الا بقصد القربة واما الامر التوصلي فيترتب الغرض منه على مطلق وجود المأمور به قصد به التقرب أم لا (وفيه) انه ان اريد من الغرض المصلحة الكائنة في المأمور به فيرد عليه ان الافعال بالإضافة إلى المصالح كما ذكرناه في مبحث الصحيح والاعم من قبيل العلل المعدة لا من قبيل الاسباب بالإضافة إلى مسبباتها فيستحيل ان تقع تحت التكليف والالزام فحصولها وعدمها اجنبي عن المكلف فلا معنى لكونه بصدد تحصيلها بل هو مكلف بإيجاد المأمور به خارجا والمصالح علل الجعل والتشريع لا مما يجب ايجاده خارجا (وان اريد) منه الغرض القائم بالأمر فبما ان الامر فعل من افعال المولى ولابد ان يكون فيه غرض فالغرض من الامر التوصلي نفس وجود المأمور به خارجا وان لم يكن بدعوة الامر ومن التعبدي دعوة الامر لوجود المأمور به (فيرد عليه) ما ورد على الوجه الثاني عينا من ابتنائه على مذهب صاحب الجواهر (قدس سره) اولا واستحالة كون دعوة الامر غرضا منه وموجودا بوجوده ثانيا وعدم دليل على لزوم الحركة على طبق الغرض من الامر ثالثا (هذا) وسيجيئ ما هو المختار عندنا من الفرق بين التوصلي والتعبدي.

الامر الثالث: اختلفت كلمات الاصحاب في مقتضى الاصل اللفظي في المقام فاختار جماعة ومنهم المحقق الأنصاري (قدس سره) اصالة التوصلية واختار صاحب الاشارات (قدس سره) وجماعة ممن تبعه اصالة التعبدية (والحق) في المقام وفاقا لجملة من المحققين هو الإهمال وعدم الاطلاق مطلقا (واستدل) العلامة الأنصاري (قدس سره) على مختاره بعدم امكان التقييد فيثبت الاطلاق وبمثل هذا استدل على شمول الخطاب للجاهلين وعدم اختصاصه بالعالمين وعلى عموم وجوب المقدمة لغير الموصلة والجامع في جميع المقامات عدم امكان التقيد للزوم المحذور فيه (ولا يخفى (12)) عدم صحة الاستدلال المذكور في شيء من المقامات المذكورة فانه يبتنى على ان يكون الاطلاق مقابلا للتقييد تقابل الايجاب والسلب بأن يكون معنى الاطلاق هو مطلق عدم التقييد ولو بالعدم الازلي وهذا المعنى فاسد حتى عنده (قدس سره) فان الاطلاق كما سيجئ في محله انشاء الله تعالى وان كان عدميا الا انه موقوف على ورود الحكم على المقسم وتمامية مقدمات الحكمة فالتقابل بينهما لا محالة يكون تقابل العدم والملكة فإذا فرضنا في مورد عدم ورود الحكم على المقسم فلا معنى للتمسك بالإطلاق قطعا وما نحن فيه من هذا القبيل فان انقسام المتعلق بما إذا اتى به بقصد الامر وعدمه يتوقف على ورود الامر فانه كما عرفت من الانقسامات الثانوية فليس قبل تعلق الامر وفى مرتبة سابقة عليه مقسم اصلا فالحكم لم يرد على المقسم بل صحة التقسيم نشأت من قبل الحكم فلا معنى للتمسك بالإطلاق فكل مورد لم يكن قابلا للتقييد يمتنع الاطلاق فيه أيضا (وأما) لو بنينا على ما هو المشهور قبل سلطان العلماء (قدس سره) من كون الاطلاق امرا وجوديا وانه بمنزلة التصريح بالعموم (فعدم) صحة التمسك بالإطلاق اوضح فانه في قوة ان يقال صل سواء كان بقصد الامر اولا فان التصريح المذكور انما يصح فيما إذا كان الانقسام قبل الامر لا بعده والا كان اخذ المقسم بما هو مقسم في متعلق الامر مع ان كونه مقسما انما نشأ من قبله مستلزما لتقدم الشيء على نفسه واستدل الكلباسي (قدس سره) في الاشارات على اصالة التعبدية بوجوه نذكر المهم منها الاول ان المولى انما يأمر عبده بشيء ويطلبه منه ليجعل امره محركا اياه نحو العمل وباعثا له نحو المراد فالأمر هو بنفسه جعل للداعي والمحرك مطلقا (فإذا) قام هناك قرينة على التوصلية فذاك والا كان مقتضى نفس الامر هو التعبدية (وفيه) (13) انه ان اريد من جعل المولى امره محركا الزام المولى عبده بالعمل وجعله في عهدته بحيث يكون داعيا نحو العمل لو لم يكن له داع من قبل نفسه فانه قبل الامر بالعمل لم يكن ملزما بالفعل بل كان له اختيار من نفسه في الفعل وتركه وبعد الامر لابد له من العمل ليحصل له الفراغ منه فهو مسلم الا انه اجنبي عن التعبدية بالمعنى المقصود لاشتراك هذا المعنى بين جميع الواجبات تعبدياتها وتوصلياتها وان اريد منه ان الفعل لابد وأن يصدر في الخارج بداعي امتثال امر المولى لإبداع آخر حتى يكون الامر متكفلا لمحركية نفسه وللزوم صدور العمل من قبله فقد عرفت انه مبنى على مذهب صاحب الجواهر (قدس سره) المخالف لما اخترناه اولا وانه مستلزم للمحال ثانيا وببيان آخر الامر انما يدعو نحو العمل وارادة المكلف ملحوظة بنحو المعنى الحرفي غير الاستقلالي والملحوظ بالاستقلال هو نفس الفعل فلو كانت ارادة العبد ولزوم صدورها عن داعى الامر ملحوظين حين الامر لزم انقلاب الملحوظ الآلي إلى الاستقلالي هو خلف محال. الوجه الثاني قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الاية حيث استدل بها على عبادية جميع اوامر الله تبارك وتعالى خرج ما خرج فيبقى الباقي تحت العموم.

(وفيه اولا) ان هذا المعنى مستلزم لتخصيص الاكثر فان الواجبات الشرعية الا قليلا (منها توصليات فيكشف لزوم تخصيص الاكثر عن عدم ارادة هذا المعنى من الاية اجمالا (وثانيا) ان مفاد الاية بقرينة سابقتها وهو قوله عز وجل لم يكن الذين كفروا والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة... الخ, هو (14) ان المؤمنين في مقام العبادة لم يؤمروا الا بعبادة الله دون غيره لا ان كل امر ورد في الشرع فهو عبادي فالآية في مقام بيان تعيين المعبود وقصر العبادة عليه لا في مقام بيان حال الاوامر وانها عبادية فالآية اجنبية عن هذا المقام قطعا الوجه الثالث قوله (صلى الله عليه وآله) الاعمال بالنيات فدل على ان العمل بلا نية كلا عمل فما لم تقم قرينة على صحة العمل بلا نية فلا يعتد به ويكون لغوا في مقام الامتثال وفيه ان المستفاد من التفاسير الواردة في كلمات الائمة سلام الله عليهم اجمعين لهذه الكلمة الجامعة ان المراد منها هو ان لكل امرى ما نوى فان كان العمل لله فيجعله الله لنفسه والا فلما عمله من اجله كما ورد عنهم عليهم السلام ان المجاهدان جاهد لله فالعمل له تعالى وان جاهد لطلب المال والدنيا فله ما نوى فحاصل الرواية الشريفة ان عنوان الفعل في الخارج يتبع نية الفاعل وقصده فان فعله لله يقع له والا فلا فليست الرواية في مقام بيان ان الاوامر الشرعية عبادية اصلا فتحصل انه ليس هناك اطلاق العين التوصلية أو التعبدية بل المأمور به بالإضافة إلى الانقسامات الثانوية مطلقا لا مناص من كونه مهملا (واما) دعوى الظهور في التوصلية مع فرض عدم الاطلاق فلا وجه لها بداهة انه ليس فيما نحن فيه ما يقتضى الظهور غير الاطلاق وهو مفروض العدم.

الامر الرابع: ربما يتمسك لإثبات التوصلية في مورد الشك فيها بحكم العقل بالإجزاء وان الاتيان بالمأمور به يجزي عقلا والمفروض ان المأمور به غير مقيد بقصد القربة قطعا وهذا الوجه هو المحتمل من عبارة صاحب التقريرات وبيان دفعه يحتاج إلى تقديم مقدمة وهي ان جعل المولى (تارة) يكون تاما وكل ما وقع تحت امره وخطابه يكون وافيا بتمام غرضه فلا محالة يكون الاتيان بما يفئ بغرضه مجزيا عقلا (واخرى) لا يكون كذلك بل المولى يحتاج إلى متمم لجعله كما في الغسل قبل الفجر فيما إذا اوجب صوم الغد فانه بناء على امتناع الواجب المعلق كما سيجيئ في محله لابد وان يكون الامر بالصوم بعد الفجر لاشتراطه به ويستحيل تقدمه عليه كما ان الامر بالغسل لابد وان يكون قبل الفجر لاشتراط الصوم في الجزء الاول من النهار بالطهارة وحينئذ فحيث ان غرض المولى مترتب على الصوم المقيد بالطهارة ويستحيل ان يأمر بهما بأمر واحد جامع بين ما قبل الفجر وما بعده فلابد وان يستوفى غرضه بأمرين احدهما قبل الفجر بالغسل والاخر بعد الفجر بالصوم وحينئذ فحيث ان الامرين نشئا عن ملاك واحد فهما في حكم امر واحد واطاعتهما ومعصيتهما واحدة ولا يكون الاتيان بالمأمور به من احدهما مجزيا ومسقطا من دون الاتيان بالمأمور به من الاخر وما نحن فيه من هذا القبيل ايضا فإذا إذا فرضنا ان غرض المولى مترتب على الصلاة بداعي القربة فإذا اراد المولى استيفاء غرضه فحيث انه لا يمكن له ذلك الا بأمرين فلابد له من امر متعلق بذات الصلاة وامر آخر متعلق بإتيانها بقصد القربة (وتوهم) الاكتفاء بأمر واحد بالصلاة وايكال الجزء الاخر وهو قصد القربة إلى حكم العقل لا معنى له فان شأن العقل انما هو الادراك وان هذا الشيء مما اراده الشارع ام لا وليس الامر والتشريع من شؤنه حتى يكون هو شارعا في قبال الشارع فكما ان ذات الصلاة تعلق بها ارادة الشارع لكونها مما له دخل في غرضه كذلك لابد وان يكون داعى القربة متعلقا لإرادته غاية الامر انه لا يعقل ذلك بالأمر الاول فلابد من الامر الثاني المتمم للجعل الاول حتى يكون الامر ان في حكم امر واحد.

(فظهر) ان توهم سقوط الامر الاول مع عصيان الامر الثاني لا معنى له فان ذلك انما يصح فيما إذا كان الامر ان مستقلين وناشئين عن ملاكين كما إذا فرضنا تعلق النذر بفعل صلاة الفريضة في المسجد فانه إذا صلاها في الخارج يسقط الامر الصلاتي وان كان عاصيا بالقياس إلى الامر النذري ويجب عليه الكفارة لا في مثل ما نحن فيه الذى نشأ الامر ان فيه عن ملاك وغرض واحد فيستحيل سقوط احد هما دون الاخر كما ظهر ان عدم السقوط ولزوم الاتيان بداعي الامر من قبل الامر الثاني لا من قبل حكم العقل والزامه لما عرفت ان شأنه الادراك لا الالزام.

(فتحصل) مما ذكرناه انه في كل مورد احتمل العقل عدم تمامية الجعل و الاحتياج إلى امر آخر لا يعقل استقلاله بالأجزاء قطعا وما نحن فيه من هذا القبيل (ثم لا يخفى) ان تمامية الجعل وعدمها انما تعلم من الخارج فتارة يدل الدليل على وجود الامر الثاني وان غرض المولى مترتب على فعل المأمور به مع قصد القربة فيفيد الامر الثاني نتيجة التقييد وان الامر الاول لا يسقط بمجرد الفعل كيفما اتفق و اخرى يدل الدليل على عدم وجود الامر الثاني وان الجعل لا يحتاج إلى متمم فيكون النتيجة نتيجة الاطلاق (هذا) بالإضافة إلى متعلق الامر (واما) بالإضافة إلى موضوع التكليف فتارة يدل الدليل على ان غرض المولى مترتب على الفعل من كل مكلف عالم أو جاهل فيكون النتيجة نتيجة الاطلاق كما دلت ادلة اشتراك المكلفين في التكليف على ذلك واخرى يدل الدليل على ان الغرض مترتب على فعل العالم دون الجاهل كما في القصر والاتمام أو الجهر والإخفات فيكون النتيجة نتيجة التقييد وعلى هذا فإذا كان المولى في مقام بيان اظهار تمام جعله ومع ذلك لم يأمر بقصد القربة فيستكشف من هذا الاطلاق المسمى بالإطلاق المقامي تمامية الجعل الاول وعدم احتياجه إلى جعل المتمم ثانيا فتكون النتيجة كما في الاطلاق الكلامي ونظير ذلك قد مر في بحث الصحيح والاعم، من ان الصحيحي وان لم يمكن له التمسك بالإطلاق الكلامي لإجمال اللفظ الا انه يمكنه التمسك بالإطلاق المقامي إذا كان كما في صحيحة حماد المتكفلة لبيان اجزاء الصلاة فكلما لم تتعرض له مما يحتمل جزئيته فنتمسك بإطلاقها لدفع الاحتمال المذكور.

(وبالجملة) فالفرق بين المتوصليات والتعبديات انما هو (15) بالأمر الثاني وعدمه والتفرقة بينهما بالغرض قد عرفت فسادها وحينئذ فإذا كان المولى في مقام البيان و لم ينصب قرينة على الجعل الثاني المتمم للجعل الاول فمقتضى الاطلاق هو التوصلية وعدم الجعل الاخر وهذا الاطلاق نظير الاطلاق في متعلق التكليف الثابت بمقدمات الحكمة هذا كله فيما إذا تمت هناك مقدمات الحكمة والا فتصل النوبة إلى الاصول العملية (والحق ان) مقتضى القاعدة في المقام هي البراءة لما عرفت (16) من ان داعى القربة على تقدير دخله فلا محالة يكون بجعل ثان فالشك في دخله شك في الجعل الثاني فيكون حاله حال بقية الاجزاء في جريان البراءة عند الشك في دخلها في المأمور به (هذا) على ما هو المختار من كون دخل قصد القربة شرعيا (واما) إذا كان عقليا فربما يقال بان مقتضى القاعدة في المقام هو الاشتغال وان قلنا بالبراءة في مسألة الاقل والاكثر فان العقل بعد ماحكم بلزوم تحصيل غرض المولى فلا مناص من القول بالاشتغال عند الشك في حصوله فإذا اتى بالمأمور به بلا داعى القربة مع احتمال كون الواجب لا يسقط الغرض منه الا بقصد القربة فمقتضى القاعدة عدم جواز الاجتزاء به ولا يخفى (17) ان هذا الفرق مبنى على التفرقة بين المحصلات الشرعية والاسباب بين الاقل والاكثر والمختار فيه هي البراءة على ما ستعرف  العادية فإذا شك في دخل شيء في الاسباب العادية فمقتضى القاعدة هو الاشتغال كما إذا شككنا في دخل شيء حصول الاحراق الواجب شرعا واما إذا كان شك في دخل شيء في حصول الطهارة التي هي امر شرعي فمقتضى القاعدة هي البراءة لشمول حديث الرفع لرفع شرطية الشيء المشكوك أو جزئيته والحاصل ان المسبب ان كان امرا شرعيا وشك في دخل شيء في محصله شرطا وجزءا فمقتضى القاعدة هي البراءة واما إذا كان امرا غير شرعي فلا موجب لتوهم شمول حديث الرفع اصلا ومقتضى القاعدة هو الاشتغال واما فيما نحن فيه فحيث ان دخل قصد القربة في الغرض واقعى وليس بشرعي فلا يعقل شمول حديث الرفع لعدم دخله عند الشك فيكون مقتضى القاعدة تحصيلا للغرض هو الاشتغال واما الاجزاء والشرائط فحيث ان دخلها جعلي شرعي فلا بأس بشمول حديث الرفع لنفى الجزئية أو الشرطية عند تعلق الشك بهما (ولكن) هذا القول فاسد من حيث البناء والمبنى ولابد قبل بيان فساده من تقديم مقدمة وهى ان شمول حديث الرفع لمورد يتوقف على امور ثلاثة :

(الاول) كون الشيء مجهولا (الثاني) كون قابلا للوضع والرفع (الثالث) كون رفعه امتنانا بداهة ان الرواية انما وردت في مقام المنة وبانتفاء واحدة من المقدمات يبطل التمسك به لا محالة وحينئذ (فنقول) اما فساد المبنى فلان المسبب ان كان امرا شرعيا نظير الوجوب والطهارة والملكية فأما ان نقول بان المجعول الشرعي هو المسبب عند وجود اسبابه كما هو التحقيق أو نقول ان المجعول الشرعي هي السببية وعلى الاول فوجود المسبب عند وجود تمام الاجزاء والشرائط حتى الامور المشكوك دخلها في السبب مقطوع به يستحيل شمول حديث الرفع له ووجوده عند الاجزاء والشرائط المعلومة فقط وان كان مشكوكا الا انه لا وجه لتوهم شمول حديث الرفع له لمنافاته للامتنان فان الحكم بعدم ترتب الطهارة على الغسل مرة أو على الغسل بدون العصر مناف للامتنان قطعا فلا يكون لحديث الرفع مجال اصلا وبالجملة باب الاسباب والمسببات عند دوران الامر بين الاقل والاكثر على عكس باب التكاليف كليا فان التكليف بالأقل معلوم دون الاكثر بخلاف باب الاسباب فان ترتب المسبب على الاكثر معلوم دون الاقل ولو بنينا محالا على جعل السببية فالأمر كذلك فان سببية الاكثر معلومة لا يرفعها حديث الرفع وسببية الاقل وان كانت مشكوكة لكن لا امتنان في رفعها نعم لو بنينا على محال آخر ايضا وهو ان السببية كماهي مجعولة كذلك جزئية الاجزاء للسبب ايضا مجعولة واغمضنا عما سيجيئ في محله من ان الجزئية والشرطية والمانعية مطلقا حتى بالنسبة إلى متعلقات التكاليف ليست الا امور انتزاعية وليست بقابلة للجعل اصلا امكن التفرقة بين المحصلات الشرعية وغيرها ويرفع بحديث الرفع جزئية شيء أو شرطيته للمحصل الشرعي ولكنه مبتن على محال في محال (لا يقال) لو بنينا على مجعولية جزئية شيء للسبب فيكفى ذلك في شمول حديث الرفع سواء كان المجعول هي السببية ام المسبب (فانا نقول) ليس الامر كذلك. فانا إذا بنينا على مجعولية المسبب فيما انه ليس من اوصاف السبب فلا يكون له تعلق بأجزائه حتى يكون لازم جعله جعل الجزئية وهذا بخلاف السببية فانها مما تتعلق بالسبب فيمكن ان يقال ان جعلها جعل الجزئية وان كان التحقيق ما عرفت من انها من الامور الانتزاعية فيكون حالها حينئذ حال الجزئية للمأمور به في كونها منتزعة عن تعلق المجعول الشرعي بمركب سواء كان المجعول هو التكليف أو السببية واما فساد البناء فلان باب الملاكات والاغراض كما اشرنا إليه سابقا وأوضحناه في بحث الصحيح والاعم اجنبي (18) عن باب المسببات بالكلية ونسبة الافعال إليها نسبة المعدات إلى معلولاتها لا نسبة الافعال التوليدية إلى ما تتولد منه وعلى تقدير التسليم فترتبها على الافعال تكويني خارجي لا جعلي شرعي بداهة ان الشارع يأمر بفعل ذي مصلحة لا انه يجعل فيه المصلحة فالمصلحة غير مجعولة والمجعول هو الامر فقط فلا تكون ملازمة بين جريان البراءة في المحصلات الشرعية وبين جريانها في اجزاء المأمور به إذا فرض كونه من قبيل الاسباب إلى مسبباتها فلابد من القول بالاشتغال عند الشك في الاقل والاكثر وان قلنا بالبراءة في المحصلات الشرعية.

(فان قلت) ان الاشتغال انما يكون فيما إذا تعلق الامر بالمسبب فلا محالة إذا شك في اجزاء السبب أو شرائطه فلا يكون هناك مجرى للبراءة لان المأمور به وهو المسبب لا تعلق للشك به وما تعلق به الشك وهو السبب ليس بمأمور به وأما إذا كان المأمور به وهو السبب فان كان المشكوك دخله مما لا يمكن تعلق الامر به كقصد القربة فلابد من الاشتغال ايضا للزوم تحصيل غرض المولى وان كان مما يمكن تعلق الامر به فلا بأس بشمول حديث الرفع له واخراجه عن ما تعلق به الامر فعلا.

(قلنا) ان هذا مبتن على لزوم تحصيل الغرض وكونه تحت التكليف وقد بينا بطلانه وان الملاكات ليست تحت اختيار العبد وما هو تحت اختياره نفس الفعل الذى هو معد لحصول الملاك ولو سلمنا كونه تحت الاختيار وانه المسبب للفعل الخارجي فقد بينا في بحث الصحيح والاعم انه كلما كان هناك مسبب توليدي يكون تحت الاختيار فلا محالة يكون هو المأمور به حقيقة ولو فرض كون السبب في لسان الشارع مأمورا به فلا محالة يتقيد المأمور به بالمسبب قهرا ضرورة انه لا فرق بين امر المولى بالإحراق وامره بالإلقاء مثلا فان الامر بالأحراق امر بالإلقاء كما ان الامر بالإلقاء امر بالأحراق لا محالة فإذا شك في دخل شيء في السبب فلا محالة لا تجرى البراءة (19) ويكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال.

(فان قلت) سلمنا تقيد السبب بالمسبب غايته ان يكون هذا القيد ايضا احد قيود المأمور به هو السبب فيكون المأمور به هو الصلاة المقيدة بالنهي عن الفحشاء مثلا ومع ذلك فلا يلزمه القول بالاشتغال مطلقا حتى في الاجزاء والشرائط التي يمكن تعلق التكليف بها فان فيها جهتين احديهما جهة كونها متعلقة للتكليف وثانيتهما جهة دخلها في الملاك والجهة الاولى شرعية والثانية عقليه فمن الجهة الاولى تجرى البراءة الشرعية ويثبت عدم تعلق الامر الفعلي بالجزء المشكوك ويترتب عليه اكتفاء الشارع في مقام الامتثال ببقية الاجزاء المعلومة وسيجيئ في محله انشاء الله تعالى عدم الفرق في مجارى الاصول بين مقام الجعل والامتثال وهذا بخلاف قصد القربة فانه متمحض في الجهة العقلية فلا يكون الشك في دخله في الغرض موردا للبرائة الشرعية قطعا ويكون هذا هو الفارق بين ما نحن فيه ومسألة الاقل والاكثر الارتباطيين فلا يلزم من القول بالاشتغال في المقام القول بالاشتغال هناك.

(قلنا) ان ما ذكرته من تقيد السبب بالمسبب بحيث يكون هذا التقيد قيدا آخر للمأمور به لا معنى له اصلا فان المأمور به في الحقيقة هو هذا العنوان كعنوان الناهي عن الفحشاء مثلا وبعد فرض السببية والمسببية في المقام وكون المسبب تحت الاختيار لا يكون السبب الا مقدمة لحصوله واجزاء السبب مقدمة للمقدمة فلا تجري البراءة في في مقدمة المقدمة إذا المفروض تعلق التكليف بذي المقدمة مع كونه فعليا فلابد من القول بالاشتغال حتى يحصل اليقين بوجود المأمور به في الخارج واما ما ذكر من كون اجزاء المأمور به وشرائطه ذا جهتين فلا ينفع في جريان البراءة بعد فرض تعلق التكليف الفعلي بأمر آخر يشك في وجوده مضافا إلى أن شمول البراءة من جهة لا ينافي جريان الاشتغال من جهة اخرى فيكون جريان البراءة من باب الحكم الطبعي الاقتضائى وبعبارة اخرى ان الشك في دخل شيء في المأمور به وان كان لا يقتضى الاشتغال الا انه من جهة الشك في دخله في الغرض يقتضى الاشتغال فعند اجتماع الجهتين لا مناص عن القول بالاشتغال لعدم التعارض بين مالا اقتضاء فيه مع ما فيه الاقتضاء كما هو واضح واما ترتب اجتراء الشارع بفاقد المشكوك في مقام الامتثال على جريان البراءة بعد فرض تعلق التكليف بالعنوان المشكوك وجوده فليس الا من باب الملازمة وسيجيئ في محله انشاء الله تعالى ان حديث الرفع كغيره من الاصول لا يترتب عليه الا اللوازم الشرعية دون اللوازم غير الشرعية ودون الملازمات ولو كانت شرعية وما نحن فيه من قبيل الملازمات فان اكتفاء الشارع بالأجزاء المعلومة وشمول حديث الرفع للجزاء المشكوك من باب المتلازمين وليس الاكتفاء من اللوازم الشرعية لعدم الجزئية للمأمور به قطعا بل لو قلنا بحجية الاصول المثبتة بمعنى ترتب آثار اللوازم العقلية أو العادية فلا نقول بترتيب لوازم نفس الجعل كما فيما نحن فيه (20) فان اكتفاء الشارع من لوازم حكمه برفع الجزئية ظاهرا لا من آثار نفس عدم الجزئية واقعا فجعل الشارع لعدم الجزئية يتوقف على جعل آخر وهو الاكتفاء ومن المفروض انه لا دليل على الانفس هذا الجعل نعم لو دل دليل بالخصوص ولو بلسان الاصل على عدم جزئية السورة مثلا وفرضنا عدم اثر آخر لنفى الجزئية فلابد من القول باكتفاء الشارع بفاقدها صونا لكلام الحكيم عن اللغوية واين ذلك مما إذا كان الدليل عاما وشاملا لموارد لا تحصى وبالجملة المدعى هو قصور الدليل عن اثبات الملازمات لا عدم امكان التعبد بالملازمات كما سيجيئ توضيح ذلك في باب الاستصحاب انشاء الله تعالى بقى الكلام فيما إذا كان الفارق بين التوصلية والتعبدية هو الغرض الامر لا الجعل الثاني كما هو المختار والا الغرض بمعنى المصلحة في المأمور به وقد ذكرنا سابقا عدم صحة المبنى في نفسه صغرى وكبرى اما بحسب الصغرى فلما ذكرناه من انه يتم على مذهب صاحب الجواهر (قدس سره) من لزوم قصد الامر بالخصوص واما على ما هو التحقيق من جواز الاكتفاء بكل داع قربى فليس هناك امر يكون الغرض منه دعوة نفسه بالفعل قطعا واما بحسب الكبرى فقد استشكلنا فيه سابقا بانه على فرض تسليم ان يكون غرض المولى من امره دعوة نفس الامر لا ملزم بجري العبد على طبق هذا الغرض عقلا بعد اتيان المأمور به خارجا الا ان (التحقيق) صحة الكبرى بعد فرض صحة الصغرى لما عرفت سابقا من ان تمام الواجبات الجعلية تنتهى بالأخرة إلى واجب واحد منجعل في نفسه وهو لزوم اطاعة المولى واسقاط امره فإذا لم يكن الغرض (21) من الامر الانفس حصول المأمور به فالعقل يلزم بإيجاد المأمور به فقط واما إذا فرضنا ان الغرض من الامر هو التعبد وجعله داعيا فهذا الامر لا يسقط ولا يمكن اطاعته اللازمة بحكم العقل الا بإتيان المأمور به عباديا ومنه يظهران ما ذكرناه سابقا من استلزام كون دعوة الامر غرضا من نفسه لانقلاب المعنى الحرفي اسميا غير صحيح ايضا فانا إذا فرضنا ان طبع الامر التعبدي وذاته يقتضى عدم سقوطه الا بقصد التقرب وفرضنا ان المصلحة الداعية للأمر لا تترتب على نفس الفعل بل على ايتانه بقصد التقرب فلا يحتاج المولى إلى جعل آخر بل يكتفى بهذا السنخ من الامر الذى هو بمقتضى طبعه لا يسقط الا بقصد التقرب ولا يلزم الانقلاب المذكور اصلا نعم قد عرفت ان الصغرى ممنوعة لكنه على تقدير تسليمها لا مناص عن الالتزام بلزوم قصد التقرب في مقام الامتثال عند احراز كون الامر كذلك وأما إذا شك في ذلك فالظاهر من عبارة العلامة الأنصاري (قدس سره) في الرسائل والمنسوب إلى مجلس بحثه هو جريان الاشتغال دون البراءة للشك في حصول الغرض من الامر بعد فرض لزوم اسقاطه وقد حكى انه اورد عليه (قدس سره) في مجلس البحث بان الفرض على تقدير وجوده وان كان لازم التحصيل لكن الشك في اصل وجوده فيدفع بالأصل فأجاب (قدس سره) بانه لا أشكال في وجود الغرض في الامر الا ان الشك في كونه بحيث يسقط من دون التعبد اولا فيكون المقام من قبيل دوران الامر بين المتباينين فلابد من الاحتياط والتحقيق ان هذا الجواب على تقدير صدوره منه (قدس سره) فهو في غير محله فان الغرض من الامر على كل تقدير هو وجود المأمور به قطعا وقصد التقرب به قيد زائد على وجود المأمور به إذا كان عبادة فإذا شككنا في الزائد وان الغرض بحيث يزيد على وجود المأمور به فالمرجع هي البراءة لرجوع الشك فيه إلى الشك بين الاقل والاكثر نعم (22) لو علمنا بزيادة الغرض على وجود المأمور به ولزوم التعبد بالأمر وشككنا في كيفية التعبد من لزوم قصد الوجه والتمييز وغيره ذلك ولم يكن لنا دليل على عدم اللزوم فلابد من القول بالاشتغال للشك في سقوط الغرض بعد العلم بوجوده ففرق واضح بين الشك في اصل الغرض الزايد على وجود المأمور به وبين الشك في سقوط بعد وجوده.

_______________
1 - لا وقع لهذا التقسيم فيما هو المقصود في محل الكلام فان اصالة عدم السقوط بفعل الغير من جهة الاطلاق أو من جهة الاصل العملي انما هي في كلا القسمين بملاك واحد وهو ظهور الكلام في مطلوبية المادة الصادرة من المخاطب مثلا فكما ان قولنا صام زيد ، له ظهور في صدور الصوم من نفس زيد فكذلك قولنا فليصم زيد له ظهور في مطلوبية الصوم الصادر منه وعليه فإذا كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على اشتراط الوجوب بعدم صوم غيره فيتمسك بإطلاق كلامه في دفع احتمال الاشتراط المزبور وإذا لم يكن هناك اطلاق فالمرجع هو استصحاب بقاء التكليف ما لم يقم دليل على حصول الغرض بفعل الغير .

2 - قد عرفت ان هيئة الفعل الماضي أو المضارع موضوعه للحكاية بها من تحقق المادة في الخارج ونفس الامر وهذا امر يشترك فيه جميع المواد على اختلافها وليس هناك ما يوجب الانصراف إلى كونها صادرة بالاختيار ولو بمعناه المقابل للقهر والاجبار .

3 - لا يخفى انه لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلي في اتصاف الفعل الخارجي بكونه مصداقا للواجب بعد ما كان الوجوب ناشئا عن الملاك القائم بالفعل ومن حسنه في نفسه على ان لازم ذلك ان لا يتصف الفعل الخارجي إذا لم يؤت به بداعي التقرب بكونه مصداق الواجب ولو كان الوجوب توصليا ضرورة ان مجرد صدور الفعل عن الاختيار لا يكفي في اتصافه بالحسن الفاعل مع انه واضح البطلان نعم يعتبر في الاتصاف المزبور ان لا يتصف الفعل بالقبح الفاعلي لكنه اجنبي عما نحن بصدده واما حديث دعوى اختصاص الطلب بالحصة المرادة من جهة عدم امكان تعلقه بغير المقدور كما افيد في الوجه الثاني فيرد عليه اولا انه لا ينافي سقوط التكليف فيما إذا اتى بالفعل لاعن ارادة بعد ان كان مقتضى اطلاق المادة قيام الملاك بمطلق وجود الفعل المأمور به فيما إذا كانت القدرة من الشرائط العقلية على ما اعترف به (قدس سره) في مبحث الضد وثانيا ان الدعوى المزبورة انما تتم على مذهب من يرى ان المنشاء بالصيغة انما هو مفهوم الطلب أو البعث أو النسبة الايقاعية أو ما يقاربها من المفاهيم واما على ما حققناه من انه ليس الا اظهار اعتبار كون المادة على ذمة المكلف فلا موجب لاشتراط التكلف بالقدرة اصلا غاية الامر ان العقل يعتبرها في موضوع حكمه في مرحلة الا لزام بالامتثال فتكون القدرة من شرائط التنجيز لا محالة (فان قلت) ما هي الفائدة في الاطلاق  المزبور وايجاب الجامع بين المقدور وغيره مع ان المكلف لا يمكنه ان ينبعث الا نحو المقدور قلت فائدته اجتزاء المكلف بما صدر منه بغير اختياره بعد حصول الغرض القائم بمطلق الوجود المنكشف بالإطلاق بعد فرض امكان تعلق التكليف بالجامع كما عرفت فتحصل انه لا مانع من اثبات عدم اعتبار تقيد المأمور به بالقدرة شرعا بإطلاق الدليل ان كان والا فالمرجع هي اصالة البراءة الشك في اعتبار امر زائد على المقدار المعلوم توجه التكليف به فافهم ذلك واغتنمه .

4- قد عرفت آنفا لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلي في اتصاف الفعل الخارجي بكونه مصداقا للواجب وعليه فمقتضى القاعدة هو سقوط الامر بإتيان المأمور به في ضمن الفرد المحرم فيما كان المورد من موارد اجتماع الامر والنهى بناء على الجواز نعم بناء على الامتناع وتقديم جانب النهى لا مناص عن القول بعدم السقوط لتعلق النهى حينئذ بنفس العبادة الموجب لتضييق المأمور به لا محالة وسيجيئ توضيح ذلك في مبحث اجتماع الامر والنهى انشاء الله تعالى .

5- التحقيق في المقام ان يقال ان من اشتاق إلى وجود فعل مع التفاته إلى امكان وقوعه في الخارج على وجوه فاما ان يتعلق شوقه بخصوص حصة خاصة منه مقيدة بقيد وجودي أو عدمي أو يتعلق بمطلق وجوده القابل للانطباق على كل واحد من الوجودات الخاصة فلا يكون لخصوصية من الخصوصيات دخل في غرض المولى وفى متعلق شوقه وجودا أو عدما بلا فرق في ذلك بين التقسيمات الاولية والثانوية ضرورة ان متعلق الشوق لابد وان يكون متعينا في ظرف تعلقه به ولو بعنوانه الاجمالي ويستحيل فرض الاهمال في الواقع وتعلق الشوق بما لا تعين له في مرحلة تعلقه به فكما ان الملتفت إلى انقسام الماء إلى حار وبارد إذا اشتاق إلى شربه فلا مناص له من تعلق شوقه اما به لمطلق أو بالمقيد فكذلك الملتفت إلى انقسام الصلاة مثلا إلى قسمين باعتبار انها يؤتى بها في الخارج تارة بقصد الامر واخرى لا بقصده إذا اشتاق إلى وجودها فلا مناص له من تعلق شوقه اما بالمطلق أو بالقيد فاستحالة اهمال المشتاق إليه في مرحلة تعلق الشوق به امر مشترك فيه بين التقسيمات الاولية والثانوية وعليه فإذا فرضنا استحالة تقيد متعلق الحكم أو موضوعه بقيد خاص فلازمه كون الاطلاق أو التقييد بخلاف ذلك القيد ضروريا وإذا فرض استحالة التقييد بالخلاف ايضا فالإطلاق يكون ضروريا لا محالة وعلى ذلك فلا يبقى مجال لدعوى استلزام استحالة التقييد لاستحالة الاطلاق واما ما افيد في المتن من ان لازم كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة هو ذلك ضرورة اعتبار قابلية المحل للوجود في التقابل المزبور فما لم يكن المحل قابلا للتقييد لا يكون قابلا للإطلاق فيرد عليه ان القابلية المعتبرة فيه لا يلزم ان تكون شخصية دائما بل يجوز ان تكون صنفية أو نوعية أو جنسية الا ترى انه يصدق على الإنسان انه جاهل بحقيقة ذات الواجب و صفاته مع انه يستحيل ان يكون عالما بها فلو كان استحالة احد المتقابلين تقابل العدم و الملكة مستلزمة لاستحالة الاخر لزم استحالة الجهل في مفروض المثال مع انه ضروري وجدانا ثم ان لا فرق في ما ذكرناه بين ان يكون التقييد مستحيلا في مقام الثبوت و الواقع وان يكون مستحيلا في مقام الاثبات فان كلا منهما لا يقتضى استحالة الاطلاق بل فلا مناص عنه أو عن التقييد بالخلاف (نعم) إذا فرض استحالة التقييد في مقام الاثبات و عدم تمكن المولى من البيان على تقدير دخل فيد فيما يفى بغرضه وما هو متعلق شوقه فلا يمكن التمسك بإطلاق كلامه لإثبات عدم دخله فيما هو متعلق امره في الواقع ونفس الامر الا ان ذلك اجنبي عما نحن فيه وهى دعوى استلزام استحالة التقييد لاستحالة الاطلاق كما هو ظاهر .

6- لا يخفى ان لزوم اخذ قيد مفروض الوجود في مقام الانشاء المستلزم لكونه شرطا لفعلية الحكم اما ان يكون من جهة الظهور العرفي كما في قوله تعالى اوفوا بالعقود فان المستفاد منه هو لزوم الوفاء بالعقد على تقدير تحققه في الخارج واما ان يكون من جهة استلزام عدم اخذه مفروض الوجود للمحال وهو التكليف بما لا يطاق كما إذا امر المولى بايقاع الصلاة في الوقت فان دخول الوقت من جهة خروجه عن تحت اختيار المكلف وقدرته لا مناص عن اخذه مفروض الوجود في الخطاب والا لزم التكليف بما لا يطاق واما في غير ذلك فلا ملزم لأخذ القيد مفروض الوجود ومن ثم التزمنا بفعلية الخطابات التحريمية قبل وجود موضوعاتها ايضا وذلك لتمكن المكلف من امتثالها ولو بعدم ايجاد موضوعاتها وعلى ذلك فالقيد في مفروض البحث بما انه نفس الامر المتحقق في ظرف الانشاء لا ملزم لأخذه مفروض الوجود من ظهور عرفي أو غيره ومنه يظهر الجواب عما افيد في المتن من ان اخذ قصد الامر في متعلقه يستلزم توقف فعلية الحكم على نفسها وهو محال وذلك فان الاستلزام المزبور مبنى على لزوم اخذ الامر مفروض الوجود في مرحلة الانشاء وقد عرفت فساده فان قلت اخذ قصد الامر في المتعلق بعد وضوح قبح الامر بالتشريع يتوقف على كون ذات الفعل في نفسه مأمورا به حتى يتمكن المكلف من الاتيان به بقصد امره ففرض عدم تعلق الامر الفعلي بذات الفعل واختصاصه بالفعل المقيد بان يؤتى به بقصد الامر يستلزم عدم تمكن المكلف من الامتثال في الخارج قلت بما ان قصد الامر وجعله داعيا إلى الفعل الخارجي من افعال النفس فالأمر بالصلاة مثلا المفيدة بقصد الامر يكون امرا بالمجموع المركب من الفعل الخارجي والنفساني ومن الواضح ان الامر بالمركب ينحل إلى الامر بكل من الجزئين فيكون ذات الفعل متعلقا لحصنه من الامر الفعلي لا محالة كما ان جعل هذه الحصة من الامر داعيا إلى الفعل متعلق للحصة الثانية من الامر فإذا اتى بالفعل بداعي الامر المتعلق به في ضمن الامر بالمركب فقد تحقق تمام المركب في الخارج وبذلك يظهر الفرق بين المقام وما إذا كان الجزء الاخر غير قصد الامر فان قصد الامر الضمني في المقام محقق لتمامية المركب بخلاف ما إذا كان الجزء الاخر غير قصد الامر فانه لا يمكن فيه الاتيان بجزء بقصد امره الا مع قصد الاتيان بالمركب بداعي امتثال امره وبما ذكرناه من الانحلال يندفع ما اورد على اخذ قصد الامر في المتعلق من انه يستلزم ان يكون شخص الامر داعيا إلى داعوية نفسه وهو على حذو كون الشيء علة لعلية نفسه وذلك فانه بناء على الانحلال المزبور يكون احد الامرين الضمنيين داعيا إلى داعوية الامر الضمني الاخر واين ذلك من دعوة الامر إلى داعوية نفسه كما انه يندفع به ما افيد في المتن من ان الاخذ المزبور يستلزم توقف قصد الامتثال على نفسه ضرورة لزوم تأخره طبعا عن جميع الاجزاء والشرائط فلو كان هو بنفسه من الاجزاء ايضا لزم التوقف المزبور وجه الاندفاع هوان المأخوذ في المتعلق إذا كان قصد الامر ضمني ودعوته فاين تقدم الشيء وتوقفه على نفسه فظهر مما بيناه ان اخذ قصد الامر في المتعلق وكونه جزءا من اجزاء المأمور به لا مانع منه اصلا وعليه فإذا شك في اعتبار قصد الامر في المتعلق في الواقع مع عدم اخذه فيه في مقام الاثبات فيؤخذ بالإطلاق ويثبت به كون الواجب توصليا.

7 - لا يخفى غاية ما يقتضيه البرهان المذكور هو ان يكون الفعل قابلا لترتب المصلحة عليه في نفسه حتى يمكن تعلق القصد به بداعي المصلحة المترتبة عليه لكن ذلك لا ينافى توقف فعلية الترتب على القصد المزبور كما هو كذلك في قصد العظيم ضرورة ان الفعل الخارجي اما لم يكن قابلا لان يظهر به عظمة الغير لا يمكن قصد التعظيم به حقيقة ولكنه مع ذلك لا يكون عنوان التعظيم فعليا ومنطبقا على الفعل الخارجي الا مع القصد المزبور.

8 - لا يخفى ان ذلك لو تم فلا يمكن تعلق الطلب والارادة التشريعية بقصد الامر أو بغيره من الدواعي القربية مطلقا ولو كان ذلك بجعل المتمم وبالأمر الثاني المغاير للأمر الاول المتعلق بذات الفعل وهذا ينافى ما ذهب إليه قدس سره من تصحيح كون الواجب عبادة كذلك والتحقيق ان المستحيل انما هو تعلق شخص الاختيار الناشئ عن داع بذلك الداعي بعينه واما تعلق اختيار آخر به غير الاختيار الناشئ منه فهو بمكان من الامكان وحيث ان المفروض ان هناك فعلين احدهما خارجي والاخر نفساني فلا محالة يكون الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي الناشئ من الفعل النفساني مغايرا للاختيار المتعلق بالفعل النفساني ولكنه بما ان المفروض ترتب الغرض الواحد على الفعلين معا فلا مناص عن كون الشوق أو الامر المتعلق بهما واحدا ايضا ثم انه بعد ما تحقق امكان اخذ جامع قصد القربة في المأمور به فيمكن التمسك بالإطلاق في ظرف الشك لإثبات كون المواجب توصليا وعدم دخل قصد القربة في المأمور به واقعا وفى مرحلة الثبوت فلا يترتب اثر مهم على اثبات استحالة اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق مع انك قد عرفت انفا امكان اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق ايضا واما ما عن المحقق صاحب الكفاية قدس سره من ان صحة العبادة إذا اتى بها بداعي الامر تكشف عن عدم اخذ غير قصد الامر من الدواعي القربية في المأمور به قطعا  فيرد عليه انها تكشف عن عدم اخذ خصوص غير قصد الامر في المأمور به واما عدم اخذ الجامع فيه فلا كاشف عنه اصلا نعم لا مناص عن الالتزام بتعلق الامر بذات الفعل ليكون المكلف متمكنا من الاتيان به بقصد الامر الا انك قد عرفت ان الامر بالمركب يستلزم تعلق حصة منه بذات الفعل لا محالة فان قلت إذا فرض استحالة اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق فالأمر بالجامع لا يمكن ان يعمه بل لابد وان يختص بغيره من الدواعي القربية فإذا لم يكن غيره مأخوذا فيه ايضا كما هو المفروض فيقطع بعدم اخذ الجامع فيه لا محالة قلت إذا كان منشأ استحالة اخذ قصد الامر في المتعلق هو لزوم اخذ القيد وهو الامر مفروض الوجود فهي تدور مدار لحاظ القيد وجعله دخيلا في فعلية الحكم فإذا فرضنا ان المأخوذ في المأمور به هو جامع قصد القربة مع قطع النظر عن خصوصيات افراده على ما ستعرف ان الاطلاق عبارة عن رفض القيود وعدم دخل شيء من الخصوصيات في حكم المطلق فلا موجب لاختصاص الامر بالجامع بغير قصد الامر وعدم سرايته إليه ضرورة ان المحذور على تقدير تسليمه انما يترتب على لحاظ القيد مفروض الوجود لا على رفضه وعدم لحاظ ثم انه لو تنزلنا عن ذلك وبنينا على استحالة اخذ جامع قصد القربة في المأمور به ايضا فلا يستلزم ذلك عدم جواز التمسك بالإطلاق لإثبات كون الواجب توصليا فانه إذا كان غرض المولى مترتبا على اتيان المأمور به بقصد القربة وفرض استحالة تقييد المأمور به بذلك فيمكنه ان يقيد المأمور به بقيد يلازم قصد القربة خارجا بان يأمر بالفعل المقيد بان لا يؤتى به بأحد الدواعي النفسانية فمن اطلاق وعدم التقييد في مقام الاثبات يستكشف عدم دخل قصد القربة في غرض المولى في مقام الثبوت ولعل ذلك هو المراد من الوجه الآتي المحكي عن بعض تقريرات العلامة الشيرازي قدس سره وعليه فلا يرد على الوجه المزبور ما اورد عليه في المتن كما سيظهر نعم ربما يورد عليه بان القدرة على اتيان المأمور به على هذا الفرض متوقفة على تعلق الامر به مع انها من شرائط التكليف عقلا وجوابه ان ما هو شرط فعلية التكليف أو تنجزه انما هي القدرة على اتيان المأمور به في ظرف الامتثال ولا مانع من كونها ناشئة عن الامر نفسه فتلخص من جميع ما ذكرناه انه لا مانع من التمسك بالإطلاق لإثبات كون الواجب توصليا ما لم يكن هناك دليل على كونه تعبديا .

9 - لا يخفى ان فرض المحال مع استلزام القيد المزبور لا حد الدواعي القربية خارجا لا اثر له فيما نحن فيه ضرورة انه مع علم المولى بالملازمة المزبورة تمكنه من الوصول إلى غرضه بأخذ القيد المزبور لا يترتب اثر على فرض المحال اصلا.

10- الصحيح في الجواب ان يقال ان الامر لا يكون داعيا الا إلى متعلقه لا يحرك الا نحوه فلا يعقل كونه داعيا لدعوة نفسه ما لم يؤخذ ذلك في المتعلق واما ما افيد في المتن من كون دعوة الامر متأخرة عن نفس الامر رتبة فيستحيل ان تكون موجودة في عرضه فيرد عليه ان اللوازم الذاتية لابد وان تكون موجودة بإيجاد ملزوماتها والتأخر الطبعي لا ينافى التقارن الزماني كما هو ظاهر.

11- قد عرفت فيما مران الفرق بينهما انما هو بأخذ قصد القربة في متعلق الاوامر التعبدية دون التوصلية وبما ان الاخذ المزبور نشأ من دخل قصد القربة في الغرض يصح ان يقال ان الفرق بينهما من ناحية الغرض وعليه فلا يرد على هذا الوجه ما افيد في المتن كما لا يخفى .

12 - قد عرفت فيما تقدم امكان اخذ قصد القربة في متعلق الامر وان كون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة لا يقتضى استلزام استحالة احدهما لاستحالة الاخر فلا موقع لما افاده العلامة الأنصاري قدس سره في المقام ولا لما اورد عليه في المتن فافهم وتدبر.

13 - الصحيح في الجواب ان يقال ان الغرض من الامر مضافا إلى انه لا يجب تحصليه  وانما هو طريق محض إلى ما هو الغرض من المأمور به ان محركية الامر نحو المأمور به وجعله داعيا إلى ايجاده لا يعقل ان تكون غرضا من الامر ضرورة ان ما هو غرض منه لابد وان يكون مترتبا عليه خارجا دائما ومن الواضح ان وجود المأمور به في الخارج فضلا عن كون الامر داعيا إليه ربما يكون في الخارج وربما لا يكون فكيف يمكن ان يقال ان الغرض من الامر انما هو جعله داعيا إلى المأمور به وعليه فلا مناص من كون الغرض من الامر هو امكان كونه داعيا إلى ايجاد المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلف وهذا امر يشترك فيه التعبديات والتوصليات فلا يبقى مجال للاستدلال على اصالة التعبدية من ناحية الغرض .

14 - الظاهر ان الضمير في قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله الآية يرجع إلى اهل الكتاب المذكورين قبل هذه الاية فحاصل المراد ان اهل الكتاب لم يكونوا مأمورين الا بعبادة الله والتفرق الموجود بينهم انما نشأ من قبل انفسهم من بعد ما جاءتهم البينة فالآية اجنبية عن محل الكلام بالكلية .

15 - ما افاده قدس الله سره في توجيه كون الواجب عبارة من الالتزام بالأمر الثاني المتمم للجعل الاول وان كان صحيحا لا مناص عنه على تقدير عدم امكان اخذ قصد الامر في متعلق الامر الاول الا انك قد عرفت انه امر ممكن فلا تصل النوبة إلى الالتزام المزبور .

16 - وكذلك الحال على ما حققناه من امكان اخذ قصد القربة في متعلق الامر الاول فانه على التقديرين يكون الشك في اعتبار قصد القربة في واجب من موارد دوران الامر .

17 - الظاهر ان التفرقة المزبورة مبنية على التفرقة في بحث الاقل والاكثر بين البراءة الشرعية والعقلية والالتزام بعد جريان الاولى من جهة الشك في حصول الغرض بإتيان الاقل وبجريان الثانية نظرا إلى انها وان لم تثبت الاطلاق الواقعي وعدم تقيد المأمور به بما احتمل جزئيته وشرطيته واقعا الا انها تثبت الاطلاق الظاهري وجواز اكتفاء المكلف في مرحلة الظاهر بما هو المتيقن تعلق التكليف به فانه بناء على ذلك لابد من القول بالاشتغال في المقام لعدم جريان البراءة الشرعية فيه فان المفروض عدم تعلق التكليف شرعا بقصد القربة فالشك متمحض في كونه دخيلا في غرض المولى ومعه يحكم العقل بلزوم تحصيل الغرض باتيان المأمور به مع قصد القربة (ولكن) التحقيق عدم صحة التفرقة المزبورة فانا إذا بنينا على عدم جريان البراءة العقلية في مسألة الاقل والاكثر من جهة حكم العقل بلزوم تحصيل الغرض فلا يبقى مجال للرجوع إلى البراءة الشرعية فيها بعد فرض انه لا يثبت بها ترتب الغرض على الافل كما نه إذا بنينا على جريان البراءة العقلية في تلك المسألة كما هو الصحيح من جهة انه لا يلزم من تحصيل الغرض بحكم العقل الا المقدار الواصل إلى المكلف وما تصدى المولى لبيانه فالعقاب على ترك ما يحتمل دخله في غرض المولى واقعا مع عدم قيام الحجة عليه لا يكون محتملا من جهة استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان فلا بد من القول بالبراءة في المقام ايضا فان قلت المفروض في المقام عدم تمكن المولى من البيان فلا يمكن الرجوع فيه إلى البراءة العقلية لاعتبار التمكن من البيان في موارد الرجوع إليها لا محالة قلت ما هو المفروض في المقام انما هو عدم امكان اخذ قصد القربة في متعلق الامر واما بيان دخل قصد القربة في الغرض  ولو كان البيان بالجملة الخبرية ونحوها فهو مقدور للمولى لا محالة فلا مانع من الرجوع إلى البراءة الفعلية فتلخص انه لا فرق بين المقام ومسألة الاقل والاكثر في حكم القعل بالبراءة أو الاشتغال ولتوضيح بيان عدم جواز التفرقة في مسألة الاقل والاكثر بين البراءة الشرعية والبراءة مقام آخر سيأتي انشاء الله تعالى .

18 - قد مر الكلام في ذلك في بحث الصحيح والاعم فراجع .

19 - نسبة الواجبات إلى الاغراض وان كانت نسبة الاسباب إلى مسبباتها على الاصح ان ذلك لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في ظرف الشك فان تطبيق ما يفي بغرض المولى على ما امر به انما هو وظيفته ولا يجب على العبد بحكم العقل الا الاتيان بما امر المولى به واما الزائد على ذلك مما يحتمل دخله في غرض المولى فاحتمال العقاب على تركه يدفع بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وانتظر لذلك مزيد بيان في محله انشاء الله تعالى .

20 - لا يخفى ان عدم كون ما يشك في جزئيته للمأمور به جزء له واقعا يستلزم انحصار المأمور به بغيره عقلا فإذا فرضنا حجية الاصول المثبتة فلا محالة يترتب على رفع الجزئية المجهولة انحصار المأمور به بما فرض وجوده في الخارج وهو الاقل المتيقن وجوبه ولاريب انه يجزى عن امره قطعا فلا وجه لما افيد في المتن من ان اكتفاء الشارع بالفاقد في مقام الامتثال من لوازم نفس الجعل دون المجعول .

21 - قد مران الغرض من الامر لابد وان يكون شيئا يترتب على نفس الامر دائما وليس ذلك الا امكان كونه داعيا إلى المأمور به في الخارج على تقدير وصوله إليه ففرض ان الغرض من الامر تارة يكون مجرد وجود المأمور به في الخارج واخرى يكون التعبدية وجعله داعيا إلى العمل فرض غير مطابق للواقع وقد تقدم ما هو مقتضى التحقيق من بيان الفرق بين الواجب التعبدي والتوصلي .

22 - بل التحقيق انه إذا شككنا في اعتبار قصد الوجه أو التمييز أو غير هما بعد العلم بكون المأمور به عبادة لا يسقط امرها الا بقصد القربة فالمرجع هي البراءة اما على ما حققناه من امكان اخذ قصد القربة وما يحذ وحذوه في المأمور به شرعا فالأمر واضح واما بناء على ان الفرق بين التعبدي والتوصلي انما نشأ من اختلاف الاغراض من دون ان يكون قصد القربة مأمورا به شرعا فلان القدر المتيقن كونه غرضا من الامر انما هو نفس وجود المأمور به مع قصد التقرب به واما الزائد على ذلك فدخله في الغرض مشكوك فيه فيرجع معه إلى البراءة كما كان الحال كذلك عند الشك في كون الواجب توصليا أو تعبديا .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


قسم الشؤون الفكرية يقيم برنامج (صنّاع المحتوى الهادف) لوفدٍ من محافظة ذي قار
الهيأة العليا لإحياء التراث تنظّم ورشة عن تحقيق المخطوطات الناقصة
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنكليز
وفد جامعة الكفيل يزور دار المسنين في النجف الأشرف