أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2018
3275
التاريخ: 2024-01-18
880
التاريخ: 7-11-2016
1688
التاريخ: 2024-08-14
185
|
التمر والبُنُّ من أهم ما تنتجه جزيرة العرب، ويعتمد سكانها على التمر في طعامهم، وعلى البن في اغتنائهم، ويستفيد العرب منذ القديم مما يُصدرون من اللُّبَان (1) والسَّلِيخَةِ (2) والسَّنا (3) المكيِّ والأدهان. ولاختلاف جو جزيرة العرب ينبُت فيها مثل نبات البلاد الحارة والبلاد المعتدلة، كالقطن وقصب السكر والجُمَّيْزِ والطَّلح والدَّردار (4) والمرَّان (5) … إلخ. ويندُر شجر الغاب في جزيرة العرب، والنخلُ أظهر ما فيها، وهو الذي يكون به لمناظر الشرق شكلٌ خاص. وتصلُح الأماكن الخصبة من جزيرة العرب لمثل النبات الذي يزرع في أوربة، كالمِشمش والخوخ والتين واللوز والعنب والقمح والذرة والشعير والدُّخن (6) والفول والتبغ … إلخ. ومع أن الزراعة في حقول اليمن جيدةٌ، فإن العمل فيها شاق؛ لما تحتاج إليه من السقي الدائم بمياه المطر التي تُجمَع في الآبار وبين الأَسْداد. وتعرف جزيرة العرب مثل ما نعرف من الحيوانات الأهلية؛ كالبغال والحمير والبقر والضأن والمعز … إلخ، ولا تجهل جزيرة العرب الكثير من الضواري كالأسد والنمر والفهد.
شكل 1: البادية من صورة فوتوغرافية.
وليست الضواري أشدَّ ما يخاف سكانُ جزيرة العرب، ففيها الجرادُ الذي قد يأتي على الأخضر واليابس، وقد لا يخلو الجراد من فائدةٍ مع ذلك، فهو في الغالب، غذاء المسافرين في البادية، وطعامُ مطاياهم أسابيعَ كثيرة. والخيل والجمال أكثر حيوانات جزيرة العرب نفعًا للإنسان، فأما الجمل، وهو أفضل حيوان أهلي عند العرب، فلا تُقطَع البادية بغيره، وهو لقناعته وقوته واحتماله المشاقَّ وصبره على العطش أيامًا، لا يقوم مقامه حيوانٌ في الركوب وحمل الأثقال، وهو يستطيع أن يجوب البادية بين حلب والبصرة حاملًا 500 رطل مع عَلَف قليل، وهو يقدر أن يأكل ما لا يقدر حيوانٌ عليه من الطعام، وقد عجبت منه حين رأيته يأكل هادئًا مطمئنًا أوراق الصبار التي تكون على جوانب الطُّرق فيشبه شوكها المِسَلَّات. وأما الخيول العربية؛ فذات شهرة عالمية، وهي إذ وُصفت غير مرة، وكان ما قاله پلغريڨ من أحسن ما قيل فيها، فإنني أقتطف منه ما يأتي: إن الخيول العربية، وهي قويةٌ عصبية رشيقة، مفتخرة بعتقها، مختالةٌ في مراتعها، مثال الأناقة في شكلها والكمال في صفاتها، وهي برؤوسها الصغيرة النحيفة، وأحداقها الوهَّاجة، ومناخيرها الواسعة، وكواهلها الناهضة، وجوانبها الممتلئة القصيرة، وأكفالها الطويلة، وذيولها المتموجة، وقوائمها الدقيقة المتينة عنوان الجمال، وهي بدَعتها وبأسها وقناعتها وسرعة عدْوِها تفضُلُ أحسنَ الأنواع الأوربية، ويَعُدُّ الأعراب خمسة أنواع أصيلة للخيل متولدة من خمسة حُجُور(7) كان يركبها الرسول على زعمهم، وعندما تلد الحِجْر الأصيلة مُهرًا يجتمع في المِضرَب (8) أناس؛ ليكتبوا شهادة عن وصفه واسم أمه ونسبها، ويمضوها ويضعوها في كُيَيْسٍ جلدي يُربط بنحره، فيدخل بذلك في زمرة الجياد المرموقة التي أدى الطمع فيها إلى اقتتال القبائل غير مرة. وسرعة عدو الفرس هي التي تنقذ حياة المقاتل في الصحراء غالبًا، ومما رواه بُركهارد أن فرسانًا من الدروز هجموا في سنة 1815 على عِصابة من الأعراب في حوران، ودحروها إلى مضاربها، وأحاطوا بها من كل جانب، وأنه لم ينجُ من القتل منها سوى رجل واحد امتطى صهوة جواده، وخرق خط الحصار، وولى مدبرًا ولم يُعَقِّب، وأن أحسن فرسانهم، وهم القُساة الذين أقسموا أن يقتلوا العصابة على بكرة أبيها جدُّوا في أثره، وأن ذلك المنهزم لم يترك صخورًا وسهولًا وتلالًا إلا قطعها بسرعة الزوبعة، فلما أيقن أولئك الفرسان، بعد مطاردةٍ عنيفة دامت عدة ساعات، أنه لا أمل لهم في قتله ناشدوه أن يقف؛ ليقبِّلوا ناصية جواده الأصيل ويتركوه، فرَضِيَ بذلك، فقالوا له لما صَرَفوه كلمتهم المأثورة: «اغسِل حوافر جوادك، ثم اشرب غُسالَتها»، قاصدين بذلك إظهارَ مشاعرهم نحو جواده النجيب. وأضيف إلى ما تقدم قولي: إن الخيول العربية لا تعرِف سوى مشيتين: الخِطاءَ والعدْوَ، وإن انقيادها لصاحبها جديرٌ بالذكر، وما أكثر ما رأيتُ العربَ يترجَّلون، وخيولهم لا تحاول الابتعاد عنهم، مع تركهم أعِنَّتها لها!
شكل 2: مخيم حجاج بالقرب من مكة في موسم الحج (من صورة فوتوغرافية).
وعلى ما في الخيل من الفائدة لا تتوالد كثيرًا في جزيرة العرب خلافًا لما يُظنُّ، وسببُ ذلك: أن الخيل، وهي على عكس الجمل الذي يمكن تربيته في كلِّ مكان، لا تُنَشَّأ إلا في البقاع الخصبة، كسهول العراق وسورية، ونجد، وفي نجد وحدَها أعزُّ الخيول العربية وأرشقها. وعُرفت جزيرة العرب في القرون القديمة بوفر معادنها الثمينة وأحجارها الكريمة، واليوم لم يبقَ أثر لذلك، ولا نعلمُ غير ما يُقصُّ علينا من الأنباء عن حديدها ونحاسها، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نبدي رأيًا قاطعًا في ثروة جزيرة العرب المعدنية، فمعارفنا بها سطحية. وظلت صناعة قسم من جزيرة العرب وتجارته على ما كانت عليه في القرون الخالية، وتُعَدُّ الحليُّ اليمنية والتمور والخيل والنِّيلج (9) والسنا المكي واللبان والمرُّ (10) الصافي … إلخ، أهم مواد الإصدار من جزيرة العرب، ولا تزال القوافل تقوم، كما في العصر الإسرائيلي، بإصدار هذه المواد من جزيرة العرب إلى أوربة، وبإيراد ما تحتاج إليه من إفريقية والهند وفارس. وتُحسب المسافاتُ بالساعات في جزيرة العرب، كما في الشرق كله، ويرى العربي أن سير الجمل ذي الحمل الخفيف في الساعة الواحدة يَعدل فرسخًا، فنجم عن هذا أن المسافات التي تلوح تافهةً على الخريطة تُقطَع في عدة أيام. وجزيرةُ العرب خاليةٌ من الطرق المعبَّدة، والطرقُ التي تسلُكها القوافل فيها هي الأودية أو الأخاديد التي ذكرناها آنفًا، وإذا ما استثنينا هذه المسالك، التي لا تزال كما كانت عليه في الزمن القديم، رأينا مناحي جزيرة العرب تَتَعيَّن بآبارها التي تتعذَّر الحياةُ هناك بدونها، وأكثر مسالك جزيرة العرب استطراقًا هي: الطريق التي بين دمشق وبغداد، والطُّرق التي تبدأ من مدينة الرياض النجدية وتنتهي بمكة ومسقط وبغدادَ ودمشق.
................................................
1- اللبان: الكندر، وهو صمغ شجرة شائكة ورقها كالآس.
2- السليخة: دهن ثمر البان قبل أن يربب.
3- السنا: نبات كأنه الحناء، زهره مائل إلى الزرقة وحبه مفرطح إلى الطول، ومنه نوع عريض الأوراق أصفر الزهر وأجوده الحجازي، ويعرف بسنا مكة، ويقال له أيضًا «السنا المكي «.
4- الدردار: شجر عظيم له زهر أصفر وورق شائك وثمر كقرون الدفلى.
5- المران: شجر تتخذ منه الرماح.
6- الدخن: نبات حبه صغير أملس.
7- الحجور: جمع الحجر، أي: الأنثى من الخيل.
8- المضرب: الخيمة العظيمة.
9- النيلج: شيء يتخذ من نبات العظلم بأن يغسل ورق العظلم بالماء، فيجلو ما عليه من الزرقة، ويترك الماء، فيرسب النيلج أسفله كالطين فيصب الماء عنه ويجفف.
10- المر: مائع يسيل من شجرة فيجمد وهو طيب الرائحة مر الطعم.
|
|
أوامر بولاية أميركية ثانية بالبقاء في المنزل بسبب فيروس قاتل
|
|
|
|
|
مركز أوروبي: صيف 2024 كان الأكثر حرارة على الإطلاق على الأرض
|
|
|
|
|
بالصور: إقبال كبير على تلقي الخدمات الطبية في مستشفى سفير الإمام الحسين (ع)
|
|
|