في ربوع الجزيرة العربية وفي الطائف بالذات حيث الاصالة والشهامة وبين حرارة رمالها وعنفوان رجالها وبأسهم في الملمات وشدتهم عند النخوة ... ولد فيصل بن الحسين بن علي الهاشمي القريشي بن محمد بن عون ... ويصل نسب هذه العائلة الشريفة الى الحسن المثنى بن الامام الحسن بن الامام علي ابن ابي طالب (ع) وكذلك نسبه امه الشريفة عابدية ابنة الشريف عبدالله بن محمد بن عون ويصل نسبها الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ... هكذا ولد فيصل في أرض طاهرة من ابوين 20 مايس سنة 1885 الاشراف وهو ثالث انجال الشريف حسين حيث عرف في طفولته الذكاء والمعرفة والعلم لأنه اصلا من عائلة تحترم العلم وتكرم العلماء، لقد عاش فيصل طفولة هادئة في احدى الخيام البدوية في الصحراء وبعد ان ترعرع ارسله والده (عملا بالتقليد المعروف) الى قرية (رحاب) الحجازية حتى ينشأ بيين قبائل البدو قويا تصهره شمس الاصالة ويمتطي الخيول ويتدرب على الفروسية، يتعلم الرماية بالرمح والقتال بالسيف واطلاق الرصاص وليخبر اخلاق من يوم القرية، مما ادى الى سعة افقه وسعة مداركه . . . ان هذا التقليد في ارسال الاولاد لهو امر معروف في الجاهلية حيث ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أرسل مع حليمة السعدية لإرضاعه وليشب في الصحراء ... ولقد توارثت هذه العائلة هذا التقليد من اجدادهم مما يدلل على اصالتهم في التعامل مع الحياة بصيغ انسانية سليمة .... تم اعادة الملك فيصل الاول الى عائلته بعد ان اشتد عوده وأصبح يتقن الامور الخاصة بالشجاعة والكرم والبطولة كأي انسان عربي عاش وترعرع في الصحراء حيث بدأت مرحلة جديدة في حياته وهي الدراسة الابتدائية التي اخذها عن طريق اللغة معلمين انتدبوا خصيصا لتعليمه مع اخويه (علي) و (عبد الله) فتعلم دروس العربية بالإضافة الى تعليمه اللغة التركية قراءة وكتابة ⁽¹⁾. وحين دعا السلطان عبد الحميد الشريف حسين الى الاستانة بعد تعيينه في مجلس شورى الدولة هناك سافر الملك فيصل الأول مع والده عام 1896 حيث اقيم في القصر المعد له سلفا... وتم انتداب مدرس خصوصي هو السيد (صفوت العوا) من المدرسة الحربية لتدريس اولاد الشريف حسين اللغة التركية بصورة متقنة بالإضافة الى اللغة الفرنسية والانكليزية ... فكان اتقان الملك فيصل لهذه اللغات مثار اعجاب ودهشة استاذه والعائلة الشريفة ⁽²⁾ وهكذا فان نبوغه المبكر وذكائه الخارق مثار الاعجاب والدهشة بالإضافة الى رغبته في تلقي المزيد من العلم والمعرفة.... واستمر في حياته اليومية مع اشقائه ووالده في الاستانة مخبرا الواقع العربي القومي والسياسي مبينا اساليب العمل والفهم لهذا الواقع الشائك والمعقد، وبعد مكوثه لأكثر من عشرة اعوام تعرف خلالها على الشخصيات العربية والدينية والسياسية التي كانت تتوافد على والده الشريف حسين وذلك لأخذ المشورة والنصح وابداء الرأي السديد ان الاجتماع بعظماء العرب ومشاهيرهم الادبية والسياسية اعطى له فهم الواقع العربي جيدا بكل تناقضاته. وان فترة مكوثه هذه كانت في نهاية الدولة العثمانية حيث علل كل الظواهر الانية والمستحدثة والتي ادت الى انهيار هذه الدولة تدريجيا وسقوطها داخليا قبل استكمال انهيارها خارجيا ... وهناك تزوج الملك فيصل من الاميرة حزيمة وهي أم ولده الوحيد غازي وزوجته الوحيدة ...

وفي عام 1908 تم تعيين الشريف حسين شريفا لمكة بموجب امر سلطاني حينها عاد الملك فيصل مع اشقائه ووالده الى الحجاز وكان نحيل القامة في وجهه علامات الشجاعة والقوة، وعليه عينه والده قائدا للسرايا التي كانت تعد لقمع معارضة القبائل المتمردة ... وفي عام 1911 تمرد محمد علي الإدريسي على الدولة العثمانية اثناء انشغال الاخيرة في حربها مع ايطاليا، فانتدب الشريف حسين لقمع هذا التمرد حيث تم تعيين فيصلا لهذه المهمة الخطيرة والذي جاد بها بكل ما يملك من عزيمة الرجال وقوة الارادة والصبر حيث قاد هذه المعارك بنفسه متقدما على جنده في القتال مما اثر على الحالة المعنوية لمقاتليه وبالتالي انهيار القوات المتمردة امامه وكان  لتأثير شخصيته القوية السبب الرئيسي في تعامل القبائل العربية معه لاسيما وهو من ابنائها يحمل نفس الأمهم ونفس مشاكلهم بالإضافة الى نفس شجاعتهم وبأسهم واخلاقيتهم الاصيلة .... وبعد استقرار الامور الاساسية في سياسة الدولة العثمانية والقضاء على التمرد الحاصل، أعلن الدستور العثماني الجديد لوضع الاسس الحقيقية لبناء دولة ذات سيادة برلمانية خاصة ... وبما ان منطقة الحجاز كانت تابعة رسميا لسلطة الدولة العثمانية في الاستانة فتم اختيار واحدا من أشرف قبائل العرب في الجزيرة الا وهو الشريف فيصل بن الحسين كنائب في البرلمان العثماني عن مدينة (جدة). ان تعيين (فيصل) في هذا المنصب له مردودا اساسي وفائدة جمة لشخصيته منها: -

(1) نسب اليه هذا المنصب كدليل على الثقة العالية به.

(2) سفره الدوري الى الاستانة لحضور الاجتماعات هناك الامر الذي زاد من معارفه حول السياسة العثمانية وطبيعة تعاملها مع الامصار ونوابها..

(3) تعرفه على الشخصيات العربية وهم نواب المدن الأخرى ومعرفته من خلالهم احوال العرب ومشاكلهم ...

لم تكن سفراته الى الاستانة بصورة مباشرة وانما عن طريق الدول العربية كمصر وفلسطين ولبنان مما ادى الى زيادة اطلاعه على الوضع السياسي والاجتماعي العربي الرازح تحت الحكم العثماني ...

...................................

1- تعلم أولاد الشريف حسين اللغة التركية قبل الدراسة وفي سنوات حياتهم الاولى من المربيات التركيات الموجودات داخل القصر..

2- خطب اللمك فيصل خطبة باللغة الإنكليزية عند زيارته لندن عام 1933.