اقتصاديات التنمية وأهميتها في الدول الناميـة 

إن التنمية بوصفها عملية حضارية معقدة تتضمن تغييرات هيكلية في مجالات متعددة، وبوصفها الاهتمام الرئيس الذي تبحث الدراسات الأكاديمية عن تحقيقه، تشكل القضايا المرتبطة بها أهمية خاصة في علم الاقتصاد، وهو ما يعطي لفرع اقتصاد التنمية أهميته المتميزة.

وإن التخلف الذي عانت منه مجموعة الدول النامية - ولا تزال - قد شكل قاعدة أساسية للبحث في الدراسات التنموية من أجل البحث عن صياغة نماذج اقتصادية، أو صياغة استراتيجيات تنموية تكفل لهذه الدول الخروج من ربقة المأزق التنموي الذي طال شعوبها لسنوات عديدة.

وتبعاً للخصوصيات المجتمعية والثقافية والسياسية والتاريخية التي تميز مجموعة هذه الدول، فإن مختلف النماذج والاستراتيجيات المطبقة عليها، سواء كاختيار سياسي داخلي، أو كوصفات خارجية مطبقة بالاضطرار تحت مظلة المؤسسات الدولية، قد عرفت حدودها بسبب عدم توافق افتراضات تلك النماذج - والمرتبطة أساساً بخلفيات مذهبية معينة رأسمالية كانت أو اشتراكية والواقع الحقيقي لتلك الدول. إن هذا الأمر يجعل الطريق مفتوحا أمام الكثير من النقاشات العلمية حول قضايا اقتصاد التنمية والتي تستفيد من نتائج التجربة التنموية في بدان العالم النامي والتغيرات الكبيرة والسريعة التي تطبع متغيرات البيئة الاقتصادية العالمية بشكل متجدد.

ولقد بيّنت التجارب في مجال التنمية أن دول العالم النامي - لا سيما في آسيا - التي حققت انطلاقها الاقتصادي كانت خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في وضع أقل بكثير من ناحية الوسائل والثروات من الدول النامية الأخرى التي لم تحقق انطلاقها الاقتصادي إلى اليوم وهو ما يشير إلى أن عملية الانطلاق الاقتصادي لا تفتقر إلى الوسائل فقط، بل وأكثر من ذلك إلى إطار نظري يتلاءم وخصائص كل دولة من الناحية المادية والثقافية والسياسية والاجتماعية.

ثم إن هذا الإطار النظري لا بد أن لا يقف عند حدود الافتراضات التي ينظر إليها كحقائق ويربط بينها بفلسفة تعتبر صالحة لكل زمان ومكان كما فعل منظرو الرأسمالية، بل ينبغي أن يركز على الملموس من النتائج أكثر من تقديس الحلول النظرية، فقد أثبتت التجارب الواقعية أن كل اقتصاد ناجح إنما تعامل مع متطلبات الواقع أكثر مما يتطلبه التطبيق الصارم للجانب النظري للنظام الذي يتبناه، رأسمالياً كان أو اشتراكيا، فتكييف النظري مع واقع البلد وخصوصياته هو مفتاح الانطلاق الاقتصادي.