المفاهيم الجغرافية الأساسية

مثل جميع التخصصات الأخرى، تشمل الجغرافيا مجموعة من المفاهيم الأساسية التي توحد جميع حقولها الفرعية وتصوغ أبحاثها وتحدد الإجابات الخاصة بدراسة المشهد الطبيعي. وهذا بالطبع أمر صحيح عن الجغرافيين العسكريين عندما يسعون جاهدين للإجابة عن أسئلة جغرافية شائعة: كيف " تكون البيئة العملياتية؟ " و " لماذا هي هكذا هنا؟ " و" كيف ستؤثر في العمليات؟ ". وبالتأكيد، هذه الأسئلة الثلاثة راسخة في صميم اهتمام عالم الجغرافيا بتباين سطح الأرض، وهي ترتبط بالاختصاصات الجغرافية التقليدية الأساسية.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، يستخدم الجغرافي العسكري مجموعة شائعة من المصطلحات والمفاهيم والأساليب التي تمنح هيكلية لدراسته للبيئات التشغيلية. فالجغرافيا هي علم مكاني، والقاسم المشترك بين جميع البحوث هو إدراك الأنماط المكانية. وهذه نقطة انطلاق ضرورية لفهم العلاقة بين المشكلات العسكرية والمشهد الطبيعي (1966 Peltier and An introduction to Pearcy). ولذلك، فإن الجغرافيين العسكريين كزملائهم، يهتمون بالأنماط المكانية والمؤقتة، مثل سلوك مجموعة ثقافية والنطاق المكاني للمناطق وأنماط الظواهر المناخية وظواهر الطقس والسمات المهمة للمشهد الطبيعي المادي، بالإضافة إلى الديناميات الأساسية التي تحرك هذه الأنماط والعلاقات (1962 Jackman).

ثم إن مفهوم النطاق بالنسبة إلى المختص بالجغرافيا العسكرية يفسر الطريقة التي تسبب بها العمليات والديناميات توزيع الأشياء، بالإضافة إلى الأنماط المؤقتة المتعلقة بالظواهر الطبيعية التي تجعل الأمكنة فريدة. وبالتالي، يفهم المختص بالجغرافيا العسكرية أن محتوى المكان وديناميات الظواهر الطبيعية منظمة ويمكن تفسيرها، حيث إن:

1- للأمكنة والظواهر الطبيعية مكانة واتجاها ومسافة بالنسبة إلى الأمكنة الأخرى.

2- للأمكنة والظواهر الطبيعية حجمها ونطاقا.

3- للأمكنة والظواهر الطبيعية بنية طبيعية ومحتوى ثقافية.

4- طبيعة الأمكنة والظواهر الطبيعية تتغير على مر الزمن.

5- الأمكنة والظواهر الطبيعية شيئان مترابطان.

6- الأمكنة والظواهر الطبيعية يمكن تعميمها في المناطق.

الموقع :

السؤال الجغرافي الجوهري بطبيعة الحال هو "أين يقع؟". وبالتالي، فإن معرفة المكان وفهمه أمر جوهري لأنه يشرح كثيرة حول الأحداث المنفصلة والأمكنة الموجودة على المشهد الطبيعي. ويمكن التعبير عن المكان بعدة طرائق متنوعة؛ ويجب اختيار الطريقة الأنفع تبعا للمكان. ولذلك، ينظر الجغرافيون إلى المكان من منظورين مهمين: مطلق و نسبي.

بالنسبة إلى المختصين بالجغرافيا، المكان المطلق هو وسيلة لوصف موضع مكان معين باستخدام نظام إحداثيات دقيق أو إحدى الطرائق الأخرى الدقيقة في تحديد المكان. ولذلك، يوفر المكان المطلق وسيلة لوصف موضع الأمكنة بدقة بحيث يمكن تحديد مكانها بدقة في فضاء الأرض. ولدى عالم الجغرافيا عدة طرائق رسمية يقوم بوساطتها بتحديد المكان المطلق تشمل: خطوط الطول والعرض، أو نظام إحداثيات مسطحات الدول، أو ربا "مستعرض ميركاتور العالمي" Universal Transverse Mercator [نظام إحداثيات ثنائي الأبعاد لتحديد المواقع على الأرض. لكن الجغرافيين يمكن أن يستخدموا أيضا وسائل غير رسمية لوصف المكان المطلق. مثلا، المقعد رقم 5، الصف رقم G، القسم 21 من مدرجات الملعب، أو زاوية الشارع الخامس والشارع الرئيسي، هي أيضا مؤشرات مفيدة على المكان المطلق (2007 ,.Blij et al). وبغض النظر، فإن المكان المطلق مميز بالنسبة إلى أمكنة منفصلة وله قيمة مفهومة في تنظيم المواقع مكانية أو تحديدها على خريطة ما، أو في قياس المسافات بين الأمكنة أو في تحديد الاتجاه بين الأمكنة أو في إعطاء تعريف قانوني المكان ما (2008 .Getis et al).

ومن ثم فإن المكان المطلق مفيد جدا لأغراض رسم الخرائط والبحث، مثل وصف المكان الدقيق لموقع دراسة ما، وهو مفيد للمختصين بالجغرافيا العسكرية، لأنه يسمح بتحديد الأمكنة المنفصلة، مثل تحديد أمكنة حدوث المعارك والعمليات. لكنه ذو قيمة محدودة فقط من حيث إنه يقدم لمحة خفيفة عن الترابط المكاني، مما يساعد المختص بالجغرافيا العسكرية على تفسير سبب وجود الأشياء في مكانها. وبناء عليه، فإن استخدام المكان النسبي يحدد للمختص بالجغرافيا العسكرية موضع مكان معين أو ظاهرة طبيعية بالنسبة إلى موضع أمكنة أو ظواهر طبيعية أخرى، وهو مفهوم أقوى بكثير. وبالنسبة إلى المختص بالجغرافيا العسكرية، فإن المكان النسبي يتيح الاتصال والترابط المكاني. مثلا، يقع شاطئ أوماها، وهو واحد من خمسة شواطئ تعرضت للغزو في الماضي، على الخط 49 درجة و22 دقيقة شا" و2 درجة و52 دقيقة غربة. ولكن هذا الموقع المطلق لا يفسر المزايا الطبيعية للمكان، أو يعطي المختص بالجغرافيا العسكرية معلومات عن سبب اختيار هذا المكان ليكون من مواقع الغزو المحدد في يوم ما، نظرا لوجود خط ساحلي ملائم بطول مئات الكيلومترات في شمالي فرنسا. وقد أوضح ديفس (1946 Davies) قيمة الموقع النسبي وقوته في تفسيره المفصل للأسباب الجغرافية وراء اختيار نورماندي موقعة للغزو، بالنظر إلى وجود شواطئ أفضل للغزو متاحة لقوات الحلفاء، وأوضح كيف خضع الخيار للعلاقات الجغرافية بين نورماندي وأمكنة أخرى، أو المكان النسبي (انظر الشكل 3-2).

ولأن الجغرافيين يميزون مختلف أساليب توصيف المكان، فإنهم يميزون أيضا بين موقع المكان وحالته. فالموقع يشير إلى خصائص المحيط المحلي أو الجوانب الداخلية لمكان ما، وفي سياق الجغرافيا العسكرية، فإنه قد يشمل بعض السمات مثل تضاريس الأرض والمناخ والغطاء النباتي وتركيب التربية وإمكانية التنقل وأنماط الشوارع وتوافر المياه. وإذا كان يبدو أن بعض الجوانب المحددة لمكان أو موقع توفر أفضلية واضحة لقائد عسكري، عندها من المحتمل أن يتم اختيار ذلك المكان موقعة لمعركة. ومن ناحية أخرى، تشير الحالة إلى العوامل الخارجية التي تجعل المكان ملائمة، وهي إيضاح لمكان نسبي مع إشارة خاصة إلى الأهمية الجغرافية للمكان المعني (2007 .de Blij et al).

المسافة هي مفهوم آخر خاص بالمكان يستخدمه الجغرافيون. فالمسافة تربط بين الأمكنة ويمكن النظر إليها بالمعنى المطلق والنسبي على حد سواء. أما الفصل المكاني بين النقاط، الذي يقاس عادة باستخدام بعض المقاييس المعروفة (مثل الميل أو الكيلومتر)، فيحدد المسافة المطلقة. وبالمقابل، المسافة النسبية تترجم القياسات الخطية إلى علاقات مكانية [طبوغرافية] أخرى ذات معنى أكبر. على سبيل المثال، قد يكون طريقان لمسيرة ما من نقطة البداية إلى نقطة الهدف التي يحتمل لجيش ما أن يستخدمها، متساويين في الطول تقريبا. ولكن المسافة المطلقة قد تكون أقل أهمية في عملية اختيار طريق لأن الطريق الأطول بينها قد يكون ذا تضاريس ملائمة أكثر، وقد يستغرق سلوكه وقتا أقصر في الواقع مع أنه أطول.