ثانياً : الاهمية التاريخية للسياسة المالية :  

بدأ الاهتمام بأهمية السياسة المالية في النشاط الاقتصادي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥.عندما بدأت معظم دول العالم التحول باقتصادياتها من اقتصاديات الحرب الى اقتصاديات التعمير والتنمية. وخلال هذه الفترة ساد اعتقاد كبير بأن تحول هذه الاقتصاديات من الحرب وما يصاحبه من قيود على الاسعار والانتاج الى السلام وما يصاحبه من زيادة الانتاج سوف ينتج عنه ارتفاع في المستوى العام للأسعار، اي حدوث تضخم

وللتقليل من احتمالات حدوث ذلك خاصة في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وانجلترا. فقد ظهر في النصف الثاني من الاربعينات من القرن العشرين بفكر فلسفي جديد يعرف بالاقتصاد الكنيزي Keynesian Economics حيث يرى هذا الفكر ان السياسة المالية لها دور هام في تحقيق هذه الفجوات وتحقيق التوظف الكامل. 

ويرجع هذا الفكر الى الاقتصادي الانجليزي "جون مينارد كنيز"  John Maynard Keynes. والذي ظهرت افكاره في نهاية الثلاثينات من القرن العشرين. وقد بدأ كنيز افكاره بالهجوم وانتقاد الفكر الكلاسيكي الذي كان سائداً في ذلك الوقت. والذي كان يرى ان هناك قوى تلقائية وذاتية تعمل على تصحيح الخلل الذي قد يحدث في الاقتصاد. الا ان كنيز يرى ان الاسعار والاجور في بعض الصناعات قد لا تتمتع بالمرونة بما يعكس عدم صحة الافتراض بوجود قوى ذاتية قادرة على التصحيح الذاتي. وبالتالي فان مستوى التشغيل الفعلي في الاقتصاد قد يتحدد بعيداً عن مستوى التوظف الكامل. وهنا اهمية السياسات المالية والنقدية لتحقيق او رفع مستوى استغلال الموارد بما يقلل من الفجوة بين مستوى التشغيل الفعلي ومستوى التوظف الكامل. 

بمعنى ان الفكر الكنيزي يرى ان السوق ليس لديه قدرة على تحقيق التوظف الكامل بدون سياسة مالية تتبع بواسطة الحكومة. واصبحت افكار كنيز تعرف بالاقتصاد الكنيزي، وكانت بمثابة ثورة في مجال علم الاقتصاد وساد هذا الفكر منذ نهاية الثلاثينيات وحتى بداية السبعينيات من القرن العشرين. ومع نهاية السبعينيات واجهت كثير من دول العالم الرأسمالية ظاهرة الكساد والذي صاحبها ارتفاع كبير في معدلات التضخم وقد عرفت ظاهرة حدوث بطالة مع حدوث ارتفاع معدلات التضخم بظاهرة الكساد التضخمي Stagflation مما قلل من اهمية الفكر الكنيزي، وفقد كثير من اهميته حتى من جانب ما عرف بالمدرسة الكنيزية الحديثة Modern Keynesians وبالرغم من ذلك ظلت بعض جوانب هذا الفكر تلعب دوراً في اعتقاد كثير من الاقتصاديين وصانعي السياسة الاقتصادية.