المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16450 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الموظف نفرحات.
2024-05-16
الفرعون أمنحتب الثالث.
2024-05-16
الموظف حوي.
2024-05-16
الموظف حقر نحح.
2024-05-16
قبر الموظف بنحت.
2024-05-16
بتاح مس.
2024-05-16

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (83-99) من سورة الصافات  
  
4963   02:47 صباحاً   التاريخ: 29-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة الصافات /

قال تعالى : {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات : 83 - 99] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أتبع سبحانه وتعالى قصة نوح (عليه السلام) بقصة إبراهيم (عليه السلام) فقال {وإن من شيعته لإبراهيم} أي وإن من شيعة نوح إبراهيم يعني أنه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق عن مجاهد وقيل إن معناه وإن من شيعة محمد إبراهيم كما قال أنا حملنا ذريتهم أي ذرية من هو أب لهم فجعلهم ذرية لهم وقد سبقوهم عن الفراء {إذ جاء ربه بقلب سليم} أي حين صدق الله وآمن به بقلب سليم خالص من الشرك بريء من المعاصي والغل والغش ، على ذلك عاش وعليه مات وقيل بقلب سليم من كل ما سوى الله تعالى لم يتعلق بشيء غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

{إذ قال لأبيه وقومه} حين رآهم يعبدون الأصنام من دون الله على وجه التهجين لفعالهم والتقريع لهم {ما ذا تعبدون} أي : أي شيء تعبدون {أ إفكا آلهة} الإفك هو أشنع الكذب وأفظعه وأصله قلب الشيء عن جهته التي هي له فلذلك كان الكذب إفكا وإنما قال آلهة على اعتقاد المشركين وتوهمهم الفاسد في إلهية الأصنام لما اعتقدوا أنها تستحق العبادة .

ثم أكد التقريع بقوله {دون الله تريدون} أي تريدون عبادة آلهة دون عبادة الرحمن فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه لأن الإرادة لا يصح تعلقها إلا بما يصح حدوثه والأجسام مما لا يصح أن تراد {فما ظنكم برب العالمين} أن يصنع بكم مع عبادتكم غيره وقيل معناه كيف تظنون برب تأكلون رزقه وتعبدون غيره وقيل معناه ما تظنون بربكم إنه على أي صفة ومن أي جنس من أجناس الأشياء حين شبهتم به هذه الأصنام وفيه إشارة إلى أنه لا يشبه شيئا .

{فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم} اختلف في معناه على أقوال (أحدها) أنه (عليه السلام) نظر في النجوم فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتاده فقال {إني سقيم} أراد أنه قد حضر وقت علته وزمان نوبتها فكأنه قال إني سأسقم لا محالة وحان الوقت الذي تعتريني فيه الحمى وقد يسمى المشارف للشيء باسم الداخل فيه قال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون ولم يكن نظره في النجوم على حسب ما ينظره المنجمون طلبا للأحكام ومثله قول الشاعر :

اسهري ما سهرت أم حكيم *** واقعدي مرة لذاك وقومي

وافتحي الباب وانظري في النجوم *** كم علينا من قطع ليل بهيم

 (وثانيها) أنه نظر في النجوم كنظرهم لأنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك {إني سقيم} فتركوه ظنا منهم أن نجمة يدل على سقمه ويجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص فلما رأى إبراهيم تلك الأمارة قال {إني سقيم} تصديقا بما أخبره الله تعالى .

(وثالثها) أن معناه نظر في النجوم نظر تفكر فاستدل بها كما قصة الله تعالى في سورة الأنعام على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة وأشار بقوله {إني سقيم} على أنه في حال مهلة النظر وليس على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه شفاء وإنما زال عنه هذا السقم عند زوال الشك وكمال المعرفة عن أبي مسلم وهذا الوجه ضعيف لأن سياق الآية يمنع منه فإن قوله {إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ما ذا تعبدون} إلى هذا الموضع من قصته يبين أنه (عليه السلام) لم يكن في زمان مهلة النظر وأنه كان كامل المعرفة خالص اليقين والبصيرة ( ورابعها ) أن معنى قوله {إني سقيم} إني سقيم القلب أوالرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام وهي لا تسمع ولا تبصر ويكون على هذا معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة مدبرة وتعجبه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى عبدوها وما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا والله ما كان سقيما وما كذب فيمكن أن يحمل على أحد الوجوه التي ذكرناها ويمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أن كل من كتب عليه الموت فهو سقيم وإن لم يكن به سقم في الحال وما روي أن إبراهيم (عليه السلام) كذب ثلاث كذبات قوله {إني سقيم} وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله في سارة أنها أختي فيمكن أن يحمل أيضا على المعاريض أي سأسقم وفعله كبيرهم على ما ذكرناه في موضعه وسارة أخته في الدين وقد ورد في الخبر إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب والمعاريض أن يقول الرجل شيئا يقصد به غيره ويفهم عنه غير ما يقصده ولا يكون ذلك كذبا فإن الكذب قبيح بعينه ولا يجوز ذلك على الأنبياء لأنه يرفع الثقة بقولهم جل أمناء الله تعالى وأصفياؤه عن ذلك .

وقوله {فتولوا عنه مدبرين} إخبار عن قومه أنهم لما سمعوا قوله {إني سقيم} تركوه وأعرضوا عنه وخرجوا إلى عيدهم {فراغ إلى آلهتهم} معناه فمال إلى أصنامهم التي كانوا يدعونها آلهة {فقال أ لا تأكلون} خاطبها وإن كانت جمادا على وجه التهجين لعابديها وتنبيههم على أن من لا يتكلم ولا يقدر على الجواب كيف تصح عبادتها وكانوا صنعوا للأصنام طعاما تقربا إليها وتبركا بها .

فلما لم تجيبوه قال {ما لكم لا تنطقون} زيادة في تهجين عابديها كأنهم حاضرون لها أي ما لكم لا تجيبون وفي هذا تنبيه على أنها جماد لا تأكل ولا تنطق فهي أخس الأشياء وأقلها {فراغ عليهم ضربا باليمين} أي فمال على الأصنام يضربها ويكسرها باليد اليمني لأنها أقوى على العمل عن الربيع بن أنس وقيل المراد باليمين القوة كما في قوله : ((تلقاها عرابة باليمين)) (2) عن الفراء وهو قول السدي وقيل معناه بالقسم الذي سبق منه وهو قوله {وتالله لأكيدن أصنامكم} .

{فأقبلوا إليه يزفون} أي أقبلوا بعد الفراغ من عيدهم إلى إبراهيم يسرعون عن الحسن وابن زيد وقيل يزفون زفيف النعام وهو حالة بين المشي والعدو عن مجاهد وفي هذا دليل أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بأصنامهم فقصدوه مسرعين وحملوه إلى بيت أصنامهم وقالوا له أنت فعلت هذا بإلهتنا فأجابهم على وجه الحجاج عليهم بأن {قال أ تعبدون ما تنتحون} فهو استفهام معناه الإنكار والتوبيخ أي كيف يصح أن يعبد الإنسان ما يعمله بيده فإنهم كانوا ينحتون الأصنام بأيديهم .

{والله خلقكم وما تعملون} أي وخلق ما علمتم من الأصنام فكيف تدعون عبادته وتعبدون معمولكم وهذا كما يقال فلان يعمل الحصير وهذا الباب من عمل فلان النجار قال الحسن معناه وخلق أصل الحجارة التي تعملون منها الأصنام وهذا يجري مجرى قوله تلقف ما يأفكون وقوله تلقف ما صنعوا في أنه أراد المنحوت من الجسم هنا دون العرض الذي هو النحت كما أراد هناك المأفوك فيه والمصنوع فيه من الحبال والعصي دون العرض الذي هو فعلهم فليس لأهل الجبر تعلق بهذه الآية في الدلالة على أن الله سبحانه خالق لأفعال العباد لأن من المعلوم أن الكفار لم يعبدوا نحتهم الذي هو فعلهم وإنما كانوا يعبدون الأصنام التي هي الأجسام وقوله {ما تنحتون} هوما يعملون في المعنى على أن مبنى الآية على التقريع للكفار والإزراء عليهم بقبيح فعلهم ولوكان معناه والله خلقكم وخلق عبادتكم لكانت الآية إلى أن تكون عذرا لهم أقرب من أن تكون لوما وتهجينا ولكان لهم أن يقولوا ولم توبخنا على عبادتها والله تعالى هو الفاعل لذلك؟ فتكون الحجة لهم لا عليهم ولأنه قد أضاف العمل إليهم بقوله {تعملون} فكيف يكون مضافا إلى الله تعالى وهذا تناقض ولما لزمتهم الحجة .

{قالوا ابنوا له بنيانا} قال ابن عباس بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملاءوه نارا وطرحوه فيها وذلك قوله {فألقوه في الجحيم} قال الزجاج كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم وقيل إن الجحيم النار العظيمة {فأرادوا به كيدا} أي حيلة وتدبيرا في إهلاكه وإحراقه بالنار {فجعلناهم الأسفلين} بأن أهلكناهم ونجينا إبراهيم وسلمناه ورددنا كيدهم عنه وقيل بأن أشرفوا عليه فرأوه سالما وتحققوا أن كيدهم لا ينفذ فيه وعلموا أنهم مغلوبون .

{وقال} إبراهيم {إني ذاهب إلى ربي} قال ابن عباس معناه مهاجر إلى ربي أي أهجر ديار الكفار وأذهب إلى حيث أمرني الله تعالى بالذهاب إليه وهي الأرض المقدسة وقيل إني ذاهب إلى مرضاة ربي بعملي ونيتي عن قتادة {سيهدين} أي يهديني ربي فيما بعد إلى طريق المكان الذي أمرني بالمصير إليه أو إلى الجنة بطاعتي إياه قال مقاتل وهو أول من هاجر ومعه لوط وسارة إلى الشام وإنما قال {سيهدين} ترغيبا لمن هاجر معه في الهجرة وتوبيخا لقومه .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص315-319 .

2- هذا عجز بيت لشماخ . ونسبه بعض الى حطيئة وصدره : ((اذا ما راية رفعت لمجد)) ، وقد مر ايضا .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه مضمون هذه الآيات فيما تقدم ، ولذا نفسرها تفسيرا سريعا مع الإشارة إلى رقم الآية والسورة السابقة .

{وإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْراهِيمَ} . ضمير شيعته يعود إلى نوح ، والمعنى ان إبراهيم (عليه السلام) سار على نهج نوح عقيدة وعملا ، وفي بعض التفاسير القديمة : انه كان بين نوح وإبراهيم 2640 سنة ، وصاحب هذا القول لم يسنده إلى مصدر موثوق .

{إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} . وصاحب هذا القلب هو الذي أخلص للَّه وحده في جميع أقواله وأفعاله . وفي الحديث : لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه .

وفي نهج البلاغة : طوبى لقلب سليم أطاع من يهديه ، وتجنب من يرديه {إِذْ قالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} . أنكر إبراهيم عبادة الأصنام على قومه ، وجابههم بكلمة الحق قائلا : أتطلبون الزور والباطل بالرجوع إلى غير اللَّه ، والتقرب إليه بعبادة سواه ؟ وتقدم مثله في الآية 74 من سورة الأنعام ج 3 ص 212 .

{فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} ؟ أتظنون به ، وهو خالق الكون ، انه حجر أو كوكب ؟ ألا يردعكم عن هذا الجهل يقظة من عقل ، أو لمحة من فهم . وفي ج 4 ص 391 فقرة : عقول الناس لا تغنيهم عن دين اللَّه بيّنا لما ذا عبد المشركون أحجارا تبول عليها الكلاب والثعالب {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} يوهم قومه أنه يبحث عن خالق الكون لأنهم كانوا يعبدون آلهة كثيرة وبنوع خاص (نانار) إله القمر وزوجته (ننجال) ( قاموس الكتاب المقدس ) . وفي معنى هذه الآية ما جاء في الآية 76 من سورة الأنعام .

{فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ} . للمفسرين في معنى سقيم أقوال ، أرجحها ان المراد به هنا الشاكّ ، وعليه يكون المعنى ان إبراهيم قال لقومه : انا الآن في حيرة أبحث وأدقق لأهتدي إلى معرفة الخالق ، وقد نظرت في الأصنام فأيقنت انها ليست بآلهة ، ثم نظرت في النجوم فلم أهتد إلى شيء بل بقيت على شكي وحيرتي . والسياق يعين إرادة هذا المعنى أو يرجحه - على الأقل - لأنه ربط بين قوله : اني سقيم وبين نظرته في النجوم . . وليس في قوله : اني شاك أيّ كذب . . كلا ، لأنه من باب المماشاة مع الخصم ليأخذه بالحجة ، ويقطع عليه كل معذرة .

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} . تركوه وشأنه وذهبوا إلى شأنهم {فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ} .

أسرع إلى الأصنام مغتنما فرصة غيابهم عنها ، وكانوا قد وضعوا بين يديها طعاما لتباركه ( فقال - للأصنام - ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون ) ؟ ومعلوم أنه قال هذا ازدراء بها ، واحتجاجا على من يعبدها ويتبرك بها {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} . مال على الأصنام يحطمها بيمينه حتى جعلها قطعا قطعا الا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} . أسرع القوم إلى إبراهيم وقالوا له :

أأنت فعلت هذا يا إبراهيم {قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ} ؟ ويلكم لا تفتروا على اللَّه كذبا . . ان الإله خالق غير مخلوق ، ورازق غير مرزوق ، وقد صنعتم هذه الأصنام بأيديكم وتقدمون لها الأطعمة وتحرسونها من الاعتداء ، فكيف تكون آلهة ؟

{واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ} هو خالق كل شيء واليه المصير .

{قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} . عجزوا عن مقابلة الحجة بالحجة فلجئوا إلى القوة كما هو شأن الطغاة ، يضرمون النار ، ويلقون فيها دعاة الحق والخير كما كانت الحال في القديم ، ولما تقدم العلم المدمّر ألقوا النار على الشعوب المستضعفة بنسائها وأطفالها {فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الأَسْفَلِينَ} حيث جعل سبحانه النار على إبراهيم بردا وسلاما {وقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} .

بعد أن أنجاه اللَّه من كيد قومه هاجر من بلده أور الكلدانيين - بابل - إلى بلاد الشام . وفي قاموس الكتاب المقدس : (اكتشفت آثار ونقوش ترجع إلى حوالي ألفي سنة قبل الميلاد ، وقد وجد عليها اسم إبراهيم بهذه الصيغ : ابرامو . إبرام .

إبراما ، وأظهرت الكشوف التاريخية الحديثة الحالة التي كانت عليها مدينة أور التي هاجر منها إبراهيم كما كانت حينذاك) . وتقدم مضمون هذه الآيات بنحو من التفصيل في سورة الأنبياء الآية 51 - 70 ج 5 ص 283 - 288 .

_____________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص346-348 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وإن من شيعته لإبراهيم} الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم وبالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهومن شيعته تقدم أو تأخر قال تعالى : {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ : 54] .

وظاهر السياق أن ضمير {شيعته} لنوح أي إن إبراهيم كان ممن يوافقه في دينه وهو دين التوحيد ، وقيل : الضمير لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا دليل عليه من جهة اللفظ .

قيل : ومن حسن الإرداف في نظم الآيات تعقيب قصة نوح (عليه السلام) وهو آدم الثاني أبو البشر بقصة إبراهيم (عليه السلام) وهو أبو الأنبياء إليه تنتهي أنساب جل الأنبياء بعده وعلى دينه تعتمد أديان التوحيد الحية اليوم كدين موسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأيضا نوح (عليه السلام) نجاه الله من الغرق وإبراهيم (عليه السلام) نجاه الله من الحرق .

قوله تعالى : {إذ جاء ربه بقلب سليم} مجيئه ربه كناية عن تصديقه له وإيمانه به ، ويؤيد ذلك أن المراد بسلامة القلب عروه عن كل ما يضر التصديق والإيمان بالله سبحانه من الشرك الجلي والخفي ومساوىء الأخلاق وآثار المعاصي وأي تعلق بغيره ينجذب إليه الإنسان ويختل به صفاء توجهه إليه سبحانه .

وبذلك يظهر أن المراد بالقلب السليم ما لا تعلق له بغيره تعالى كما في الحديث وسيجيء إن شاء الله في البحث الروائي الآتي .

وقيل : المراد به السالم من الشرك ، ويمكن أن يوجه بما يرجع إلى الأول وقيل : المراد به القلب الحزين ، وهوكما ترى .

والظرف في الآية متعلق بقوله سابقا {من شيعته} والظروف يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها ، وقيل متعلق باذكر المقدر .

قوله تعالى : {إذ قال لأبيه وقومه ما ذا تعبدون} أي أي شيء تعبدون؟ وإنما سألهم عن معبودهم وهو يرى أنهم يعبدون الأصنام تعجبا واستغرابا .

قوله تعالى : {أ إفكا آلهة دون الله تريدون} أي تقصدون آلهة دون الله إفكا وافتراء ، إنما قدم الإفك والآلهة لتعلق عنايته بذلك .

قوله تعالى : {فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم} لا شك أن ظاهر الآيتين أن إخباره (عليه السلام) بأنه سقيم مرتبط بنظرته في النجوم ومبني عليه ونظرته في النجوم إما لتشخيص الساعة وخصوص الوقت كمن به حمى ذات نوبة يعين وقتها بطلوع كوكب أو غروبها أو وضع خاص من النجوم وإما للوقوف على الحوادث المستقبلة التي كان المنجمون يرون أن الأوضاع الفلكية تدل عليها ، وقد كان الصابئون مبالغين فيها وكان في عهده (عليه السلام) منهم جم غفير .

فعلى الوجه الأول لما أراد أهل المدينة أن يخرجوا كافة إلى عيد لهم نظر إلى النجوم وأخبرهم أنه سقيم ستعتريه العلة فلا يقدر على الخروج معهم .

وعلى الوجه الثاني نظر (عليه السلام) حينذاك إلى النجوم نظرة المنجمين فأخبرهم أنها تدل على أنه سيسقم فليس في وسعه الخروج معهم .

وأول الوجهين أنسب لحاله (عليه السلام) وهو في إخلاص التوحيد بحيث لا يرى لغيره تعالى تأثيرا ، ولا دليل لنا قويا يدل على أنه (عليه السلام) لم يكن به في تلك الأيام سقم أصلا ، وقد أخبر القرآن بإخباره بأنه سقيم وذكر سبحانه قبيل ذلك أنه جاء ربه بقلب سليم فلا يجوز عليه كذب ولا لغو من القول .

ولهم في الآيتين وجوه أخر أوجهها أن نظرته في النجوم وإخباره بالسقم من المعاريض في الكلام والمعاريض أن يقول الرجل شيئا يقصد به غيره ويفهم منه غير ما يقصده فلعله نظر (عليه السلام) في النجوم نظر الموحد في صنعه تعالى يستدل به عليه تعالى وعلى وحدانيته وهم يحسبون أنه ينظر إليها نظر المنجم فيها ليستدل بها على الحوادث ثم قال : إني سقيم يريد أنه سيعتريه سقم فإن الإنسان لا يخلو في حياته من سقم ما ومرض ما كما قال : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء : 80] وهم يحسبون أنه يخبر عن سقمه يوم يخرجون فيه لعيد لهم ، والمرجح عنده لجميع ذلك ما كان يهتم به من الرواغ إلى أصنامهم وكسرها .

لكن هذا الوجه مبني على أنه كان صحيحا غير سقيم يومئذ ، وقد سمعت أن لا دليل يدل عليه .

على أن المعاريض غير جائزة على الأنبياء لارتفاع الوثوق بذلك عن قولهم .

قوله تعالى : {فتولوا عنه مدبرين} ضمير الجمع للقوم وضمير الإفراد لإبراهيم (عليه السلام) أي خرجوا من المدينة وخلفوه .

قوله تعالى : {فراغ إلى آلهتهم فقال أ لا تأكلون ما لكم لا تنطقون} الروغ والرواغ والروغان الحياد والميل ، وقيل أصله الميل في جانب ليخدع من يريده .

وفي قوله : {أ لا تأكلون} ؟ تأييد لما ذكروا أن المشركين كانوا يضعون أيام أعيادهم طعاما عند آلهتهم .

وقوله : {أ لا تأكلون ؟ ما لكم لا تنطقون} ؟ تكليم منه لآلهتهم وهي جماد وهو يعلم أنها جماد لا تأكل ولا تنطق لكن الوجد وشدة الغيظ حمله على أن يمثل موقفها موقف العقلاء ثم يؤاخذها مؤاخذة العقلاء كما يفعل بالمجرمين .

فنظر إليها وهي ذوات أبدان كهيئة من يتغذى ويأكل وعندها شيء من الطعام فامتلأ غيظا وجاش وجدا فقال : أ لا تأكلون؟ فلم يسمع منها جوابا فقال : {ما لكم لا تنطقون} ؟ وأنتم آلهة يزعم عبادكم أنكم عقلاء قادرون مدبرون لأمورهم فلما لم يسمع لها حسا راغ عليها ضربا باليمين .

قوله تعالى : {فراغ عليهم ضربا باليمين} أي تفرع على ذاك الخطاب أن مال على آلهتهم يضربهم ضربا باليد اليمنى أو بقوة بناء على كون المراد باليمين القوة .

وقول بعضهم : إن المراد باليمين القسم والمعنى مال عليهم ضربا بسبب القسم الذي سبق منه وهو قوله : {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [الأنبياء : 57] بعيد .

قوله تعالى : {فأقبلوا إليه يزفون} الزف والزفيف الإسراع في المشي أي فجاءوا إلى إبراهيم والحال أنهم يسرعون اهتماما بالحادثة التي يظنون أنه الذي أحدثها .

وفي الكلام إيجاز وحذف من خبر رجوعهم إلى المدينة ووقوفهم على ما فعل بالأصنام وتحقيقهم الأمر وظنهم به (عليه السلام) مذكور في سورة الأنبياء .

قوله تعالى : {قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} فيه إيجاز وحذف من حديث القبض عليه والإتيان به على أعين الناس ومسألته وغيرها .

والاستفهام للتوبيخ وفيه مع ذلك احتجاج على بطلان طريقتهم فهو يقول : لا يصلح ما نحته الإنسان بيده أن يكون ربا للإنسان معبودا له والله سبحانه خلق الإنسان وما يعمله والخلق لا ينفك عن التدبير فهورب الإنسان ومن السفه أن يترك هذا ويعبد ذاك .

وقد بان بذلك أن الأظهر كون ما في قوله : {ما تنحتون} موصولة والتقدير ما تنحتونه ، وكذا في قوله : {وما تعملون} وجوز بعضهم كون {ما} فيها مصدرية وهو في أولهما بعيد جدا .

ولا ضير في نسبة الخلق إلى ما عمله الإنسان أو إلى عمله لأن ما يريده الإنسان ويعمله من طريق اختياره مراد الله سبحانه من طريق إرادة الإنسان واختياره ولا يوجب هذا النوع من تعلق الإرادة بالفعل بطلان تأثير إرادة الإنسان وخروج الفعل عن الاختيار وصيرورته مجبرا عليه ، وهو ظاهر .

ولوكان المراد نسبة خلق أعمالهم إلى الله سبحانه بلا واسطة لا من طريق إرادتهم بل بتعلق إرادته بنفس عملهم وأفاد الجبر لكان القول أقرب إلى أن يكون عذرا لهم من أن يكون توبيخا وتقبيحا ، وكانت الحجة لهم لا عليهم .

قوله تعالى : {قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم} البنيان مصدر بنى يبني والمراد به المبني ، والجحيم النار في شدة تأججها .

قوله تعالى : {فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين} الكيد الحيلة والمراد احتيالهم إلى إهلاكه وإحراقه بالنار .

وقوله : {فجعلناهم الأسفلين} كناية عن جعل إبراهيم فوقهم لا يؤثر فيه كيدهم شيئا إذ قال سبحانه : {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء : 69] .

وقد اختتم بهذا فصل من قصص إبراهيم (عليه السلام) وهو انتهاضه أولا على عبادة الأوثان واختصامه لعبادها وانتهاء أمره إلى إلقائه النار وإبطاله تعالى كيدهم .

قوله تعالى : {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين} فصل آخر من قصصه (عليه السلام) يذكر عزمه على المهاجرة من بين قومه واستيهابه من الله ولدا صالحا وإجابته إلى ذلك وقصة ذبحه ونزول الفداء .

فقوله : {وقال إني ذاهب إلى ربي} إلخ كالإنجاز لما وعدهم به مخاطبا لآزر : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } [مريم : 48] ومنه يعلم أن مراده بالذهاب إلى ربه الذهاب إلى مكان يتجرد فيه لعبادته تعالى ودعائه وهو الأرض المقدسة .

وقول بعضهم : إن المراد أذهب إلى حيث أمرني ربي لا شاهد عليه .

وكذا قول بعضهم : إن المراد أني ذاهب إلى لقاء ربي حيث يلقونني في النار فأموت وألقى ربي سيهديني إلى الجنة .

وفيه - كما قيل - إن ذيل الآية لا يناسبه وهو قوله : {رب هب لي من الصالحين} وكذا قوله بعده : {فبشرناه بغلام حليم} .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص122-127 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

خطّة إبراهيم الذكيّة في تحطيم الأصنام :

 

آيات بحثنا هذا تتناول بشيء من التفصيل حياة النّبي الشجاع إبراهيم (عليه السلام)محطّم الأصنام بعد آيات إستعرضت جوانب من تاريخ نوح (عليه السلام) المليء بالحوادث .

ففي البداية تحدّثت القصّة عن تحطيم إبراهيم للأصنام ، والموقف الشديد الذي اتّخذه عبدة الأصنام تجاه إبراهيم ، فيما يتطرّق القسم الآخر من القصّة للمشهد الكبير الذي يتمثّل في تضحيات إبراهيم الخليل وقضيّة ذبح إبنه إسماعيل ، والآيات التي تخصّ هذا القسم ذُكرت هنا ـ فقط ـ بهذا التفصيل ، ولم تذكر في موضع آخر بهذا الشكل .

الآية الاُولى ، ربطت بين قصّة إبراهيم وقصّة نوح بهذه الصورة {وإنّ من شيعته لإبراهيم} .

أي إنّ إبراهيم كان سائراً على خطى نوح (عليه السلام) في التوحيد والعدل والتقوى والإخلاص ، حيث أنّ الأنبياء يبلغون لفكر واحد ، وهم أساتذة جامعة واحدة ، وكلّ واحد منهم يواصل تنفيذ برامج الآخر لإكمالها .

كم هي جميلة هذه العبارة؟ إبراهيم من شيعة نوح ، رغم أنّ الفاصل الزمني بينهما كان كبيراً (قال بعض المفسّرين : إنّ الفاصل الزمني بينهما يقدر بـ 2600 سنة) ، إذ أنّ العلاقات الإيمانية ـ كما هو معروف ـ لا يؤثّر عليها الفاصل الزمني أدنى تأثير (2) .

بعد هذا العرض المختصر ندخل في التفاصيل ، قال تعالى : {إذ جاء ربّه بقلب سليم} .

حيث فسّر المفسّرون (قلب سليم) بعدّة صور ، أشارت كلّ واحدة منها إلى أحد أبعاد هذه المسألة .

القلب الطاهر من الشرك .

أو القلب الخالص من المعاصي والظلم والنفاق .

أو القلب الخالي من حبّ الدنيا ، لأنّ حبّ الدنيا هو مصدر كلّ الخطايا .

وأخيراً هو القلب الذي لا يوجد فيه شيء سوى الله .

في الحقيقة إنّ كلمة (سليم) مشتقّة من (السلامة) ، وعندما تطرح السلامة . بصورة مطلقة ، فإنّها تشمل أيضاً السلامة من كلّ الأمراض الأخلاقية والعقائدية .

فالقرآن الكريم يقول بشأن المنافقين {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة : 10] أي إنّ قلوبهم مصابة بنوع من أنواع المرض ، وإنّ الله سبحانه وتعالى أضاف أمراضاً اُخرى إلى ذلك المرض على أثر لجاجتهم وإرتكابهم المزيد من الذنوب .

وأجمل من فسّر عبارة (القلب السليم) هو الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال : «القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه !» (3) . حيث جمع بقوله كلّ الأوصاف المذكورة مسبقاً .

وقد جاء في رواية اُخرى للإمام الصادق (عليه السلام) «صاحب النيّة الصادقة صاحب القلب السليم ، لأنّ سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النيّة لله في الاُمور كلّها» (4) .

واعتبر القرآن الكريم القلب السليم رأس مال نجاة الإنسان يوم القيامة ، حيث نقرأ في سورة الشعراء ، وفي الآيات 88 و89 على لسان النّبي الكبير إبراهيم (عليه السلام) قوله تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم}(5) .

نعم ، من هنا تبدأ قصّة إبراهيم ذي القلب السليم ، والروح الطاهرة ، والإرادة الصلبة ، والعزم الراسخ ، مع قومه ، إذ كلّف بالجهاد ضدّ عباد الأصنام ، وبدأ بأبيه وعشيرته {إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون} ، ما هذه الأشياء التي تعبدونها؟

أليس من المؤسف على الإنسان الذي كرّمه الله على سائر المخلوقات ، وأعطاه العقل أن يعظّم قطعة من الحجر والخشب العديم الفائدة ؟ أين عقولكم ؟

ثمّ يكمل العبارة السابقة التي كان فيها تحقير واضح للأصنام ، ويقول : {أإفكاً آلهة دون الله تريدون} (6) .

إستخدام كلمة (إفك) في هذه الآية ، والتي تعني الكذب العظيم أو القبيح ، توضّح حزم وقاطعية إبراهيم (عليه السلام) بشأن الأصنام .

واختتم كلامه في هذا المقطع بعبارة عنيفة {فما ظنّكم بربّ العالمين} إذ تأكلون ما يرزقكم به يوميّاً ، ونعمه تحيط بكم من كلّ جانب ، ورغم هذا تقصدون موجودات لا قيمة لها من دون الله ، فهل تتوقّعون أنّه سيرحمكم وسوف لا يعذّبكم بأشدّ العذاب؟ كم هو خطأ كبير وضلال خطير ؟!

عبارة (ربّ العالمين) تشير إلى أنّ كلّ العالم يدور في ظلّ ربوبيته تبارك وتعالى ، وقد تركتموه واتّجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الفارغة .

وجاء في كتب التأريخ والتّفسير ، أنّ عبدة الأصنام في مدينة بابل كان لهم عيد يحتفلون به سنوياً ، يهيّئون فيه الطعام داخل معابدهم ، ثمّ يضعونه بين يدي آلهتهم لتباركه ، ثمّ يخرجون جميعاً إلى خارج المدينة ، وفي آخر اليوم يعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب .

وبذلك خلت المدينة من سكّانها ، فاستغلّ إبراهيم (عليه السلام) هذه الفرصة الجيّدة لتحطيم الأصنام ، الفرصة التي كان إبراهيم (عليه السلام) ينتظرها منذ فترة طويلة ، ولم يكن راغباً في إضاعتها .

وحين دعاه قومه ليلا للمشاركة في مراسمهم نظر إلى النجوم {فنظر نظرةً في النجوم} .

{فقال إنّي سقيم} .

وبهذا الشكل إعتذر عن مشاركتهم .

بعد إعتذاره تركوه وأسرعوا لتأدية مراسمهم {فتولّوا عنه مدبرين} .

وهنا يطرح سؤالان .

الأوّل : لماذا نظر إبراهيم (عليه السلام) في النجوم ، وما هو هدفه من هذه النظرة؟

والثاني : هل أنّه كان مريضاً حقّاً حينما قال : إنّني مريض؟ وما هو مرضه؟

جواب السؤال الأوّل ، مع أخذ إعتقادات أهل بابل وعاداتهم بنظر الإعتبار ، يتّضح أنّهم كانوا يستقرئون النجوم ، وحتّى أنّهم كانوا يقولون بأنّ أصنامهم كانت هياكل النجوم على الأرض ، ولهذا السبب فإنّهم يكنّون لها الإحترام لكونها تمثّل النجوم .

وبالطبع فإلى جانب إستقرائهم للنجوم ، كانت هناك خرافات كثيرة في هذا المجال شائعة في أوساطهم ، منها أنّهم كانوا يعتبرون النجوم تؤثّر على حظوظهم ، وكانوا يطلبون منها الخير والبركة ، كما كانوا يستدلّون بها على الحوادث المستقبلية .

ولكي يوهمهم إبراهيم (عليه السلام) بأنّه يقول بمثل قولهم ، نظر إلى السماء وقال حينذاك : إنّي سقيم ، فتركوه ظنّاً منهم أنّ نجمه يدلّ على سقمه .

أمّا بعض كبار المفسّرين ، فقد احتملوا أنّه كان يريد من حركة النجوم تعيين الوقت الدقيق لمرضه ، لأنّه كان مصاباً بحمى تعتريه في أوقات معيّنة ، ولكن الإحتمال الأوّل يعدّ مناسباً أكثر ، مع الأخذ بنظر الإعتبار معتقدات أهل بابل السائدة آنذاك .

فيما احتمل البعض الآخر أنّ نظره إلى السماء هو التفكّر في أسرار الخلق ، رغم أنّهم كانوا يتصوّرون أنّ نظراته إلى السماء هي نظرات منجم يريد من خلال حركة النجوم توقّع الحوادث القادمة .

أمّا بخصوص السؤال الثاني فقد ذكروا أجوبة متعدّدة :

منها : أنّه كان مريضاً حقّاً ، وحتّى إن لم يكن مريضاً فإنّه لن يشارك في مراسم عيدهم ، فمرضه كان عذراً جيّداً لعدم مشاركته في تلك المراسم وفي نفس الوقت فرصة ذهبية لتحطيم الأصنام ، ولا نمتلك دليلا يمكننا من القول بأنّه إستخدم التورية ، كما أنّ إستخدام التورية من قبل الأنبياء يعدّ عملا غير مناسب .

وقال البعض الآخر : إنّ إبراهيم لم يكن مصاباً بمرض جسدي ، وإنّما روحه متعبة ، من جرّاء الممارسات التافهة لقومه وكفرهم وظلمهم وفسادهم ، فبهذا أوضح لهم الحقيقة ، رغم أنّهم تصوّروا شيئاً آخر ، واعتقدوا أنّه يعاني من أمراض جسدية .

وإحتمل البعض أنّه إستخدم التورية في كلامه معهم ، فمثلا يأتي شخص ويطرق باب البيت ، ويستفسر : هل فلان موجود في البيت ، فيأتيه الجواب : إنّه ليس هنا ، والمراد من هنا هو خلف باب البيت وليس البيت كلّه ، في حين أنّ السامع يفهم أنّه ليس موجوداً في البيت ، (مثل هذه العبارات التي هي ليست بكذب وظاهرها يعطي مفهوماً آخر يطلق عليها في الفقيه اسم «التورية») ومقصود إبراهيم (عليه السلام) انّني يمكن أنّ أمرض في المستقبل ، قال ذلك ليتخلّص منهم ويتركوه وحيداً .

ولكن التّفسير الأوّل والثاني أنسب حسب الظاهر .

وبهذه الطريقة بقي إبراهيم (عليه السلام) وحده في المدينة بعد أن تركها عبدة الأصنام متّوجهين إلى خارجها ، فنظر إبراهيم حوله ونور الإشتياق لتحطيم الأصنام ظاهر في عينيه ، إذ قربت اللحظات التي كان ينتظرها ، وعليه أن يتحرّك لمحاربة الأصنام وإلحاق ضربة عنيفة بها ، ضربة تهزّ العقول التافهة لعبدتها وتوقظهم .

فذهب إلى معبد الأصنام ، ونظر إلى صحون وأواني الطعام المنتشرة في المعبد ، ثمّ نظر إلى الأصنام وصاح بها مستهزئاً ، ألا تأكلون من هذا الطعام الذي جلبه لكم عبدتكم ، إنّه غذاء دسم ولذيذ ومتنوّع ، ما لكم لا تأكلون؟ {فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون} (7) .

ثمّ أضاف ، لِمَ لا تتكلّمون ؟ لِمَ تعجز ألسنتكم عن النطق ؟ {ما لكم لا تنطقون} .

وبهذا استهزء إبراهيم (عليه السلام) بكلّ معتقداتهم الخرافية ، ومن دون أي شكّ فإنّه كان يعرف أنّها لا تأكل ولا تتحدّث ، وأنّها جماد . وأراد من وراء ذلك عرض حادثة تحطيم الأصنام بصورة جميلة ولطيفة .

بعد ذلك شمر عن ساعديه ، فأمسك الفأس وانقضّ على تلك الأصنام بالضرب بكلّ ما لديه من قوّة {فراغ عليهم ضرباً باليمين} .

والمراد من (اليمين) إمّا يد الإنسان اليمنى ، والتي ينجز الإنسان بها معظم أعماله ، أو أنّها كناية عن القدرة والقوّة ، ويمكن أن تجمع بين المعنيين .

على أيّة حال ، فإنّ إنقضاض إبراهيم (عليه السلام) على الأصنام ، حوّل معبد الأصنام المنظّم إلى خربة موحشة ، حيث لم يبق صنم على حالته الاُولى ، فالأيدي والأرجل المحطّمة تفرّقت هنا وهناك داخل المعبد ، وكم كان منظر المعبد بالنسبة لعبدة الأصنام مؤثّراً ومؤسفاً ومؤلماً في نفس الوقت .

وبعد إنتهائه من تحطيم الأصنام ، غادر إبراهيم ـ بكلّ هدوء وإطمئنان ـ معبد الأصنام عائداً إلى بيته ليعدّ نفسه للحوادث المقبلة ، لأنّه كان يعلم أنّ عمله كان بمثابة إنفجار هائل سيهزّ المدينة برمّتها ومملكة بابل بأجمعها ، وسيحدث موجة من الغضب العارم ، الموجة التي سيكون إبراهيم (عليه السلام) وحيداً في وسطها . إلاّ أنّ له ربّاً يحميه ، وهذا يكفيه .

وفي آخر اليوم عاد عبدة الأصنام إلى مدينتهم ، واتّجهوا فوراً إلى معبدهم ، فشاهدوا مشهداً رهيباً وغامضاً ، ومن شدّه رهبة المشهد تجمّد البعض في مكانه ، فيما فقد البعض الآخر عقله وهو ينظر بدهشة وتحيّر لجذاذ آلهته المنتشرة هنا وهناك ، تلك الأصنام التي خالوها ملجأً وملاذاً لهم يوم لا ملجأ لهم ، أصبحت بلا ناصر ولا معين .

ثمّ تحوّل جو السكوت الذي خيّم عليهم لحظة مشاهدة المشهد ، تحوّل إلى صراخ وإستفسار عمّن فعل ذلك بآلهتهم؟

ولم يمرّ وقت طويلا ، حتّى تذكّروا وجود شاب يعبد الله في مدينتهم إسمه إبراهيم ، كان يستهزىء بأصنامهم ، ويهدّد بأنّه أعدّ مخطّطاً خطيراً لأصنامهم .

من هنا استدلّوا على أنّ إبراهيم هو الفاعل ، فأقبلوا عليه جميعاً غاضبين {فأقبلوا إليه يزفّون} .

«يزفّون» مشتقّة من (زفّ) على وزن (كفّ) وتستعمل بخصوص هبوب الرياح والحركة السريعة للنعامة الممتزجة ما بين السير والطيران ، ثمّ تستخدم للكناية عن (زفاف العروس) إذ تعني أخذ العروس إلى بيت زوجها .

على أيّة حال ، المراد هنا هو أنّ عبدة الأصنام جاؤوا مسرعين إلى إبراهيم ، وسنقرأ تتمّة الأحداث في الآيات القادمة .

 

وقوله تعالى : {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَهُمُ الاَْسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ

 

فشل مخطّطات المشركين :

بعد أن حطّم إبراهيم الأصنام ، استدعي إبراهيم بهذه التهمة إلى المحكمة ، وهناك سألوه وطلبوا منه الجواب عن اليد التي نفّذت هذا الفعل في معبدهم ، وقد شرح القرآن الكريم في سورة الأنبياء الحادثة بصورة مفصّلة ، بينما اكتفى القرآن في آيات بحثنا بالإشارة لمقطع حسّاس واحد من مواقف إبراهيم (عليه السلام) وهو آخر كلامه معهم في مجال بطلان عقيدتهم في عبادة الأصنام {قال أتعبدون ما تنحتون} .

فهل هناك شخص عاقل يعبد شيئاً من صنع يديه ؟ وما هو الدافع لأي ذي شعور للسجود لشيء صنعه هو بنفسه؟ فأي عقل ومنطق يسمح بفعل هذا ؟

فالمعبود يجب أن يكون خالق الإنسان ، وليس صنيعة يده ، من الآن فكّروا واعرفوا معبودكم الحقيقي {والله خلقكم وما تعملون} .

فهو خالق الأرض والسماء ، ومالك الوقت والزمان ، ويجب السجود لهذا الخالق وحمده وعبادته .

إنّ هذه الحجّة كانت من الوضوح والقوّة إلى حدّ جعلتهم يقفون أمامها مبهوتين وغير قادرين على ردّها ودحضها .

و(ما) في عبارة (ما تعملون) هي (ما) الموصولة وليست (ما) المصدرية ، ومنها يراد القول ، إنّ الله خلقكم وكذلك ما تصنعون ، وعندما يقال : إنّ الأصنام هي من صنع أو أعمل الإنسان ، فذلك يعني أنّ الإنسان أعطاها الشكل فقط ، وإلاّ فالمادّة التي تصنع منها الأصنام هي من خلق الله أيضاً .

صحيح ما يقال من أنّ هذه السجّادة وذلك البيت وتلك السيارة هي من صنع الإنسان ، ولكن المراد ليس أنّ الإنسان هو الذي خلق المواد الأوّلية لتلك الأشياء ، وإنّما الإنسان صاغ تلك المواد الأوّلية بشكل معيّن .

أمّا إذا اعتبرنا (ما) مصدرية ، فالعبارة تعني ما يلي : إنّ الله خلقكم وأعمالكم .

وبالطبع فإنّ المعنى هذا ليس خطأ ، وعلى خلاف ما يظنّه البعض ليس فيه ما يدلّ على الجبر ، لأنّ الأعمال التي نقوم بها رغم أنّها تتمّ بإرادتنا ، إلاّ أنّ إرادة وقدرة التصميم وغيرها من القوى التي تنفذ من خلالها أفعالنا كلّها من الله سبحانه وتعالى ، وبهذا الشكل فإنّ الآية لا تقصد هذا الأمر ، وإنّما تقصد الأصنام ، وتقول : إنّ الله خلقكم أنتم والأصنام التي صنعتموها وصقلتموها . وجمال هذا الحديث يتجسّد هنا ، لأنّ البحث يخصّ الأصنام ولا يخصّ أعمال البشر .

في الحقيقة إنّ موضوع هذه الآية يشبه الموضوع الذي ورد في قصّة موسى والسحرة والتي تقول : {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف : 117] ، فالمقصود هنا الأفعى التي هي من صنع السحرة .

ومن المعروف أنّ الطغاة والجبابرة لا يفهمون لغة المنطق والدليل ، ولهذا لم تؤثّر عليهم الأدلّة والبراهين الظاهرية والقويّة التي بيّنها إبراهيم (عليه السلام) على قلوب الجبابرة الحاكمين في بابل حينذاك ، رغم أنّ مجموعات من أبناء الشعب المستضعف هناك إستيقظت من غفلتها وآمنت بدعوة إبراهيم (عليه السلام) .

ولإيقاف إنتشار منطق التوحيد بين أبناء مدينة بابل ، عمد الطغاة الذين أحسّوا بخطر إنتشاره على مصالحهم الخاصّة إلى إستخدام منطق القوّة والنار ضدّ إبراهيم(عليه السلام) ، المنطق الذي لا يفهمون سواه . حيث هتفوا بالإعتماد على قدراتهم الدنيوية : أن ابنوا له بنياناً عالياً ، واشعلوا في وسطه النيران ثمّ ارموه فيه {قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم} .

ومن هذه العبارة يستفاد أنّ الأوامر كانت قد صدرت ببناء أربعة جدران كبيرة ، ومن ثمّ إشعال النيران في داخلها ، وبناء الجدران الأربعة الكبيرة ، إنّما تمّ ـ كما يحتمل ـ للحؤول دون إمتداد النيران إلى خارجها ، ومنع وقوع أخطار محتملة قد تنجم عنها ، ولإيجاد جهنّم واقعية كتلك التي كان إبراهيم يتهدّد ويتوعّد عبدة الأوثان بها .

صحيح أنّ كميّة قليلة من الحطب كانت تكفي لحرق إنسان كإبراهيم ، لكنّهم فعلوا ذلك ليطفؤا غيظ قلوبهم من جرّاء تحطيم أصنامهم ، وبمعنى آخر الإنتقام من إبراهيم بأشدّ ما يمكن ، لعلّهم بذلك يعيدون العظمة والاُبّهة لأصنامهم إضافةً إلى أنّ عملهم هذا كان تخويفاً وتحذيراً لمعارضيهم ، كي لا تتكرّر مثل هذه الحادثة مرّة اُخرى في تأريخ بابل ، لذلك فقد أوقدوا ناراً عظيمة .

«الجحيم» في اللغة هي النار التي تجتمع بعضها على بعض .

هذا ، وقد فسّر البعض «البنيان» بأنّه المنجنيق ، والمنجنيق ـ كما هو معروف ـ أداة لقذف الأشياء الثقيلة إلى مكان بعيد ، لكن أكثر المفسّرين انتخبوا التّفسير الأوّل ، أي أنّ البنيان هو ذلك البناء المكوّن من أربعة جدران كبيرة .

وآيات القرآن الكريم هنا لم تشر إلى دقائق وتفاصيل هذا الحادث الذي ورد في سورة الأنبياء ، وإنّما أنهت هذه الحادثة بخلاصة مركّزة ولطيفة {فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين} .

(كيد) في الأصل تعني الإحتيال ، أكان بطريقة صحيحة أم غلط ، مع أنّها غالباً ما تستعمل في موارد مذمومة ، وبما أنّها جاءت بحالة النكرة هنا ، فإنّها تدلّ على عظمة الشيء وأهمّيته ، وهي إشارة إلى المخطّط الواسع الذي وضعه طغاة بابل للقضاء على دعوة إبراهيم للناس بقوله وعمله ومحو آثارها .

نعم ، لقد وضعهم الله سبحانه وتعالى في أسفل السافلين ، فيما رفع إبراهيم(عليه السلام)إلى أعلى علّيين ، كما كان أعلى منطقاً ، وجعله هو الأعلى في حادثة إشعال النيران ، وأعداءه الأقوياء هم الأخسرين ، فكانت النار عليه برداً وسلاماً دون أن تحرق حتّى شعرة واحدة من جسد إبراهيم (عليه السلام) وخرج سالماً من ذلك البحر الجهنّمي .

فإرادته تقتضي أن ينجي في يوم من الأيّام نوحاً من «الغرق» ، وفي يوم آخر ينقذ إبراهيم من «الحرق» ، وذلك لكي يوضّح أنّ الماء والنار عبدان مطيعان له سبحانه وتعالى ومستجيبان لأوامره .

إبراهيم (عليه السلام) الذي نجا بإرادة الله من هذه الحادثة الرهيبة والمؤامرة الخطيرة التي رسمها أعداؤه له ، وخرج مرفوع الرأس منها ، صمّم على الهجرة إلى أرض بلاد الشام ، إذ أنّ رسالته في بابل قد إنتهت ، {وقال إنّي ذاهب إلى ربّي سيهدين} .

من البديهات أنّ الله لا يحويه مكان ، والهجرة التي تتمّ في سبيله من المجتمع الملوّث الفاسد إلى المجتمع الطاهر الصافي ، فإنّها هجرة إلى الله .

فالهجرة إلى أرض الأنبياء والأولياء ومهبط الوحي الإلهي ، هي هجرة إلى الله ، مثلما يعرف السفر إلى مكّة المكرّمة بأنّه سفر إلى الله ، خاصّة وأنّ هجرة إبراهيم(عليه السلام) كانت من أجل تنفيذ واجب رسالي إلهي ، وأنّ الله كان هاديه ومرشده خلال السفر .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص272-284 .

2 ـ بعض المفسّرين أرجعوا ضمير (شيعته) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، في حين أنّ آيات القرآن الكريم تقول : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتّبع ملّة إبراهيم ، علاوةً على ذلك فإنّ هذا المرجع ليس له في الآيات السابقة واللاحقة ضمير يدلّ عليه ، ومن الممكن أنّهم تصوّروا أنّ تعبير الشيعة هو دليل على أفضلية نوح من إبراهيم ، في حين أنّ القرآن الكريم تحدّث عن شخصية سامية لإبراهيم ، لكن هذا التعبير خال من أيّة دلالة على هذه المسألة ، بل المقصود إستمرار الخطّ الفكري والديني ، كما أنّ أفضلية رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة لكافّة الأنبياء لا تتنافى مع أتباعه لدين إبراهيم التوحيدي يقول القرآن ، في الآية 90 من سورة الأنعام (فبهداهم اقتده) .

3 ـ ورد في الكافي ونقله صاحب تفسير الصافي في ذيل الآية (89) من سورة الشعراء .

4 ـ المصدر السابق .

5 ـ في مجال القلب السليم ورد بحث مشروح في ذيل الآيات (88) و(89) من سورة الشعراء (تحت عنوان القلب السليم وحده رأسمال النجاة) ص273 .

6 ـ في تركيب هذه الجملة ذكر المفسّرون إحتمالين : الأوّل : أن (إفكاً) مفعول به لـ (تريدون) و(آلهة) بدله ، والآخر : أنّ (آلهة) مفعول به و(إفكاً) مفعول لأجله تقدّم للأهميّة .

7 ـ (راغ) من مادّة (روغ) وتعني التوجّه والتمايل بشكل سرّي ومخفي أوبشكل مؤامرة وتخريب .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اختتام الأسبوع الثاني من الشهر الثالث للبرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسية
راية قبة مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) تتوسط جناح العتبة العباسية في معرض طهران
جامعة العميد وقسم الشؤون الفكرية يعقدان شراكة علمية حول مجلة (تسليم)
قسم الشؤون الفكريّة يفتتح باب التسجيل في دورات المواهب