القسم بالسماء ذات الحبك
المؤلف:
جعفر السبحاني
المصدر:
مفاهيم القران
الجزء والصفحة:
ج9 ، ص 365-367.
24-02-2015
2544
حلف سبحانه في سورة الذاريات بأُمور خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما انّ المقسم عليه متعدّد فصّلنا القسم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القسم المفرد ، قال سبحانه :
{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات : 1 - 6].
ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله : {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }.
ثمّ شرع بحلف آخر ، وقال : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات : 7، 8].
فهناك قسم خامس وهو { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ } وله جواب خاص لا يمت بجواب الأقسام الأربعة وهو قوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }.
[و] الحبك جمع الحباك ، كالكتب جمع كتاب ، تستعمل تارة في الطرائق ، كالطرائق التي ترىٰ في السماء ، وأُخرى في الشعر المجعد ، وثالثة في حسن أثر الصنعة في الشيء واستوائه.
قال الراغب : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ } أي ذات الطرائق ، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة.
ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل أي السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيده جواب القسم ، وهو اختلاف الناس وتشتت طرائقهم ، كما في قوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، وربما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث أي أقسم بالسماء ذات الحسن والزينة ، نظير قوله تعالى : {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات : 6] ولكنه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلف حالف بالأمواج الجميلة التي ترتسم بالسحب أو بالمجرّات العظيمة التي تبدو كأنّها تجاعيد الشعر علىٰ صفحة السماء ، ثمّ يقول : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، أي إنّكم متناقضون في الكلام.
وعلى كلّ حال فالمقسم عليه هو التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتىٰ بعد صيرورتها عظاماً رميمة ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبوية ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو مما علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوّلين.
وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم إذ لا تعتمدون على دليل خاص ، فانّ تناقض المدعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه.
ثمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصاً بشخص أو بطائفة ، بل هو شيمة كل مخالف للحق ، يقول : {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [الذاريات : 9].
والافك : الصرف ، والضمير في « عنه » يرجع إلى الكتاب من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء أي يصرف عن القرآن من صرف وخالف الحق.
وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه : فقد ظهر مما ذكرنا ، لما عرفت من أنّ معنى الحبك هو الطرائق المختلفة المتنوعة ، فناسب أن يحلف به سبحانه على اختلافهم وتشتت آرائهم في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته والكتاب الذي أنزل معه والمعاد الذي يدعو إليه.
الاكثر قراءة في القسم في القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة