التفسير بالمأثور/التوحيد/الإمام علي (عليه السلام)
محمد بن أبي عبد الله رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال
له ذعلب ذو لسان بليغ في الخطب، شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟
قال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره، فقال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ قال: ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق
الايمان ويلك يا ذعلب! إن ربي لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف
بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شئ،
لا يقال شئ قبله، وبعد كل شئ، لا يقال له بعد، شاء الأشياء لا بهمة، دراك لا
بخديعة في الأشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن منها، ظاهر لا بتأويل المباشرة،
متجل لا باستهلال رؤية، ناء لا بمسافة، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة مريد لا
بهمامة سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الأماكن ولا تضمنه الأوقات ولا تحده
الصفات ولا تأخذه السنات ، سبق الأوقات كونه والعدم وجوده والابتداء أزله، بتشعيره
المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين
الأشياء عرف ان لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف ان لا قرين له، ضاد النور
بالظلمة واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ومفرق
بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها وذلك قوله تعالى:
{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:
49] ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد له ، شاهدة بغرائزها أن لا
غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا
حجاب بينه وبين خلقه كان ربا إذ لا مربوب وإلها إذ لا مألوه وعالما إذ لا معلوم
وسميعا إذ لا مسموع .
المصدر : أصول الكافي
المؤلف : ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 138 - 139
تاريخ النشر : 2024-04-20