التفسير بالمأثور/التوحيد/الإمام علي (عليه السلام)
الدقاق، عن الاسدي،
عن البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن عبد الله بن داهر، عن الحسين بن يحيى الكوفي،
عن قثم بن قتادة، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا
أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة، إذ قام إليه رجل يقال له: ذعلب،
ذرب اللسان، بليغ في الخطاب، شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك
؟
فقال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم
أره ؟
قال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته
؟
قال: يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار
ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة
فلا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم،
كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شئ لا يقال
شئ قبله، وبعد كل شئ لا يقال له بعد، شاء الاشياء لا بهمة، دراك لا بخديعة هو في
الاشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل
لا باستهلال رؤية، بائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد
عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة، مريد لا بهمامة، سميع
لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الاماكن، ولا تصحبه الاوقات، ولا تحده الصفات،
ولا تأخذه السنات، سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره
المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين
الاشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة،
والجسوء بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين معتادياتها، مفرق بين متدانياتها،
دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله عزوجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ
خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49] ففرق بها بين قبل وبعد
ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها،
مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها
عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه، كان ربا ولا مربوب، وإلها ولا
مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع.
ثم أنشأ يقول:
ولم يزل سيدي
بالحمد معروفا * ولم يزل سيدي بالجود موصوفا
وكان إذ ليس نور يستضاء به * ولا ظلام
على الآفاق معكوفا
فربنا بخلاف الخلق كلهم * وكل ما كان في
الاوهام موصوفا
ومن يرده
على التشبيه ممتثلا * يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا
وفي المعارج يلقى موج قدرته * موجا
يعارض طرف الروح مكفوفا
فاترك أخا جدل في الدين منعمقا * قد باشر الشك فيه الرأي
مأووفا
واصحب أخا ثقة حبا لسيده * وبالكرامات من
مولاه محفوفا
أمسى دليل الهدى
في الارض مبتسما * وفي السماء جميل الحال معروفا .
قال :
فخر ذعلب مغشيا عليه ثم أفاق وقال: ما سمعت
بهذا الكلام، ولا أعود إلى شئ من ذلك.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 304 ]
تاريخ النشر : 2024-04-20