علي بن محمد وعن غير واحد من أصحابنا القميين، عن محمد بن محمد العامري عن
أبي سعيد غانم الهندي قال: كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة وأصحاب لي
يقعدون على كراسي عن يمين الملك، أربعون رجلا كلهم يقرأ الكتب الأربعة:
التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقههم في دينهم و
نفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع الناس إلينا، الملك فمن دونه، فتجارينا ذكر رسول
الله صلى الله عليه وآله، فقلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره
ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فارتاد لهم،
فخرجت ومعي مال جليل، فسرت اثني عشر شهرا حتى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك
فقطعوا علي وأخذوا مالي وجرحت جراحات شديده ودفعت إلى مدينة كابل، فأنفذني ملكها
لما وقف على خبري إلى مدينة بلخ وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن أبي [أ] سود،
فبلغه خبري وأني خرجت مرتادا من الهند وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب
الكلام، فأرسل إلي داود بن العباس فأحضرني مجلسه وجمع علي الفقهاء فناظروني
فأعلمتهم أني خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب، فقال لي: من هو
وما اسمه؟ فقلت: محمد، فقال:
هو نبينا الذي تطلب، فسألتهم عن شرائعه، فأعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم أن
محمدا نبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا فأعلموني موضعه لأقصده فأسائله عن
علامات عندي ودلالات، فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به، فقالوا: قد مضى صلى الله
عليه وآله فقلت:
فمن وصيه وخليفته فقالوا: أبو بكر، قلت: فسموه لي فإن هذه كنيته؟ قالوا:
عبد الله بن عثمان ونسبوه إلى قريش، قلت: فانسبوا لي محمدا نبيكم فنسبوه لي ،
فقلت: ليس هذا صاحبي الذي طلبت صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمه في
النسب وزوج ابنته وأبو ولده، ليس لهذا النبي ذرية على الأرض غير ولد هذا الرجل
الذي هو خليفته، قال: فوثبوا بي وقالوا أيها الأمير إن هذا قد خرج من الشرك إلى
الكفر هذا حلال الدم، فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به لا أفارقه حتى
أرى ما هو أقوى منه، إني وجدت صفة هذا الرجل في الكتب التي أنزلها الله على
أنبيائه وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العز الذي كنت فيه طلبا به، فلما فحصت عن
أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب فكفوا عني وبعث العامل إلى
رجل يقال له : الحسين بن أشكيب فدعاه فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له
الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء و العلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له:
ناظره كما أقول لك واخل به والطف له فقال لي الحسين بن أشكيب بعد ما فاوضته: إن
صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء وليس الامر في خليفته كما قالوا، هذا
النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ووصيه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وهو
زوج فاطمة بنت محمد وأبو الحسن والحسين سبطي محمد صلى الله عليه وآله، قال غانم
أبو سعيد فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت، فانصرفت إلى داود بن العباس فقلت له:
أيها الأمير وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال:
فبرني ووصلني، وقال للحسين تفقده، قال:
فمضيت إليه حتى آنست به وفقهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض
قال: فقلت له: إنا نقرأ في كتبنا أن محمدا صلى الله عليه وآله خاتم النبيين لا نبي
بعده وأن الامر من بعده إلى وصيه ووارثه وخليفته من بعده، ثم إلى الوصي بعد الوصي،
لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتى تنقضي الدنيا، فمن وصي وصي محمد؟ قال:
الحسن ثم الحسين ابنا محمد صلى الله عليه وآله، ثم ساق الامر في الوصية حتى انتهى
إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثم أعلمني ما حدث، فلم يكن لي همة إلا طلب الناحية.
فوافى قم وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين وخرج معهم حتى وافى
بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب، قال: فحدثني غانم قال : وأنكرت
من رفيقي بعض أخلاقه، فهجرته وخرجت حتى سرت إلى العباسية أتهيأ للصلاة واصلي وإني
لواقف متفكر فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال:
أنت فلان؟ - اسمه بالهند - فقلت: نعم فقال: أجب مولاك فمضيت معه فلم يزل
يتخلل بي الطريق حتى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به عليه السلام جالس، فقال: مرحبا
يا فلان - بكلام الهند - كيف حالك؟ وكيف خلفت فلانا وفلانا؟ حتى عد الأربعين كلهم
فسائلني عنهم واحدا واحدا، ثم أخبرني بما تجارينا كل ذلك بكلام الهند، ثم قال:
أردت أن تحج مع أهل قم؟ قلت: نعم يا سيدي، فقال: لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج
في قابل، ثم ألقى إلى صرة كانت بين يديه، فقال لي: اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى
بغداد إلى فلان سماه، ولا تطلعه على شئ وانصرف إلينا إلى البلد، ثم وافانا بعض
الفيوج فأعلمونا أن أصحابنا انصرفوا من العقبة ومضى نحو خراسان فلما كان في قابل
حج و أرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدة، ثم مات رحمة الله.
المصدر : أصول الكافي
المؤلف : ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 515
تاريخ النشر : 2024-01-06