علي بن محمد بن
علي بن عمر الزهري معنعنا ، عن عيسى بن عبد الله قال : سمعت أبا عبد الله جعفر
الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر ببراءة ،
فسار حتى بلغ الجحفة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام في طلبه ، فأدركه ، فقال أبو بكر لعلي عليه السلام : أنزل
في شيء؟ قال : لا ولكن لا يؤديه إلا نبيه أو رجل منه ، وأخذ علي عليه السلام
الصحيفة وأتى الموسم وكان يطوف على الناس ومعه السيف ويقول : « براءة من الله
ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر » فلا يطوف
بالبيت عريان بعد عامه هذا ولا مشرك ، فمن فعل فإن معاتبتنا إياه بالسيف ، قال :
وكان يبعثه إلى الاصنام فيكسرها ، ويقول : لا يؤدي عني إلا أنا وأنت ، فقال له يوم
لحقه علي عليه السلام بالخندق في غزوة تبوك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
: يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت
خليفتي في أهلي ، وأنه لا يصلح لها إلا أنا وأنت.
ـ علي بن العباس البجلي معنعنا
عن ابن عباس قوله تعالى : « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين »
يقول : « براءة من الله ورسوله » من العهد « إلى الذين عاهدتم من المشركين » غير
أربعة أشهر ، فلما كان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين المشركين ولث من عقود
فأمر الله رسوله أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهدهم إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة ،
فلما كانت غزوة تبوك ودخلت سنة تسع في شهر ذي الحجة الحرام من مهاجرة رسول الله
صلى الله عليه وآله نزلت هذه الآيات ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
حين فتح مكة لم يؤمر أن يمنع المشركين أن يحجوا ، وكان المشركون يحجون مع المسلمين
على سنتهم في الجاهلية ، وعلى امورهم التي كانوا عليها في طوافهم بالبيت عراة ،
وتحريمهم الشهور الحرم ، والقلائد ، ووقوفهم بالمزدلفة ، فأراد الحج فكره أن يسمع
تلبية العرب لغير الله والطواف بالبيت عراة ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله
أبا بكر إلى الموسم وبعث معه بهؤلاء الآيات من براءة ، وأمره أن يقرأها على الناس
يوم الحج الاكبر ، وأمره أن يرفع الحمس من قريش وكنانة وخزاعة إلى عرفات ، فسار
أبو بكر حتى نزل بذي الحليفة فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله
فقال : إن الله : يقول : إنه لن يؤدي عني غيرك أو رجل منك ـ يعني علي بن أبي طالب
عليه السلام ـ فبعث النبي عليا في أثر أبي بكر ليدفع إليه هؤلاء الآيات من براءة
، وأمره أن ينادي بهن يوم الحج الاكبر ـ وهو يوم النحر ـ وأن يبرئ ذمة الله ورسوله
من كل أهل عهد ، وحمله على ناقته العضباء.
فسار أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله
فأدركه بذي الحليفة ، فما رآه أبو بكر قال : أمير أو مأمور؟ فقال علي عليه السلام
: بعثني النبي صلى الله عليه وآله لتدفع إلي براءة ، قال : فدفعها إليه ،
وانصرف أبو بكر إلى رسول الله فقال : يا رسول الله : مالي نزعت مني براءة؟ أنزل في
شيء؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل نزل علي فأخبرني أن الله
يأمرني أنه لن يؤدي عني غيري أو رجل مني ، فأنا وعلي من شجرة واحدة والناس من شجر
شتى ، أما ترضى يا أبا بكر أنك صاحبي في الغار؟ قال : بلى يا رسول الله ، فلما كان
يوم الحج الاكبر وفرغ الناس من رمي الجمرة الكبرى قام أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام عند الجمرة فنادى في الناس ، فاجتمعوا إليه ، فقرأ عليهم
الصحيفة بهؤلاء الآيات « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين » إلى
قوله : « فخلوا سبيلهم » ثم نادى : ألا لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يحجن مشرك بعد
عامه هذا ، وإن لكل ذي عهد عهده إلى مدته ، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما
، وإن أجلكم أربعة أشهر إلى أن تبلغوا بلدانكم ، فهو قوله تعالى : « فسيحوا في الارض
أربعة أشهر » وأذن الناس كلهم بالقتال إن لم يومنوا ، فهو قوله : « وأذان من الله ورسوله
إلى الناس » قال إلى أهل العهد : خزاعة وبني مدلج ومن كان له عهد غيرهم « يوم الحج
الاكبر » قال : فالأذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : النداء الذي
نادى به ، قال : فلما قال : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » قالوا : وعلى ما
تسيرنا أربعة أشهر فقد برئنا منك ومن ابن عمك؟ إن شئت الآن الطعن والضرب ، ثم
استثنى الله منهم فقال : « إلا الذين عاهدتم من المشركين » فقال : العهد من كان
بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله ولث من عقود على الموادعة من خزاعة وغيرهم
، وأما قوله : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » لكي يتفرقوا عن مكة وتجارتها
فيبلغوا إلى أهلهم ، ثم إن لقوهم بعد ذلك قتلوهم ، والاربعة الاشهر التي حرم الله
فيها دماءهم عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر الاول وعشر من ربيع الآخر ، فهذه أربعة أشهر
المسيحات من يوم قراءة الصحيفة التي قرأها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
ثم قال : « واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين » يا نبي الله ، قال
: فيظهر نبيه عليه وآله الصلاة والسلام ، قال : ثم استثنى فنسخ منها فقال : « إلا الذين
عاهدتم من المشركين » هؤلاء : بنو ضمرة وبنو مدلج حيان من بني كنانة ، كانوا حلفاء
النبي في غزوة بني العشيرة من بطن ينبع « ثم لم ينقصوكم شيئا » يقول : لم ينقضوا عهدهم
بغدر « ولم يظاهروا عليكم أحدا » قال : لم يظاهروا عدوكم عليكم « فأتموا إليهم
عهدهم إلى مدتهم » يقول : أجلهم الذي شرطتم لهم « إن الله يحب المتقين » قال : الذين
يتقون الله فيما حرم عليهم ، ويوفون بالعهد ، قال : فلم يعاهد النبي صلى الله عليه
وآله بعد هؤلاء الآيات أحدا ، قال : ثم نسخ ذلك فأنزل « فإذا انسلخ الاشهر الحرم
» قال : هذا الذي ذكرنا منذ يوم قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام عليهم الصحيفة ،
يقول : فإذا مضت الاربعة الاشهر قاتلوا الذين انقضى عهدهم في الحل والحرم « حيث
وجدتموهم » إلى آخر الآية ، قال : ثم استثنى فنسخ منهم فقال : « وإن أحد من
المشركين استجارك فأجره حتى بسمع كلام الله » قال : من بعث إليك من أهل الشرك
يسألك لتؤمنه حتى يلقاك فيسمع ما تقول ، ويسمع ما انزل إليك فهو آمن « فأجره حتى
يسمع كلام الله » وهو كلامك بالقرآن « ثم أبلغه مأمنه » يقول : حتى يبلغ مأمنه من
بلاده ، ثم قال : « كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله » إلى آخر الآية ،
فقال : هما بطنان بنو ضمرة وبنو مدلج ، فأنزل الله هذا فيهم حين غدروا ، ثم قال
تعالى : « كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة » إلى ثلاث آيات ، قال
: هم قريش نكثوا عهد النبي صلى الله عليه وآله يوم الحديبية ، وكانوا رؤوس
العرب في كفرهم ، ثم قال : « فقاتلوا أئمة الكفر » إلى « ينتهون ».
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 35 / صفحة [ 492 ]
تاريخ النشر : 2025-11-16