أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/مواضيع متفرقة
أحمد بن محمد بن
موسى بن الصلت عن أحمد بن [محمد ابن] عقدة قال: حدثنا الحسن بن صالح من كتابه في
ربيع الاول سنة ثمان وسبعين وأحمد بن يحيى عن محمد بن عمرو، عن عبد الكريم، عن
القاسم بن أحمد عن أبي الصلت الهروي.
وقال ابن عقدة:
وحدثناه القاسم بن الحسن الحسيني عن أبي الصلت عن علي بن عبد الله بن النعجة عن
أبي سهيل بن مالك: عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: لما ولي علي بن أبي طالب (عليه
السلام) أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون والانصار وجماعة الناس لم يتخلف عنه عن
أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا وبايع الناس. وكان عثمان قد عود قريشا والصحابة كلهم
وصبت عليهم الدنيا صبا وآثر بعضهم على بعض وخص أهل بيته من بني أمية وجعل لهم
البلاد وخولهم العباد فأظهروا في الارض فسادا وحمل أهل الجاهلية والمؤلفة قلوبهم
على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره فأنكر الناس ما رأوا من ذلك فعاتبوه فلم يعتبهم
وراجعوه فلم يسمع منهم وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا ونفى بعضا
وحرم بعضا فرأى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يدفعوه وقالوا: إنما
بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والعمل بهما فحيث لم يفعل
ذلك لم تكن له عليهم طاعة. فافترق الناس في أمره على خاذل وقاتل فأما من قاتل فرأى
أنه حيث خالف الكتاب والسنة واستأثر بالفيء واستعمل من لا يستأهل رأوا أن جهاده
جهاد.
وأما من خذله
فإنه رأى أنه يستحق الخذلان ولم يستوجب النصرة بترك أمر الله حي قتل واجتمعوا على
علي بن أبي طالب فبايعوه فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي
وآله ثم قال: أما بعد فإني قد كنت كارها لهذه الولاية يعلم الله في سماواته وفوق
عرشه على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمعتم على ذلك فدخلت فيه وذلك إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم
القيامة على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن نجا فبعدله وإن جار انتقض به
الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة
عام يخرق به الصراط فأول ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه ولكني لما اجتمعتم علي
نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم. فقام إليه
الناس فبايعوه فأول من قام فبايعه طلحة والزبير ثم قام المهاجرون والانصار وسائر
الناس حتى بايعه الناس وكان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر وأبو الهيثم بن
التيهان وهما يقولان: نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) وإن
لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم ولا بيعة في أعناقكم والقرآن إمامنا وإمامكم. ثم التفت
علي (عليه السلام) عن يمينه وعن شماله وهو على المنبر وهو يقول: ألا لا يقولن رجال
منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الانهار وركبوا الخيول الفارهة
واتخذوا الوصائف الروقة - فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار - إذا
منعوا ما كانوا فيه وصيروا إلى حقوقهم التي يعلمون يقولون حرمنا ابن أبي طالب
وظلمنا حقوقنا ونستعين بالله ونستغفره. وأما من كان له فضل وسابقة منكم فإنما أجره
فيه على الله فمن استجاب لله ولرسوله ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا
فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده فأنتم أيها الناس عباد الله المسلمون والمال مال
الله يقسم بينكم بالسوية وليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى وللمتقين عند الله خير
الجزاء وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء وما عند الله خير للأبرار.
[و] إذا كان غدا فاغدوا فإن عندنا مالا اجتمع فلا يتخلفن أحد كان في عطاء أو لم
يكن إذا كان مسلما حرا احضروا رحمكم الله. فاجتمعوا من الغد ولم يتخلف عنه أحد
فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف والوضيع والاحمر والاسود ولم يفضل أحدا،
ولم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط: طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص
ومروان بن الحكم وناس معهم.
فسمع عبيد الله
بن أبي رافع وهو كاتب علي بن أبي طالب (عليه السلام) عبد الله بن الزبير وهو يقول
للزبير وطلحة وسعيد بن العاص لقد التفت إلى زيد بن ثابت فقلت له: إياك أعني واسمعي
يا جارة. فقال له عبيد الله: يا سعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير إن الله يقول
في كتابه: * (وأكثرهم للحق كارهون) * قال عبيد الله: فأخبرت عليا فقال: لئن سلمت
لاحملنهم على الطريق قاتل الله ابن العاص لقد علم في كلامي أني أريده وأصحابه
بكلامي والله المستعان. قال مالك ابن أوس: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر
ما يسكن القناة فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن
علي (عليه السلام) ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة
فجلسوا.
وكان علي (عليه
السلام) جعل عمار بن ياسر على الخيل فقال لابي الهيثم بن التيهان ولخالد بن زيد
أبي أيوب ولابي حية ولرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وآله): قوموا إلى هؤلاء القوم فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين
إمامهم والطعن عليه وقد دخل معهم قوم من أهل الجفاء والعداوة فإنهم سيحملونهم على
ما ليس من رأيهم فقال: فقاموا وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم فتكلم أبو الهيثم بن
التيهان فقال: إن لكم لقدما في الاسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين (عليه
السلام) وقد بلغنا عنكم طعن وسخط لأمير المؤمنين فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن
عمتكما وإمامكما وإن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه ونحن عون لكما فقد علمتما
أن بني أمية لن تنصحكما أبدا وقد عرفتما - وقال أحمد عرفتم - عدواتهم لكما وقد
شركتما في دم عثمان ومالأتما.
فسكت الزبير
وتكلم طلحة فقال: افرغوا جميعا مما تقولون فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خطبة.
فتكلم عمار بن ياسر رحمه الله فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي. (صلى الله
عليه وآله) وقال: أنتما صاحبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أعطيتما إمامكما
للطاعة والمناصحة والعهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله وأن يجعل كتاب
الله - قال أحمد: وجعل كتاب الله - إماما ففيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب
(عليه السلام) ؟ فغضب الرجال للحق انصرا نصركما الله.
فتكلم عبد الله
بن الزبير فقال: لقد تهذرت يا أبا اليقظان فقال له عمار: مالك تتعلق في مثل هذا يا
أعبس ثم أمر به فأخرج فقام الزبير فقال: عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك
الله فقال عمار: يا أبا عبد الله أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت فإنكم معشر
المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم فقال الزبير:
معاذ الله أن نسمع منهم فقال عمار: والله يا أبا عبد الله لو لم يبق أحد إلا خالف
علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما خالفته ولا زالت يدي مع يده وذلك لان عليا لم
يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) فإني أشهد أنه لا ينبغي لاحد
أن يفضل عليه أحدا. فاجتمع عمار بن ياسر وأبو الهيثم ورفاعة وأبو أيوب وسهل بن
حنيف فتشاوروا أن يركبوا إلى علي (عليه السلام) بالقناة فيخبروه بخبر القوم فركبوا
إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكوى والتعظيم لقتل عثمان وقال
له أبو الهيثم: يا أمير المؤمنين انظر في هذا الامر فركب بغلة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ودخل المدينة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واجتمع أهل الخير
والفضل من الصحابة والمهاجرين فقالوا لعلي (عليه السلام) إنهم قد كرهوا الاسوة وطلبوا
الاثرة وسخطوا لذلك.
فقال: علي (عليه السلام): ليس لاحد فضل في هذا المال هذا كتاب
الله بيننا وبينكم ونبيكم محمد (صلى الله عليه وآله) وسيرته ثم صاح بأعلى صوته يا
معشر الانصار أتمنون علي بإسلامكم بل لله ورسوله المن عليكم إن كنتم صادقين - وقال
أحمد: [أتمنون على الله بإسلامكم ] - أنا أبو الحسن القرم.
ونزل عن المنبر
وجلس ناحية المسجد وبعث إلى طلحة والزبير فدعاهما ثم قال لهما: ألم تأتياني
وتبايعاني طائعين غير مكرهين فما أنكرتم أجور في حكم أو استيثار في فئ ؟ قالا: لا.
قال: أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه ؟ قالا: معاذ الله. قال:
فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم
وانتقاصنا حقنا من الفيء جعلت حظنا في الاسلام كحظ غيرنا فيما أفاء الله علينا
بسيوفنا ممن هو لنا فيء فسويت بيننا وبينهم.
فقال علي (عليه
السلام): الله أكبر اللهم إني أشهدك وأشهد من حضر عليهما أما ما ذكرتما من
الاستيثار فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولا لي فيها محبة ولكنكم دعوتموني
إليها وحملتموني عليها فكرهت خلافكم فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع
وأمر فيه بالحكم وقسم وسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمضيته ولم أحتج فيه
إلى رأيكما ودخولكما معي ولا غيركما ولم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما
ومشورتكما ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا لم يكن في كتاب الله ولا
في سنة نبينا صلى الله عليه وآله فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد. وأما ما
ذكرتما من أمر الاسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ووجدت أنا وأنتما قد جاء به
محمد (صلى الله عليه وآله) من كتاب الله فلم أحتج فيه إليكما قد فرغ من قسمه كتاب
الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما
قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا وأفاء الله علينا وقد سبق رجال رجالا فلم
يضرهم ولم يستأثرهم عليهم من سبقهم لم يضرهم حين استجابوا لربهم والله مالكم ولا
لغيركم إلا ذلك ألهمنا الله وإياكم الصبر عليه. فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم
فأمر به فوجئت عنقه وأخرج من المسجد فخرج وهو يصيح ويقول: اردد إليه بيعته. فقال
علي (عليه السلام): لست مخرجكما من أمر دخلتما فيه ولا مدخلكما في أمر خرجتما منه.
فقاما عنه وقالا: أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء قال: فقال (عليه السلام): رحم
الله عبدا رأى حقا فأعان عليه أو رأى جورا فرده وكان عونا للحق على من خالفه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 25 ]
تاريخ النشر : 2025-08-21