أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/مواضيع متفرقة
سعد بن عبد الله
القمي الأشعري ، قال : بليت بأشد النواصب منازعة ، فقال لي يوما ـ بعد ما ناظرته ـ
: تبا لك ولأصحابك ، أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم
والجحود لمحبة النبي صلى الله عليه وآله لهم ، فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق
الإسلام ، ألا تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما ذهب به ليلة الغار
لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه ، ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته أراد أن يصون
نفسه كما يصون عليه السلام خاصة نفسه ، كيلا يختل حال الدين من بعده ، ويكون
الإسلام منتظما ، وقد أقام عليا على فراشه لما كان في علمه أنه لو قتل لا يختل
الإسلام بقتله ، لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه ، لا جرم لم يبال من قتله.
قال سعد : إني
قد قلت على ذلك أجوبة لكنها غير مسكتة.
ثم قال : معاشر
الروافض تقولون : إن الأول والثاني كانا ينافقان ، وتستدلون على ذلك بليلة العقبة؟
ثم قال لي : أخبرني عن إسلامهما كان عن طوع ورغبة أو كان عن إكراه وإجبار؟.
فاحترزت عن جواب ذلك وقلت مع نفسي إن كنت أجيبه بأنه كان عن طوع فيقول : لا يكون
على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق ، وإن قلت كان على إكراه وإجبار لم يكن في ذلك
الوقت للإسلام قوة حتى يكون إسلامهما بإكراه وقهر ، فرجعت عن هذا الخصم على حال
يقطع كبدي ، فأخذت طومارا وكتبت بضعا وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم
يكن عندي جوابها ، وقلت : أدفعها إلى صاحب مولاي أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام
الذي كان في قم ، أحمد بن إسحاق ، فلما طلبته كان هو قد ذهب ، فمشيت على أثره
فأدركته ، وقلت الحال معه ، فقال لي : تجيء معي إلى سر من رأى حتى تسأل عن هذه
المسائل مولانا الحسن بن علي عليهما السلام ، فذهبت معه إلى سر من رأى ، ثم جئنا
إلى باب دار مولانا عليه السلام ، فاستأذنا بالدخول عليه فأذن لنا ، فدخلنا الدار
وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري ، وكان فيه مائة وستون صرة من
الذهب والورق ، على كل واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه ، ولما دخلنا ووقع
أعيننا على وجه أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام كان وجهه كالقمر ليلة البدر
، وقد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن والجمال ... .
فأردت أن أسأله
عن مسائل فقال : سل قرة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ عما بدا لك ، فسألته عن مسائل
فأجابني .. ثم قال مبتدئا : يا سعد! إن من ادعى أن النبي صلى الله عليه وآله ـ
وهو خصمك ـ ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار ، فإنه خاف عليه كما خاف على
نفسه ، لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته ، لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن
يذهب بغيره معه ، وإنما أنام عليا عليه السلام على مبيته لأنه علم أنه إن قتل لا
يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر ، لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في
الأمور ، ألم تنقض عليه بقولك : أولستم تقولون إن النبي عليه السلام قال : إن
الخلافة من بعدي ثلاثون سنة؟! وصيرها موقوفة على أعمار هذه الأربعة ، أبي بكر ،
وعمر ، وعثمان ، وعلي .. فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله صلى الله عليه
وآله؟ فإن خصمك لم يجد بدا من قوله : بلى. ثم قلت : فإذا كان الأمر كذلك فلما كان
أبو بكر الخليفة من بعده كان هذه الثلاثة خلفاء أمته من بعده؟ فلم ذهب بخليفة وحده
ـ وهو أبو بكر ـ إلى الغار ولم يذهب بهذه الثلاثة ، فعلى هذا الأساس يكون النبي
صلى الله عليه وآله مستخفا بهم دون أبي بكر ، فإنه يجب عليه أن يفعل ما فعل
بأبي بكر ، فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم ، وتاركا للشفقة عليهم بعد
أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر.
وأما ما قال لك
الخصم : بأنهما أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا ، وذلك أنهما
يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد صلى الله عليه وآله واستيلائه على العرب
من التوراة والكتب المتقدمة وملاحم قصة محمد عليه وآله السلام ، ويقولون لهما :
يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بختنصر على بني إسرائيل إلا أنه يدعي النبوة ولا
يكون من النبوة في شيء ، فلما ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله تساعدا معه
على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله طمعا أن
يجدا من جهة رسول الله صلى الله عليه وآله ولاية بلد إذا انتظم أمره وحسن حاله
، واستقامت ولايته ، فلما أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة ، وتلثما مثل
من تلثم منهم ، ونفروا بدابة رسول الله صلى الله عليه وآله لتسقطه ويسير هالكا
بسقوطه بعد أن صعدا العقبة فيمن صعد ، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم ولم يقدروا
أن يفعلوا شيئا ، وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا عليا عليه السلام وبايعا
طمعا أن يكون لكل واحد منهما ولاية ، فلما لم يكن وأيسا من الولاية نكثا بيعته
وخرجا عليه حتى آل أمر كل واحد منهما إلى ما يئول أمر من ينكث العهود والمواثيق.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 183 ]
تاريخ النشر : 2025-08-13