الوضع الليلي
انماط الصفحة الرئيسية

النمط الأول

النمط الثاني

النمط الثالث

0
اليوم : السبت ١٤ صفر ١٤٤٧هـ المصادف ۰۹ آب۲۰۲٥م

أقوال عامة
أقوال عامة
قدوم الجاثليق الى المدينة وكلامه مع امير المؤمنين...
تاريخ النشر : 2025-08-09
إرشاد القلوب : بحذف الإسناد مرفوعا إلى سلمان الفارسي رضي‌ الله‌ عنه قال : كان من البلاء العظيم الذي ابتلى الله عزوجل به قريشا بعد نبيها صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ليعرفها أنفسها ويجرح شهادتها على ما ادعته على رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله بعد وفاته ، ودحض حجتها ، وكشف غطاء ما أسرت في قلوبها ، وأخرجت ضغائنها لآل رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله أجمعين وأزالتهم عن إمامتهم ، وميراث كتاب الله فيهم ، ما عظمت خطيئته ، وشملت فضيحته ، ووضحت هداية الله فيه لأهل دعوته وورثة نبيه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، وأنارت به قلوب أوليائهم ، وغمرهم نفعه وأصابهم بركاته : أن ملك الروم لما بلغه وفاة رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله وخبر أمته واختلافهم في الاختيار عليهم ، وتركهم سبيل هدايتهم ، وادعائهم على رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله أنه لم يوص إلى أحد بعد وفاته صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، وإهماله إياهم يختاروا لأنفسهم ، وتوليتهم الأمر بعده الأباعد من قومه ، وصرف ذلك عن أهل بيته وورثته وقرابته ، دعا علماء بلده واستفتاهم فناظرهم في الأمر الذي ادعته قريش بعد نبيها صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله وفيما جاء به محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله فأجابوه بجوابات من حججهم على أنه محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، فسأل أهل مدينته أن يوجههم إلى المدينة لمناظرتهم والاحتجاج عليهم ، فأمر الجاثليق أن يختار من أصحابه وأساقفته ، فاختار منهم مائة رجل ، فخرجوا يقدمهم جاثليق لهم قد أقرت العلماء له جميعا بالفضل والعلم ، متبحرا  في علمه يخرج الكلام من تأويله ، ويرد كل فرع إلى أصله ، ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالبليد والرعديد ، ولا النكل ولا الفشل ينصت لمن يتكلم ، ويجيب إذا سئل ، ويصبر إذا منع ، فقدم المدينة بمن معه من خيار أصحابه حتى نزل القوم عن رواحلهم ، فسأل أهل المدينة عمن أوصى إليه محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ومن قام مقامه فدلوه على أبي بكر ، فأتوا مسجد رسول الله ، فدخلوا ، على أبي بكر وهو في حشدة من قريش فيهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وعثمان بن عفان وأنا في القوم ، فوقفوا عليه فقال زعيم القوم : السلام عليكم .. فردوا عليه ‌السلام ، فقال : أرشدونا إلى القائم مقام نبيكم فإنا قوم من الروم ، وإنا على دين المسيح عيسى ابن مريم عليهما ‌السلام ، فقدمنا لما بلغنا وفاة نبيكم واختلافكم نسأل عن صحة نبوته ونسترشد لديننا ، ونتعرف دينكم ، فإن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه وسلمنا وقبلنا الرشد منكم طوعا وأجبناكم إلى دعوة نبيكم (ص) ، وإن يكن على خلاف ما جاءت به الرسل وجاء به عيسى عليه ‌السلام رجعنا إلى دين المسيح فإن عنده من عهد رأينا فيه أنبياءه ورسله دلالة ونورا واضحا ، فأيكم صاحب الأمر بعد نبيكم صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله؟
فقال عمر بن الخطاب : هذا صاحبنا وولي الأمر بعد نبينا.
قال الجاثليق : هو هذا الشيخ؟!.
فقال : نعم.
فقال : يا شيخ! أنت القائم الوصي لمحمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله في أمته؟ وأنت العالم المستغني بعلمك مما علمك نبيك من أمر الأمة وما تحتاج إليه؟.
قال أبو بكر : لا ، ما أنا بوصي.
قال له : فما أنت؟! قال عمر : هذا خليفة رسول الله.
قال النصراني : أنت خليفة رسول الله استخلفك في أمته؟.
قال أبو بكر : لا.
قال : فما هذا الاسم الذي ابتدعتموه وادعيتموه بعد نبيكم؟!. فإنا قد قرأنا كتب الأنبياء صلوات الله عليهم فوجدنا الخلافة لا تصلح إلا لنبي من أنبياء الله ، لأن الله تعالى جعل آدم خليفة في الأرض فرض طاعته على أهل السماء والأرض ، ونوه باسم داود عليه ‌السلام فقال : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) كيف تسميتم بهذا الاسم؟ ومن سماك به؟ أنبيك سماك به؟.
قال : لا ، ولكن تراضوا الناس فولوني واستخلفوني.
فقال : أنت خليفة قومك لا نبيك ، وقد قلت إن النبي لم يوص إليك ، وقد وجدنا في كتب من سنن الأنبياء ، أن الله لم يبعث نبيا إلا وله وصي يوصي إليه ، ويحتاج الناس كلهم إلى علمه وهو مستغن عنهم ، وقد زعمت أنه لم يوص كما أوصت الأنبياء ، وادعيت أشياء لست بأهلها ، وما أراكم إلا وقد دفعتم نبوة محمد وقد أبطلتم سنن الأنبياء في قومهم.
قال : فالتفت الجاثليق إلى أصحابه وقال : إن هؤلاء يقولون إن محمدا لم يأتهم بالنبوة وإنما كان أمره بالغلبة ، ولو كان نبيا لأوصى كما أوصت الأنبياء ، وخلف فيهم كما خلفت الأنبياء من الميراث والعلم ، ولسنا نجد عند القوم أثر ذلك ، ثم التفت كالأسد ، فقال : يا شيخ! أما أنت فقد أقررت أن محمدا لم يوص إليك ولا استخلفك وإنما تراضوا الناس بك ، ولو رضي الله عز وجل برضى الخلق واتباعهم لهواهم واختيارهم لأنفسهم ما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وآتاهم الكتاب والحكمة ليبينوا للناس ما يأتون ويذرون وما فيه يختلفون : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) فقد دفعتم النبيين عن رسالاتهم ، واستغنيتم بالجهل من اختيار الناس عن اختيار الله عزوجل الرسل للعباد ، واختيار الرسل لأمتهم ، ونراكم تعظمون بذلك الفرية على الله عزوجل وعلى نبيكم ، ولا ترضون إلا أن تتسموا بعد ذلك بالخلافة ، وهذا لا يحل إلا لنبي أو وصي نبي ، وإنما تصح الحجة لكم بتأكيدكم النبوة لنبيكم وأخذكم بسنن الأنبياء في هداهم ، وقد تغلبتم فلا بد لنا أن نحتج عليكم فيما ادعيتم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه ، ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم ، أصواب ما فعلتم بإيمان أم كفرتم بجهل؟.
ثم قال : يا شيخ! أجب.
قال : : فالتفت أبو بكر إلى أبي عبيدة ليجيب عنه ، فلم يحر جوابا ، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه فقال : بناء القوم على غير أساس ولا أرى لهم حجة ، أفهمتم؟.
قالوا : بلى.
ثم قال لأبي بكر : يا شيخ! أسألك؟.
قال : سل.
قال : أخبرني عني وعنك ما أنت عند الله ، وما أنا عند الله؟.
قال : أما أنا فعند نفسي مؤمن ، وما أدري ما أنا عند الله فيما بعد ، وأما أنت فعندي كافر ، وما أدري ما أنت عند الله؟.
قال الجاثليق : أما أنت فقد منيت نفسك الكفر بعد الإيمان ، وجهلت مقامك في إيمانك ، أمحق أنت فيه أم مبطل ، وأما أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر ، فما أحسن حالي وأسوأ حالك عند نفسك ، إذ كنت لا توقن بما لك عند الله ، فقد شهدت لي بالفوز والنجاة ، وشهدت لنفسك بالهلاك والكفر.
ثم التفت إلى أصحابه فقال : طيبوا نفسا فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر ، ثم التفت إلى أبي بكر فقال : يا شيخ! أين مكانك الساعة من الجنة إذا ادعيت الإيمان ، وأين مكاني من النار؟!.
قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر وأبو [ أبي ] عبيدة مرة أخرى ليجيبا عنه ، فلم ينطق أحدهما.
قال : ثم قال : ما أدري أين مكاني وما حالي عند الله؟.
قال الجاثليق : يا هذا! أخبرني كيف استجزت لنفسك أن تجلس في هذا المجلس وأنت محتاج إلى علم غيرك؟ فهل في أمة محمد من هو أعلم منك؟.
قال : نعم.
قال : ما أعلمك وإياهم إلا وقد حملوك أمرا عظيما ، وسفهوا بتقديمهم إياك على من هو أعلم منك ، فإن كان الذي هو أعلم منك يعجز عما سألتك كعجزك فأنت وهو واحد في دعواكم ، فأرى نبيكم إن كان نبيا فقد ضيع علم الله عز وجل وعهده وميثاقه الذي أخذه على النبيين من قبله في إقامة الأوصياء لأمتهم حيث لم يقم وصيا ليتفرغوا إليه فيما تتنازعون في أمر دينكم ، فدلوني على هذا الذي هو أعلم منكم ، فعساه في العلم أكثر منك في محاورة وجواب وبيان وما يحتاج إليه من أثر النبوة وسنن الأنبياء ، ولقد ظلمك القوم وظلموا أنفسهم فيك.
قال سلمان رضي‌ الله‌ عنه : فلما رأيت ما نزل بالقوم من البهت والحيرة والذل والصغار ، وما حل بدين محمد (ص) ، وما نزل بالقوم من الحزن ، نهضت ـ لا أعقل أين أضع قدمي ـ إلى باب أمير المؤمنين عليه ‌السلام ، فدققت عليه الباب ، فخرج وهو يقول : ما دهاك يا سلمان؟!. قال : قلت : هلك دين محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، وهلك الإسلام بعد محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، وظهر أهل الكفر على دينه وأصحابه بالحجة ، فأدرك ـ يا أمير المؤمنين! ـ دين محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله والقوم قد ورد عليهم ما لا طاقة لهم به ولا بد ولا حيلة ، وأنت اليوم مفرج كربها ، وكاشف بلواها ، وصاحب ميسمها وتاجها ، ومصباح ظلمها ، ومفتاح مبهمها.
قال : فقال علي عليه ‌السلام وما ذاك؟.
قال : قلت : قد قدم قوم من ملك الروم في مائة رجل من أشراف الناس من قومهم يقدمهم جاثليق لهم لم أر مثله ، يورد الكلام على معانيه ، ويصرفه على تأويله ، ويؤكد حجته ويحكم ابتداءه ، لم أسمع مثل حجته ولا سرعة جوابه من كنوز علمه ، فأتى أبا بكر ـ وهو في جماعة ـ فسأله عن مقامه ووصية رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، فأبطل دعواه بالخلافة ، وغلبهم بادعائهم تخليفهم مقامه ، فأورد على أبي بكر مسألة أخرجه بها عن إيمانه ، وألزمه الكفر والشك في دينه ، فعلتهم لذلك ذلة وخضوع وحيرة ، فأدرك ـ يا أمير المؤمنين ـ دين محمد ، فقد ورد عليهم ما لا طاقة لهم به.
فنهض أمير المؤمنين عليه ‌السلام معي حتى أتينا القوم وقد ألبسوا الذلة والمهانة والصغار والحيرة ، فسلم علي عليه ‌السلام ثم جلس ، فقال : يا نصراني! أقبل علي بوجهك واقصدني بمسائلك فعندي جواب ما يحتاج الناس إليه فيما يأتون ويذرون ، وبالله التوفيق.
قال : فتحول النصراني إليه ، وقال : يا شاب! إنا وجدنا في كتاب الأنبياء أن الله لم يبعث نبيا قط إلا وكان له وصيا [ كذا ] [ وصي ] يقوم مقامه ، وقد بلغنا اختلاف عن أمة محمد في مقام نبوته ، وادعاء قريش على الأنصار وادعاء الأنصار على قريش ، واختيارهم لأنفسهم ، فأقدمنا ملكنا وفدا ، وقد اختارنا لنبحث عن دين محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ونعرف سنن الأنبياء فيه والاستماع من قومه الذين ادعوا مقامه ، أحق ذلك أم باطل؟ قد كذبوا عليه كما كذبت الأمم بعد أنبيائها على نبيها ، ودفعت الأوصياء عن حقها ، فإنا وجدنا قوم موسى عليه ‌السلام بعده عكفوا على العجل ودفعوا هارون عن وصيته ، واختاروا ما أنتم عليه ، وكذلك : ( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) ، فقدمنا فأرشدنا القوم إلى هذا الشيخ ، فادعى مقامه والأمر له من بعده ، فسألنا عن الوصية إليه عن نبيه (ص)؟ فلم يعرفها ، وسألناه عن قرابته منه إذ كانت الدعوة في إبراهيم عليه ‌السلام فيما سبقت في الذرية في إمامته أنه لا ينالها إلا ذرية ( بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) ، ولا ينالها إلا مصطفى مطهر ، فأردنا أن نتبين السنة من محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله وما جاء به النبيون عليهم ‌السلام ، واختلاف الأمة على الوصي كما اختلفت على من مضى من الأوصياء ، ومعرفة العترة فيهم؟ ، فإن وجدنا لهذا الرسول وصيا وقائما بعده وعنده علم ما يحتاج إليه الناس ، ويجيب بجوابات بينة ، ويخبر عن أسباب البلايا والمنايا وفصل الخطاب والأنساب ، وما يهبط من العلم في ليلة القدر في كل سنة ، وما ينزل به الملائكة والروح إلى الأوصياء صدقنا بنبوته ، وأجبنا دعوته ، واقتدينا بوصيته ، وآمنا به وبكتابه ، وبما جاءت به الرسل من قبله ، وإن يكن غير ذلك رجعنا إلى ديننا وعلمنا أن محمدا لم يبعث ، وقد سألنا هذا الشيخ فلم نجد عنده تصحيح نبوة محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، وإنما ادعوا له وكان جبارا غلب على قومه بالقهر ، وملكهم ولم يكن عنده أثر النبوة ، ولا ما جاءت به الأنبياء عليهم‌ السلام قبله ، وأنه مضى وتركهم بهما يغلب بعضهم بعضا ، وردهم جاهلية جهلاء مثل ما كانوا يختارون بآرائهم لأنفسهم .. أي دين أحبوا ، وأي ملك أرادوا ، وأخرجوا محمدا صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله من سبيل الأنبياء ، وجهلوه في رسالته ، ودفعوا وصيته ، وزعموا أن الجاهل يقوم مقام العالم ، وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وظهور الفساد في الأرض في البر والبحر ، وحاشا الله عز وجل أن يبعث نبيا إلا مطهرا مسددا مصطفى على العالمين ، وإن العالم أمير على الجاهل أبدا إلى يوم القيامة ، فسألته عن اسمه فقال الذي إلى جنبه : هذا خليفة رسول الله.
فقلت : إن هذا الاسم لا نعرفه لأحد بعد النبي إلا أن يكون لغة من اللغات ، فأما الخلافة فلا تصلح إلا لآدم وداود عليهما ‌السلام ، والسنة فيها للأنبياء والأوصياء ، وإنكم لتعظمون الفرية على الله وعلى رسوله ، فانتفى من العلم ، واعتذر من الاسم ، وقال : إنما تراضوا الناس بي فسموني خليفة ، وفي الأمة من هو أعلم مني ، فاكتفينا بما حكم على نفسه وعلى من اختاره ، فقدمت مسترشدا وباحثا عن الحق ، فإن وضح لي اتبعته ولم تأخذني في الله لومة لائم ، فهل عندك أيها الشاب شفاء لما في صدورنا؟.
قال علي عليه ‌السلام : بلى! عندي شفاء لصدوركم ، وضياء لقلوبكم ، وشرح لما أنتم عليه ، وبيان لا يختلجكم الشك معه ، وإخبار عن أموركم ، وبرهان لدلالتكم ، فأقبل علي بوجهك ، وفرغ لي مسامع قلبك ، وأحضرني ذهنك ، وع ما أقول لك : إن الله بمنه وطوله وفضله ـ له الحمد كثيرا دائما ـ قد صدق وعده ، وأعز دينه ، ونصر محمدا عبده ورسوله ، وهزم الأحزاب وحده ، فـ ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، إنه تبارك وتعالى اختص محمدا صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله واصطفاه وهداه ، وانتجبه لرسالته إلى الناس كافة برحمته ، وإلى الثقلين برأفته ، وفرض طاعته على أهل السماء والأرض ، وجعله إماما لمن قبله من الرسل ، وخاتما لمن بعده من الخلق ، وورثه مواريث الأنبياء ، وأعطاه مقاليد الدنيا والآخرة ، واتخذه نبيا ورسولا وحبيبا وإماما ، ودفعه إليه ، وقربه يمين عرشه بحيث لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فأوحى الله إليه في وحيه ما أوحى ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) ، وأنزل علاماته على الأنبياء ، وأخذ ميثاقهم : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ).
قال : ثم ( قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) وقال : ( يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فما مضى صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله حتى أتم الله مقامه ، وأعطاه وسيلته ، ورفع له درجته ، فلن يذكر الله تعالى إلا كان معه مقرونا ، وفرض دينه ، ووصل طاعته بطاعته ، فقال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) وقال : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) فأبلغ عن الله عز وجل رسالته ، وأوضح برهان ولايته ، وأحكم آياته ، وشرع شرائعه وأحكامه ، ودلهم على سبيل نجاتهم ، وباب هدايته وحكمته ، وكذلك بشر به النبيون صلى الله عليهم قبله ، وبشر به عيسى روح الله وكلمته إذ يقول في الإنجيل : أحمد العربي النبي الأمي صاحب الجمل الأحمر والقضيب ، وأقام لأمته وصيه فيهم ، وعيبة علمه ، وموضع سره ، ومحكم آيات كتابه ، وتاليه حق تلاوته ، وباب حطته ، ووارث كتابه ، وخلفه مع كتاب الله فيهم ، وأخذ فيهم الحجة ، فقال صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله : قد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهما الثقلان : كتاب الله الثقل الأكبر حبل ممدود من السماء إلى الأرض سبب بأيديكم وسبب بيد الله عز وجل ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فلا تقدموهم فتمرقوا ولا تأخذوا عن غيرهم فتعطبوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، وأنا وصيه والقائم بتأويل كتابه ، والعارف بحلاله وحرامه ، وبمحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وأمثاله وعبره وتصاريفه ، وعندي علم ما يحتاج إليه أمته من بعده ، وكل قائم وملتو ، وعندي علم البلايا والمنايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب ، ومولد الإسلام ، ومولد الكفر ، وصاحب الكرات ، ودولة الدول ، فاسألني عما يكون إلى يوم القيامة وعما كان على عهد عيسى عليه ‌السلام منذ بعثه الله تبارك وتعالى ، وعن كل وصي ، وكل فئة تضل مائة وتهدي مائة ، وعن سائقها وقائدها وناعقها إلى يوم القيامة ، وكل آية نزلت في كتاب الله في ليل نزلت أم نهار ، وعن التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ، فإنه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله لم يكتمني من علمه شيئا ولا ما تحتاج إليه الأمم من أهل التوراة والإنجيل ، وأصناف الملحدين وأحوال المخالفين ، وأديان المختلفين ، وكان صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله خاتم النبيين بعدهم ، وعليهم فرضت طاعته والإيمان به والنصرة له ، تجدون ذلك مكتوبا في التوراة والإنجيل والزبور ، وفي ( الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ) ، ولم يكن ليضيع عهد الله في خلقه ويترك الأمة تائهين بعده ، وكيف يكون ذلك وقد وصفه الله بالرأفة والرحمة والعفو والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة القسطاس المستقيم؟!.
وإن الله عز وجل أوحى إليه كما أوحى ( إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) ، وكما أوحى إلى موسى عليه ‌السلام وعيسى عليه ‌السلام فصدق الله وبلغ رسالته وأنا على ذلك من الشاهدين ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) وقال : و ( كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) وقد صدقه الله وأعطاه الوسيلة إليه وإلى الله عز وجل ، فقال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، فنحن الصادقون ، وأنا أخوه في الدنيا والآخرة ، والشاهد منه عليهم بعده ، وأنا وسيلته بينه وبين أمته ، وأنا وولدي ورثته ، وأنا وهم كسفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، وأنا وهم كباب حطة  في بني إسرائيل ، وأنا بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده ، وأنا الشاهد منه في الدنيا والآخرة ، ورسول الله على بينة من ربه ويعرض طاعتي ومحبتي بين أهل الإيمان وأهل الكفر وأهل النفاق ، فمن أحبني كان مؤمنا ، ومن أبغضني كان كافرا ، والله ما كذبت ولا كذبت ولا كذب بي ، ولا ضللت ولا ضل بي ، وإني لعلى بينة بينها ربي عز وجل لنبيه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله فبينها لي ، فاسألوني عما كان وعما يكون وعما هو كائن إلى يوم القيامة.
قال : فالتفت الجاثليق إلى أصحابه وقال : هذا هو والله الناطق بالعلم والقدرة ، الفاتق الراتق ، ونرجو من الله تعالى أن نكون صادفنا حظنا ، ونور هدايتنا ، وهذه والله حجج الأوصياء من الأنبياء على قومهم.
قال : فالتفت إلى علي عليه ‌السلام : فقال : كيف عدل بك القوم عن قصدهم إياك ، وادعوا ما أنت أولى به منهم؟! ألا وقد وقع القول عليهم ، قصروا في أنفسهم  وما ضر ذلك الأوصياء مع ما أغناهم الله عز وجل به من العلم واستحقاق مقامات رسله ، فأخبرني ـ أيها العالم الحكيم ـ عني وعنك ما أنت عند الله؟ وما أنا عند الله؟.
قال علي عليه ‌السلام : أما أنا فعند الله عز وجل مؤمن وعند نفسي مؤمن متيقن بفضله ورحمته وهدايته ونعمه علي ، وكذلك أخذ الله جل جلاله ميثاقي على الإيمان وهداني لمعرفته لا أشك في ذلك ولا أرتاب ، ولم أزل على ما أخذ الله تعالى علي من الميثاق ، ولم أبدل ولم أغير وذلك بمن الله ورحمته وصنعه ، أنا في الجنة لا أشك في ذلك ولا أرتاب ، لم أزل على ما أخذ الله تعالى علي من الميثاق ، فإن الشك شرك لما أعطاني الله من اليقين والبينة ، وأما أنت فعند الله كافر بجحودك الميثاق والإقرار الذي أخذه الله عليك بعد خروجك من بطن أمك وبلوغك العقل ومعرفة التمييز للجيد والرديء والخير والشر ، وإقرارك بالرسل ، وجحودك لما أنزل الله في الإنجيل من أخبار النبيين عليهم‌ السلام ما دمت على هذه الحالة ، كنت في النار لا محالة.
قال : فأخبرني عن مكاني من النار ومكانك من الجنة؟.
فقال علي عليه ‌السلام : لم أدخلها فأعرف مكاني من الجنة ومكانك من النار ، ولكن أعرفك ذلك من كتاب الله عز وجل : إن الله جل جلاله بعث محمدا صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله بالحق ، وأنزل عليه كتابا : ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) أحكم فيه جميع علمه ، وأخبر رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله عن الجنة بدرجاتها ومنازلها ، وقسم الله جل جلاله الجنان بين خلقه لكل عامل منهم ثوابا منها ، وأحلهم على قدر فضائلهم في الأعمال والإيمان ، فصدقنا الله وعرفنا منازل الأبرار ، وكذلك منازل الفجار ، وما أعد لهم من العذاب في النار ، وقال : ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) فمن مات على كفره وفسوقه وشركه ونفاقه وظلمه فـ ( لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) ، وقد قال جل جلاله : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وكان رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله هو المتوسم ، وأنا والأئمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة.
قال : فالتفت الجاثليق إلى أصحابه وقال : قد أصبتم إرادتكم وأرجو أن تظفروا بالحق الذي طلبنا ، إلا أنه قد نصبت له مسائل فإن أجابني عنها نظرنا في أمرنا وقبلت منه.
قال علي عليه ‌السلام : فإن أجبتك عما تسألني عنه ـ وفيه تبيان وبرهان واضح لا تجد له مدفعا ولا من قبوله بدا أن ـ تدخل في ديننا؟
قال : نعم.
فقال علي عليه ‌السلام : الله عليك راع و كفيل ، إذا وضح لك الحق وعرفت الهدى أن تدخل في ديننا أنت وأصحابك؟.
قال الجاثليق : نعم ، لك الله عليّ راع و كفيل أني أفعل ذلك.
فقال علي عليه ‌السلام : فخذ على أصحابك الوفاء.
قال : فأخذ عليهم العهد.
ثم قال علي عليه ‌السلام : سل عما أحببت.
قال : خبرني عن الله عز وجل أحمل العرش أم العرش يحمله؟.
قال عليه ‌السلام : الله حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، وذلك قول الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ).
قال : أخبرني عن قول الله : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) فكيف ذلك؟ وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟.
قال علي عليه ‌السلام : إن العرش خلقه الله تبارك وتعالى من أنوار أربعة : نور أحمر ـ احمرت منه الحمرة ـ ، ونور أخضر ـ اخضرت منه الخضرة ـ ، ونور أصفر ـ اصفرت منه الصفرة ـ ، ونور أبيض ـ ابيض منه البياض ـ وهو العلم الذي حمله الله الحملة ، وذلك نور من عظمته ، فبعظمته ونوره ابيضت قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض ـ من جميع خلائقه ـ إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتشتتة ، وكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ( نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) ولا ( مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً ) ، وكل شيء محمول والله عز وجل الممسك لهما ( أَنْ تَزُولا ) ، والمحيط بهما وبما فيهما من شيء ، وهو حياة كل شيء ونور كل شيء ( سُبْحانَهُ  وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً ).
قال : فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟.
قال عليه ‌السلام : هو هاهنا .. وهاهنا .. وهاهنا .. وهاهنا .. ، وهو فوق وتحت ومحيط بنا ومعنا ، وهو قوله : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ، والكرسي محيط بالسماوات والأرض : ( وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) فـ ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) هم العلماء ، وهم الذين حملهم الله علمه ، وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلقه الله تعالى في ملكوته ، وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه ، وأراه الله عز وجل خليله عليه ‌السلام ، فقال : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) فكيف يحمله حملة العرش وبحياته حييت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلى معرفته وانقادوا؟!.
قال : فالتفت الجاثليق إلى أصحابه ، فقال : هذا هو ـ والله ـ الحق من عند الله عز وجل على لسان المسيح والنبيين والأوصياء عليهم ‌السلام.
قال : أخبرني عن الجنة في الدنيا هي أم في الآخرة؟ وأين الآخرة والدنيا؟.
قال عليه ‌السلام : الدنيا في الآخرة ، والآخرة محيطة بالدنيا ، إذا [ إذ ] كانت النقلة من الحياة إلى الموت ظاهرة ، كانت الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون ، وذلك أن الدنيا نقلة والآخرة حياة ومقام مثل ذلك النائم ، وذلك أن الجسم ينام والروح لا تنام ، والبدن يموت والروح لا تموت ، قال الله عز وجل : ( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) والدنيا رسم الآخرة ، والآخرة رسم الدنيا ، وليس الدنيا الآخرة ولا الآخرة الدنيا ، إذا فارق الروح الجسم يرجع كل واحد منهما إلى ما منه بدأ ، وما منه خلق ، وكذلك الجنة والنار في الدنيا موجودة وفي الآخرة موجودة ، لأن العبد إذا مات صار في دار من الأرض ، إما روضة من رياض الجنة ، وإما بقعة من بقاع النار ، وروحه إلى إحدى دارين : إما في دار نعيم مقيم لا موت فيها ، وإما في دار عذاب أليم لا يموت فيها ، والرسم لمن عقل موجود واضح ، وقد قال الله تعالى : ( كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ )، وعن الكفار فقال إنهم : ( كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) ، ولو علم الإنسان علم ما هو فيه مات حبا من الموت ، ومن نجا فبفضل اليقين.
قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، فإذا طويت السماوات وقبضت الأرض ، فأين تكون الجنة والنار وهما فيهما؟. قال : فدعا بدواة وقرطاس ثم كتب فيه : الجنة والنار ، ثم درج القرطاس ودفعه إلى النصراني ، وقال له : أليس قد طويت هذا القرطاس؟ قال :نعم. قال : فافتحه .. ففتحته قال : هل ترى آية النار وآية الجنة أمحاهما القرطاس؟. قال : لا. قال : فهكذا في قدرة الله تعالى إذا طويت السماوات وقبضت الأرض لم تبطل الجنة والنار كما لم تبطل طي هذا الكتاب آية الجنة وآية النار.
قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) ما هذا الوجه؟ ، وكيف هو؟ ، وأين يؤتى؟ ، وما دليلنا عليه؟.
قال علي عليه ‌السلام : يا غلام! علي بحطب ونار ، فأتى بحطب ونار وأمر أن تضرم ، فلما استوقدت واشتعلت ، قال له : يا نصراني هل تجد لهذه النار وجها دون وجه؟. قال : لا ، حيثما أتيتها فهو وجه.
قال عليه ‌السلام : فإذا كانت هذه النار المخلوقة المدبرة في ضعفها وسرعة زوالها لا تجد لها وجها فكيف من خلق هذه النار وجميع ما في ملكوته من شيء أجابه؟ كيف يوصف بوجه أو يحد بحد ، أو يدرك ببصر ، أو يحيط به عقل ، أو يضبطه وهم ، وقال الله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
قال الجاثليق : صدقت أيها الوصي العليم الحكيم الرفيق الهادي ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله ( بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ) ، وأنك وصيه وصديقه ودليله وموضع سره وأمينه على أهل بيته وولي المؤمنين من بعده ، من أحبك وتولاك هديته ونورت قلبه وأغنيته وكفيته وشفيته ، ومن تولى عنك وعدل عن سبيلك ضل وغبن عن حظه واتبع هواه بغير هدى من الله ورسوله ، وكفى هداك ونورك هاديا وكافيا وشافيا.
قال : ثم التفت الجاثليق إلى القوم فقال : يا هؤلاء! قد أصبتم أمنيتكم وأخطأتم سنة نبيكم ، فاتبعوه تهتدوا وترشدوا ، فما دعاكم إلى ما فعلتم؟! ما أعرف لكم عذرا بعد آيات الله والحجة عليكم ، أشهد أنها سنة الله في الذين خلوا من قبلكم و( لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ) ، وقد قضى عز وجل الاختلاف على الأمم ، الاستبدال بأوصيائهم بعد أنبيائهم ، وما العجب إلا منكم بعد ما شاهدتم؟! فما هذه القلوب القاسية ، والحسد الظاهر ، والضغن والإفك المبين؟!.
قال : وأسلم النصراني ومن معه وشهدوا لعلي عليه ‌السلام بالوصية ولمحمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله بالحق والنبوة ، وأنه الموصوف المنعوت في التوراة والإنجيل ، ثم خرجوا منصرفين إلى ملكهم ليردوا عليه ما عاينوا وما سمعوا.
فقال علي عليه ‌السلام : الحمد لله الذي أوضح برهان محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله وأعز دينه ونصره ، وصدق رسوله وأظهره ( عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وصلى الله على محمد وآله.
قال : فتباشر القوم بحجج علي عليه ‌السلام وبيان ما أخرجه إليهم ، فانكشفت عنهم الذلة ، وقالوا : جزاك الله يا أبا الحسن في مقامك بحق نبيك ، ثم تفرقوا وكأن الحاضرين لم يسمعوا شيئا مما فهمه القوم والذين هم عندهم أبدا ، وقد ( نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ) ، ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال سلمان الخير : فلما خرجوا من المسجد وتفرق الناس وأرادوا الرحيل أتوا عليا عليه ‌السلام مسلمين عليه ويدعون الله تعالى له واستأذنوا ، فخرج إليهم علي عليه ‌السلام فجلسوا ، فقال الجاثليق : يا وصي محمد وأبا ذريته! ما نرى الأمة إلا هالكة كهلاك من مضى من بني إسرائيل من قوم موسى وتركهم موسى وعكوفهم على أمر السامري ، وإنا وجدنا لكل نبي بعثه الله ( عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ ) يفسدان على النبي دينه ، ويهلكان أمته ، ويدفعان وصيه ، ويدعيان الأمر بعده ، وقد أرانا الله عز وجل ما وعد الصادقين من المعرفة بهلاك هؤلاء القوم ، وبين لنا سبيلك وسبيلهم ، وبصرنا ما أعماهم عنه ، ونحن أولياؤك وعلى دينك وعلى طاعتك ، فمرنا بأمرك ، إن أحببت أقمنا معك ونصرناك على عدوك ، وإن أمرتنا بالمسير سرنا وإلى ما صرفتنا إليه صرنا ، وقد نوى صبرك على ما ارتكب منك ، وكذلك شيم الأوصياء وسنتهم بعد نبيهم ، فهل عندك من نبيك عهد فيما أنت فيه وهم؟.
قال علي عليه ‌السلام : نعم ، والله إن عندي لعهدا من رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله مما هم صائرون إليه ، وما هم عاملون ، وكيف يخفى علي أمر أمته وأنا منه بمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة شمعون من عيسى؟! أوما تعلمون أن وصي عيسى شمعون بن حمون الصفا ـ ابن خاله ـ اختلفت عليه أمة عيسى (ع) وافترقوا أربع فرق ، وافترقت الأربع فرق على اثنين [ اثنتين ] وسبعين فرقة ، كلها هالكة إلا فرقة واحدة؟ وكذلك أمة موسى (ع) افترقت على اثنين [ اثنتين ] وسبعين فرقة ، كلها هالكة إلا فرقة واحدة ، وقد عهد إلي محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله أن أمته يفترقون على ثلاث وسبعين فرقة ، ثلاث عشرة فرقة تدعي محبتنا ومودتنا كلهم هالكة إلا فرقة واحدة ، وإني لعلى بينة من ربي ، وإني عالم بما يصير القوم إليه ، ولهم مدة وأجل معدود ، لأن الله عز وجل يقول : ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وقد صبر عليهم القليل لما هو بالغ أمره وقدره المحتوم فيهم ، وذكر نفاقهم وحسدهم وأنه سيخرج أضغانهم ويبين مرض قلوبهم بعد فراق نبيهم قال الله عز وجل : ( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ ) أي تعلمون ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تستهزئون * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ ) فقد عفا الله عن القليل من هؤلاء ووعدني أن يظهرني على أهل الفتنة ويردوا [ يرد ] الأمر إلي ولو كره المبطلون ، وعندكم كتاب من رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله في المصالحة والمهادنة على أن لا تحدثوا ولا تأووا محدثا ، فلكم الوفاء على ما وفيتم ، ولكم العهد والذمة على ما أقمتم على الوفاء بعهدكم علينا مثل ذلك لكم ، وليس هذا أوان نصرنا ولا يسل سيف ولا يقام عليهم بحق ما لم يقبلوا ويعطوا طاعتهم ، إذ كنت فريضة من الله عز وجل ومن رسوله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله مثل الحج والزكاة والصوم والصلاة ، فهل يقام بهذه الحدود إلا بعالم قائم ( يَهْدِي إِلَى الْحَقِ ) وهو ( أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ )؟! ولقد أنزل الله سبحانه : ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) فأنا ـ رحمك الله فريضة من الله ورسوله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله عليكم ، بل أفضل الفرائض وأعلاها ، وأجمعها للحق ، وأحكمها لدعائم الإيمان ، وشرائع الإسلام ، وما يحتاج إليه الخلق لصلاحهم ولفسادهم ولأمر دنياهم وآخرتهم ، فقد تولوا عني ، ودفعوا فضلي ، وفرض رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله إمامتي وسلوك سبيلي ، فقد رأيتم ما شملهم من الذل والصغار من بعد الحجة.
وكيف أثبت الله عليهم الحجة وقد نسوا ما ذكروا به من عهد نبيهم ، وما أكد عليهم من طاعتي وأخبرهم من مقامي ، وبلغهم من رسالة الله عز وجل في فقرهم إلى علمي وغناي عنهم وعن جميع الأمة مما أعطاني الله عز وجل ، فكيف آسى على من ضل عن الحق من بعد ما تبين له و( اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) إن هداه للهدى ، وهما السبيلان : سبيل الجنة وسبيل النار والدنيا والآخرة ، فقد ترى ما نزل بالقوم من استحقاق العذاب الذي عذب به من كان قبلهم من الأمم ، وكيف بدلوا كلام الله ، وكيف جرت السنة فيهم من الذين خلوا من قبلهم ، فعليكم بالتمسك بحبل الله وعروته ، وكونوا من حزب الله ورسوله ، والزموا عهد رسول الله وميثاقه عليكم ، فإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ، وكونوا في أهل ملتكم كأصحاب الكهف ، وإياكم أن تغشوا أمركم إلى أهل أو ولد أو حميم أو قريب ، فإنه دين الله الذي أوجب له التقية لأوليائه فيقتلكم قومكم وإن أصبتم من الملك فرصة ألقيتم على قدر ما ترون من قبوله ، وإنه باب الله وحصن الإيمان لا يدخله إلا من أخذ الله ميثاقه ، ونور له في قلبه وأعانه على نفسه ، انصرفوا إلى بلادكم على عهدكم الذي عاهدتموني عليه ، فإنه سيأتي على الناس بعد برهة من دهرهم ملوك بعدي وبعد هؤلاء يغيرون دين الله عز وجل ، ويحرفون كلامه ، ويقتلون أولياء الله ، ويعزون أعداء الله ، وبهم تكثر البدع ، وتدرس السنن ، حتى تملأ الأرض جورا وعدوانا وبدعا ، ثم يكشف الله بنا أهل البيت جميع البلايا عن أهل دعوة الله بعد شدة من البلاء العظيم حتى تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، ألا وقد عهد إلي رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله أن الأمر صائر إلي بعد الثلاثين من وفاته وظهور الفتن ، واختلاف الأمة علي ، ومروقهم من دين الله ، وأمرني بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، فمن أدرك منكم ذلك الزمان وتلك الأمور وأراد أن يأخذ بحظه من الجهاد معي فليفعل ، فإنه والله الجهاد الصافي ، صفاه لنا كتاب الله وسنة نبيه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ، فكونوا ـ رحمكم الله ـ من أحلاس بيوتكم إلى أوان ظهور أمرنا ، فمن مات منكم كان من المظلومين ، ومن عاش منكم أدرك ما تقر به عينه إن شاء الله تعالى.
ألا وإني أخبركم أنه سيحملون علي خطة جهلهم ، وينقضون علينا عهد نبينا صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله لقلة علمهم بما يأتون ويذرون ، وسيكون منكم ملوك يدرس عندهم العهد ، وينسون ما ذكروا به ، ويحل بهم ما يحل بالأمم حتى يصيروا إلى الهرج والاعتداء وفساد العهد ، وذلك لطول المدة وشدة المحنة التي أمرت بالصبر عليها ، وسلمت لأمر الله في محنة عظيمة يكدح فيها المؤمن حتى يلقى الله ربه ، وواها للمتمسكين بالثقلين وما يعمل بهم! وواها لفرج آل محمد صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله من خليفة متخلف عتريف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ، بلى اللهم لا تخلو الأرض من قائم بحجة إما ظاهرا مشهورا أو باطنا مستورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، ويكون محنة لمن اتبعه واقتدى به ، وأين أولئك؟ وكم أولئك؟ أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله خطرا ، بهم يحفظ الله دينه وعلمه حتى يزرعها في صدور أشباههم ، ويودعها أمثالهم ، هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان ، واستروحوا روح اليقين ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، واستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملإ الأعلى ، أولئك حجج الله في أرضه ، وأمناؤه على خلقه ، آه .. آه شوقا إليهم وإلى رؤيتهم ، وواها لهم على صبرهم على عدوهم ، وسيجمعنا الله وإياهم في جنات عدن ( وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ).
قال : .. ثم بكى .. وبكى القوم معه وودعوه وقالوا : نشهد لك بالوصية والإمامة والأخوة ، وإن عندنا لصفتك وصورتك ، وسيقدم وفد بعد هذا الرجل من قريش على الملك ، ولنخرجن إليهم صورة الأنبياء وصورة نبيك وصورتك وصورة ابنيك الحسن والحسين عليهما ‌السلام وصورة فاطمة عليها ‌السلام زوجتك سيدة نساء العالمين بعد مريم الكبرى البتول ، وإن ذلك لمأثور عندنا ومحفوظ ، ونحن راجعون إلى الملك ومخبروه بما أودعتنا من نور هدايتك وبرهانك وكرامتك وصبرك على ما أنت فيه ، ونحن المرابطون لدولتك ، الداعون لك ولأمرك ، فما أعظم هذا البلاء ، وما أطول هذه المدة ، ونسأل الله التوفيق بالثبات ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف :  العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة :  جزء 30 / صفحة [ 53 ] 
تاريخ النشر : 2025-08-09


Untitled Document
دعاء يوم السبت
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللهِ كَلِمَةُ الْمُعْتَصِمينَ وَمَقالَةُ الْمُتَحَرِّزينَ، وَاَعُوذُ بِاللهِ تَعالى مِنْ جَوْرِ الْجائِرينَ، وَكَيْدِ الْحاسِدينَ وَبَغْيِ الظّالِمينَ، وَاَحْمَدُهُ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدينَ. اَللّـهُمَّ اَنْتَ الْواحِدُ بِلا شَريكِ، وَالْمَلِكُ بِلا تَمْليك، لا تُضادُّ فى حُكْمِكَ وَلا تُنازَعُ فى مُلْكِكَ. أَسْأَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَاَنْ تُوزِعَنى مِنْ شُكْرِ نُعْماكَ ما تَبْلُغُ بي غايَةَ رِضاكَ، وَاَنْ تُعينَني عَلى طاعَتِكَ وَلُزُومِ عِبادَتِكَ، وَاسْتِحْقاقِ مَثُوبَتِكَ بِلُطْفِ عِنايَتِكَ، وَتَرْحَمَني بِصَدّي عَنْ مَعاصيكَ ما اَحْيَيْتَني، وَتُوَفِّقَني لِما يَنْفَعُني ما اَبْقَيْتَني، وَاَنْ تَشْرَحَ بِكِتابِكَ صَدْري، وَتَحُطَّ بِتِلاوَتِهِ وِزْري، وَتَمْنَحَنِيَ السَّلامَةَ في ديني وَنَفْسي، وَلا تُوحِشَ بي اَهْلَ اُنْسي وَتُتِمَّ اِحْسانَكَ فيما بَقِيَ مِنْ عُمْرى كَما اَحْسَنْتَ فيما مَضى مِنْهُ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

زيارات الأيام
زيارةِ النّبيِّ صلى الله عليه وآله في يَومِه وهو يوم السبت
اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُهُ وَاَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ وَنَصَحْتَ لِاُمَّتِكَ وَجاهَدْتَ فى سَبيلِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَاَدَّيْتَ الَّذى عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ وَغَلَظْتَ عَلَى الْكافِرينَ وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ اليَقينُ فَبَلَغَ اللهُ بِكَ اشَرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي اسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالِ. اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِكَ الْمـُرْسَلينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ وَاَهْلِ السَّماواتِ وَالْاَرَضينَ وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الْاَوَّلينَ وَالاخِرينَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُوِلِكَ وَنَبِيِّكَ وَاَمينِكَ وَنَجِيبِكَ وَحَبيبِكَ وَصَفِيِّكَ وَ صَفْوَتِكَ وَخاصَّتِكَ وَخالِصَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَاَعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضيلَةَ وَالْوَسيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحَمْوُداً يَغْبِطُهُ بِهِ الْاَوَّلُونَ وَالاخِرُونَ. اَللّـهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاؤوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً اِلـهى فَقَدْ اَتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِراً تائِباً مِنْ ذُنُوبى فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَ اْغِفْرها لي، يا سَيِّدَنا اَتَوَجَّهُ بِكَ وَبِاَهْلِ بَيْتِكَ اِلَى اللهِ تَعالى رَبِّكَ وَرَبّى لِيَغْفِرَ لى. ثمّ قل ثلاثاً: اِنّا للهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ ثمّ قل: اُصِبْنا بِكَ يا حَبيبَ قُلُوبِنا فَما اَعْظَمَ الْمُصيبَةَ بِكَ حَيْثُ انْقَطَعَ عَنّا الْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْناكَ فَاِنّا للهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ يا سَيِّدَنا يا رَسُولَ اللهِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ هذا يَوْمُ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمُكَ وَاَنَا فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ فَاَضِفْنى وَاجِرْنى فَاِنَّكَ كَريمٌ تُحِبُّ الضِّيافَةَ وَمَأْمُورٌ بِالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَأحْسِنْ ضِيافَتى وَاَجِرْنا وَاَحْسِنْ اِجارَتَنا بِمَنْزِلَةِ اللهِ عِنْدَكَ وَعِنْدَ آلِ بَيْتِكَ وَبِمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَهُ وَبِما اسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ عِلْمِهِ فَاِنَّهُ اَكْرَمُ الْاَكْرَمينَ. كيف يُصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : يقول مؤلّف كتاب مفاتيح الجنان عبّاس القُمّي عُفى عَنْه: انّي كلّما زرته (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الزّيارة بَدَأت بزيارته عَلى نحو ما علّمه الامام الرّضا (عليه السلام) البزنطي ثمّ قرأت هذِهِ الزّيارة، فَقَدْ رُوي بسند صحيح إنّ ابن أبي بصير سأل الرّضا (عليه السلام) كيف يُصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسلّم عليه بَعد الصلاة فأجابَ (عليه السلام) بقوله: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صِفْوَهَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ اَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مُحمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ نَصَحْتَ لِاُمَّتِكَ وَجاهَدْتَ فى سَبيلِ رَبِّكِ وَعَبَدْتَهُ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ فَجَزاكَ اللهُ يا رَسُولَ اللهِ اَفْضَلَ ما جَزى نَبِيّاً عَنْ اُمَّتِهِ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مَحَمِّد وآلِ مُحَمِّد اَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اِبْرهِيمَ وَآلِ إبراهيمَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.