كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)/الامامة
قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : إن الله لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستين ألف ركن ،
وخلق عند كل ركن ثلاثمائة ألف وستين ألف ملك لو أذن الله تعالى لأصغرهم فالتقم
السماوات السبع والارضين السبع ما كان ذلك بين لهواته إلا كالرملة في المفازة
الفضفاضة ، فقال لهم الله : يا عبادي احتملوا عرشي هذا ، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله
ولا تحريكه.
فخلق الله عزوجل
مع كل واحد منهم واحدا فلم يقدروا أن يزعزعوه ، فخلق الله مع كل واحد منهم عشرة
فلم يقدروا أن يحركوه ، فخلق الله بعدد كل واحد منهم مثل جماعتهم فلم يقدروا أن
يحركوه ، فقال الله عزوجل لجميعهم : خلوه علي امسكه بقدرتي فخلوه فأمسكه الله
عزوجل بقدرته.
ثم قال لثمانية
منهم : احملوه أنتم ، فقالوا : يا ربنا لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجم
الغفير ، فكيف نطيقه الآن دونهم؟ فقال الله عزوجل : لأني أنا الله المقرب للبعيد
والمذلل للعبيد(1) والمخفف للشديد والمسهل للعسير ، أفعل ما أشاء وأحكم ما اريد ،
اعلمكم كلمات تقولونها يخف بها عليكم ، قالوا : وماهي يا ربنا؟
قال : تقولون :
« بسم الله الرحمان الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على
محمد وآله الطيبين » فقالوها فحملوه وخف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد
قوي.
فقال الله عزوجل
لسائر تلك الاملاك : خلوا على هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه وطوفوا أنتم حوله
وسبحوني ومجدوني وقدسوني فاني أنا الله القادر على ما رأيتم وعلى كل شيء قدير ، فقال أصحاب رسول الله (ص) : ما أعجب
أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في كثرتهم وقوتهم وعظم خلقهم؟.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : هؤلاء مع قوتهم لا يطيقون حمل صحائف يكتب فيها حسنات رجل من امتي ، قالوا : ومن هو يارسول
الله لنحبه ونعظمه ونتقرب إلى الله بموالاته؟ قال: ذلك الرجل رجل كان قاعدا مع
أصحاب له ، فمر به رجل من أهل بيتي مغطى الرأس لم يعرفه. فلما جاوزه التفت خلفه
فعرفه فوثب إليه قائما حافيا حاسرا وأخذ بيده
فقبلها وقبل
رأسه وصدره وما بين عينيه ، وقال : بأبي أنت وامي يا شقيق رسول الله ، لحمك لحمه
ودمك دمه وعلمك من علمه وحلمك من حلمه وعقلك من عقله ، أسأل الله أن يسعدني
بمحبتكم أهل البيت ، فأوجب الله له بهذا الفعل وهذا القول من الثواب مالو كتب
تفصيله في صحائفه لم يطق حملها جميع هؤلاء الملائكة الطائفون بالعرش والاملاك
الحاملون له.
فقال أصحابه لما
رجع إليهم : أنت في جلالتك وموضعك من الاسلام ومحلك عند رسول الله (ص) تفعل بهذا
ما نرى؟ فقال لهم : يا أيها الجاهلون وهل يثاب في الاسلام إلا بحب محمد وحب هذا؟
فأوجب الله له بهذا القول بمثل ما كان أوجب له بذلك الفعل والقول أيضا.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : ولقد صدق في مقالته لان رجلا لو عمره الله عزوجل مثل عمر
الدنيا مائة ألف مرة ورزقه مثل أموالها مائة ألف مرة فأنفق أمواله كلها في سبيل
الله وأفنى عمره في صيام نهاره وقيام ليله لا يفطر شيئا منه ولا يسأم ثم لقي الله
تعالى منطويا على بغض محمد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرما إلا
أكبه الله على منخره في نار جهنم ، ولرد الله عزوجل أعماله عليه وأحبطها.
قال : فقالوا :
ومن هذان الرجلان يارسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما الفاعل ما فعل
فذلك المقبل المغطي رأسه فهو هذا ، فبادروا إليه ينظرون فاذا هو سعد بن معاذ
الاوسي الانصاري ، وأما المقول له هذا القول فهذا الآخر المقبل المغطي رأسه فنظروا
فاذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام.
ثم قال : ما
أكثر من يسعد بحب هذين ، وما أكثر من يشقى ممن ينتحل حب أحدهما وبغض الآخر ، إنهما
جميعا يكونان خصما له ، ومن كانا له خصما كان محمد له خصما ، ومن كان محمد له خصما
كان الله له خصما وفلج عليه وأوجب عليه عذابه.
ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : يا عباد الله إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد : أبشر فان الله يختم لك بالشهادة
ويهلك بك امة من الكفرة ويهتز عرش الرحمان لموتك ويدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد شعور
حيوانات بني كلب ، قال : فذلك قوله تعالى : « جعل لكم الارض فراشا » تفترشونها
لمنامكم ومقيلكم « والسماء بناء » سقفا محفوظا أن تقع على الارض بقدرته يجري فيها
شمسها وقمرها وكواكبها مسخرة لمنافع عباد الله وإمائه.
ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الارض فان الله
عزوجل يحفظ ماهو أعظم من ذلك ، قالوا : وما هو أعظم من ذلك؟ قال : ثواب طاعات
المحبين لمحمد وآله.
ثم قال : «
وأنزل الله من السماء ماء » يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي
يأمره به ربه عزوجل ، فعجبوا من ذلك ، فقال رسول الله (ص) : أوتستكثرون عدد هؤلاء؟
إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر من عدد هؤلاء
، وإن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء.
ثم قال الله
عزوجل : « فأخرج به من الثمرات رزقا لكم » ألا ترون كثرة عدد هذه الاوراق والحبوب
والحشائش؟ قالوا : بلى يارسول الله ما أكثر عددها! قال رسول الله (ص) : أكثر منها
عددا ملائكة يبتذلون لآل محمد في خدمتهم ، أتدرون فيما يبتذلون لهم؟ يبتذلون في
حمل أطباق النور عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور ويخدمونهم في حمل ما يحمل
آل محمد منها إلى شيعتهم ومحبيهم وإن طبقا من ذلك الاطباق يشتمل من الخيرات على ما
لا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 27 / صفحة [ 97 ]
تاريخ النشر : 2025-06-08