قال الشيخ حسن
بن سليمان رحمه الله في كتاب المحتضر : روى بعض علماء الامامية في كتاب منهج
التحقيق إلى سواء الطريق بإسناده عن سلمان الفارسي قال : كنت أنا والحسن والحسين
عليهما السلام ومحمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر والمقداد بن
الاسود الكندي رضي الله عنهم فقال له ابنه الحسن عليهما السلام يا أمير
المؤمنين إن سليمان ابن داود عليه السلام سأل ربه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده
فأعطاه ذلك. فهل ملكت مما ملك سليمان بن داود شيئا؟ فقال عليه السلام : والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة إن سليمان بن داود سأل الله عزوجل الملك فأعطاه ، وإن أباك ملك
مالم يملكه بعد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله أحد قبله ولا يملكه أحد بعده.
فقال الحسن :
نريد ترينا مما فضلك الله عزوجل به من الكرامة ، فقال عليه السلام:
أفعل إنشاء الله
، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وتوضأ وصلى ركعتين ودعا الله عزوجل بدعوات لم
نفهمها ثم أومأ بيده إلى جهة المغرب فما كان بأسرع من أن جاءت سحابة فوقفت على
الدار وإلى جانبها سحابة اخرى.
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام : أيتها السحابة اهبطي بإذن الله عزوجل فهبطت وهي تقول :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله وأنك خليفته ووصيه ، من شك فيك فقد
هلك ، ومن تمسك بك سلك سبيل النجاة.
قال : ثم انبسطت
السحابة إلى الارض حتى كأنها بساط موضوع. فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
اجلسوا على الغمامة ، فجلسنا وأخذنا مواضعنا ، فأشار إلى السحابة الاخرى فهبطت وهي
تقول كمقالة الاولى ، وجلس أمير المؤمنين عليه السلام عليها مفردة ثم تكلم بكلام
وأشار إليها بالمسير نحو المغرب ، وإذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين فرفعتهما
رفعا رفيقا.
فتأملت نحو أمير
المؤمنين عليه السلام وإذا به على كرسي والنور يسطع من وجهه يكاد يخطف الابصار ،
فقال الحسن : يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود كان مطاعا بخاتمه ، وأمير
المؤمنين بماذا يطاع؟ فقال عليه السلام : أنا عين الله في أرضه أنا لسان الله
الناطق في خلقه ، أنا نور الله الذي لا يطفأ ، أنا باب الله الذي يؤتى منه وحجته
على عباده.
ثم قال : أتحبون
أن اريكم خاتم سليمان بن داود قلنا : نعم فأدخل يده إلى جيبه فأخرج خاتما من ذهب
فصه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب : « محمد وعلي » قال سلمان : فتعجبنا من ذلك ،
فقال : من أي شيء تعجبون؟ وما العجب من مثلي ، أنا اريكم اليوم مالم تروه أبدا.
فقال الحسن :
اريد تريني يأجوج ومأجوج والسد الذي بيننا وبينهم ، فسارت الريح تحت السحابة
فسمعنا لها دويا كدوي الرعد وعلت في الهواء ، وأمير المؤمنين عليه السلام يقدمنا
حتى انتهينا إلى جبل شامخ في العلو ، وإذا شجرة جافة قد تساقطت أوراقها وجفت
أغصانها.
فقال الحسن :
مابال هذه الشجرة قد يبست؟ فقال عليه السلام : سلها فإنها تجيبك فقال الحسن :
أيتها الشجرة ما بالك قد حدث بك ما نراه من الجفاف؟ فلم تجبه ، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام : بحقي عليك إلا ما أجبتيه.
قال الراوي :
والله لقد سمعتها وهي تقول : لبيك لبيك يا وصي رسول الله وخليفته ، ثم قالت : يا
أبا محمد إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجيئني في كل ليلة وقت السحر ، ويصلي
عندي ركعتين ويكثر من التسبيح فاذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء ينفخ منها ريح
المسك وعليها كرسي ، فيجلس فتسير به ، وكنت أعيش ببركته فانقطع عني منذ أربعين
يوما ، فهذا سبب ما تراه مني.
فقام أمير
المؤمنين عليه السلام وصلى ركعتين ومسح بكفه عليها فاخضرت وعادت إلى حالها ، وأمر
الريح فسارت بنا ، وإذا نحن بملك يده في المغرب والأخرى بالمشرق ، فلما نظر الملك
إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو
كره المشركون ، وأشهد أنك وصيه وخليفته حقا وصدقا.
فقلنا : يا أمير
المؤمنين من هذا الذي يده في المغرب والاخرى بالمشرق؟ فقال عليه السلام : هذا
الملك الذي وكله الله عزوجل بظلمة الليل والنهار، لا يزول إلى يوم القيامة.
وإن الله عزوجل
جعل أمر الدنيا إلي وإن أعمال الخلق تعرض في كل يوم علي ثم ترفع إلى الله عزوجل ،
ثم سرنا حتى وقفنا على سد يأجوج ومأجوج فقال أمير المؤمنين عليه السلام للريح:
اهبطي بنا مما يلي هذا الجبل ، وأشار بيده إلى جبل شامخ في العلو وهو جبل الخضر
عليه السلام ، فنظرنا إلى السد وإذا ارتفاعه مد البصر وهو أسود كقطعة ليل دامس ،
يخرج من أرجائه الدخان فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا محمد أنا صاحب
هذا الامر على هؤلاء العبيد.
قال سلمان :
فرأيت أصنافا ثلاثة : طول أحدهم مائة وعشرون ذراعا ، والثاني طول كل واحد سبعون
ذراعا ، والثالث يفرش أحد اذنيه تحته والأخرى يلتحف به.
ثم إن أمير
المؤمنين عليه السلام أمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهيت إليه ، وإذا هو من
زمردة خضراء وعليها ملك على صورة النسر ، فلما نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام
قال الملك : السلام عليك يا وصي رسول الله وخليفته ، أتأذن لي في الكلام؟ فرد عليه
السلام وقال له : إن شئت تكلم وإن شئت أخبرتك عما تسألني عنه.
فقال الملك : بل
تقول أنت يا أمير المؤمنين ، قال : تريد أن آذن لك أن تزور الخضر عليه السلام ،
قال : نعم ، فقال عليه السلام : قد أذنت لك ، فأسرع الملك بعد أن قال : بسم الله
الرحمان الرحيم ، ثم تمشينا على الجبل هنيئة فاذا بالملك قد عاد إلى مكانه بعد
زيارة الخضر عليه السلام ، فقال سلمان : يا أمير المؤمنين رأيت الملك ما زار
الخضر إلا حين أخذ إذنك.
فقال عليه السلام
: والذي رفع السماء بغير عمد ، لو أن أحدهم رام أن يزول من مكانه بقدر نفس واحد
لما زال حتى آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين
تاسعهم قائمهم ، فقلنا : ما اسم الملك الموكل بقاف؟ فقال عليه السلام : ترجائيل ،
فقلنا : يا أمير المؤمنين كيف تأتي كل ليلة إلى هذا الموضع وتعود؟ فقال : كما أتيت
بكم.
والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة إني لأملك من ملكوت السماوات والأرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله
جنانكم ، إن اسم الله الاعظم على اثنين وسبعين حرفا وكان عند آصف بن برخيا حرف
واحد فتكلم به فخسف الله عزوجل الارض ما بينه وبين عرش بلقيس ، حتى تناول السرير ،
ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرف النظر، وعندنا نحن والله اثنان وسبعون حرفا،
وحرف واحد عند الله عزوجل استأثر به في علم الغيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ، عرفنا من عرفنا وأنكرنا من أنكرنا ، ثم قام عليه السلام وقمنا
فاذا نحن بشاب في الجبل يصلي بين قبرين.
فقلنا : يا أمير
المؤمنين من هذا الشاب؟ فقال عليه السلام : صالح النبي فقال عليه السلام : وهذا
القبران لامه وأبيه وإنه يعبد الله بينهما ، فلما نظر إليه صالح لم يتمالك نفسه
حتى بكى ، وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم أعادها إلى صدره وهو يبكي
فوقف أمير المؤمنين عليه السلام عنده حتى فرغ من صلاته ، فقلنا له : ما بكاؤك؟
قال صالح : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يمر بي عند كل غداة فيجلس فتزداد
عبادتي بنظري إليه فقطع ذلك مذ عشرة أيام فأقلقني ذلك ، فتعجبنا من ذلك.
فقال عليه السلام
: تريدون أن اريكم سليمان بن داود؟ قلنا : نعم ، فقام ونحن معه حتى دخل بستانا ما
رأينا أحسن منه ، وفيه من جميع الفواكه والاعناب وأنهاره تجري والاطيار يتجاوبن
على الاشجار فحين رأته الاطيار أتت ترفرف حوله حتى توسطنا البستان ، وإذا سرير
عليه شاب ملقى على ظهره واضع يده على صدره.
فأخرج أمير
المؤمنين عليه السلام الخاتم من جيبه ، وجعله في إصبع سليمان بن داود فنهض قائما
وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، ووصي رسول العالمين ، أنت والله الصديق
الاكبر والفاروق الاعظم ، قد أفلح من تمسك بك وقد خاب وخسر من تخلف عنك ، وإني
سألت الله عزوجل بكم أهل البيت فاعطيت ذلك الملك.
قال سلمان :
فلما سمعنا كلام سليمان بن داود لم أتمالك نفسي حتى وقعت على أقدام أمير المؤمنين
عليه السلام اقبلها ، وحمدت الله عزوجل على جزيل عطائه بهدايته إلى ولاية أهل
البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وفعل أصحابي كما فعلت ، ثم سألت
أمير المؤمنين ما وراء قاف ، قال عليه السلام : وراؤه مالا يصل إليكم علمه ،
فقلنا : تعلم ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : علمي بما وراءه كعلمي
بحال هذه الدنيا وما فيها ، وإني الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله صلى الله
عليه وآله وكذلك الاوصياء من ولدي بعدي.
ثم قال عليه السلام
: إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الارض ، نحن الاسم المخزون المكنون ، نحن
الاسماء الحسنى التي إذا سئل الله عزوجل بها أجاب ، نحن الاسماء المكتوبة على
العرش ، ولأجلنا خلق الله عزوجل السماء والارض والعرش والكرسي والجنة والنار ،
ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير ، ونحن الكلمات
التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.
ثم قال :
أتريدون أن اريكم عجبا؟ قلنا : نعم ، قال : غضوا أعينكم ، ففعلنا ثم قال : افتحوها
ففتحناها فإذا نحن بمدينة ما رأينا أكبر منها ، الاسواق فيها قائمة وفيها اناس ما
رأينا أعظم من خلقهم على طول النخل ، قلنا : يا أمير المؤمنين من هؤلاء؟
قال : بقية قوم
عاد كفار لا يؤمنون بالله عزوجل أحببت أن اريكم إياهم. وهذه المدينة وأهلها اريد
أن اهلكهم وهم لا يشعرون.
قلنا : يا أمير
المؤمنين تهلكهم بغير حجة؟ قال : لا بل بحجة عليهم ، فدنا منهم وتراءى لهم فهموا
أن يقتلوه ونحن نراهم وهم يرون ثم تباعد عنهم ودنا منا ومسح بيده على صدورنا
وأبداننا وتكلم بكلمات لم نفهمها وعاد إليهم ثانية حتى صار بازائهم وصعق فيهم
صعقة.
قال سلمان : لقد
ظننا أن الارض قد انقلبت والسماء قد سقطت وأن الصواعق من فيه قد خرجت ، فلم يبق
منهم في تلك الساعة أحد ، قلنا : يا أمير المؤمنين ما صنع الله بهم؟ قال : هلكوا
وصاروا كلهم إلى النار ، قلنا : هذا معجز ما رأينا ولا سمعنا بمثله ، فقال عليه السلام
: أتريدون أن اريكم أعجب من ذلك؟ فقلنا : لا نطيق بأسرنا على احتمال شيء آخر فعلى
من لا يتولاك ويؤمن بفضلك وعظيم قدرك على الله عزوجل لعنة الله ولعنة اللاعنين
والملائكة والخلق أجمعين إلى يوم الدين.
ثم سألنا الرجوع
إلى أوطاننا فقال : أفعل ذلك إنشاء الله ، فأشار إلى السحابتين فدنتا منا فقال
عليه السلام : خذوا مواضعكم فجلسنا على سحابة وجلس عليه السلام على الاخرى ،
وأمر الريح فحملتنا حتى صرنا في الجور ورأينا الارض كالدرهم ، ثم حطتنا في دار
أمير المؤمنين عليه السلام في أقل من طرف النظر ، وكان وصولنا إلى المدينة وقت
الظهر والمؤذن يؤذن ، وكان خروجنا منها وقت علت الشمس ، فقلنا : بالله العجب كنا
في جبل قاف مسيرة خمس سنين وعدنا في خمس ساعات من النهار.
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام : لو أنني أردت أن أجوب الدنيا بأسرها والسماوات السبع
وأرجع في أقل من الطرف لفعلت بما عندي من اسم الله الاعظم ، فقلنا : يا أمير
المؤمنين أنت والله الآية العظمى والمعجز الباهر بعد أخيك وابن عمك رسول الله صلى الله
عليه وآله.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 27 / صفحة [ 33 ]
تاريخ النشر : 2025-06-01