كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)/الامامة
قوله : عزوجل :
« إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون
في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم *
اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار * ذلك
بأن الله نزل الكتاب بالحق وأن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ».
قال الامام عليه
السلام : قال الله عزوجل في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت : « إن الذين يكتمون ما
أنزل الله من الكتاب » المشتمل على ذكر فضل محمد (ص) على جميع النبيين وفضل علي
عليه السلام على جميع الوصيين « ويشترون به » بالكتمان « ثمنا قليلا » يكتمونه ليأخذوا عليه عرضا من الدنيا يسيرا
وينالوا به في الدنيا عند جهال عباد الله رياسة.
قال الله تعالى
: « اولئك ما يأكلون في بطونهم » يوم القيامة « إلا النار » بدلا خير ، بل يكلمهم
بأن يلعنهم ويخزيهم ويقول : بئس العباد أنتم غيرتم ترتيبي وأخرتم من قدمته وقدمتم
من أخرته وواليتم من عاديته وعاديتم من واليته.
«ولا يزكيهم »
من ذنوبهم ، لان الذنوب إنما تذوب وتضمحل إذا قرن بها موالاة محمد وعلي عليهما السلام
، فأما ما يقرون منها بالزوال عن موالاة محمد وآله فتلك ذنوب تتضاعف وأجرام تتزايد
وعقوباتها تتعاظم « ولهم عذاب أليم» موجع في النار.
« اولئك الذين
اشتروا الضلالة بالهدى » أخذوا الضلالة عوضا عن الهدى والردى في دار البوار بدلا
من السعادة في دار القرار ومحل الابرار « والعذاب بالمغفرة » اشتروا العذاب الذي استحقوا بموالاتهم لاعداء
الله بدلا من المغفرة التي كانت تكون لهم لو والوا أولياء الله « فما أصبرهم على
النار » ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار.
« ذلك » بأنهم
يعني ذلك العذاب الذي وجب على هؤلآء بآثامهم وأجرامهم لمخالفتهم لإمامهم وزوالهم
عن موالاة سيد خلق الله بعد محمد نبيه أخيه وصفيه « بأن الله نزل الكتاب بالحق »
نزل الكتاب الذي توعد فيه من خالف المحقين وجانب الصادقين وشرع في طاعة الفاسقين ،
نزل الكتاب بالحق أن ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطئهم « وإن الذين اختلفوا في
الكتاب » فلم يؤمنوا به وقال بعضهم : إنه سحر وبعضهم : إنه شعر ، وبعضهم : إنه
كهانة « لفي شقاق بعيد » مخالفة بعيدة عن الحق كأن الحق في شق وهم في شق غيره
يخالفه.
قال علي بن
الحسين عليه السلام : هذا أحوال من كتم فضائلنا وجحد حقوقنا وتسمى بأسمائنا وتلقب
بألقابنا وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا ومالا علينا أعداءنا والتقية عليكم لا تزعجه
، والمخافة على نفسه وماله وإخوانه لا تبعثه ، فاتقوا الله معاشر شيعتنا لا
تستعملوا الهوينا ولا تقية عليكم ، ولا تستعملوا المهاجرة والتقية تمنعكم وساحدثكم
في ذلك بما يردعكم ويعظكم.
دخل على أمير
المؤمنين عليه السلام رجلان من أصحابه فوطئ أحدهما على حية فلدغته ووقع على الآخر
في طريقه من حائط عقرب فلسعته وسقطا جميعا فكأنهما لما بهما يتضرعان ويبكيان ،
فقيل لامير المؤمنين عليه السلام فقال : دعوهما فانه لم يحن حينهما ، ولم تتم
محنتهما ، فحملا إلى منزلهما فبقيا عليلين أليمين في عذاب شديد شهرين.
ثم إن أمير
المؤمنين عليه السلام بعث إليهما فحملا إليه والناس يقولون : سيموتان على أيدي
الحاملين لهما ، فقال : كيف حالكما؟ قالا : نحن بألم عظيم وفي عذاب شديد قال لهما
: استغفرا الله من ذنب أداكما إلى هذا وتعوذا بالله مما يحبط أجركما ويعظم وزركما
، قالا : وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال علي عليه السلام : ما اصيب واحد منكما
إلا بذنبه.
أما أنت يا فلان
ـ وأقبل على أحدهما ـ أتذكر يوم غمز على سلمان الفارسي فلان وطعن عليه لموالاته
لنا فلم يمنعك من الرد والاستخفاف به خوف على نفسك ولا على أهلك ولا على ولدك
ومالك أكثر من أن استحييته ، فلذلك أصابك.
فان أردت أن
يزيل الله ما بك فاعتقد أن لا ترى مزرئا على ولي لنا تقدر على نصرته بظهر الغيب
إلا نصرته ، إلا أن تخاف على نفسك وأهلك وولدك ومالك.
وقال للآخر :
فأنت أتدري لما أصابك ما أصابك؟ قال : لا ، قال : أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي
وأنت بحضرة فلان العاتي فقمت إجلالا له لاجلالك لي؟ فقال لك : أوتقوم لهذا بحضرتي؟
فقلت له : وما بالي لا أقوم وملائكة الله تضع له أجنحتها في طريقه ، فعليها يمشي ،
فلما قلت هذاله ، قام إلى قنبر وضربه وشتمه وآذاه وتهددني وألزمني الاغضاء على قذى
، فلهذا سقطت عليك هذه الحية.
فإن أردت أن
يعافيك الله تعالى من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا ولا بأحد من موالينا بحضرة
أعدائنا ما يخاف علينا وعليهم منه.
أما إن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته
كما كان يفعله ببعض من لا يقيس معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه لي لأنه علم
أن ذلك يحمل بعض أعداء الله على ما يغمه ويغمني ويغم المؤمنين، وقد كان يقوم لقوم
لا يخاف على نفسه ولا عليهم مثل ما خافه علي لو فعل ذلك بي.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 26 / صفحة [ 236 ]
تاريخ النشر : 2025-05-17