« قال
ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ».
قال الطبرسي
رحمه الله : قال مجاهد : العهد الامامة ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام ، أي لا يكون الظالم إماما للناس ، فهذا يدل على أنه يجوز أن يعطى
ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما ، لانه لو لم يرد أن يجعل أحدا منهم اماما للناس
لوجب أن يقول في الجواب : لا ، أو لا ينال عهدي ذريتك.
وقال الحسن : إن
معناه أن الظالمين ليس لهم عند الله عهد يعطيهم ، به خيرا و إن كانوا قد يعاهدون
في الدنيا فيوفي لهم ، وقد كان يجوز في العربية أن يقال : لا ينال عهدي الظالمون
لان ما نالك فقد نلته ، وقد روى ذلك في قراءة ابن مسعود ، واستدل أصحابنا بهذه
الاية على أن الامام لا يكون إلا معصوما عن القبائح لان الله سبحانه نفى أن ينال
عهده الذي هو الامامة ظالم ، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه وإما لغيره.
فان قيل : إنما
نفى أن ينال ظالم في حال ظلمه فإذا تاب فلا يسمى ظالما فيصح أن يناله.
والجواب : أن
الظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما ، فاذا
نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها. والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت ،
فيجب أن تكون محمولة على الاوقات كلها فلا ينالها الظالم وإن تاب فيما بعد ، انتهى
كلامه رفع الله مقامه.
فإن قلت : على
القول باشتراط بقاء المشتق منه في صدق المشتق كيف يستقيم الاستدلال؟ قلت : لا ريب
أن الظالم في الآية لا يحتمل الماضي والحال لان إبراهيم عليه السلام إنما سئل ذلك
لذريته من بعده ، فأجاب تعالى بعدم نيل العهد لمن يصدق عليه أنه ظالم بعده فكل من
صدق عليه بعد مخاطبة الله لابراهيم بهذا الخطاب أنه ظالم وصدر عنه الظلم في أي
زمان من أزمنة المستقبل يشمله هذا الحكم أنه لا ينال العهد.
فان قلت : تعليق
الحكم بالوصف مشعر بالعلية.
قلت العلية لا
تدل على المقارنة إذ ليس مفاد الحكم إلا أن عدم نيل العهد إنما هو للاتصاف بالظلم
في أحد الازمنة المستقبلة بالنسبة إلى صدور الحكم. فتأمل.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 25 / صفحة [ 192 ]
تاريخ النشر : 2025-03-26