أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الناس واصنافهم/الإمام علي (عليه السلام)
أحمد بن محمد عن
الحسين بن سعيد عن محمد بن داود عن أبي هارون العبدي عن محمد عن الاصبغ بن نباته
قال : أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أناس يزعمون أن العبد لا يزني وهو
مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ، ولا
يسفك الدم الحرام وهو مؤمن ، فقد كبر هذا علي وحرج منه صدري حتى زعم أن هذا العبد
الذي يصلي إلى قبلتي ويدعو دعوتي ويناكحني وأناكحه ويوارثني واوارثه فأخرجه من
الايمان من أجل ذنب يسير أصابه. فقال له علي عليه السلام : صدقك أخوك ، إني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول خلق الله الخلق وهو على ثلاث طبقات ،
وأنزلهم ثلاث منازل ، فذلك قوله في الكتاب « أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشئمة ،
والسابقون السابقون» فأما ما ذكرت من السابقين فأنبياء مرسلون وغير مرسلين ، جعل
الله فيهم خمسة أرواح : روح القدس ، وروح
الايمان ، وروح القوة وروح الشهوة ، وروح البدن. فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين
وغير مرسلين ، وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا ، وبروح القوة جاهدوا
عدوهم وعالجوا معايشهم ، وبروح الشهوة أصابوا اللذيذ من الطعام ، ونكحوا الحلال من
شباب النساء ، وبروح البدن دبوا ودرجوا ، ثم قال : « تلك الرسل فضلنا بعضهم على
بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات
وأيدناه بروح القدس » ثم قال في جماعتهم : « وأيدهم بروح منه » يقول : أكرمهم بها
وفضلهم على من سواهم.
وأما ما ذكرت من
أصحاب الميمنة فهم المؤمنون حقا بأعيانهم ، فجعل فيهم أربعة أرواح : روح الايمان ،
وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، ولا يزال العبد يستكمل بهذه الارواح حتى
تأتي حالات.
قال : وما هذه
الحالات؟ فقال علي عليه السلام : أما أولهن فهو كما قال الله : « ومنكم من يرد إلى
أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا » فهذا ينتقص منه جميع الارواح ، وليس من الذي
يخرج من دين الله ، لان الله الفاعل ذلك به رده إلى أرذل عمره فهو لا يعرف للصلاة
وقتا ، ولا يستطيع التهجد بالليل ، ولا الصيام بالنهار، ولا القيام في صف مع الناس.
فهذا نقصان من
روح الايمان ، فليس يضره شئ إنشاء الله وينتقص منه روح القوة فلا يستطيع جهاد عدوه
ولا يستطيع طلب المعيشة ، وينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن
إليها ولم يقم ، ويبقى روح البدن فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت ، فهذا حال
خير ، لان الله فعل ذلك به ، وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة
فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة ،
فإذا مسها انتقص من الايمان ، ونقصانه من الايمان ليس بعائد فيه أبدا أو يتوب، فإن
تاب وعرف الولاية تاب الله عليه ، وإن عاد
وهو تارك الولاية أدخله الله نار جهنم.
وأما أصحاب
المشئمة فهم اليهود والنصارى ، قول الله تعالى : « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه
كما يعرفون أبناءهم » في منازلهم « وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق
من ربك » الرسول من الله إليهم بالحق « فلا تكونن من الممترين» جحدوا ما عرفوا
ابتلاهم الله بذلك الذم فسلبهم روح الايمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوة
وروح الشهوة وروح البدن ، ثم أضافهم إلى الانعام فقال « إن هم إلا كالانعام بل هم
أضل سبيلا» لان الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة ، وتسير بروح
البدن ، فقال له السائل : أحييت قلبي بإذن الله تعالى.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 25 / صفحة [ 64 ]
تاريخ النشر : 2025-03-20