النساء « 4 » :
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة
وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا « 54 و
55 » ، وقال تعالى : يا أيها الناس آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم
فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
ذلك خير وأحسن تأويلا « 59 ».
وقال تعالى :
ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم « 83 ».
تفسير : قوله
تعالى : « أم يحسدون » قال الطبرسي رحمه الله : معناه بل يحسدون الناس؟ واختلف في
معنى الناس هنا فقيل : أراد به النبي صلى الله
عليه وآله ، حسدوه على ما أعطاه الله من النبوة ، وإباحة تسعة نسوة وميله إليهن ،
وقالوا : لو كان نبيا لشغلته النبوة عن ذلك ، فبين الله سبحانه أن النبوة ليست
ببدع في آل إبراهيم.
وثانيها : إن
المراد بالناس النبي وآله عليه السلام عن أبي جعفر عليه السلام ، والمراد بالفضل
فيه النبوة ، وفي آله الامامة.
أقول : ثم روى
عن تفسير العياشي بعض ما سيأتي من الاخبار في ذلك وقال في قوله تعالى : « واولي
الامر منكم » : للمفسرين فيه قولان : أحدهما أنهم الامراء ، والآخر أنهم العلماء ،
وأما أصحابنا فانهم رووا عن الباقر والصادق عليهما السلام أن اولي الامر هم الائمة
من آل محمد عليهم السلام ، أوجب الله
طاعتهم بالاطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد
على الاطلاق إلا من ثبتت عصمته ، وعلم أن باطنه كظاهره؟ وأمن منه الغلط والامر
بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الامراء ولا العلماء سواهم ، جل الله سبحانه عن أن
يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين للقول والفعل ، لانه محال أن يطاع
المختلفون ، كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه ، ومما يدل على ذلك أيضا أن
الله سبحانه لم يقرن طاعة اولي الامر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته إلا
واولو الامر فوق الخلق جميعا ، كما أن الرسول فوق اولي الامر وفوق سائر الخلق ،
وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد عليهم
السلام الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم ، واتفقت الامة على علو رتبهم وعدالتهم « فإن
تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول »
أي فإن اختلفتم في شئ من امور دينكم فردوا المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة
الرسول ، ونحن نقول : الرد إلى الائمة القائمين مقام رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته هو مثل الرد
إلى الرسول في حياته ، لانهم الحافظون لشريعته ، وخلفاؤه في امته فجروا مجراه في.
قوله تعالى : «
وأحسن تأويلا » أي أحمد عاقبة ، أو أحسن من تأويلكم لان الرد إلى الله ورسوله ومن
يقوم مقامه من المعصومين أحسن لا محالة من تأويل بغير حجة. «ولو ردوه إلى الرسول
وإلى اولي الامر منهم » قال أبو جعفر عليه السلام : هم الائمة المعصومون « لعلمه
الذين يستنبطونه منهم » الضمير يعود إلى اولي الامر وقيل : إلى الفرقة المذكورة من
المنافقين أو الضعفة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 23 / صفحة [ 283 ]
تاريخ النشر : 2024-12-08