ابن الوليد، عن
الصفار، عن ابن عيسى ; وحدثنا أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن
هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
إن الله عزوجل لما أخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق له
بالربوبية وبالنبوة لكل نبي كان أول من أخذ عليهم الميثاق بالنبوة نبوة محمد
بن عبد الله صلى الله عليه وآله، ثم قال الله جل جلاله لآدم
عليه السلام: انظر ماذا ترى ؟ قال: فنظر آدم إلى ذريته وهم ذر قد ملؤوا السماء فقال
آدم: يا رب ما أكثر ذريتي ! ولأمر ما خلقتهم ؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق
عليهم ؟ فقال الله عز وجل: ليعبدونني ولا يشركون بي شيئا، ويؤمنون برسلي و يتبعونهم،
قال آدم عليه السلام: فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض، وبعضهم له نور قليل،
وبعضهم ليس له نور ؟ قال الله عز وجل : وكذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم
; قال آدم عليه السلام: يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم ؟ قال الله جل جلاله: تكلم
فإن روحك من روحي وطبيعتك من خلاف كينونتي. قال آدم: يا رب لو كنت خلقتهم على مثال واحد، وقدر واحد،
وطبيعة واحدة، وجبلة واحدة، وألوان واحدة، وأعمار واحدة، وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم
على بعض، ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شيء من الاشياء، فقال الله
جل جلاله: يا آدم بروحي نطقت، وبضعف طبعك تكلفت مالا علم لك به وأنا الله الخلاق العليم،
بعلمي خالفت بين خلقهم، وبمشيتي أمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري هم
صائرون، لا تبديل لخلقي وإنما خلقت الجن والانس ليعبدوني، وخلقت الجنة لمن عبدني
وأطاعني منهم واتبع رسلي ولا أبالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا
ابالي، وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم، وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك
وأبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم، وكذلك خلقت الدنيا
والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري
وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم " وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم
وطاعتهم ومعصيتهم ; فجعلت منهم السعيد والشقي، والبصير والاعمى، والقصير والطويل،
والجميل والذميم، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح
والسقيم، ومن به الزمانة ومن لا عاهة به ; فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة
فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن اعافيه
ويصبر على بلائه فأثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني،
وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما
هديته، فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء وفيما عافيتهم وفيما ابتليتهم
وفيما أعطيتهم وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر، ولي أن امضي جميع ما قدرت
على ما دبرت، وإلي أن اغير عن ذلك ما شئت إلى ما شئت فأقدم من ذلك ما أخرت واؤخر من ذلك
ما قدمت، وأنا الله الفعال لما أريد، لا أسأل عما أفعل، وأنا أسأل خلقي عما هم
فاعلون.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 5 / صفحة [ 226 ]
تاريخ النشر : 2024-08-22