أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه الله: " ذكر رحمة
ربك عبده زكريا " أي هذا خبر رحمة ربك زكريا عبده، ويعني بالرحمة إجابته إياه حين
دعاه وسأله الولد، وزكريا اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل، كان من أولاد هارون بن
عمران، وقيل: معناه: ذكر ربك عبده بالرحمة " إذ نادى ربه نداء خفيا " أي
سرا غير جهر لا يريد به رياء. وقيل: إنما أخفاه
لئلا يهزأ به الناس " قال رب إني وهن العظم
مني " أي ضعف، وإنما أضاف إلى العظم لأنه مع صلابته إذا ضعف فكيف باللحم والعصب
" واشتعل الرأس شيبا " أي أن الشيب قد عم الرأس " ولم أكن بدعائك
رب شقيا " أي ولم أكن بدعائي إياك فيما مضى مخيبا
محروما، والمعنى أنك قد عودتني حسن الإجابة فلا
تخيبني فيما أسألك " وإني خفت الموالي من ورائي " وهم الكلالة، عن ابن عباس،
وقيل، العصبة، عن مجاهد، وقيل: هم العمومة وبنو العم، عن أبي جعفر عليه السلام،
وقيل بنو العم وكانوا اشرار بني إسرائيل " وكانت امرأتي عاقرا " أي عقيما
لا تلد " فهب لي من لدنك وليا " ولدا يليني ويكون أولى بميراثي "
يرثني ويرث من آل يعقوب " وهو يعقوب بن ما
ثان، وأخوه عمران بن ما ثان أبو مريم، عن الكلبي ومقاتل،
وقيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " واجعله رب رضيا " أي مرضيا عندك ممتثلا
لأمرك فاستجاب الله دعاءه وأوحى إليه: " يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم
نجعل له من قبل سميا " أي لم نسم قبله أحدا باسمه. وقال أبو عبد الله عليه السلام:
وكذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سمي، ولم تبك السماء إلا عليهما
أربعين صباحا، قيل له: وما بكاؤها ؟ قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء، وكان قاتل
يحيى عليه السلام ولد زنا، وقاتل الحسين عليه السلام ولد زنا. وروى سفيان بن عيينة،
عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: خرجنا مع الحسين عليه السلام
فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه السلام وقال يوما: من
هوان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
وقيل: إن معنى قوله: " لم نجعل له من قبل سميا " لم تلد العواقر مثله ولدا،
وهو كقوله: " هل تعلم له سميا " أي مثلا، عن ابن عباس ومجاهد " قال
رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد
بلغت من الكبر عتيا " أي قد بلغت من كبر السن إلى
حال اليبس والجفاف ونحول العظم، قال قتادة: كان
له بضع وسبعون سنة " قال كذلك " أي قال الله
سبحانه: الامر على ما أخبرتك من هبة الولد على الكبر " قال ربك هو علي هين
وقد خلقتك من قبل " أي من قبل يحيى
" ولم تك شيئا " أي شيئا موجودا. وروى الحكم بن عتيبة،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما ولد يحيى بعد البشارة له من الله بخمس
سنين. " قال رب اجعل لي آية " وعلامة أستدل بها على وقت كونه، قال الله سبحانه:
" آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " أي وأنت سوي صحيح سليم "
فخرج على قومه من المحراب " أي من مصلاه
" فأوحى إليهم " أي أشار إليهم وأومأ بيده، وقيل: كتب
لهم في الارض " أن سبحوا بكرة وعشيا " أي صلوا بكرة وعشيا، وقيل: أراد
التسبيح بعينه، قال ابن جريح: أشرف عليهم زكريا
عليه السلام من فوق غرفة كان يصلي فيها لا يصعد
إليها إلا بسلم، وكانوا يصلون معه الفجر والعشاء، فكان يخرج إليهم فيؤذن لهم
بلسانه، فلما اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام، فعرفوا عند ذلك أنه
قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى، فمكث ثلاثة أيام لا يقدر على الكلام معهم ويقدر على
التسبيح والدعاء، ثم قال سبحانه: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " تقديره:
فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له:
يا يحيى خذ الكتاب، يعني التوراة بما قواك الله
عليه وأيدك به، ومعناه: وأنت قادر على أخذه، قوي على العمل، وقيل: معناه: بجد
وصحة عزيمة على القيام بما فيه " وآتيناه الحكم صبيا " أي وآتيناه
النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين، عن ابن
عباس. وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال:
قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام
وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمله لاصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إلي فقال:
يا علي إن الله أخذ في الامامة كما أخذ في النبوة،
قال: " فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما " وقال: " وآتيناه
الحكم صبيا " فقد يجوز أن يعطى الحكم
ابن أربعين سنة، ويجوز أن يعطاه الصبي. وقيل: إن الحكم
الفهم، وعن معمر: قال: إن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقت،
فأنزل الله تعالى فيه: " وآتيناه الحكم صبيا " وروي ذلك عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام. " وحنانا من لدنا
" والحنان: العطف والرحمة أي و آتيناه رحمة من عندنا،
وقيل: تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله، وقيل: محبة منا،
وقيل تحنن الله عليه كان إذا قال: يا رب قال له: لبيك يا يحيى وهو المروي عن الباقر
عليه السلام، وقيل: تعطفا منا " وزكاة " أي وعملا صالحا زاكيا أو زكاة
لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء، وقيل: يعني
بالزكاة طاعة الله والاخلاص، وقيل: وصدقة تصدق
الله بها على أبويه، وقيل: وزكيناه بحسن الثناء عليه " وكان تقيا " أي
مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه، قالوا:
وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها "
وبرا بوالديه " أي بارا بهما " ولم يكن جبارا " أي متكبرا متطاولا
على الخلق " عصيا " أي عاصيا لربه "
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " أي سلام عليه منا
في هذه الاحوال، وقيل: سلامة وأمان له منا.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [174]
تاريخ النشر : 2024-08-13