أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير علي ين ابراهيم
أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: قال لي
أبو عبد الله عليه السلام: ما رد الله العذاب
إلا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الاسلام
فيأبون ذلك، فهم أن يدعو عليهم وكان فيهم رجلان: عابد وعالم،
وكان اسم أحدهما مليخا، والآخر اسمه روبيل، فكان العابد يشير على يونس
بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول: لا تدع
عليهم فإن الله يستجيب لك، ولا يحب هلاك عباده، فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم
فدعا عليهم، فأوحى الله إليه: يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا، في شهر كذا وكذا،
في يوم كذا وكذا، فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد، وبقي العالم فيها،
فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب، فقال العالم لهم: يا قوم افزعوا إلى الله فلعله
يرحمكم ويرد العذاب عنكم، فقالوا: كيف نصنع ؟ قال: اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة
وفرقوا بين النساء والاولاد، وبين الابل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين
الغنم وأولادها، ثم ابكوا وادعوا، فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف
عنهم العذاب وفرق العذاب على الجبال وقد كان نزل وقرب منهم، فأقبل يونس ينظر كيف
أهلكهم الله فرأى الزارعون يزرعون في أرضهم، قال لهم: ما فعل قوم يونس ؟ فقالوا
له - ولم يعرفوه -: إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ونزل العذاب عليهم فاجتمعوا
وبكوا فدعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال، فهم إذا يطلبون
يونس ليؤمنوا به، فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا به كما حكى الله، حتى انتهى
إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه
فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها،
فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه فخرج أهل
السفينة فقالوا: فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس، وهو قول الله عزوجل:
" فساهم فكان من المدحضين " فأخرجوه فألقوه في البحر
فالتقمه الحوت ومر به في الماء. وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام
عن سجن طاف أقطار الارض بصاحبه، فقال: يا يهودي أما السجن الذي طاف أقطار الارض
بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج إلى بحر
مصر، ثم دخل إلى بحر طبرستان، ثم خرج في دجلة الغوراء، قال: ثم مرت به تحت الارض
حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى عليه السلام ووكل الله به ملكا يدخل
في الارض كل يوم قامة رجل، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، فسمع قارون
صوته فقال للملك الموكل به: أنظرني فإني أسمع كلام آدمي، فأوحى الله إلى الملك
الموكل به: أنظره، فأنظره، ثم قال قارون: من أنت ؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ
يونس بن متى قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران ؟ قال: هيهات هلك،
قال: فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران ؟ قال: هلك، قال: فما فعلت
كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي ؟ قال: هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون:
وا أسفاه على آل عمران، فشكر الله له ذلك، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع
عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه، فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات: " أن
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين " فاستجاب الله له وأمر الحوت فلفظه على ساحل
البحر وقد ذهب جلده ولحمه، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء، فأظلته من
الشمس فسكن، ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه ووقعت الشمس عليه، فجزع فأوحى الله
إليه: يا يونس لم ترحم مائة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة ؟ فقال: يا رب
عفوك عفوك، فرد الله بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به، وهو قوله: " فلولا كانت قرية
آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنه عذاب
الخزي في الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حين " فقالوا:
فمكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات، ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله: "
ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين
" يعني لو شاء الله أن يجبر الناس كلهم
على الايمان لفعل. وفي رواية أبي الجارود، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام، ونادى في الظلمات: ظلمة
بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين،
فاستجاب له ربه فأخرجه الحوت إلى الساحل، ثم قذفه فألقاه بالساحل،
وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع، فكان يمصه ويستظل به بورقه، وكان
تساقط شعره ورق جلده، وكان يونس عليه السلام يسبح ويذكر الله الليل والنهار،
فلما أن قوي واشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست، فشق ذلك
على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه: مالك حزينا يا يونس ؟ قال: يا
رب هذه الشجرة التي تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، قال: يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها
ولم تسقها ولم تعن بها إن يبست حين استغنيت عنها، ولم أكثر من مائة ألف ؟ أردت أن ينزل عليهم العذاب ؟
إن أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم، فانطلق يونس عليه السلام
إلى قومه فلما دنا من نينوى استحيى أن يدخل فقال
لراع لقيه: ائت أهل نينوى فقل لهم: إن هذا يونس قد جاء، قال الراعي: أتكذب ؟ أما
تستحيي ويونس قد غرق في البحر وذهب ؟ قال له يونس: اللهم
إن هذه الشاة تشهد لك أني يونس، فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم أخذوه وهموا
بضربه، فقال: إن لي بينة بما أقول، قالوا: من يشهد ؟ قال: هذه الشاة تشهد، فشهدت
بأنه صادق، وأن يونس قد رده الله إليهم فخرجوا يطلبونه فوجدوه فجاؤوا به
وآمنوا وحسن إيمانهم فمتعهم الله إلى حين وهو الموت، وأجارهم من ذلك العذاب.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: "
وذا النون إذ ذهب مغاضبا " قال: هو يونس، ومعنى ذا النون
أي ذا الحوت، قوله: " فظن أن لن نقدر عليه " قال: أنزله على أشد الامرين فظن
به أشد الظن، وقال: إن جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه يونس، قلت: ما كان
حال يونس لما ظن أن الله لن يقدر عليه ؟ قال: كان من أمر شديد، قلت: وما كان سببه
حتى ظن أن الله لن يقدر عليه ؟ قال: وكله إلى نفسه طرفة عين. قال: وحدثني أبي، عن
ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أم
سلمة النبي صلى الله عليه وآله يقول في دعائه: " اللهم ولا تكلني إلى نفسي
طرفة عين أبدا " فسألته في ذلك، فقال
صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة وما يؤمنني، وإنما وكل
الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان. وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا
" يقول: من أعمال قومه " فظن أن لن نقدر عليه " يقول: ظن أن لن
يعاقب بما صنع.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [380]
تاريخ النشر : 2024-08-13