أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/النبي داود عليه السلام/الإمام علي (عليه السلام)
قال أبو جعفر عليه السلام: دخل علي
عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكتونه، فقال علي عليه السلام:
ما أبكاك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ماهي، إن
هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفرهم فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات،
فسألتهم عن ماله فقالوا: ما ترك مالا، فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم، وقد علمت يا
أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: ارجعوا،
فردهم جميعا والفتى معهم إلى شريح، فقال له: يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء ؟ قال:
يا أمير المؤمنين ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم
فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألتهم عنه فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله فقالوا: ما خلف
شيئا، فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي ؟ قال: لا، فاستحلفتهم، فقال عليه السلام
لشريح: يا شريح هيهات ! هكذا تحكم في مثل هذا ؟ فقال: كيف هذا يا أمير المؤمنين
؟ فقال علي عليه السلام: يا شريح والله لأحكمن فيه بحكم ماحكم به خلق قبلي
إلا داود النبي عليه السلام يا قنبر ادع لي شرطة الخميس، فدعاهم، فوكل بهم بكل
واحد منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم فقال: ماذا
تقولون ؟ أتقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى ؟ إني إذا لجاهل، ثم قال:
فرقوهم وغطوا رؤوسهم، ففرق بينهم وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد
ورؤوسهم مغطاة بثيابهم، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه، فقال: هات صحيفة
ودواتا، وجلس علي عليه السلام في مجلس القضاء واجتمع الناس إليه، فقال: إذا أنا
كبرت فكبروا، ثم قال للناس: افرجوا، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه،
ثم قال لعبيد الله: اكتب إقراره وما يقول، ثم أقبل عليه بالسؤال، ثم قال له: في
أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم ؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا، فقال:
وفي أي شهر ؟ قال: في شهر كذا وكذا، قال: وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات
أبو هذا الفتى ؟ قال: إلى موضع كذا وكذا، قال: وفي أي منزل مات ؟ قال: في منزل فلان
ابن فلان، قال: وما كان من مرضه ؟ قال:
كذا وكذا، قال: كم يوما مرض ؟ قال: كذا وكذا يوما، قال: فمن كان يمرضه ؟
وفي أي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ و أين غسله ؟ ومن كفنه
؟ وبما كفنتموه ؟ ومن صلى عليه ؟ ومن نزل قبره ؟ فلما سأله عن جميع ما يريد كبر
علي عليه السلام وكبر الناس معه، فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر
عليهم وعلى نفسه، فأمر أن يغطى رأسه وأن ينطلقوا به إلى الحبس، ثم دعا بآخر فأجلسه
بين يديه وكشف عن وجهه، ثم قال: كلا، زعمت أني لا أعلم ما صنعتم ؟ فقال: يا أمير
المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم، ولقد كنت كارها لقتله، فأقر، ثم دعا بواحد بعد
واحد وكلهم يقر بالقتل وأخذ المال، ثم رد الذي كان أمر به إلى السجن فأقر أيضا فألزمهم
المال والدم. وقال شريح: يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود عليه السلام ؟ فقال:
إن داود النبي عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم: مات الدين، فدعا منهم
غلاما فقال له: يا غلام ما اسمك ؟ فقال: اسمي مات الدين، فقال له داود: من سماك
بهذا الاسم ؟ قال: أمي، فانطلق إلى أمه، فقال: يا امرأة ما اسم
ابنك هذا ؟ قالت: مات الدين، فقال لها: ومن سماه
بهذا الاسم ؟ قالت: أبوه، قال: وكيف كان ذلك ؟ قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه
قوم وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه، فقالوا:
مات، قلت: أين ما ترك ؟ قالوا: لم يخلف مالا، فقلت: أوصاكم بوصية ؟ فقالوا:
نعم، زعم أنك حبلى، فما ولدت من ولد ذكر أو أنثى فسميه مات الدين، فسميته، فقال:
أتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك ؟ قالت: نعم، قال: فأحياء هم أم أموات
؟ قالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم، ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم
بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم، ثم قال للمرأة: سمي ابنك عاش الدين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [11]
تاريخ النشر : 2024-05-29