أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/النبي محمد صلى الله عليه واله/شهادة الرسول ووصيته وآخر الايام/الإمام الكاظم (عليه السلام)
عن عيسى الضرير، عن الكاظم (عليه
السلام) قال: قلت لابي: فما كان بعد خروج الملائكة عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: فقال:
ثم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال لمن في بيته: اخرجوا
عني، وقال لام سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت، ثم قال: يا علي
ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلا، وأخذ بيد علي بيده الاخرى
فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر
على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديدا وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) لبكاء رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطعت قلبي، وأحرقت كبدي
لبكائك يا سيد النبيين من الاولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ونبيه،
من لولدي بعدك ؟ ولذل ينزل بي بعدك من لعلي أخيك، وناصر الدين ؟ من لوحي الله
وأمره ؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته، وأكب عليه علي والحسن والحسين صلوات الله
عليهم فرفع رأسه (صلى الله عليه وآله) إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال
له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها،
وإنك لفاعله يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الاولين والآخرين، هذه
والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني
ما سألته يا علي انفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها
بأشياء أمر بها جبرئيل (عليه السلام)، واعلم يا علي
إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمها وويل
لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها،
وويل لمن شاقها وبارزها، اللهم إني منهم برئ، وهم مني برآء، ثم سماهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وضم فاطمة إليه وعليا والحسن والحسين (عليهم السلام)
وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن
عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار، ثم والله
يا فاطمة لا أرضى حتى ترضى، ثم لا والله لا أرض حتى ترضى، ثم لا والله لا أرضى
حتى ترضى. قال عيسى: فسألت موسى (عليه السلام) وقلت: إن الناس قد أكثروا في أن النبي
(صلى الله عليه وآله) أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم عمر، فأطرق عني طويلا ثم
قال: ليس كما ذكروا، ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور، ولا ترضى عنها إلا بكشفها،
فقلت: بأبي أنت وامي إنما أسال عما أنتفع به في ديني وأتفقه مخافة أن أضل، وأنا
لا أدري، ولكن متى أجد مثلك يكشفها لي، فقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله)
لما ثقل في مرضه دعا عليا فوضع رأسه في حجره، واغمي عليه وحضرت الصلاة فاؤذن بها،
فخرجت عائشة فقالت: يا عمر اخرج فصل بالناس فقال: ابوك أولى بها، فقالت: صدقت، ولكنه
رجل لين، وأكره أن يواثبه القوم فصل أنت، فقال لها عمر: بل يصلي هو وأنا أكفيه
إن وثب واثب أو تحرك متحرك، مع أن محمدا (صلى الله عليه وآله) مغمى عليه لا أراه
يفيق منها، والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه، يريد عليا (عليه السلام) فبادره
بالصلاة قبل أن يفيق، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة، فقد سمعت
مناجاته منذ الليلة، وفي آخر كلامه: الصلاة الصلاة
قال: فخرج أبو بكر ليصلي بالناس فأنكر القوم ذلك، ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فلم يكبر حتى أفاق (صلى الله عليه وآله) وقال: ادعوا لي العباس،
فدعي فحمله هو وعلي، فأخرجاه حتى صلى بالناس، وإنه لقاعد، ثم حمل فوضع على منبره،
فلم يجلس بعد ذلك على المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار
حتى برزت العواتق من خدورهن، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع والنبي (صلى الله
عليه وآله) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين
والانصار ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والانس فليبلغ شاهدكم
الغائب، ألا قد خلفت فيكم كتاب الله، فيه النور والهدى والبيان، ما فرط الله
فيه من شيء، حجة الله لي عليكم، وخلفت فيكم العلم الاكبر علم الدين ونور الهدى
وصيي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرقوا عنه، واذكروا
نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، أيها
الناس هذا علي بن أبي - طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من أحبه وتولاه اليوم
وما بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدى ما وجب عليه، ومن عاداه
اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم، لا حجة له عند الله، أيها
الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين،
تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى
للجهالة، ألا وإن هذا الامر له أصحاب وآيات قد
سماهم الله في كتابه، وعرفتكم وبلغتكم ما ارسلت به إليكم ولكني أراكم قوما تجهلون،
لا ترجعن بعدي كفارا مرتدين متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوى،
لان كل سنة وحدث وكلام خالف القرآن فهو رد وباطل القرآن إمام هدى، وله
قائد يهدي إليه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ولي الامر بعدي وليه، ووراث
علمي وحكمتي وسري وعلانيتي، وما ورثه النبيون من قبلي، وأنا وارث ومورث فلا
تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس الله الله في أهل بيتي، فانهم أركان الدين، ومصابيح الظلم،
ومعدن العلم، علي أخي ووارثي، ووزيري وأميني، والقائم بأمري والموفي بعهدي على
سنتي، أول الناس بي إيمانا، وآخرهم عهدا عند الموت، وأوسطهم لي لقاء يوم
القيامة، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا ومن أم قوما إمامة عمياء وفي الامة من هو أعلم
منه فقد كفر، أيها الناس ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة فليأت
فيها علي بن أبي طالب، فإنه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لاحد علي تباعة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 22 / صفحة [484]
تاريخ النشر : 2024-05-22