التفسير بالمأثور/النبوة/الإمام الباقر (عليه السلام)
حدثني أبي، عن حنان بن سدير، عن أبيه،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن يعقوب
حين قال لولده: " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه
" أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه عليه من البكاء، قال:
نعم علم أنه حي حتى أنه دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت، فهبط عليه ملك
الموت بأطيب رائحة وأحسن صورة، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت
الله أن ينزلني عليك ؟ قال: نعم، قال: ما حاجتك يا يعقوب ؟ قال له: أخبرني عن الارواح
تقبضها جملة أو تفاريقا ؟ قال: تقبضها أعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة، قال يعقوب:
فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف ؟ فقال: لا
فعند ذلك علم أنه حي، فقال لولده: " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا
من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " وكتب عزيز مصر إلى
يعقوب: أما بعد فهذا ابنك اشتريته بثمن بخس دراهم وهو يوسف واتخذته عبدا،
وهذا ابنك بنيامين قد سرق وأخذته فقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا. فما ورد على
يعقوب شئ كان أشد عليه من ذلك الكتاب، فقال للرسول: مكانك حتى اجيبه، فكتب عليه يعقوب
عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم: من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق بن إبراهيم
خليل الله، أما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه أنك اشتريت ابني واتخذته عبدا، وإن
البلاء موكل ببني آدم إن جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا
في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما
وإن أبي إسحاق أمر الله جدي أن يذبحه بيده فلما أراد أن يذبحه فداه الله بكبش
عظيم، وإنه كان لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي
فأخرجوه إخوته ثم رجعوا إلي وزعموا أن الذئب أكله فاحدودب لذلك ظهري، وذهب
من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له أخ من امه كنت آنس به فخرج مع إخوته إلى ما قبلك
ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا إلي وذكروا أنه سرق صواع الملك وقد حبسته، وإنا أهل بيت
لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة، وأنا أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا مننت
عليّ به وتقربت إلى الله ورددته إلي. فلما ورد الكتاب إلى يوسف أخذه ووضعه على
وجهه وقبله وبكى بكاء شديدا ثم نظر إلى إخوته فقال لهم: " هل علمتم ما فعلتم بيوسف
وأخيه إذ أنتم جاهلون " " فقالوا أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي
قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " فقالوا
له كما حكى الله عزوجل: " لقد آثرك
الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم
" أي لا تخليط " يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " قال: فلما ولى
الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده إلى
السماء فقال: يا حسن الصحبة، يا كريم المعونة،
يا خير إله ائتني بروح منك وفرج من عندك " فهبط جبرئيل عليه فقال له: يا
يعقوب ألا اعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك ؟ قال:
نعم، قال: قل " يامن لم يعلم أحد كيف هو إلا هو، يا من سد السماء بالهواء، و كبس
الارض على الماء، واختار لنفسه أحسن الاسماء، ائتني بروح منك وفرج من عندك "
قال: فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص فطرح عليه ورد الله عليه بصره وولده.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [244]
تاريخ النشر : 2024-05-16