التفسير بالمأثور/سيرة وتاريخ/الإمام علي (عليه السلام)
أخبرنا محمد بن
محمد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن علي بن عبد
الكريم الزعفراني، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل
بن أبان، قال: حدثنا عمرو بن شمر، قال: سمعت جابر بن يزيد الجعفي يقول: سمعت أبا جعفر
محمد بن علي (عليه السلام) يقول: حدثني أبي، عن جدي (عليهما السلام) قال: لما توجه
أمير المؤمنين (عليه السلام) من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل بالربذة، فلما ارتحل
منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي، وقد نزل بمنزل يقال له فائد فقربه أمير المؤمنين
(عليه السلام) فقال له عبد الله: الحمد لله الذي رد الحق إلى أهله، ووضعه في موضعه،
كره ذلك قوم أو استبشروا به، فقد والله كرهوا محمدا (صلى الله عليه وآله) ونابذوه وقاتلوه
فرد الله كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم، والله لنجاهدن معك في كل موطن حفظا
لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
فرحب به أمير المؤمنين
(عليه السلام) وأجلسه إلى جنبه، وكان له حبيبا ووليا، يسائله عن الناس، إلى أن سأله
عن أبي موسى الأشعري، فقال: والله ما أنا واثق به، وما آمن عليك خلافه إن وجد مساعدا
على ذلك.
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): ما كان عندي مؤتمنا ولا ناصحا، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على
مودته وولوه وسلطوه بالأمر على الناس، ولقد أردت عزله، فسألني الأشتر فيه أن أقره فأقررته
على كره مني له، وعملت على صرفه من بعد.
قال: فهو مع عبد
الله في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كثير من قبل جبال طيئ، فقال أمير المزمنين (عليه السلام):
انظروا ما هذا؟ وذهبت الخيل تركض، فلم تلبث أن رجعت فقيل له: هذه طيئ قد جاءتك تسوق
الغنم والإبل والخيل، فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته، ومنهم من يريد النفور معك إلى
عدوك.
فقال أمير المؤمنين:
جزى الله طيا خيرا " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ".
فلما انتهوا إليه
سلموا عليه، قال عبد الله بن خليفة: فسرني والله ما رأيت من جماعتهم وحسن هيئتهم، وتكلموا
فأقروا والله عيني، ما رأيت خطيبا أبلغ من خطيبهم، وقام عدي بن حاتم الطائي، فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني كنث أسلمت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وأديت الزكاة على عهده، وقاتلت أهل الردة من بعده، أردت بذلك ما عند الله، وعلى الله
ثواب من أحسن واتقى، وقد بلغنا أن رجالا من أهل مكة نكثوا بيعتك، وخالفوا عليك ظالمين،
فأتينا لنصرك بالحق، فنحن بين يديك، فمرنا بما أحببت ثم أنشأ يقول:
بحق نصرنا الله
من قبل ذاكم * وأنت بحق جئتنا فستنصر
سنكفيك دون الناس
طرا بنصرنا * وأنت به من سائر الناس أجدر .
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): جزاكم الله من حي عن الاسلام وعن أهله خيرا، فقد أسلمتم طائعين، وقتلتم
المرتدين، ونويتم نصر المسلمين.
وقام سعيد بن عبيد
البحتري من بني بحتر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن من الناس من يقدر أن يبين بلسانه
عما في قلبه، ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجد في نفسه بلسانه، فان تكلف ذلك شق عليه،
وإن سكت عما في قلبه برح به الهم والبرم، وإني والله ماكل
ما في نفسي أقدر أن أؤديه إليك بلساني، ولكن والله لأجهدن على أن أبين لك، والله ولي
التوفيق.
أما أنا، فإني ناصح
لك في السر والعلانية، ومقاتل معك الأعداء في كل موطن، وأرى لك من الحق ما لم أكن أراه
لمن كان قبلك، ولا لاحد اليوم من أهل زمانك، لفضيلتك في الاسلام، وقرابتك من الرسول
(صلى الله عليه وآله)، ولن أفارقك أبدا حتى تظفر أو أموت بين يديك.
فقال له أمير المؤمنين
(عليه السلام): يرحمك الله، فقد أدى لسانك ما يكن ضميرك لنا، ونسأل الله أن يرزقك العافية
ويثيبك الجنة.
وتكلم نفر منهم،
فما حفظت غير كلام هذين الرجلين، ثم ارتحل أمير المؤمنين (عليه السلام) واتبعه منهم
ستمائة رجل حتى نزل ذا قار، فنزلها ألف وثلاثمائة رجل.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 70
تاريخ النشر : 2024-05-14