مؤمن آل فرعون والدرس العظيم في مواجهة الطواغيت
المؤلف:
ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
تفسير الامثل
الجزء والصفحة:
ج12 ، ص84-85 .
26-10-2014
2540
إنّ القليل من الناس يؤمنون بالأديان الإلهية والمذاهب السماوية في بداية الامر ويقومون بتحدي الجبابرة والطواغيت ، وإذا توجست هذا القلّة المخلصة خوفاً من أعدائها ، أو أنّها شكت بأنّ كثرة دليل على حقانيتهم ، فلن يكون بمقدور الأديان الإلهية أن تمتد وتنتشر في الدنيا.
إنّ الأساس الذي يتحكم في منطلق هذه البرامج الهادية والأطروحات الوضّاءة ، هو قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «أيّها الناس ، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله» (1).
لقد كان مؤمن آل فرعون نموذجاً لهذه المدرسة ، وكان من الأوائل في هذا الطريق ، وأثبت أنّ الإنسان المؤمن يستطيع بعزمه وإرادته القوية ـ النابعة من إيمانه بالله تعالى ـ التأثير حتى في إرادة الفراعنة الجبابرة; بل وأن يوفّر سبل النجاة لنبي كبير من أنبياء أولي العزم.
إنّ تأريخ حياة هذا الرجل الشجاع الذكي ، يثبت ضرورة أن تكون خطوات أهل الدعوة والحق على غاية قصوى من الدقة والحذر ، إذ يجب أحياناً التكتم على الإيمان وإخفاء القناعات الحقة; كما يجب في أحيان اُخرى الجهر بدعوة الحق وإظهار الإيمان.
إنّ التقية ليست سوى إخفاء اعتقاد الإنسان والتكتم عليه في فترة معينة في سبيل الأهداف المقدّسة.
وكما يعتبر التسلّح بالسلاح المادي الظاهري من ضرورات المنعة وأسباب دحر العدو ، كذلك فإنّ المنطق القوي والحجّة البالغة هي سلاح ضروري قد يعادل في تأثيره السلاح المادي عدة مرّات. لذا فإنّ العمل الذي قام به (مؤمن آل فرعون) بواسطة منطقه وقوة حجته وحكمة تصرفه لم يكن ليعادله أي سلاح آخر.
ثم إنّ قصة هذا الرجل المؤمن تظهر أنّ الله جلّ وعلا لا يترك عباده المؤمنين وحيدين ، بل يحميهم بلطفه عن الأخطار.
وأخيراً فإن من الضروري أن نشير إلى حياة مؤمن آل فرعون انتهت كما في بعض الروايات إلى الإستشهاد ، وأنّ ما يقوله القرآن من حفظ الله له ووقايته له يمكن تأويله بإنقاذه من براثن خططهم الشيطانية في إغوائه وجرّه إلى ساحة الضلال والشرك ، وأنّ الله أنجاه من سوء المنقلب وانحراف العقيدة (2).
__________________
1- نهج البلاغة ، الخطبة 201.
2- جاء في كتاب محاسن البرقي : عن الامام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى : ( فوقاه الله سيئات ما مكروا) قوله عليه السلام : " أما لقد سطوا عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه ؟ وقاه أن يفتوه في دينه " تفسير نور الثقلين ، ج4 ، ص521.
الاكثر قراءة في قصة النبي موسى وهارون وقومهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة