أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ وَالْأَخْذِ
وَأَوَّلُهَا سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ
364 - أَعْلَى وُجُوهِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمَانٍ لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ
365 - كِتَابًا أَوْ حِفْظًا وَقُلْ حَدَّثَنَا ... سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنَا أَنْبَأَنَا
366 - وَقَدَّمَ الْخَطِيبُ أَنْ يَقُولَا ... سَمِعْتُ إِذْ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَا
367 - وَبَعْدَهَا حَدَّثَنَا حَدَّثَنِي ... وَبَعْدَ ذَا أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنِي
368 - وَهْوَ كَثِيرٌ وَيَزِيدُ اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ
369 - مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ وَبَعْدَهُ تَلَا ... أَنْبَأَنَا نَبَّأَنَا وَقُلِّلَا
370 - وَقَوْلُهُ قَالَ لَنَا وَنَحْوَهَا ... كَقَوْلِهِ حَدَّثَنَا لَكِنَّهَا
371 - الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُونَهَا قَالَ بِلَا مُجَارَرَهْ
372 - وَهْيَ عَلَى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِي ... لَا سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوهُ فِي الْمُضِي
373 - أَنْ لَا يَقُولَ ذَا لِغَيْرِ مَا سَمِعْ ... مِنْهُ كَحَجَّاجٍ وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ
374 - عُمُومُهُ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَقَصَرْ ... ذَاكَ عَلَى الَّذِي بِذَا الْوَصْفِ اشْتَهَرْ
(وَأَوَّلُهَا) أَيْ: أَعْلَاهَا رُتْبَةً (سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ أَعْلَى وُجُوهِ) أَيْ: طُرُقِ (الْأَخْذِ) لِلْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ عَنِ الشُّيُوخِ (عِنْدَ الْمُعْظَمِ) مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ (وَهْيَ) أَيِ: الطُّرُقُ (ثَمَانٍ)، وَلَهَا أَنْوَاعٌ مُتَّفَقٌ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ.
(لَفْظُ شَيْخٍ) أَيِ: السَّمَاعُ مِنْهُ (فَاعْلَمِ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه [وآله] وسلم أخبر النَّاسَ ابْتِدَاءً وَأَسْمَعَهُمْ مَا جَاءَ بِهِ، وَالتَّقْرِيرُ عَلَى مَا جَرَى بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه [وآله] ولمأو السُّؤَالُ عَنْهُ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ، فَالْأُولَى أَوْلَى، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ تَأْتِي حِكَايَتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ.
وَلَكِنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ حَدَّثَ (كِتَابًا) أَيْ: مِنْ كِتَابِهِ (أَوْ حِفْظًا) أَيْ: مِنْ حِفْظِهِ، إِمْلَاءً أَوْ غَيْرَ إِمْلَاءٍ فِي صُورَتَيِ الْحِفْظِ وَالْكِتَابِ، لَكِنَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَعْلَى ؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ، إِذِ الشَّيْخُ مُشْتَغِلٌ بِالتَّحْدِيثِ، وَالطَّالِبُ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ، فَهُمَا لِذَلِكَ أَبْعَدُ عَنِ الْغَفْلَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى التَّحْقِيقِ وَتَبْيِينِ الْأَلْفَاظِ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُقَابَلَةِ بَعْدَهُ، وَإِنْ حَصَلَ اشْتِرَاكُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّحْدِيثِ فِي أَصْلِ الْعُلُوِّ.
وَمَا تَقَرَّرَ فِي أَرْجَحِيَّةِ هَذَا الْقِسْمِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَا فَقَدْ يَعْرِضُ لِلْفَائِقِ مَا يَجْعَلُهُ مَفُوقًا، كَأَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ لَفْظًا غَيْرَ مَاهِرٍ، إِمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْقُرَّاءِ، [وَمَا اتَّفَقَ مِنْ تَحْدِيثِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْكُرْدِيِّ أَحَدِ الْمُسْنَدِينِ بِتَلْقِينِ] الْإِمَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيِّ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سِمَاكٍ كَلِمَةً كَلِمَةً ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ ثَقِيلَ السَّمْعِ جِدًّا، قَصْدًا لِتَحْقِيقِ سَمَاعِهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالصَّوْتِ الْمُرْتَفِعِ لَمْ يَزُلِ الشَّكُّ.
وَإِنْ كَانَ شَيْخُنَا قَدْ وَقَعَ لَهُ مَعَ ابْنِ قَوَّامٍ فِي أَخْذِ الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ؛ لِكَوْنِهِ أَيْضًا كَانَ ثَقِيلَ السَّمْعِ جِدًّا، أَنَّهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَالْأَذَانِ حَتَّى زَالَ الشَّكُّ، مَعَ قَرَائِنَ ؛ كَصَلَاةِ الْمُسَمِّعِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، وَتَرَضِّيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ أَضْبَطُ، بَلْ مَا وَقَعَ لَهُ أَيْضًا أَعْلَى مِنَ الْعَرْضِ فَقَطْ بِلَا شَكٍّ.
وَأَمَّا تَلْقِينُ الْحَجَّارِ قِرَاءَةَ سُورَةِ الصَّفِّ قَصْدًا لِاتِّصَالِ تَسَلْسُلِهَا ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُهَا، فَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي سَمَاعِهِ (وَقُلْ) فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ لِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ: (حَدَّثَنَا) فُلَانٌ، أَوْ (سَمِعْتُ) فُلَانًا (أَوْ أَخْبَرَنَا) ، أَوْ خَبَّرَنَا، أَوْ (أَنْبَأَنَا)، أَوْ نَبَّأَنَا فُلَانٌ، أَوْ قَالَ لَنَا، أَوْ ذَكَرَ لَنَا فُلَانٌ، عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ اتِّفَاقًا حَسْبَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ ؛ يَعْنِي: لُغَةً، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ عُلَمَاءِ اللِّسَانِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحْدِيثِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِيهَا اصْطِلَاحًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي - أَيْ: نَدْبًا - أَنْ لَا يُطْلَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ السَّمَاعِ لَفْظًا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ وَالْإِلْبَاسِ؛ يَعْنِي: حَيْثُ حَصَلَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصِّيَغِ بِحَسَبِ افْتِرَاقِ التَّحَمُّلِ. وَخُصَّ مَا يَلْفِظُ بِهِ الشَّيْخُ بِالتَّحْدِيثِ، وَمَا سُمِعَ فِي الْعَرْضِ بِالْإِخْبَارِ، وَمَا كَانَ إِجَازَةً مُشَافَهَةً بِالْإِنْبَاءِ، بَلْ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِحُ مِمَّا يَتَأَكَّدُ فِي أَنْبَأَنَا بِخُصُوصِهَا بَعْدَ اشْتِهَارِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِ الْمَرْوِيِّ مِمَّنْ لَا يَحْتَجُّ بِهَا.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُتَفَاوِتَةٌ، وَقَدْ (قَدَّمَ) الْحَافِظُ (الْخَطِيبُ) مِنْهَا (أَنْ يَقُولَا) أَيِ: الرَّاوِي: (سَمِعْتُ إِذْ) لَفْظُهَا صَرِيحٌ (لَا يَقْبَلُ) ، كَمَا سَيَأْتِي، (التَّأْوِيلَا وَبَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ سَمِعْتُ فِي الرُّتْبَةِ (حَدَّثَنَا) لِأَنَّ سَمِعْتُ، كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ: " لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهَا فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَلَا فِي تَدْلِيسٍ، مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، بِخِلَافِ حَدَّثَنَا ؛ فَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا فِي الْإِجَازَةِ فِطْرٌ وَغَيْرُهُ، كَمَا سَبَقَ فِي التَّدْلِيسِ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَيَتَأَوَّلُ حَدَّثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنُ بِهَا، كَمَا كَانَ يَقُولُ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، وَيُرِيدُ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَكَمَا كَانَ ثَابِتٌ يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنِسْبَةِ الْحَسَنِ لِذَلِكَ الْبَزَّارُ ؛ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فَيَقُولُ: ثَنَا وَخَطَبَنَا ؛ يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حُدِّثُوا وَخُطِبُوا بِالْبَصْرَةِ.
وَيَتَأَيَّدُ بِتَصْرِيحِ أَيُّوبَ وَبَهْزِ بْنِ أَسَدٍ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِشِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمْ، بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ قَالَ يُونُسُ: إِنَّهُ مَا رَآهُ قَطُّ، لَكِنْ يَخْدِشُ فِي دَعْوَى كَوْنِهِ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ: فَمَنْ قَالَ عَنْهُ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُخْطِئُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ كُلْثُومٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَعْمَلْ رَبِيعَةُ شَيْئًا، لِمَ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا.
وَقَوْلُ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، مِمَّا يُبَيِّنُ ضَعْفَ سَالِمٍ؛ فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ الْحَسَنِ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْ رَاوِيهِ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ غَيْرِهِ.
لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ وَقَعَ فِي سُنَنٍ النَّسَائِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنَ سَلَمَةَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُخْتَلِعَاتِ، قَوْلُ الْحَسَنِ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَهُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا مَطْعَنَ فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا قَالَ.
وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلنَّسَائِيِّ بِخَطِّ الْمُنْذِرِيِّ بِلَفْظِ: قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَذَا هُوَ فِي الْكُبْرَى بِزِيَادَةِ: أَحَدٍ، زَادَ فِي الصُّغْرَى: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي النَّسَّائِيَّ الْمُصَنِّفَ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ جَوَّزَ التَّدْلِيسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْضًا [بِإِرَادَةِ لَمْ أَسْمَعْهُ] مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
عَلَى أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ فِي التَّأْوِيلِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ - انْتَهَى.
وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عَدَمُ سَمَاعِهِ، وَالْقَوْلُ بِمُقَابِلِهِ ضَعَّفَهُ النُّقَّادُ. وَكَذَا مِمَّا يَشْهَدُ لِكَوْنِهَا غَيْرَ صَرِيحَةٍ فِي السَّمَاعِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ: الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ، فَيَقُولُ: ((أَنْتَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ)) إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ تَأَخُّرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُرَادُهُ: حَدَّثَ الْأُمَّةَ وَهُوَ مِنْهُمْ.
وَلَكِنْ قَدْ خَدَشَ فِي هَذَا أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ سَمَاعِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالِاحْتِمَالُ فِيهَا ظَاهِرٌ. وَكَذَا بَعْدَ (سَمِعْتُ) (حَدَّثَنِي)، وَهِيَ إِنْ لَمْ يَطْرُقْهَا الِاحْتِمَالُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ لَا تُوَازِي سَمِعْتُ؛ لِكَوْنِ حَدَّثَنِي - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - قَدْ تُطْلَقُ فِي الْإِجَازَةِ، بَلْ سَمِعْنَا بِالْجَمْعِ لَا تُوَازِي الْمُفْرَدَ مِنْهُ؛ لِطُرُوقِ الِاحْتِمَالِ أَيْضًا فِيهِ.
(وَبَعْدَ ذَا) أَيْ: حَدَّثَنِي وَثَنَا (أَخْبَرَنَا)، أَوْ (أَخْبَرَنِي)، إِلَّا أَنَّ الْإِفْرَادَ أَبْعَدُ عَنْ تَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ.
وَعَنْ بَعْضِهِمْ - كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ - قَالَ: " ثَنَا " أَبْلَغُ مِنْ " أَنَا “؛ لِأَنَّ ثَنَا قَدْ تَكُونُ صِفَةً لِلْمَوْصُوفِ، وَالْمُخَبِرُ مَنْ لَهُ الْخَبَرُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ لِمَا سَيَأْتِي عِنْدَ حِكَايَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِسْمِ بَعْدَهُ.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ثَنَا وَأَنَا وَأَنْبَأَنَا، فَقَالَ: " ثَنَا " أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا، وَ " أَنَا " دُونَ " ثَنَا "، وَ " أَنْبَأَنَا " مِثْلُ " أَنَا ". (وَهْوَ) أَيِ: الْأَدَاءُ " بِأَنَا " جَمْعًا وَإِفْرَادًا فِي السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ (كَثِيرٌ) فِي الِاسْتِعْمَالِ (وَيَزِيدُ) بْنُ هَارُونَ (اسْتَعْمَلَهُ) هُوَ (وَغَيْرُ وَاحِدٍ)، مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهُشَيْمٌ وَخَلْقٌ، مِنْهُمُ ابْنُ مَنْدَهْ (لِمَا قَدْ حَمَلَهْ) الْوَاحِدُ مِنْهُمْ (مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ)، كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ أَوْسَعَ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: " وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ مَنِ اسْتَعْمَلَ " أَنَا " وَرَعًا وَنَزَاهَةً لِأَمَانَتِهِمْ، فَلَمْ يَجْعَلُوهَا لِلِينِهَا بِمَنْزِلَةِ ثَنَا.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ، فَقَالَ: " أَنَا " أَسْهَلُ مِنْ " ثَنَا "، وَ " ثَنَا " شَدِيدٌ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَكَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَشِيعَ تَخْصِيصُ " أَنَا " بِالْعَرْضِ. لَكِنْ قَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يَقُولُ: أَنَا، حَتَّى قَدِمَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَقَالَا لَهُ: قُلْ: ثَنَا. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: فَمَا سَمِعْتُهُ مَعَهُمَا كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ فِيهِ: ثَنَا، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا. بَلْ حَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَثِيرًا مَا يَقُولُ: ثَنَا؛ لِعِلْمِهِ أَنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى عَادَتِهِ.
وَكَأَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ اللَّفْظَ الْأَعْلَى، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. (وَبَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ لَفْظِ أَنَا وَأَخْبَرَنِي (تَلَا أَنْبَأَنَا) أَوْ (نَبَّأَنَا) بِالتَّشْدِيدِ، [فَهُوَ تِلْوُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ] (وَقُلِّلَا) اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُسْمَعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ؛ أَيْ: قَبْلَ اشْتِهَارِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِجَازَةِ.
ثُمَّ إِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجِيحِ سَمِعْتُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ ظَاهِرٌ، لَكِنْ لِحَدَّثَنَا وَأَنَا أَيْضًا جِهَةُ تَرْجِيحٍ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ رَوَاهُ الْحَدِيثَ وَخَاطَبَهُ بِهِ فِيهِمَا.
وَقَدْ سَأَلَ الْخَطِيبُ شَيْخَهُ الْبَرْقَانِيَّ عَنِ النُّكْتَةِ فِي عُدُولِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى سَمِعْتُ حِينَ التَّحْدِيثِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْآبَنْدُونِيِّ، فَقَالَ: لِأَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ كَانَ مَعَ ثِقَتِهِ وَصَلَاحِهِ عَسِرًا فِي الرِّوَايَةِ، فَكُنْتُ أَجْلِسُ حَيْثُ لَا يَرَانِي وَلَا يَعْلَمُ بِحُضُورِي، فَلِهَذَا أَقُولُ: سَمِعْتُ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ فِي الرِّوَايَةِ إِنَّمَا كَانَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ. وَنَحْوُهُ حَذَفَ النَّسَائِيُّ الصِّيغَةَ، حَيْثُ يَرْوِي عَنِ الْحَارِثِ أَيْضًا، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْحَارِثَ كَانَ يَتَوَلَّى قَضَاءَ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيِّ خُشُونَةٌ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ حُضُورُ مَجْلِسِهِ، فَكَانَ يَتَسَتَّرُ فِي مَوْضِعٍ وَيَسْمَعُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ، فَلِذَلِكَ تَوَرَّعَ وَتَحَرَّى.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَصَدَ إِفْرَادَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، كَمَا وَقَعَ لِلَّذِي أَمَرَ بِدَقِّ الْهَاوِنِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ حَدِيثَهُ مَنْ قَعَدَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَلِذَا نُقِلَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: " سَمِعْتُ " أَسْهَلُ عَلَيَّ مِنْ " حَدَّثَنَا وَأَنَا وَحَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي “؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ وَلَا يُحَدَّثُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ أَبِي إِهَابٍ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا.. الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: قُلْتُ لِمُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِمَكَّةَ: حَدَّثَكَ أَبُوكَ؟ قَالَ: حَدَّثَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَأَنَا أَقُولُ سَمِعْتُ. وَكُلُّ هَذَا يُوَافِقُ صَنِيعَ الْبَرْقَانِيِّ، وَكَذَا حَكَى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحِ بْنِ الْمَدِينِيِّ: إِنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي عِيَادَتِهِ، وَكَانَ مَرِيضًا، وَعِنْدَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، إِذْ دَخَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، فَالْتَمَسَ مِنْهُ يَحْيَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْغَرِيبِ لَهُ، وَأَحْضَرَ الْكِتَابَ، وَأَخَذَ يَقْرَأُ الْأَسَانِيدَ وَيَدَعُ التَّفْسِيرَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَا عُبَيْدٍ، دَعْنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ، نَحْنُ أَحْذَقُ بِهَا مِنْكَ، فَفَعَلَ، فَقَالَ يَحْيَى لِعَلِيٍّ: دَعْهُ يَقْرَأْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا قَرَأْتُهُ إِلَّا عَلَى الْمَأْمُونِ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ قِرَاءَتَهُ فَاقرَأوهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ قَرَأْتَهُ عَلَيْنَا وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. وَلَمْ يَكُنْ أَبُو عُبَيْدٍ يَعْرِفُ عَلِيًّا، فَسَأَلَ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: فَالْتَزَمَهُ وَقَرَأَ حِينَئِذٍ. قَالَ: فَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ فَلَا يَقُولُ: ثَنَا أَوْ نَحْوَهَا، يَعْنِي لِكَوْنِ عَلِيٍّ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالتَّحْدِيثِ. وَكَانَ أَبِي، يَعْنِي عَلِيًّا، يَقُولُ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: سَمَّعَنِي بِالتَّشْدِيدِ حَصَلَ التَّسَاوِي مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَثَبَتَ لِلسَّمَاعِ التَّفْصِيلُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: حَدَّثَ أَوْ أَخْبَرَ فَلَا يَكُونُ مِثْلَ سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْحَيْثِيَّةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي ثَنَا [وَأَنَا لَا تُقَاوِمُ مَا فِيهِمَا مِنَ الْخَدْشِ] فِي الِاتِّصَالِ، مِمَّا لِأَجْلِهِ كَانَتْ سَمِعْتُ أَرْجَحَ مِنْهُمَا.
(وَقَوْلُهُ) أَيِ: الرَّاوِي (قَالَ لَنَا وَنَحْوَهَا) مِثْلُ: قَالَ لِي، أَوْ ذَكَرَ لَنَا، أَوْ ذَكَرَ لِي (كَقَوْلِهِ حَدَّثَنَا) فُلَانٌ فِي الْحُكْمِ لَهَا بِالِاتِّصَالِ، حَسْبَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مَعَ الْإِحَاطَةِ بِتَقْدِيمِ الْإِفْرَادِ عَلَى الْجَمْعِ (لَكِنَّهَا) أَيْ: هَذِهِ الْأَلْفَاظَ (الْغَالِبُ) مِنْ صَنِيعِهِمْ (اسْتِعْمَالُهَا) فِيمَا سَمِعُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ (مُذَاكَرَةً). وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ؛ أَيِ: السَّمَاعَ، مُذَاكَرَةٌ لَائِقٌ بِهِ؛ أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنَا - انْتَهَى.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ بِخُصُوصِهِ يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمُذَاكَرَةِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ: "عِنْدِي أَنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ ذَاكَرَ الْبُخَارِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثَ كَذَا، فَرَوَاهُ بَيْنَ الْمَسْمُوعَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ حَسَنٌ ظَرِيفٌ، وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَ الْبُخَارِيِّ".
وَخَالَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي ذَلِكَ؛ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: قَالَ لِي فَهُوَ إِجَازَةٌ.
وَكَذَا قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْحَافِظُ: إِنَّهُ رِوَايَةٌ بِالْإِجَازَةِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ حَمْدَانَ: إِنَّهُ عَرْضٌ وَمُنَاوَلَةٌ. وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مِنْهُمْ لَهُ حُكْمُ الِاتِّصَالِ أَيْضًا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّوْمِ مِنْ صَحِيحِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: ((إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ))، فَقَالَ فِيهِ: ثَنَا عَبْدَانُ، وَأَوْرَدَهُ فِي تَأْرِيخِهِ بِصِيغَةِ: قَالَ لِي عَبْدَانُ.
وَكَذَا أَوْرَدَ حَدِيثًا فِي التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْهُ أَيْضًا بِصِيغَةِ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، فِي أَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ، حَقَّقَ شَيْخُنَا بِاسْتِقْرَائِهِ لَهَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ؛ [يَعْنِي بِانْفِرَادِهَا] ، إِذَا كَانَ الْمَتْنُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ [فِي أَصْلِ مَوْضُوعِ كِتَابِهِ، كَأَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفَ، أَوْ فِي السَّنَدِ مَنْ] لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فِي الِاحْتِجَاجِ، [وَذَاكَ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ].
بَلْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ - كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ - عَقِبَ حَدِيثٍ مِنْ مُسْتَخْرَجِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ: كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِجَازَةِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِي الْكِتَابِ حَدِيثًا بِالْإِجَازَةِ غَيْرَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَمُرَادُ أَبِي نُعَيْمٍ بِذَلِكَ مَا كَانَ عَنْ شُيُوخِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِسْنَادِ بِالْإِجَازَةِ الْكَثِيرُ، يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ. ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَنْدَهْ نَسَبَ مُسْلِمًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مَشَايِخِهِ: قَالَ لَنَا فُلَانٌ، وَهُوَ تَدْلِيسٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَرَدَّهُ شَيْخُنَا؛ يَعْنِي: النَّاظِمَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
(وَدُونَهَا) أَيْ: قَالَ لِي (قَالَ بِلَا مُجَارَرَةٍ) أَيْ: بِدُونِ ذِكْرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّتِي قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهَا أَوْضَعُ الْعِبَارَاتِ (وَهْيَ) مَعَ ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ (عَلَى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيِّ) بَيْنَهُمَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا، وَفِي التَّعْلِيقِ زَادَ هُنَاكَ: " وَكَأَنَّ الْقَائِلَ سَالِمًا مِنَ التَّدْلِيسِ " (لَا سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوهُ) أَيْ: [مَنْ عُرِفَ بَيْنَ] أَهْلِ الْحَدِيثِ (فِي الْمُضِيِّ) أَيْ: فِيمَا مَضَى (أَنْ لَا يَقُولَ ذَا) أَيْ: لَفْظَ قَالَ عَنْ شَيْخِهِ (لِغَيْرِ مَا سَمِعْ مِنْهُ كَحَجَّاجٍ) ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ ؛ فَإِنَّهُ رَوَى كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَحَمَلَهَا النَّاسُ عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَا.
وَكَذَا قَالَ هَمَّامٌ: " مَا قُلْتُ: قَالَ قَتَادَةُ، فَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ ". وَقَالَ شُعْبَةُ: لِأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ: قَالَ فُلَانٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ. (وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ عُمُومُهُ) أَيِ: الْحُكْمُ بِذَلِكَ (عِنْدَ) الْحَافِظِ (الْخَطِيبِ) إِذَا لَمْ يُعْرَفُ اتِّصَافُهُ بِذَلِكَ (وَقَصَرْ) الْخَطِيبُ (ذَاكَ) الْحُكْمَ (عَلَى) الرَّاوِي الَّذِي (بِذَا الْوَصْفِ اشْتَهَرْ).
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: " وَالْمَحْفُوظُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ ". وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَاخْتَارَ شَيْخُنَا - كَمَا تَقَدَّمَ - فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنْهُ بِخُصُوصِهِ عَدَمَ طَرْدِ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ؛ لِجَزْمِهِ بِهِ كَمَا قَرَّرْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، [وَقَرَّرَ رَدَّ دَعْوَى ابْنِ مَنْدَهْ فِيهَا تَدْلِيسُهُ، بِأَنْ قَالَ: لَمْ يَشْتَهِرِ اصْطِلَاحًا لِلْمُدَلِّسِينَ، بَلْ هِيَ وَعَنْ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ].
فَائِدَةٌ: وَقَعَ فِي الْفِتَنِ مِنْ (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) مِنْ طَرِيقِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ رَدَّهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ رَدَّهُ إِلَى مَعْقِلِ بْنَ يَسَارٍ، رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاتِّصَالِ، وَلِذَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ الْوَاسِطَةَ.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة