الاثار المترتبة على قرار عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص173-176
2025-12-20
27
بعد مراعاة الإجراءات المذكورة يتخذ المجلس قراره في موضوع الطلب والذي أما أن يكون بتقرير التعاون مع رئيس مجلس الوزراء(1). وقد يصحب ذلك توجيه الشكر له من باب التدعيم لمركزه وإزاحة اثر الاقتراح بعدم التعاون عنه ، وأما أن يكون قبولا للاقتراح بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، وهذا القرار الاخير قد تترتب عليه اثار خطرة لا تقتصر على الوضع السياسي لرئيس مجلس الوزراء فحسب ، وإنما تمتد للحكومة بكامل اعضائها بما يؤدي الى استقالتهم جميعا ، بل قد تتسع تلك الاثار أكثر من ذلك بقيام الحكومة باللجوء الى حل مجلس الأمة بما يؤثر على العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهذه الاثار تتمثل بالاتي :-
اولا : استقالة الحكومة بإكمالها :- اذا كان قرار مجلس الأمة بسحب الثقة من الوزير يرتب اثاره على هذا الوزير بمفرده وفورا بمجرد صدوره ، فإن قرار عدم امكان التعاون ليس كذلك ، لان هذا القرار لا تقتصر اثاره على رئيس مجلس الوزراء بمفرده ، وإنما تمتد لتشمل كل الوزراء اذ يترتب عليه أن يعتبر معتزلا منصبه (وبالتالي الوزراء) ، كما أنه لا يرتب تلك الاثار فورا بمجرد صدوره وأنما يرفع مجلس الأمة قراره الى رئيس الدولة (الامير) الذي يكون امام خياران(2) :-
الاول : أما أن يقبل بوجهة نظر مجلس الأمة ويعفي رئيس مجلس الوزراء من منصبه وبالتالي الوزراء (أي الحكومة بأكملها) : وفي هذه الحالة يجب تشكيل حكومة جديدة لا يرأسها رئيس مجلس الوزراء السابق وان جاز أن يكون فيها بعض الوزراء من الذين كانوا في الحكومة المعفاة(3). وحتى تشكيل الحكومة الجديدة يستمر رئيس مجلس الوزراء وبالتالي الوزراء في مناصبهم لتصريف العاجل من شؤون مناصبهم لحين تعيين حكومة جديدة استنادا للمادة (103) من الدستور(4).
الثاني : أن يقبل بوجهة نظر الحكومة ويحل مجلس الأمة(5): وفي هذه الحالة فإن الحكومة تبقى في الحكم ويتم حل مجلس الأمة الذي قرر عدم امكان التعاون مع رئيسها ، ويجب أن تجري انتخابات جديدة لاختيار مجلس أمة جديد وفقا للشروط الواردة في المادة (107) من الدستور(6). وفي هذه الحالة تستمر الحكومة في ممارسة اختصاصاتها الكاملة لأنها في هذه الحالة لم تقدم استقالتها رغم انها فقدت ثقة المجلس ولم يعد بإمكان مجلس الأمة مباشرة رقابته على اعمالها(7). ليكون مصير الحكومة معلقا على ما يقرره هذا المجلس الجديد وهو لا يخرج عن قرارين وهما :-
1- أما أن يرى هذا المجلس الجديد أن التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ممكن ، فاذا كان القرار كذلك انتهت الازمة وسارت الأمور سيرها الطبيعي .
2- وأما اذا كان قرار المجلس الجديد هو عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (بأتباع نفس الإجراءات وبنفس الاغلبية الخاصة) ، في هذه الحالة فإن هذا القرار يرتب اثره فورا ويكون حكمه حكم قرار سحب الثقة من أحد الوزراء ، حيث يعتبر رئيس مجلس الوزراء (وبالتالي الوزراء جميعا) معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد في هذا الشأن استنادا للمادة (129) من الدستور التي تنص على أن " استقالة رئيس مجلس الوزراء أو اعفائه من منصبه ، تتضمن استقالة سائر الوزراء أو اعفائهم من مناصبهم " . ويتم تشكيل حكومة جديدة وحتى تشكيل هذه الحكومة يستمر رئيس مجلس الوزراء (وبالتالي الوزراء) في مناصبهم لتصريف العاجل من شؤون مناصبهم لحين تعيين حكومة جديدة ، وفقا للمادة (103) من الدستور حتى لا يكون هناك فراغ وزاري . ولا يتصور أن يؤدي قرار المجلس الجديد بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء الى حل هذا المجلس ، وذلك لأن المادة (102) من الدستور قد اعتبرت رئيس مجلس الوزراء معتزلا منصبه بنص الدستور ولم تشير هذه المادة الى غير ذلك هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإن المادة (107) من الدستور لا تجيز حل مجلس الأمة لذات الأسباب التي حل المجلس من اجلها سابقا(8).
ومن التطبيقات على المسؤولية السياسية التضامنية صدور امر اميري في 28 نوفمبر 2011 بقبول استقالة حكومة رئيس مجلس الوزراء السابق (ناصر المحمد الاحمد الصباح) واستمرارها في تصريف العاجل من شؤونها لحين تشكيل حكومة جديدة(9). وصدر امر اميري أخر في 30 نوفمبر 2011 بتعيين (جابر مبارك الحمد الصباح) وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة ، ولكن تم حل مجلس الأمة بموجب المرسوم الاميري (443) في 6 ديسمبر 2011(10). وذلك قبل قيام الاخير بتشكيل الحكومة الجديدة والتي تم تشكيلها بموجب المرسوم (446) في 13 ديسمبر 2011(11). وتمت دعوة الناخبين لانتخاب مجلس الأمة الجديد بموجب المرسوم (447) في 6 ديسمبر 2011. وتمت هذه الانتخابات في 2 يونيو 2012. ولكن في سابقة هي الاولى في الكويت قضت المحكمة الدستورية " بإبطال عملية الانتخاب برمتها وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها ، لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الأمة والتي تمت على اساسها مع ما يترتب على ذلك من اثار اخصها أن يستعيد المجلس المنحل – بقوة الدستور- سلطاته الدستورية كأن الحل لم يكن "(12). وذلك لأن هذا الحل كان بناء على طلب وزارة قد زالت عنها هذه الصفة بقبول الامير استقالتها بكاملها وفقا للمادة (129) من الدستور ، وصدور امر اميري بتعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة ، ولكن الاخير استبق تأليف هذه الحكومة الجديدة وقبل صدور مرسوم تشكيلها قام باستعارة اعضاء الحكومة المستقيلة ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لأخذ موافقتهم على هذا الحل . ما يجعله مشوبا بالبطلان ويضحى هو والعدم سواء وذلك لصدوره خلافا للمادة (107) من الدستور التي توجب صدوره بمرسوم تبين فيه اسباب الحل يوقع عليه الامير ورئيس مجلس الوزراء المختص . وتنفيذا لأحكام المحكمة الدستورية صدر المرسوم المرقم (163) في 29 يوليو 2012 الذي ادى الى اعادة مجلس عام 2009 لإكمال مدته الدستورية . ولكن هذا المجلس لم يجتمع لعدم اكتمال النصاب القانوني رغم قيام رئيسه بتوجيه دعوتين لأعضائه للاجتماع ، مما دفعه لرفع الامر الى الامير الذي اصدر المرسوم المرقم (241) في 7 اكتوبر 2012(13). بحل مجلس الأمة ليكون الحل الثاني خلال الفصل التشريعي (13) .
ثانيا : قيام حكومة تصريف أعمال :- في حالة صدور قرار مجلس الأمة بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء فلا يعتبر كل تصرف يصدره (وبالتالي الوزراء) من يوم موافقة المجلس على ذلك القرار باطلا ولا قيمة له – كما هو الحال بالنسبة للوزير الذي صدر قرار من المجلس بسحب الثقة منه - وأنما يستمر كل من رئيس مجلس الوزراء والوزراء في تصريف العاجل من شؤون مناصبهم لحين تشكيل حكومة جديدة ، وهذا ما نصت عليه المادة (103) من الدستور بقولها " اذا تخلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن منصبه لأي سبب من الأسباب ، يستمر في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تعيين خلفه "(14). ويقصد بالأمور العاجلة التي تتولى الحكومة المستقيلة تصريفها هي تلك الأمور التي لا تخرج بطبيعتها عن السير العادي ودون أن يكون لها اثار في المستقبل ، أي انها تقتصر على ممارسة الاختصاصات الضرورية لاستمرار اداء المرافق العامة لمهامها بانتظام واضطراد ، ويرجع السبب في تقليص اختصاصات تلك الحكومة واقتصارها على مباشرة الأمور العاجلة باعتبارها مقابل لغياب الرقابة البرلمانية الفعالة نتيجة لحل المجلس(15).
______________
1- كما حدث في التصويت على (3) من طلبات عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء السابق (ناصر المحمد الصباح) خلال الفصل التشريعي (13) وانتهت جميعها بتجديد المجلس ثقته وتعاونه مع رئيس مجلس الوزراء . حيث كانت نتيجة التصويت الاول : (13) موافق على الطلب و(35) عدم موافقة و(1) ممتنع . ينظر مضبطة الجلسة رقم (1235/خاصة) في 16/ديسمبر/2009. وكانت نتيجة التصويت الثاني : (22) موافق على الطلب و(25) عدم موافقة و(1) ممتنع . ينظر مضبطة الجلسة رقم (1273/خاصة) في 5/ يناير/2011. وكانت نتيجة التصويت الثالث : (18) موافق على الطلب و(25) عدم موافقة و(6) ممتنع . ينظر مضبطة الجلسة رقم (1290/خاصة) في 23/يونيو/2011.
2- وهذا ما اكدت عليه المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي بقولها " أما رئيس مجلس الوزراء الذي يتكرر قرار عدم التعاون معه وفقا للمادة 102 فلا مندوحة من تطبيق المادة 103 في شأنه حتى لا يكون هناك فراغ وزاري " .
3- د. يحيى الجمل ، النظام الدستوري في الكويت مع مقدمة في دراسة المبادئ الدستورية العامة ، مطبوعات جامعة الكويت ، كلية الحقوق والشريعة ، 1970-1971 ، ص 387.
4- وهذا ما اكدت عليه المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي بقولها " فإن صدر قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء لم يترتب على ذلك تنحيه (والوزراء بالتالي) عن الوزارة كما هو مقرر بالنسبة للوزير ، وأنما يكون الامير حكما في الامر أن شاء اخذ برأي المجلس واعفى الوزارة ، وان شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس ، وفي هذه الحالة اذا استمر رئيس الوزارة المذكورة في الحكم وقرر المجلس الجديد – بذات الاغلبية المموه عنها – عدم التعاون معه اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد في هذا الشأن وتشكل وزارة جديدة " .
5- مثال ذلك صدور مرسوم اميري بحل مجلس الأمة في 21/5/2006 ، الفصل التشريعي (10) ، دور الانعقاد (4).
6- د. عادل الطبطبائي ، الرقابة السياسية على أعمال الحكومة خلال فترة حل البرلمان ، مجلة الحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة الكويت ، السنة الخامسة عشرة ، العدد الثاني ، 1991 ، ص 28 وما بعدها.
7- د. عادل الطبطبائي ، اختصاصات الحكومة المستقيلة (دراسة مقارنة) مراجعة وتقديم د. طعيمة الجرف ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الكويت ، 1986، ص 122.
8- د. يحيى الجمل ، النظام الدستوري في الكويت مع مقدمة في دراسة المبادئ الدستورية العامة ، مطبوعات جامعة الكويت ، كلية الحقوق والشريعة ، 1970-1971، ص 388.
9- منشور في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) ، السنة (57) ، العدد (1056) في 4 ديسمبر 2011.
10- منشورة في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) ، السنة (57) ، العدد (1057) في 11 ديسمبر 2011.
11- منشور في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) ، السنة (58) ، العدد (1058) في 18 ديسمبر 2011.
12- ينظر احكام المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية المرقمة (5 و 29) والطعون المرقمة (6 و 30) المؤرخة في 20 يونيو 2012 ، منشورة في الحصاد البرلماني لمجلس الأمة للفصل التشريعي (13) ، اصدار مجلس الأمة ، ادارة الدراسات والبحوث ، الكويت ، نوفمبر 2012 ، ص 359 وما بعدها.
13- منشور في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) ، السنة (58) ، العدد (1101) في 14 اكتوبر 2012.
14- د. جابر جاد نصار ، الاستجواب كوسيلة للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في مصر والكويت ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999 ، ص 120.
15- د. سليمان محمد الطماوي ، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي ، دراسة مقارنة ، معهد الدراسات العربية العليا، القاهرة ، 1967 ، ص 502 ، وكذلك د. عادل الطبطبائي ، النظام الدستوري في الكويت (دراسة مقارنة) ، مؤسسة دار العلوم ، الكويت ، 1985 ، ص 828 وما بعدها . و د. محمد باهي أبو يونس ، الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2012 ، ص 184.
الاكثر قراءة في القانون المدني
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة