رقابة السلطة الإدارية
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 273-277
2025-11-13
56
يحدد الدستور والقوانين والأنظمة عادة الجهات والموظفين الذين لهم سلطة الرقابة الإدارية، ونتناول ذلك حسب التسلسل الوظيفي في الدولة:
اولاً: رئيس الجمهورية:
بما أن النظام السياسي الحالي هو نظام اتحادي برلماني حسب نص م 1 من دستور 2005، فأن الدستور لم ينص على صلاحية رئيس الجمهورية في الرقابة الإدارية على وزارات الدولة ومؤسساتها، وأنما نص في م / 67 على أن رئيس الجمهورية هو ( رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد. ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور..) (1).
وبذلك ليس له دور رقابي مباشر ، انما له دور سيادي او تشريفي باعتباره رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن التي يجب المحافظة عليها من قبل الجميع، ورمز سيادة البلاد التي لا يجوز خرقها من قبل افراد الشعب كافة، ومن بين المهام التي يقوم بها وفقاً لذلك هو التشاور والتباحث مع رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الكتل السياسية والبرلمانية، الأمر الذي قد يؤدي بشكل او بآخر الى وضع الحلول والمعالجات لكثير من المشاكل والظواهر السلبية ومن ضمنها ظاهرة الفساد الإداري (2).
ومن بين الصلاحيات التي يمكن لرئيس الجمهورية استخدامها حسبما نراه كسلطة رقابة هو ما ورد في م/61 / ثامنا ب / 1 من الدستور التي نصت على أن( لرئيس الجمهورية، تقديم طلب الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء) فقد يستخدم رئيس الجمهورية هذه الصلاحية ضد الوزارة ككل، على اعتبار أنه اذا سحبت الثقة من رئيس الوزراء تعتبر الوزارة مستقيلة(3).
ثانياً رئيس مجلس الوزراء:
بما أن النظام السياسي في العراق - كما ذكرنا - هو نظام برلماني، فأن السلطة الفعلية هي بيد رئيس مجلس الوزراء الذي يسمى (رئيس الحكومة وبذلك يملك وفقاً للدستور أعلى سلطة رقابية في الدولة على الوزارات ومؤسسات الدولة جميعها ماعدا السلطتين التشريعية والقضائية في مجال ممارسة اختصاصاتهما، أما ما ينطبق على منتسبي هاتين السلطتين من الموظفين من نصوص إدارية فله سلطة الرقابة عليهم. فقد نصت م/ 78 من دستور 2005 على أن ( رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة.... يقوم بأدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته...)، وبذلك يكون لرئيس مجلس الوزراء سلطة الرقابة المباشرة على الوزارات وعلى منتسبها بدءاً من الوزير الى من هم ادنى من ذلك، ويباشر رئيس مجلس الوزراء سلطته الرقابية من خلال مجلس الوزراء كونه رئيسه، او بالتدخل المباشر لما يمتلكه من صلاحيات، فهو يملك حق التوجيه وإصدار الأوامر والموافقات الادارية، وله حق اقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب استناداً الى المادة 78 من الدستور. وبذلك يستطيع إقالة وزير معين لارتكابه مخالفات تشكل فساداً إدارياً، ولكن والحال هذه تبقى موافقة مجلس النواب على الإقالة هي القول الفصل. ولكن الظرف السياسي الحالي وما أفرزه من توازنات وتوافقات بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان والحكومة قيدت سلطة رئيس مجلس الوزراء في اتخاذ قرارات ضد بعض الوزراء أو المسؤولين لأنها قد تفسر من قبل بعض الأطراف تفسيراً سياسياً أو غير ذلك، والسبب يعود حسب الواقع الى نظام المحاصصة في إشغال المناصب الوزارية، وعليه لا بد من التخلص من هذا النظام حتى تكون هناك رقابة إدارية تفسر على أساس مهني ووظيفي (4).
(فمما يؤخذ على النظام البرلماني أن هناك افتقاداً الى النسق السياسي على صعيد صنع القرار السياسي لان سلطة رئيس الوزراء غير مستقلة كلية عن حزبه او المجلس، وهذا المأخذ قد يشل الحكومة، ومن الممكن أن يؤدي ذلك الى تفاقم حدة المشكلة في الحكومات الائتلافية، حيث ينتخب فيها اعضاء من احزاب سياسية مختلفة، فضلا عن ذلك يعتري الفساد اعضاء مجلس الوزراء نظرا لان الحكومات الائتلافية تعمل على ايجاد وفاق دائم بين وجهات النظر المختلفة الخاصة بالأحزاب السياسية المختلفة، وعلى سبيل المثال يسمح حزب ما لآخر بالفساد نظير تسامحه مع فساده وكانت هذه هي المشكلة التي حدثت في حين من الزمان في بلاد السودان وتركيا) (5).
ثالثاً: مجلس الوزراء:
مجلس الوزراء هو الهيئة التنفيذية العليا والإدارة العامة في البلاد، فقد نص دستور 2005 في م/80 على ما يأتي ( يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية اولا تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة)
وبهذا يكون لمجلس الوزراء سلطة رقابة إدارية عليا على جميع مرافق الدولة، ما عدا السلطتين التشريعية والقضائية في مجال ممارسة اختصاصاتهما على أساس مبدأ الفصل بين السلطات (6). وتكون رقابة المجلس من حيث الزمن رقابة سابقة ذلك أنه يضع جميع الخطط العامة السياسية والاقتصادية والتنظيمية.. الخ، ورقابة معاصرة لأنه القائم بتنفيذ هذه الخطط والإشراف عليها، ورقابة لاحقة من خلال التقارير التي ترفع اليه وكذلك من خلال الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة الذي يعده ديوان الرقابة المالية، والتي تظهر فيه النفقات والإيرادات للسنة المالية لكل وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ومن خلاله يستطيع المجلس معرفة اوجه الخلل والقصور في اداء وزارة ما، ثم بعد ذلك يحيله الى مجلس النواب (7). وتكون أيضاً رقابة شاملة من حيث الطرق والوسائل والأساليب والأنواع، فلم يحدد الدستور نوع الرقابة ودرجتها ومداها إنما جاء النص مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه. وبهذا يكون دور مجلس الوزراء في مكافحة الفساد الإداري من خلال الرقابة دوراً مهماً وكبيراً وأساساً، ذلك أن الفساد الإداري أكثر ما ينتشر - وكما ذكرنا في مفاصل الدولة الادارية التي تتكون من الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمؤسسات التابعة لها، كما أن سلطة المجلس في محاسبة الموظفين المخالفين والتي تشكل مخالفاتهم صوراً من صور الفساد الإداري واسعة، فقد نص قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل في م /14 / ثانياً على أن الرئيس مجلس الوزراء أو الوزير أو رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة فرض إحدى العقوبات التالية على الموظف التابع لوزارته أو دائرته والمشمول بأحكام هذا القانون: 1. انقاص الراتب .2. تنزيل الدرجة 3. الفصل4 . العزل)(8).
وكذلك نص القانون أعلاه في م /12 / ثانيا على ما يأتي إذا ظهر للوزير من خلال التحقيق ان الموظف المشمول بأحكام الفقرة (أولا) (9) من هذه المادة قد ارتكب فعلا يستدعي عقوبة اشد مما هو مخول به، فعليه ان يعرض الأمر على مجلس الوزراء متضمنا الاقتراح بفرض العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون. ومعنى هذا أن مجلس الوزراء له صلاحية فرض العقوبات الانضباطية التي تصل الى عقوبة الفصل أو العزل من الوظيفة، ولا يمنع ذلك من إحالة الموظف إذا كان فعله يشكل جريمة، من احالته الى المحاكم الجزائية(10). كذلك للمجلس حق إقالة المسؤولين من مناصبهم ممن لا تتطلب الموافقة على تعيينهم من قبل مجلس النواب، وهم المدراء العامون ومن هم بدرجتهم.
رابعاً: الوزراء
يمارس الوزير نوعين من الاختصاصات النوع الأول اختصاصاته بصفته السياسية بكونه عضواً في الحكومة ويمارس جزءاً من مهامها ويشترك في اجتماعات ومناقشات قرارات مجلس الوزراء (11)، أما النوع الثاني فهي الاختصاصات الإدارية بكونه رئيساً إداريا أعلى للوزارة، وهو بهذه الصفة يراقب أعمال الموظفين في وزارته وله صلاحية فرض العقوبات الانضباطية والإحالة على التقاعد. الخ (12). وبذلك تكون للوزير في حدود وزارته سلطة رقابة إدارية كاملة يمارسها مباشرة أو من خلال رؤساء الدوائر وهم وكلاء الوزارات والمدراء العامون ومدراء الدوائر والأقسام ومسؤولو الشعب والوحدات. إن رقابة الوزير تتمثل في الموافقة على خطط الوزارة وموازنتها المالية ومتابعة أعمال الوزارة والإشراف على تنفيذها، وإحالة المخالفين الى اللجان التحقيقية وإحالة المتهمين بارتكاب جرائم الى القضاء بعد إجراء التحقيق الإداري معهم (13) ، ومحاسبتهم ومعاقبتهم (14) وتضمينهم الاضرار التي تكبدها المال العام بسبب إهمالهم أو تقصيرهم أو مخالفتهم القوانين والانظمة والتعليمات (15) ، أو الموافقة على طلب القضاء إحالة الموظف المتهم بارتكاب جريمة اثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها الى المحكمة المختصة استنادا الى م/136 /ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل (16).
خامساً: الرؤساء الإداريون
وهم رؤساء الدوائر المركزية أو الفرعية التابعة للوزارة أو الدوائر غير المرتبطة بوزارة، ورؤساء التقسيمات الإدارية فيها (قسم شعبة ، وحدة.. الخ)، فالرقابة الإدارية هي إحدى الوظائف الإدارية الرئيسة وتمارس بشكل هرمي، وأن أي خلل في إحدى حلقاتها يؤدي الى عدم فاعليتها، فاذا لم يمارس المسؤول الأدنى رقابته على مرؤوسيه لن يستطيع المسؤول الأعلى ممارسة الرقابة بالشكل المطلوب، والعكس صحيح فاذا لم يمارس الرئيس الأعلى سلطته الرقابية سوف تضعف رقابة الحلقات الأدنى أو تنعدم، فالرقابة يجب أن تكون في نسقين: النسق الصاعد من الأدنى الى الأعلى والنسق النازل من الأعلى الى الأدنى، ويجب والحالة هذه وضع معايير تثبت قيام المسؤول بالرقابة الفعلية وعدم الاكتفاء بالجانب الشكلي لها كالزيارات الروتينية المعروفة مسبقاً، أو التفتيش الدوري التقليدي أو التقارير التي تأخذ شكلاً مظهرياً، وإنما الرقابة التي تكشف عن الواقع العملي وإيجابيات وسلبياته، ووضع الحلول والمعالجات.
ويجب ايضا عدم المبالغة في الاعتماد على الرقابة فهي لا تكفي وحدها للحد من الانحراف او الفساد إنما يجب الاعتماد على أساليب أخرى مثل: غرس الثقة في نفوس العاملين واحترامهم وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، كذلك يجب عدم الإكثار من حلقات الرقابة اذا لم تكن فعالة لأن ذلك يخلق ما يسمى بنظرية (البالونات ) ومفادها أن كل رقيب يحتاج الى رقيب وهكذا تكثر أجهزة الرقابة لمراقبة بعضها بدلا من أن تراقب سير العمل.
________
1- انظر م/ 73 صلاحيات رئيس الجمهورية والتي قيدته في إصدار العفو الخاص عن المحكومين عن ارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري. كما نود الإشارة الى أن مجلس الرئاسة قد حل محل رئيس الجمهورية في الدورة الانتخابية الحالية بموجب م/ 138 من الدستور
2- لتأكيد هذا الواقع, نشرت وسائل الإعلام خبر زيارة السيد رئيس الجمهورية الى المرجع الديني ( آية الله السيد علي السيستاني) وتصريحه حول تشكيل حكومة جديدة برئاسة نوري المالكي) غير مبنية على أساس المحاصصة. قناة البغدادية الفضائية 2/9/ 2008
3- أنظر م/61/ ثامنا ج من الدستور.
4- دعا السيد رئيس الوزراء الى تشكيل حكومة على أساس الكفاءة وبعيداً عن المحاصصة وبواقع 22 وزارة فقط, قناة الحرة الفضائية 14 / 2 / 2008
5- أنظر الكتيب الدستوري، اعداد طلاب كلية القانون في جامعة (ييل) الأمريكية، 2004، ص 16 وما بعدها.
6- أنظر م/47 من دستور 2005.
7- أنظر م/ 62 من الدستور التي نصت على أن يُقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقراره
8- تم تعديل هذه المادة بموجب / 7 من قانون رقم 5/ لسنة 2008/ قانون تعديل قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام المعدل حيث كانت المادة السابقة تنص على أن للرئاسة او مجلس الوزراء فرض اي من العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون على الموظفين وتكون العقوبة المفروضة من أي منهما باتة).
9- نصت الفقرة أولاً على أن ( مع مراعاة أحكام المادة (10) من هذا القانون, للوزير فرض عقوبة لفت النظر أو الإنذار أو قطع الراتب على الموظف الذي يشغل وظيفة مدير عام فما فوق عند إتيانه عملا يخالف أحكام هذا القانون).
10- أنظر: م/ 10 / ثالثاً من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام المعدل.
11- أنظر م/ 80 من دستور 2005.
12- أنظر: د. ماهر صالح علاوي الجبوري، مبادئ القانون الإداري، كلية القانون / جامعة بغداد، 1996، ص 103 وما بعدها ص 55.
13- أنظر م/10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991.
14- أنظر م/11 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991.
15- هناك عدة قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل بشأن التضمين وقد الغيت جميعها بموجب م 8 من قانون التضمين رقم/12 لسنة 2006. .
16- جدير بالذكر أن مجلس النواب قد صوت على قانون إلغاء هذه الفقرة في 2007/10/8 الذي يعتبر نافذاً من تاريخ نفاذ أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 55 لسنة 2004 إلا أن مجلس الرئاسة لم يصادق على القانون أنظر الموقع:- http://www.parliament.iq
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة