وادي طميلات لوحة بتوم الجديدة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 398 ــ 403
2025-11-01
62
عُثِر في بلدة بتوم القديمة (تل المسخوطة الحالي) على لوحة منقوشة بثلاث لغات؛ وهي الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، وتعد بمثابة قرار أصدره مجلس الكهنة المصريين في «منف» في نوفمبر عام 217ق.م؛ وذلك ابتهاجًا بالنصر العظيم الذي أحرزه المصريون في «سوريا» على «أنتيوكوس الثالث». على أن من يقرأ هذا المنشور لا يجد فيه ما يشفي الغلة عن الحملة على بلاد سوريا، وتلك هي الحال في كل المنشورات المصرية؛ لا تتحدث كثيرًا عن الموضوع الذي وُضِعت من أجله، بل نقرأ فيها تكرارًا للعبارات الرسمية أو الاتباعية، وهي تشبيه الملك بالإله «حور» وقتله لأعدائه وأسرهم والاستيلاء على غنائم هائلة من الذهب والفضة والأشياء الثمينة.
وكذلك تحدثنا عن أن الملك قد أعاد لمعابد سوريا التماثيل التي ألقى بها «أنتيوكوس» خارج المعابد، كما أنه أصلح ما شوَّهه العدو، وغير ذلك مما سنقرؤه في ترجمة المنشور من الأشياء المعتادة، ولكن هناك ناحية هامة في هذا المنشور؛ وذلك أنه قدم لنا بعض تواريخ لم تكن معروفة من قبل، وأهم من ذلك ما يُلحَظ من زحف الصيغ المصرية على الصيغ الملكية البطلمية، ولا أدل على ذلك من أننا للمرة الأولى — كما أشرنا إلى ذلك من قبل — نرى أن الصيغ التي كان يُعبَر بها عن الملكية المصرية من حيث الأسماء والألقاب قد ظهرت بالإغريقية في هذا المنشور، ولم تكن موجودة في منشور «كانوب».
وكذلك يذكر لنا هذا المنشور، فضلًا عن ذلك، الصيغ الجديدة للعبادة التي قُرِّرت في المعابد المصرية على شرف الأسرة الحاكمة، ونخص بالذكر منها إقامة صور للملك «بطليموس الرابع» «فيلوباتور» و«أرسنوي» وهي صور محفورة على الطراز المصري القديم تمثل الفرعون وهو يطعن بحربته أعداءه المجدلين في ساحة القتال، وكذلك تحدثنا عن الاحتفال بعيد موقعة «رفح» وامتداد الأفراح بعده مدة خمسة أيام بمثابة عيد، وكذلك عيد آخر في العاشر من كل شهر على شرف «بطليموس الأول» وزوجه.
وهاك ترجمة المنشور ترجمة حرفية:
في اليوم الأول من شهر «أرتميسيوس» Artemisius وهو على حسب التقويم المصري اليوم الأول من بابة في السنة السادسة من حكم «حور» الفتى، القوي، الذي جعله والده يظهر بمثابة ملك سيد تاج الوجه البحري، ومَن قوته عظيمة، ومَن قلبه مليء بالتُّقى نحو الآلهة، حامي الرجال، والمتفوق على أعدائه، ومن يجعل مصر سعيدة، ومن يمنح المعابد بهجة، ومن يثبت بقوة القوانين التي أُعلِنت بوساطة «تحوت» المزدوج العظمة، وسيد الأعياد الثلاثينية مثل «بتاح» العظيم، وهو ملك مثل الشمس، وملك الوجه القبلي والوجه البحري، وسلالة الإلهين المحسنين، ومن وافق عليه «بتاح»، ومن منحته الشمس النصر، وصورة «آمون» الحية، الملك «بطليموس» العائش سرمديًّا، محبوب «إزيس»، وعندما كان «بطليموس» بن «آروبوس» Aerobus كاهن «الإسكندر» والإلهين المتحابين، والإلهين المحسنين، وعندما كانت «رودا» Rhoda؛ ابنة«بيرهون» Pyrrhon حاملة السلة الذهبية أمام «أرسنوي» محبة أخيها.
مرسوم وضع هذا اليوم: يعلن رؤساء الكهنة، والكهنة خدم الآلهة، والكهنة الذين يدخلون المحراب الداخلي لإلباس الآلهة، وكتاب الكتاب المقدس (أي حملة الريش) والكتاب المقدسون، والكهنة الآخرون الذين وفدوا سويًّا على الملك من كل أنحاء مصر إلى «منف»، في الوقت الذي عاد فيه إلى مصر، لأجل أن يقدموا له طاقات الزهور والتعاويذ، وليقدموا الضحايا والقربان المحروق والقربات السائلة، وليؤدوا الأشياء الأخرى المعتادة في مثل هذه الفرصة، وهم مجتمعون في معبد «منف».
لما كان إحسان الملك «بطليموس» بن «بطليموس» والملكة «أرسنوي» (المقصود هنا الملكة «برنيكي») الإلهين المحسنين؛ قد جلب فوائد على خدمة الآلهة، وذلك بسبب الاهتمام الذي أظهروه في كل الأزمان، وذلك فيما يخص شرفهم، فقد حدث أن كل آلهة مصر وإلهاتها قد ذهبوا أمامه، ووجهوه في الطريق، وحموه في أي وقت ذهب فيه إلى أرض الآشوريين، وأرض الفينيقيين، وقد أسبغوا عليه إيحاءات واعترفوا له وأوحوا له بواسطة رؤيا في المنام قائلين له: إنه سيتغلب على أعدائه، وإنهم أنفسهم لن يتخلوا عنه في ساعة الخطر، ولكن سيقفون بجانبه ليحموه.
وفي السنة الخامسة في اليوم الأول من بَشَنْس زحف من «بلوز» وحارب «أنتيوكوس» عند مدينة تُدعَى «رفح» بالقرب من حدود مصر، وهي في الشرق من بتيلا Bethelea و«بسنوفر» Psinufer (؟)، وفي اليوم العاشر من الشهر المذكور تغلب عليه بطريقة عظيمة نبيلة. فأولئك الذين أمكنهم أن يقتربوا منه في ميدان الموقعة، جدَّلهم صرعى على الأرض أمامه، كما ذبح «حور سئيسي» خصومه في الأزمان القديمة، وأجبر «أنتيوكوس» على أن يُلقِي بتاجه على الأرض، وكذلك خوذته الملكية، وهرب «أنتيوكوس» وحرسه، ولم يكن معه عندئذٍ إلا قلة، بصورة تدعو للأسي والحزن، بعد هزيمته، وقد تكبد معظم جنوده خسائر فادحة، وقد رأى خيرة أصحابه يموتون بصورة تعسة، وتكبدوا ألم الجوع والعطش، وكل من تركهم خلفه أُخذوا غنيمة حرب، ولم يكن في مقدوره أن يصل إلى وطنه إلا بشق الأنفس، وهو يتوجع حزنًا في قلبه، وبعد ذلك استولى الملك بمثابة غنيمة على كثير من الذهب والفضة، وكل الأشياء الثمينة الأخرى التي كانت موجودة في الأماكن العدة التي كان مستوليًا عليها «أنتيوكوس»، وأحضرها معه تحت سلطانه، وأمر بأن يحملوا جميعًا إلى مصر.
ثم أخذ يتنقل في الأماكن الأخرى في ملكه، فذهب إلى المعابد التي كانت هناك، وقرَّب قربات محروقة، وقرب قربات سائلة؛ وقد استقبله كل سكان المدن بقلب منشرح، وهم في إجازة واقفين في انتظار وصوله؛ في حين كانت محاريب الآلهة متوجة بالأكاليل، ومحضرين قرابين محروقة، ووجبات من القربات، وقد قام الكثير منهم بصنع إكليل من الذهب له، والشروع في إقامة تمثال ملكي على شرفه وإقامة معابد، واتفق أن الملك سار في طريقه بوصفه رجلًا مقدسًا. أما من حيث صور الآلهة التي كانت في المعابد، وهي التي كان قد شوَّهها أنتيوكوس (لا بد أنه يقصد هنا تماثيل الملوك المؤلهين) فإن الملك أمر بأن يصنع بدلًا منها لِتحلَّ محلها، وقد منح كثيرًا من الذهب والفضة والأحجار الكريمة من أجلها، وكذلك أمر بأن توضع أوانٍ في المعبد بدلًا من التي استولى عليها هؤلاء الناس، وقد عزم على أن يوضع بدلًا منها، أما المال الذي كان قد منح المعبد فيما سلف وهو الذي قد انتقص، فقد أمر بأن يعاد إلى مقداره السابق.
هذا، ولأجل ألا يكون أي شيء ناقصًا مما ينبغي عمله للآلهة، فإنه على أثر سماعه بأن ضررًا كبيرًا قد حاق بصور آلهة المصريين؛ أصدر منشورًا للأقاليم التي كان يسيطر عليها خارج مصر آمرًا بألا يحدث أي إنسان بها أضرارًا أخرى، وأبدى رغبته في أن يفهم كل الأجانب عظم الاهتمام الذي يكنه في قلبه لآلهة مصر. هذا، إلى أن موميات الحيوان المقدس التي وُجِدت (في فلسطين) فإنه قد أمر بحملها لمصر، وأمر كذلك بأن يقام لها جنَّاز كريم، وتوضع في أضرحتها، وكذلك تلك التي أصابتها أضرار فقد أمر بأن تُحمَل إلى مصر بالاحترام وتنقل إلى معابدها.
وقد فكر جِديًّا من أجل الصور المقدسة التي كانت قد سُلِبت من مصر إلى أرض السوريين وأرض الفينيقيين في الوقت الذي خرب في الميديون معابد مصر، وأمر بأن يحصلوا عليها بجد، وتلك التي وجدت فيها فضلًا عن التي كان قد أحضرها والده لمصر، فإنه أمر بأن يؤتى بها ثانية لمصر، وإقامة عيد على شرفها، وتقديم قربات محروقة أمامها، وأمر بأن تعاد إلى المعابد التي كانت قد أُخذت منها من قبل، وأمر بإقامة معسكر محصن لجنوده، وأسكنهم فيه طالما كانت هناك رغبة … (أعداؤه) ليأتوا ويحاربوه، وعندما أصبحوا في حالة حسنة كرة أخرى فإنه أرخى العنان لجنوده فخربوا مدنهم، ولما لم يكن في مقدورهم حماية أنفسهم فإنهم خربوها، وقد أوضح لكل الناس أن قوة الآلهة قد صنعتها، لم يكن هناك فائدة من شن الحرب عليها (المدن) ثم رحل من هذه الأقطار بعد أن استولى على كل أماكنهم في واحد وعشرين يومًا.
وبعد الخيانة التي ارتكبها القواد والجنود (يقصد بذلك الثورة التي قامت في الإسكندرية أثناء غيابه) عقد اتفاقًا مع «أنتيوكوس» لمدة عامين وشهرين، وقد وصل ثانية إلى مصر في عيد المصابيح، وهو يوم ولادة «حور» (أي 12 أكتوبر) وذلك بعد رحلة مقدارها أربعة أشهر، وقد رحَّب به شعب مصر؛ لأنهم كانوا فرحين بسبب أنه حافظ على المعابد، وأنقذ كل الناس الذين كانوا في مصر، وقد عملوا كل ما يجب لاستقباله بفخامة وبهجة بما يتفق مع أعماله البطولية، وقد انتظره رفاق المعابد عند كل مراحل الإرساء على النهر مع المستلزمات، والأشياء الأخرى من التي جرت العادة استعمالها في مثل هذا الاستقبال، لابسين الأكاليل، وهم في عيد، ومحضرين قربات محروقة وقربات سائلة، وهدايا عدة. ثم ذهب إلى المعابد وقدَّم قربات محروقة، وحبس عليها دخلًا كثيرًا خلافًا لما كان قد حبس عليها من قبل، والصور المقدسة التي كانت ناقصة منذ القدم من بين التي كانت في المحراب الداخلي، وكذلك التي كانت تحتاج إلى إصلاح فإنه جددها كما كانت عليه من قبل، وأعطى ذهبًا كثيرًا، وأحجارًا كريمة من أجل ذلك، ومن أجل أشياء أخرى كانت الحاجة ماسَّة إليها، وأمر بصنع أثاث كثير خاص بالمعبد من الذهب والفضة، وهذا فضلًا عن أنه تحمل فعلًا مصاريف باهظة من أجل حملته الحربية بإعطاء أكاليل من الذهب لجيشه بما يقدر بثلاثمائة ألف قطعة من الذهب، وقد أغدق فوائد عدة على الكهنة ورفاق المعبد، وكل الناس في جميع مصر مقدِّمًا الثناء للآلهة؛ لأنهم قد أوفوا بكل شيء وعدوا به.
وعلى ذلك قرر بحظ موات:
لقد تأتَّى إلى قلوب كهنة معابد مصر أن يزيدوا الإكرامات السالفة الذكر التي قُدِّمت في المعابد للملك «بطليموس» العائش سرمديًّا، ومحبوب «إزيس» ولأخته الملكة «أرسنوي» الإلهين المحبين لوالدهما، وكذلك التي قدمت لوالديه، الإلهين المحسنين، والتي قدمت لأجدادهما الإلهين المتحابين والإلهين المخلصين.
وكذلك سيُنصَب تمثال ملكي للملك «بطليموس» العائش أبديًّا محبوب «إزيس» وهو الذي سيُسمَّى تمثال «بطليموس» المنتقم لوالده، ومن نصره كامل، وتمثال لأخته «أرسنوي» الإلهة محبة والدها في معابد مصر في كل معبد مستقل في أبرز مكان في المعبد، على أن يكون منحوتًا على حسب الفن المصري، وكذلك عليهم أن يعرضوا تمثالًا للإله المحلي في المعبد، وأن يُنصَب عند مائدة القربات التي تنصب فيها صورة الملك، ويكون الإله يقدم للملك سيف نصر، وعلى الكهنة الذين في المعبد أن يقدموا تحياتهم للصور ثلاث مرات يوميًّا، وأن يضعوا أثاث المعبد أمامهم ويؤدوا الأشياء الأخرى لهم التي يُستحسَن عملها كما يُعمَل للآلهة الآخرين في أعيادهم ومهرجاناتهم وأيامهم الخاصة.
وصورة الملك المرسومة بالألوان على اللوحة (فوق النقوش تمثله ممتطيًا صهوة جواد، ومرتديًا درعه وعلى رأسه التاج الملكي)، وينبغي أن تمثله وهو يقتل فردًا راكعًا، ومصورًا بمثابة ملك بحَرْبة طويلة في يده كالحربة التي يحملها الملك المنتصر في الواقعة، وينبغي أن يحفل بعيد ومهرجان في كل المعابد في أنحاء مصر لأجل الملك «بطليموس» العائش مخلدًا محبوب «إزيس»، وذلك من العاشر بَشَنْس، وهو اليوم الذي قهر فيه الملك خصمه، لمدة خمسة أيام كل عام؛ هذا مع لُبْس الأكاليل، وتقديم قربات محروقة وقربات سائلة، وكل الأشياء الجميلة الأخرى التي تعمل بطبيعة الحال في أعياد أخرى، في هذا اليوم في كل شهر، وما يُجهَّز للقربات المحروقة ينبغي أن يوزع على جميع من يقدم خدمة في المعبد …
والجزء الباقي من اللوحة مهشَّم لا يمكن استنباط شيء منه يمكن فهمه (1).
...................................................
1- Gauthier et Sottas, Un Decret Trilingue en l’honneur de Ptolemée IV; Gauthier, Un nouveau decret in compte Rendus (1923) 376–83; W. Spiegelberg; Sitzungsberichte der bayerischen Akademie der Wissenschaften, Philosoph-Philog. und histor. Klasse 1925: Beitrage zur Erklarung des neuen dreispruchigen priesterdekretes zu Ekren des Ptolemaios Philopator
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة