نظرة تاريخية موجزة لعلم النانوتكنولوجي
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص21
2025-10-28
36
ترجع البدايات الأولى لعلم النانوتكنولوجي إلى عالم الفيزياء الأميركي ريتشارد فينمان (1988-1918) Richard، Feynman الذي يعد أحد أبرز علماء الفيزياء في القرن العشرين، والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965. ففي عام 1959 تنبأ فينمان" بأن العلماء سوف يتمكنون يوماً ما من صناعة أدوات متناهية الصغر في حجم ذرات التراب، ثم يستخدمونها في صنع معدات أصغر منها، إلا أن فينمان لم تكن لديه أية فكرة عن كيفية تحقيق ذلك، وبدت أفكاره وتصوراته للكثيرين ضرباً من الخيال الجامع غير القابل للتطبيق العملي. ففي محاضرته الشهيرة بعنوان "هناك متسع كبير عند القاع" الفيزيائية الجمعية "أمام ،There's Plenty of Room at the Bottom الأميركية" في 26 كانون الأول ديسمبر عام 1959، قال عالم الفيزياء "فينمان": "إنه عالم صغير بشكل مدهش، ذلك العالم الأدنى"، وتساءل فينمان عما يمكن للإنسان أن يفعله في حالة السيطرة على الذرة 11 المنفردة وتحريكها بحرية وسهولة لصناعة مواد وآلات ستكون لها خصائص فريدة لأن المواد على هذا المستوى الذري تتمتع بخصائص فيزيائية وكيميائية تختلف عن خصائص الأجسام الكبيرة من المادة نفسها، كما أن خصائص الأشياء الصغيرة تتغير مع تغير أحجامها وفقاً لا يعرف بقوانين القياس، مما سيتيح أمام المهندسين فرصاً غير مسبوقة في تصميم مواد متطورة لها خصائص متنوعة ومتغيرة مع تغير حجم المكونات فقط. كما تساءل "فينمان عن: ماذا سيحدث إذا تمكنا من تنظيم الذرات واحدة واحدة بالطريقة التي تحتاج إليها؟"، وأجاب فينمان :" بأنه سيكون لدينا عدد هائل من التطبيقات التقنية، حيث سيمكن للعلماء الحصول على أسلاك قطر كل منها عشر ذرات، و دوائر كهربائية من سبع ذرات، واستخدام طرق وأساليب صناعية جديدة"
و لم يتوقع فينمان" أن يتوصل العلماء إلى طريقة لتحريك الذرات إلا في مستقبل بعيد، لكن بعد أقل من عقدين، استطاع العلماء تحويل أفكار وتصورات "فينمان" إلى حقيقة واقعة، ففي عام 1989، تمكن الباحثون بقيادة عالم الفيزياء الأميركي دونالد إيجلر Eigler Donald في مختبر فرعي في زيورخ بسويسرا تابع لإحدى شركات الإلكترونيات العالمية العملاقة آي بي أم" ،IBM و باستخدام "المجهر النفقي الماسح" Microscope Tunneling Scanning The الذي اخترعه عام 1981 العالمان الألماني "جيرد بينيج Gerd ،Binnig والسويسري هنريش روهرير " Rohrer Heinrich وحصلا به على جائزة نوبل" في الفيزياء عام 1986 ، أنظر الشكل .(1)
فقد تمكن الباحثون بواسطة هذا الميكروسكوب الإلكتروني من صنع أصغر إعلان في العالم، حيث استخدموا 35 ذرة من عنصر الزينون Xenon في كتابة اسم الشركة ذي الحروف الثلاثة I.B.M فوق سطح من النيكل البلوري Nickel Crystal أنظر الشكل .(2) ولقد أتاح هذا الميكروسكوب لأول مرة في تاريخ العلم الحصول على صور للجزيئات والذرات وإمكان التأثير عليها وتحريكها من مواضعها لبناء تركيبات جديدة للمادة أو لإنتاج مواد جديدة لم تكن

شكل (1) المجهر النفقي الماسح ومخترعاه العالمان الألماني جيرد بينيج (يمين) والسويسري هنريش روهرير

شكل (2) استخدام المجهر النفقي الماسح في صنع أصغر إعلان في العالم، باستخدام 35 ذرة من عنصر الزينون في كتابة اسم شركة IBM العالمية
معروفة من قبل. فقدا أتاح هذا بتطبيقاته المذهلة، والمجهر اليفتح الباب واسعاً أمام عالم النانوتكنولوجي مخصصة النفقي الماسح هو عبارة عن آلة لها إبرة رأسها معدني وحاد جدا، للتصوير على السطوح، وتستخدم هذه الإبرة ليس فقط للكتابة والتصوير، بل أيضاً لتحريك الذرات الواحدة تلو الأخرى، حيث يتم تقريب الإبرة من الذرة المطلوب تحريكها، فتنتزعها، ثم يتم سحبها للمكان المطلوب على طول السطح، وبإجراء هذه العملية مراراً وتكراراً وبطريقة منظمة، يمكن بناء تراكيب في المقياس الذري وبصورة دقيقة.
ولقد برز مصطلح النانوتكنولوجي" لأول مرة في عام 1974، ليصف على يد الباحث الياباني نوريو تانيغوتشي" Norio Taniguchi النانوتكنولوجي بأنها خلق تقنيات متناهية الصغر. ويعرف تانيغوتشي" وكهربائية به طرق ووسائل وتصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية قادرة على تحقيق درجات عالية من الدقة في وظائف وأحجام وأشكال السلع والأجهزة ومكوناتها، أي التحكم في وظائف الأجهزة المستعملة في مجالات الطب والأدوية والصناعة والزراعة والهندسة والاتصالات والدفاع والفضاء وغيرها، وذلك من خلال اختزال مكوناتها في شرائح صغيرة تؤدي إلى قمة في الدقة والأداء، إضافة إلى مرونة الاستعمال والنقل والتخزين. نقل والتخزين. ويعتبر عالم الفيزياء الأميركي إريك در يكسلر Eric Drexler هو المؤسس الفعلي العلم النانوتكنولوجي، ففي عام 1986 نشر كتابا بعنوان "محركات الخلق أو التكوين" Creation of Engines شرح وبسط فيه الأفكار الأساسية لهذا العلم، كما عرض أيضاً للمخاطر الكبرى المصاحبة له، فقد تصوّر در یکسلر وقتاً سيكون فيه بالإمكان وضع روبوتات مصغرة جدا ذاتية الاستنساخ في وعاء المواد خام وتركها تتكاثر قبل أن تقوم بتجميع ما برمجت على تصنيعه.
و تتمثل الأساسية للكون الفكرة الأساسية لكتاب "دريكسلر" في أن المكونات هي الذرات والجزيئات & Atoms ،Molecules وأنه لا بد من نشوء تكنولوجيا للسيطرة على هذه المكونات الأساسية، وإذا تمكنا من معرفة تركيب المواد ، فإنه يمكن صناعة أي مادة أو أي شئ بواسطة رصف مكوناتها الذرية ورصها الواحدة إلى جانب الأخرى، وللسيطرة على الذرة الواحدة والجزيء الواحد نستخدم الرواصف" أو "المجمعات" Assemblers، والراف هو روبوت إنسان آلي( Robot متناهي الصغر، لا يرى بالعين المجردة ولا يزيد حجمه عن حجم الفيروس أو الجزيء، البكتيريا، ويملك الراصف أيدي تمكنه من الإمساك بالذرة أو مما يعطيه القدرة على تفكيك أي مادة إلى مكوناتها الذرية الأصغر،
وكذلك يستطيع رصف الذرات الواحدة قرب الأخرى لصناعة كل شيء انطلاقاً من أي شيء تقريبا،ً ومثل أي روبوت، فإنه مزود بعقل بالرواصف عبر الكتروني كمبيوتر يدير كل أعماله، ويتحكم البشر تحكمها بالكمبيوترات التي تدير الرواصف وبرامجها. فمثلاً يمكن تخيل ر أصف طبي" بحجم فيروس الملاحقة بكتيريا تسبب أمراضاً للإنسان، حيث يمكن حقن مجموعة من تلك الرواصف في دم مريض مصاب مرض عجز الطب عن علاجه، بعدها تلاحق الرواصف البكتيريا لتفتك إلى أن بها، محققة الشفاء للمريض. ويشير "دريكسلر" في كتابه أيضاً الرواصف لديها القدرة على إنتاج نسخ مشابهة لها، أي القدرة على الصناعي، تصبح هذه الرواصف التكاثر التوالد (وبتطور علم الذكاء عنهم)، ذكية فتستفيد من خبراتها وتستقل تدريجياً عن صانعيها وتستغني عن كل سيطرة، ويتساءل در يكسلر ماذا لو خرجت هذه الرواصف فيقول يمكن في هذه الحالة أن تبيد كل أشكال الحياة على الأرض.
وفي عام 1989 قام العالم در يكسلر بإنشاء معهد فورسایت للنانو تكنولوجي Nanotech Foresight ،Institute في بالو التو Alto Palo بولاية كاليفورنيا الأميركية، وهي مؤسسة لا تسعى للربح، هدفها توعية الرأي العام بخصوص نتائج التقدم في النانوتكنولوجي، والمساعدة في إعداد وتهيئة المجتمعات لهذه التكنولوجيا المتقدمة والمتوقعة. وهذه المؤسسة قائمة على الاعتقاد في أن النانوتكنولوجي ستغير كل جانب من جوانب حياة الإنسان، وذلك بمنح البشر قدرة السيطرة على لمادة. ولدى أعضاء مؤسسة فورسايت رؤية أوسع نطاقاً للمستقبل تقوم على أن آلات ذرية الحجم تسمى "الرواصف أو المجمعات"، سيكون لديها أذرع دقيقة يمكنها أن تحمل ذرات فردية وأن تجمعها، وبهذه الطريقة يمكن للرواصف أو المجمعات أن تبني أي ذرة بذرة، بما فيها أي نسخة عن نفسها، ويمكن لآلة واحدة أن تستنسخ نفسها حتى يصبح عددها كبيرا،ً ثم بواسطة إشارة تتوقف عن الاستنساخ وتباشر بناء ما تؤمر به، ويقول أعضاء هذه المؤسسة، إنه إذا كانت هذه التكنولوجيا تبدو خيالية، فيجب التطلع إلى نبات الزنبق Lily مثلا،ً الذي لا يتحرك ولا يدور، ولكن هناك آلات جزيئية بداخله تحول الضوء والماء والتربة، للتحول إلى أوراقه الجميلة ويعتبر عام 1991، البداية الفعلية لانطلاق عصر النانوتكنولوجي، وذلك عندما اكتشف عالم الفيزياء الياباني "سوميو ليجيما" Lijima Sumio أنابيب الكربون النانوية Nanotubes Carbon المؤلفة من شبكة من الذرات الكربونية، في معامل أبحاث شركة Electric Nippon (NEC Company (للصناعات الإلكترونية في اليابان، عندما كان يدرس الرماد الناتج عن عملية التفريغ الكهربي بين قطبين من الكربون باستخدام میکروسكوب إلكتروني عالي الكفاءة، حيث وجد أن جزيئات الكربون تأخذ ترتيباً يشبه الأنابيب في داخل بعضها البعض. والأنابيب النانوية عبارة عن أسطوانات من الكربون يقع قطرها في نطاق بضع نانومیترات، مما يعني الحصول على تركيب ذي بعد واحد، حيث إن النسبة بين طولها إلى قطرها تتجاوز عشرة آلاف، مما يمنحها خصائص إلكترونية وميكانيكية فريدة، ويجعلها ذات إمكانات فائقة في مجالات تطبيقات واسعة، ولقد أمكن بواسطة التشكيلات الثانوية الحصول على متانة أشد من الفولاذ بمقدار مئة مرة، وأخف منه في الوزن مقدار 6 مرات، وأما الأنابيب المتداخلة فإنها تظهر خاصية فريدة، حيث يتحرك بعضها داخل بعض دون أية مقاومة تذكر، مما يجعلها مؤهلة لصناعة آلات مفيدة على المستوى النانوي.
كما أن عالم الفيزياء النظرية الأميركي العربي الأصل البروفيسور "منير نايفة"، في جامعة إيلينوي الأميركية في إربانا - شامبين، الذي ارتبط اسمه برصد و تحريك الذرات المنفردة، قد استطاع في التسعينيات أن يرسم بواسطة الذرات صورة تمثل القلب والحرف الإنكليزي(P ) كأصغر حرف في تاريخ الخط، وبعرض خمسة بالمليون من المليمتر، وقد احتلت صورة القلب التي رسمها بالذرات غلاف المجلة العلمية البريطانية الأسبـ سبوعية الشهيرة نيو ساینتست Scientist New عدد 7 آذار/ مارس عام 1992. ويعد هذا الاكتشاف من الاكتشافات الثورية التي أسست لفرع جديد في الكيمياء يسمى "كيمياء الذرات المنفردة والذي يمهد بدوره لطفرة طبية سوف تسهم في علاج العديد من الأمراض التي وقف العلم عاجزاً أمامها سنوات طويلة )أنظر الشكل .(3
شكل (3) غلاف مجلة نيو ساينتست العلمية البريطانية الشهيرة، عدد 7 آذار/ مارس 1992، ويظهر عليه صورة القلب التي رسمها بالذرات البروفيسور منير نايفة
وفي عام 1991 تمكن الباحثان وارين روبينيت وستان وليامز" Williams Stan & Robinett Warren من جامعة نورث كارولينا Chapel Hill هيل تشابل في University ofNorth Carolina الأميركية من اختراع جهاز المعالج النانومتري النانو مانيبيولاتور( NanoManipulator، الذي يعد أحدث مجس حسي دقيق، حيث سمح للعلماء أن يلمسوا ويشعروا بالجزيئات متناهية الصغر، فقد مكن هذا الجهاز العلماء من السباحة في عام متناهي الصغر عن طريق ارتداء منظار خاص، حيث تمكن العلماء من تكبير صور الدقائق والجسيمات والكائنات المتناهية في الصغر كالبكتيريا والفيروسات إلى أحجام تصل لحجم ملعب كرة القدم، كما تمكنوا من رؤية المناظر بطريقة طبيعية علم النانوتكنولوجي 29 ثلاثية الأبعاد والتفاعل معها، بل لقد قام أحدهم بوخز بعض البكتيريا الموجودة في بعض الأوساط الغذائية ووخز أنابيب الكربون النانوية، أنظر الشكل .(4)

شكل (4) جهاز المعالج النانومتري (النانومانیبیولاتور (
يقول عالم الفيزياء ريتشارد سوبر فاین Superfine Richard في جامعة نورث كارولينا، والذي أشرف على الفريق البحثي المطور الجهاز النانومانيبيولاتور، بأن لديه هدفاً عليا عملياً مهم للباحثين، يؤدي لتوفير الجهد والوقت والمال، حيث يمكنهم هذا الجهاز من عمل تجربة ما، ثم يلاحظون ويلمسون نتائجها فورا،ً ويشاهدون مفرداتها على الطبيعة في توان معدودة.
وعن إمكانية هذا الجهاز، يقول العالم "إيريك هيندير سون Eric Henderson من جامعة ولاية أيوا الأميركية University State lowa بعد زيارته الجامعة نورث كارولينا لاختبار هذا الجهاز بأن هذا الجهاز يشعرك بأنك تطير بين الجزيئات، ويجعل الكرو موسومات تبدو هائلة بأحجام مثل الجبال. ويقول العالم سين و اشبرن Washburn Sean من جامعة نورث كارولينا، إن فريق جهاز النانومانيبيولاتور قد تعلم كثيراً النانوتكنولوجي 30 من القواعد الفيزيائية التي تحكم حركة الجسيمات الدقيقة، والتي منها أن الجزيئات الصغيرة لا تتأثر بالجاذبية، ولكنها تتأثر بشدة بالقوانين الفيزيائية الأخرى مثل اللزوجة.
والمعالج النانومتري، يشتمل على آلة تبدو مثل عصا قيادة السيارات، وتتصل هذه الآلة بكمبيوتر شخصي مزود ببطاقة رسم بياني متقدمة للغاية تقوم بتحويل بيانات المجهر لتعرضها في الحال على هيئة صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد ذات ألوان متعددة، يمكن تكبيرها إلى أحجام تزيد عن المليون ضعف بالرغم من أنه لا يزيد حجمها عن بضع نانومترات. وعن طريق هذا الجهاز يمكن تحسس سطح العينة مباشرة وبرقة، مما يمكن العلماء من أن يلمسوا ويشعروا بمعالم الأشياء الصغيرة التي يقومون بدراستها، فقد شعر العلماء بالحواف الصغيرة والفجوات الموجودة في جزيئات البروتين، وبلزوجة بعض أنواع البكتيريا الممرضة، كما تمكن العلماء من دراسة أنابيب الكربون النانوية التي ستشكل أجزاء للآلات والأجهزة الإلكترونية، كما شاهد العلماء شجار الذرات داخل أنابيب الكربون النانوية، مما شجعهم للتفكير في عمل محركات صغيرة عن طريق حث هذه الأنابيب لتتحرك مثل أسنان الترس .
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة