العلاقة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 124 ــ 126
2025-09-13
378
ظلت العلاقة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية، في عهد السلطان ملكشاه، كما كانت في عهد السلطان ألب أرسلان من استئثار السلطان بالسلطة دون الخليفة، وتعرَّض الخليفة في عهده لكثير من الامتهان سواء من السلطان السلجوقي نفسه أو من نوابه والمقربين إليه، وتجرأ بعض نوابه على مشاركة الخليفة في بعض مظاهره الدينية، فضرب سعد الدولة كوهرائين شحنة ،بغداد الطبول على باب داره رغماً الخليفة (1)، عن ، وفي (عام 471هـ / 1078م) كتب السلطان ملكشاه إلى الخليفة المقتدي (467 - 487هـ / 1075 - 1094م) الذي خلف الخليفة القائم، يطلب منه عزل وزيره فخر الدولة أبا نصر بن جهير، ولا يراجعه في هذا الأمر، وأن لا يكون في دار الخلافة غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع(2)، وكلف شحنة بغداد سعد الدولة كوهرائين بمتابعة هذا الموضوع فكان هذا يُرسل جنوده لملازمة دار الخلافة للضغط على الخليفة بتعجيل عزل الوزير، ووصل النزاع بين الطرفين بشأن هذه المسألة إلى حد تهديد الخليفة نفسه، وكتب الخليفة إلى السلطان يخبره بأن وزيره هو عميد الدولة وأن والده فخر الدولة ينوب عنه فقط، غير أن جنود الشحنة قبضوا على رسوله الذي يحمل الرسالة وانتزعوها منه وذهب الشحنة إلى دار الخلافة مطالباً بتسليم الوزير له فاضطر الخليفة تحت هذا الضغط إلى عزل وزيره وأطلع الشحنة على أمر العزل، فانصرف(3) وفي عام (473 هـ / 1080م) ازدادت معاملة عميد العراق أبي الفتح بن أبي الليث للخليفة العباسي سوءاً، وأخذ يتدخل في اختصاصاته، فاضطر الخليفة إلى أن يبعث رسولاً إلى السلطان ملكشاه شاكياً من العميد فكتب السلطان إلى العميد بكف يده عن جميع ما يتعلق بالخليفة (4).
لم يكتف السلطان ملكشاه باستئثاره بالسلطة وتجريد الخليفة من نفوذه، فعزم على طرده من عاصمة الخلافة وحمله إلى عاصمته أصفهان وتعيين خليفة آخر مكانه. وقد لاحظ الوزير نظام الملك تغير السلطان على الخليفة المقتدي وهو ينوي خلعه من الخلافة فتدخل بدافع من تدينه وأقنع السلطان بالتراجع عن عزمه، وأرسل إلى الخليفة يُنبهه ويحثه على كسب ود السلطان وأشار عليه أن يخطب ابنته لكي تتحسن العلاقة بينهما ويحل الود محل الوحشة بفعل المصاهرة.
استجاب الخليفة المقتدي لمشورة الوزير السلجوقي فأرسل في عام (474هـ/ 1081م) وزیره فخر الدولة أبا نصر بن جهير إلى السلطان يخطب ابنته لنفسه، فسار فخر الدولة إلى أصفهان للاجتماع بالسلطان وطلب يد ابنته للخليفة، فأمره نظام الملك يمضي. معه إلى خاتون زوجة السلطان لمخاطبتها بهذا الأمر، فقالت: إن ملك غزنة وملوك الخانية بما وراء النهر طلبوها وخطبوها لأولادهم، وبذلوا أربعمائة ألف دينار، فإن حمل الخليفة هذا المال فهو أحق منهم. فعرفتها أرسلان خاتون زوجة الخليفة القائم ما يحصل لها من الشرف بالاتصال بالخليفة وأن هؤلاء كلهم عبيده وخدمه، ومثل الخليفة لا يُطلب منه المال. فأجابت إلى ذلك واشترطت أن يكون الحمل المعجل خمسين ألف دينار، وأنه لا يُبقي له سرية ولا زوجة غيرها، ولا يكون مبيته إلا عندها فأجيبت إلى ذلك، وعاد فخر الدولة إلى بغداد (5)، غير أن الزيجة لم تتم إلا في المحرم 480هـ / نيسان 1087م)، وبعد عامين أرسلت ابنة السلطان إلى أبيها تشكو من زوجها، فأرسل السلطان إلى بغداد يطلب إحضار ابنته، وألح في ذلك، فأرسلها الخليفة ومعها ابنها جعفر من الخليفة (5).
وفي عام (479 هـ / 1086م) دخل السلطان ملكشاه بغداد بعد ضم حلب والجزيرة، ونزل بدار المملكة، وأرسل إلى الخليفة هدايا كثيرة فقبلها (7).
وفي عام (485 هـ / 1092م) توجّه السلطان ملكشاه إلى بغداد للمرة الثالثة(8)، ومعه نظام الملك وهو عازم على عزل الخليفة وكانت العلاقة السيئة بينهما قد وصلت إلى ذروتها بسبب رفض الخليفة طلباً للسلطان بتعيين ابن ابنته ولياً للعهد، فبايع الخليفة ابنه المستظهر ؛ لأنه الأكبر، فأجبره السلطان على أن يخلعه ويُعين ابن ابنته ولي عهده، وأن يغادر بغداد إلى البصرة لتكون مقر خلافته، فانزعج الخليفة من ذلك وطلب أن يمهله شهراً كي يُدبر أموره ويُهيء نفسه وأسرته للرحيل، فرفض السلطان الطلب وأصر على أن يخرج الخليفة فوراً، فتدخل، عند ذلك، وزيره تاج الملك أبو الغنائم واقترح أن يمهله عشرة أيام فوافق السلطان ملكشاه على إمهاله هذه المدة(9).
وكان السلطان ملكشاه عازماً على بناء دار للخلافة في عاصمته أصفهان يقيم فيها ابن ابنته من الخليفة، لكن القدر كان بانتظار السلطان فقد توفي في (15 شوال 485هـ 18 تشرين الثاني 1092م) فكفى الخليفة شر عزله (10). انتهى بوفاة السلطان ملكشاه العصر الذهبي للدولة السلجوقية، وبدأ عهد الانقسامات السياسية والحروب بين أفراد الأسرة السلجوقية من أجل الوثوب إلى السلطة.
........................................................
(1) البنداري: ص 216.
(2) ابن الجوزي: جـ 8 ص 317.
(3) ابن الأثير: جـ 8 ص 267، 268.
(4) القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي مآثر الأنافة في معالم الخلافة جـ 2 ص 2.
(5) ابن الأثير: جـ 8 ص 278.
(6) المصدر نفسه ص 328، 329.
(7) ابن الأثير: ج 8 ص310، 311.
(8) لقد زار السلطان بغداد للمرة الثانية عام (484 هـ / 1091م).
(9) ابن الجوزي: جـ 9 ص 61، 61. ابن كثير: جـ 12 ص 122، 123.
(10) ابن عمراني ص 170. ابن خلكان جـه ص 288، 289 الراوندي: ص 216. الحسيني:
ص71. ابن الأثير: جـ 8 ص 359.
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة