التوسع السجلوقي باتجاه جنوبي بلاد الشام
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 116 ــ 118
2025-09-13
319
غادر السلطان ألب أرسلان المنطقة بعد المعركة، وترك بعض قواته وأتباعه بقيادة أتسز بن أوق الخوارزمي مع إخوته، جاولي والمأمون وقرلو وشكلي، وأذن لهم بالاصطدام بالفاطميين وإخراجهم من بلاد الشام.
وكان القاضي أمين الدولة، أبو طالب عبد الله بن محمد بن عمار، قد استبد بحكم طرابلس وخلع طاعة أمير الجيوش بدر الجمالي الفاطمي، وضم مدينة جبيل الساحلية إلى نفوذه واضعاً بذلك النواة الأولى لقيام إمارة بني عمار المستقلة. وحتى يُدعم موقفه في طرابلس تقرَّب من السلاجقة فأرسل إليه السلطان ألب أرسلان، قبل أن يغادر المنطقة، قوة عسكرية بقيادة أحد كتابه، ابن جابر بن سقلاب الموصلي (1).
لم يُوضح المؤرخون ما تقرر بين السلطان ألب أرسلان وأمير طرابلس، لكن يغلب على الظن أن معاهدة عدم اعتداء عُقدت بين الطرفين سمح بموجبها لجماعة من الأتراك بالإقامة في أعمال طرابلس بدلیل ما ذكره سبط ابن الجوزي، أنه بعد رحيل ألب أرسلان عن حلب تخلف عنه جماعة كبيرة من التركمان عُرفوا بالناوكية (2)، فنزلوا الشام، وأقام قسم منهم عند طرابلس(3)، ولم يكن ذلك ليتم لولا الاتفاق بين أمين الدولة والسلاجقة، وكان على رأسهم مقدمهم قرلو، وهو الذي استنجد به ابن أبي عقيل قاضي صور لدفع الفاطميين عنه، فأنجده، ما يعني أن السلاجقة انتشروا في المناطق الساحلية، ووصلوا إلى فلسطين، وأنهم عقدوا . مع كل أمراء بلاد الشام الذين خلعوا طاعة الفاطميين (4).
وتنفيذاً لأوامر السلطان قاد محمود بن نصر وأيتكين السليماني قواتهما وتوجها جنوباً لمهاجمة دمشق وانتزاعها من أيدي الفاطميين، وذلك في (شعبان 464هـ/ نیسان 1072م)، وتوقفا في بعلبك ليُخططا لحملتيهما، وعلم محمود بن نصر وهو في بعلبك بأن عمه عطية هاجم حلب بالتعاون مع البيزنطيين في أنطاكية وأحرق قسماً من معرة مصرين (5)، فاضطر للعودة إلى مقر إمارته للدفاع عنها.
توجه الأتراك بقيادة أتسز بعد رحيل السلطان ألب أرسلان عن المنطقة، إلى دمشق بهدف ضمها فضربوا حصاراً عليها وأغاروا على أعمالها، وقطعوا الميرة عنها ورعوا زرعها، ومع ذلك فشلوا في اقتحامها(6)، فغادروها إلى فلسطين، فضموا الرملة وبيت المقدس بعد حصار، وطردوا منها الحامية الفاطمية، وانتزعوا طبرية من أيدي الفاطميين وحاصروا يافا فهرب حاكمها رزين الدولة الفاطمي، وألغى أتسز الدعوة للمستنصر الفاطمي وخطب للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي، وأرسل إلى بغداد يُخبر بما حققه في بلاد الشام (7)، ثم هاجم تحصن فيها بدر ،الجمالي وحاصرها، وتوفي قرلو أثناء الحصار، فانسحب أتباعه وهاجموا أثناء انسحابهم المناطق المجاورة، فاضطر أتسز نتيجة ذلك إلى فك الحصار عن عكا، وزحف شمالاً باتجاه دمشق .
لا شك بأن انتصارات أتسز وأصحابه قد فتح الآمال للأتراك الآخرين بالتحرك إلى بلاد الشام، كما أن انسحاب بدر الجمالي من عكا في عام (466هـ/ 1074م) وذهابه إلى القاهرة بدعوة من الإمام الفاطمي لمساعدته على تمرد الجيوش هناك؛ جعل بلاد الشام خالية من أي مقاومة فاطمية ومهد للأتراك الطريق لضمها إلى الأملاك السلجوقية.
.............................................................
(1) ابن العديم بغية الطلب سيرة السلطان ألب أرسلان ملحق بكتاب مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية بقلم سهيل زكار ص282.
(2) الناوكية: إنهم إحدى الجماعات التركية الغزية الذين تسربوا إلى بلاد الشام وأدوا دوراً بارزاً في الأحداث التي سبقت ومهدت للحملات السلجوقية النظامية إلى هذه البلاد، ويبدو أن الناوكية أُطلقت أيضاً على جموح محددة من المرتزقة الأتراك الذين يدينون بالطاعة للسلطان ألب أرسلان، ولم تكن اسماً لإحدى العشائر التركية، لكن الأتراك شكلوا الأكثرية العددية بينهم، ومن المحتمل أن الناوكية تعني الخوارج على السلطة. انظر: زكار ص 132.
(3) مرآة الزمان : ص 168.
(4) تدمري عمر عبد السلام لبنان من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين ص 162.
(5) معرة مصرين بليدة وكورة بنواحي حلب ومن أعمالها الحموي: ج5 ص 155.
(6) ابن القلانسي: ص 166 - 168
(7) المصدر نفسه ص 166 - 168 ابن الأثير: جـ 8 ص 226.
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة