النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
والدة الإمام الحسن العسكري "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص289-302
2025-08-22
69
أمهات الأئمة ( عليهم السلام ) يختارهن الله تعالى بعلمه
قد يبدو لنا الشئ عادياً ، بينما يكون مقصوداً لله قصداً ، ومخططاً لحدوثه تخطيطاً . ومن هذا النوع ما يتعلق بالمعصوم ( عليه السلام ) من خَلْقه وخُلُقه ، وقوله وعمله ، وحياته وموته ، لأن المعصوم أعظم آية لله تعالى ، فقد ورد أن أعطم آية في القرآن البسملة ، ثم آية الكرسي ، وأعظم آية لله تعالى في خلقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم علي وبقية المعصومين ( عليهم السلام ) .
فالمعصوم مخلوقٌ أَعَدَّهُ الله على عينه واصطنعه لنفسه ، ليكون حجته على خلقه ، وقدوة الأجيال في معرفة الله وعبادته .
ونحن لا نعرف من العلم إلا ظاهر بعض الأشياء ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . ولو كشف لنا الغطاء لأخذتنا الدهشة والخشوع لحكمة الله العميقة ، وخططه الدقيقة .
ومن ذلك اختيار أمهات الأئمة ( عليهم السلام ) من شعوب مختلفة ، وكيف يرعى الله الواحدة منهن لتتم إرادته ، ويخلق منها ومن زوجها وليه وحجته !
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : « للإمام علامات : يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه ، رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ويكون محدَّثاً « تحدثه الملائكة » ويكون دعاؤه مستجاباً ، حتى أنه لودعا على صخره لانشقت بنصفين . . إن الإمام مؤيدٌ بروح القدس ، وبينه وبين الله عمودٌ من نور ، يرى فيه أعمال العباد ، وكلما احتاج إليه . . يبسط له فيعلم ، ويقبض عنه فلا يعلم » . ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 192 » .
ظاهرة تنوع أمهات الأئمة ( عليهم السلام )
شاء الله تعالى بحكمته أن تتنوع أمهات الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) فكانت أم إسماعيل ( عليه السلام ) مصرية قبطية ، وأم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) فارسية ، وأم الإمام الكاظم والإمام الرضا ( عليهما السلام ) مغربية ، وأم الإمام الجواد ( عليه السلام ) إفريقية ، وأم الإمام الهادي ( عليه السلام ) مغربية ، وأم الإمام المهدي ( عليه السلام ) رومية . وأم الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) مغربية ، واسمها سليل وتسمى حُدَيْث بالتصغير ، وقيل غزالة المغربية . ( الهداية الكبرى / 227 ) .
قال في عيون المعجزات / 123 : ( اسم أمه على ما رواه أصحاب الحديث : سليل رضي الله عنها ، وقيل حُدَيْث ، والصحيح سليل ، من العارفات الصالحات . وروي أنه ( عليه السلام ) ولد في سنة إحدى وثلاثين ومأتين من الهجرة ) .
ولما أُدخلت سليل على الإمام الهادي ( عليه السلام ) قال : ( سليلٌ مسلولة من الآفات والعاهات ، والأرجاس والأنجاس ، ثمّ قال لها : سيهب الله لك حجته على خلقه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ) . ( إثبات الوصية : 2 / 244 ) . يقصد حفيدها الإمام الثاني عشر الموعود ( عليهم السلام ) .
وفي تاريخ الأئمة للبغدادي / 26 : ( أم الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) : سمانة مولَّدة ، ويقال أسماء . شك ابن أبي الثلج ) . ومعنى مولَّدة : أنها ولدت في بلاد المسلمين لا في المغرب ، من أم مغربية ، أو أبوين مغربيين .
أما السبب في تعدد أسماء الواحدة منهن ، فهو أن الأئمة ( عليهم السلام ) كانوا يُغيرون أسماءهن ، لأن الخليفة كان يشدد الرقابة عليهم ، ويوظف جاسوسات يأتينه بأخبار بيت الإمام ( عليه السلام ) ، ومن هي حامل من جواريه ، وزاد ذلك لما اقترب الأمر من الإمام الثاني عشر ، لأنه المهدي ( عليه السلام ) الذي ينهي حكم الجبابرة .
نلاحظ أنهم لما حبسوا جارية الإمام العسكري ( عليه السلام ) التي شكوا أنها حامل : ( فجعل نساء المعتمد وخدمه ، ونساء الموفق وخدمه ، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب ، يتعاهدن أمرها في كل وقت ) . ( كمال الدين / 473 ) .
كانت أم الإمام العسكري ( عليه السلام ) تسكن في المدينة
ولد الإمام العسكري ( عليه السلام ) في المدينة المنورة في مزرعتهم صِرْيَا ، سنة إحدى وثلاثين ومئتين ، كما روى في عيون المعجزات / 123 .
قال اليعقوبي « 2 / 500 » : « توفي علي بن محمد . . بسر من رأى . . سنة 254 . . وسنهُ أربعون سنة ، وخلَّفَ من الولد الذكور اثنين : الحسن ، وجعفر » .
وقال ابن شدقم في تحفة الأزهار / 461 : « خلف أربعة بنين : أبا محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، أمه أم ولد ، والحسين ، وأبا علي محمداً ، وأبا كرين جعفراً الكذاب ، وعايشة . أمهاتهم أمهات أولاد » .
وقد اتفقت مصادر الأنساب على أن أبناء الإمام الهادي ( عليه السلام ) ثلاثة غير الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) : وهم محمد وحسين وجعفر ، المعروف بجعفر الكذاب .
ولم يكن لأم الإمام العسكري ( عليها السلام ) ولد غيره ، فإخوته من أبيه من أمهات أخر .
وروى المسعودي في إثبات الوصية ( 1 / 244 ) أن الإمام العسكري سافر مع أبيه إلى سامراء وكان عمره أربع سنوات ، قال : ( وحملت أمه به بالمدينة وولدته بها ، فكانت ولادته ومنشؤه مثل ولادة آبائه صلى الله عليهم ومنشئهم . وولد في سنة إحدى وثلاثين ومأتين من الهجرة ، وسن أبي الحسن ( عليه السلام ) في ذلك الوقت ستة عشرة سنة وشهوراً ، وشخص بشخوصه إلى العراق في سنة ست وثلاثين ومأتين ، وله أربع سنين وشهور ) .
لكن رجحنا في سيرة الإمام الهادي ( عليه السلام ) أن ولادته كانت سنة 212 ، فيكون عمره عندما رزق بالإمام الحسن ( عليه السلام ) تسع عشرة سنة أو عشرين . كما رجحنا أن إحضاره إلى سامراء كان عدة مرات ، وكان يتخلص من الخليفة ، حتى كان آخر إحضار له سنة 243 ، فحضر مع عياله ومعه الإمام العسكري ( عليه السلام ) وكان عمره اثنتا عشرة سنة . وطبيعي أن تكون والدته مع ابنها وزوجها . لكنها كانت في حياة الإمام العسكري ( عليه السلام ) في المدينة ، وكانت تتسقط أخباره . فلا بد أن يكون أمرها أن تبقى في المدينة إلى ما بعد وفاته ( عليه السلام ) .
قال المسعودي في إثبات الوصية ( 1 / 255 ) : ( ثم أمر أبو محمد ( عليه السلام ) والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين ، وعرَّفها ما يناله في سنة الستين ، وأحضر الصاحب ( عليه السلام ) فأوصى إليه ، وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه . وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب ( عليهم السلام ) جميعاً إلى مكة ، وكان أحمد بن محمد بن مطهر أبو علي المتولي لما يُحتاج إليه ، الوكيل ، فلما بلغوا بعض المنازل من طريق مكة تلقى الأعراب القوافل فأخبروهم بشدة الخوف وقلة الماء ، فرجع أكثر الناس إلا من كان في الناحية فإنهم نفذوا وسلموا . وروي أنه ورد عليهم ( عليه السلام ) بالنفوذ .
ومضى أبو محمد ( عليه السلام ) في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ، ودفن بسر من رأى إلى جانب أبيه أبي الحسن صلى الله عليهما ، فكان من ولادته إلى وقت مضيه تسع وعشرون سنة ، منها مع أبي الحسن ثلاث وعشرون سنة ، وبعده منفرداً بالإمامة ست سنين ) .
وفي الكافي ( 1 / 508 ) : ( عن أبي علي المطهر أنه كتب إليه سنة القادسية يعلمه انصراف الناس وأنه يخاف العطش ، فكتب ( عليه السلام ) : إمضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله ، فمضوا سالمين ، والحمد لله رب العالمين ) .
وسنة القادسية : سنة 259 ، حيث رجع الحجاج من القادسية ، لمَّا بلغهم خطر الطريق بسبب غارات الأعراب ، وبسبب الحر والعطش .
وأبو علي المطهر هذا ، هو كما في مستدركات النمازي ( 1 / 476 ) : ( أحمد بن محمد بن مطهر أبو علي المطهر ، صاحب كتاب معتمد ، صاحب أبي محمد العسكري صلوات الله عليه ، والقيم على أموره ، ويشهد على أنه كان قيماً لأموره ومتولياً لما يحتاج إليه إثبات الوصية . . وهو من أصحاب الأصول التي اعتمد عليها الصدوق وحكم بصحتها واستخرج أحاديث كتابه الفقيه منها ) .
وفي إثبات الوصية للمسعودي ( 1 / 253 ) : ( عن إبراهيم بن مهزيار ، عن محمد بن أبي الزعفران ، عن أم أبي محمد ( عليه السلام ) قال : قال لي يوماً من الأيام :
يصيبني في سنة ستين ومئتين حزازةٌ ، أخاف ان أُنكب منها نكبة . قالت : فأظهرت الجزع وأخذني البكاء . قال : لابد من وقوع أمر الله ، لا تجزعي ! فلما كان في صفر سنة ستين ومائتين أخذها المقيم والمقعد ، وجعلت تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة تجسس الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جَرِين ، وحبس أخاه جعفراً معه ) .
ملاحظات
1 . يدل إبقاء الأمام ( عليه السلام ) والدته في المدينة على وجود مصلحة دينية تستدعي ذلك ، وعلى أهليتها للقيام بتلك المسؤولية . وهو مقامٌ يعني الكفاءة والثقة ، ويدل عليه أيضاً وصية الإمام العسكري ( عليه السلام ) لها ، وإرجاع السيدة حكيمة بنت الجواد ( عليها السلام ) إليها ، على جلالتها في أهل البيت ( عليهم السلام ) ومكانتها في المذهب .
ففي كمال الدين / 507 : ( أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن صاحب العسكر ( عليهم السلام ) في سنه اثنتين وستين ومائتين [ بالمدينة ] فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم ، ثم قالت : والحجة ابن الحسن بن علي فسمته ، فقلت لها : جعلني الله فداك معاينة أو خبراً ؟ فقالت خبراً عن أبي محمد ( عليه السلام ) كتب به إلى أمه فقلت لها : فأين الولد ؟ فقالت : مستور ، فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟ فقالت : إلى الجدة أم أبي محمد ( عليه السلام ) ، فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ فقالت : اقتداءً بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) فإن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر ، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين !
ثم قالت : إنكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي ، يقسم ميراثه وهو في الحياة ) !
ويظهر من الحديث أن حكيمة رضوان الله عليها كانت محتاطة في حديثها مع الراوي ، ولذلك لم تقل له أنا داية المهدي بن الحسن ( عليه السلام ) وشاهدة ولادته ، بل قالت إن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) كتب إلى أمه في المدينة يخبرها بولادة ابنه المهدي ( عليه السلام ) . وهي صادقة في ذلك ، كما أنها صادقة في إرجاعهم إلى من أوصى له الإمام في الظاهر وهو والدته ( عليهما السلام ) ، وقد سمتها الجدة أي جدة المهدي ( عليه السلام ) .
2 . تقول رواية المسعودي إن الإمام ( عليه السلام ) أحضر والدته وابنه المهدي ( عليه السلام ) من المدينة سنة 259 : ( وعرفها ما يناله في سنة الستين وأحضر الصاحب ( عليه السلام ) فأوصى إليه ، وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه . وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب ( عليهم السلام ) جميعاً إلى مكة ) .
أقول : لابد أن الإمام ( عليه السلام ) أعلن هذا العمل رداً على ما أشاعته السلطة من أنه لا ولد له ، فأجابهم بأن له ولداً في المدينة وقد أوصى له ، وأوصى لجدته التي ترعاه . وكذلك إعلانه أنه أرسله مع جدته إلى الحج ومعه قسم من عائلته ، وأرسل معهم بعض ثقاته ليدير أمور سفرهم .
كل ذلك ، ليجيب على شائعات السلطة بأنه لا ولد له ، وإلا فإن إحضار الإمام لابنه ( عليهما السلام ) لا يحتاج إلى إرسال خلفه ، فإن المعصوم ( عليه السلام ) ينتقل بطي الأرض ، بل بنية الإنتقال إلى المحل الذي يريده !
3 . مفهوم الرواية أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) أرسل والدته وابنه المهدي ( عليه السلام ) وبقية عائلته مع ثقته أحمد بن محمد بن مطهر ، وأنه راسله من القادسية يسأله هل يرجع كما رجع أكثر الحجاج خوفاً من العطش وقطاع الطريق ، أو يواصل السير ، فأمره أن يواصل سيره ، فسار بهم ووصلوا سالمين .
وقد يصح ذلك لكن على غير الإمام المهدي ( عليه السلام ) وجدته ، لأنهما لايحتاجان إلى إرسال أحد معهما ، فلا يعلم أنهما كانا مع ابن المطهر من أول الأمر .
أوصى لها الإمام ( عليه السلام ) وثبتت جدارتها
روى الصدوق ( رحمه الله ) في كمال الدين / 473 : ( عن محمد بن الحسين بن عَبَّاد أنه قال : مات أبو محمد الحسن بن علي ( عليهما السلام ) يوم جمعة مع صلاة الغداة ، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة ، وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة ، ولم يحضره في ذلك الوقت إلا صقيل الجارية وعقيد الخادم ومن علم الله عز وجل غيرهما . . .
قال : وقال لي عباد في هذا الحديث : قدمت أم أبي محمد ( عليه السلام ) من المدينة واسمها حُدَيْث ، حين اتصل بها الخبر إلى سر من رأى ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ، ومطالبته إياها بميراثه ، وسعايته بها إلى السلطان ، وكشفه ما أمر الله عز وجل بستره ، فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل ، فحُملت إلى دار المعتمد ، فجعل نساء المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه ، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب ، يتعاهدن أمرها في كل وقت ويراعون ، إلى أن دهمهم أمر الصفار وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة ، وخروجهم من سر من رأى ، وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك ، فشغلهم ذلك عنها ) .
وفي دلائل الإمامة / 424 : « ما شغلهم عنها وعن ذكر من أعقب ( عليه السلام ) ، من أجل ما يشاء الله ستره ، وحسن رعايته بمنه وطوله » .
ملاحظات
1 . قوله : ( ولم يحضره في ذلك الوقت إلا صقيل الجارية وعقيد الخادم ومن علم الله عز وجل غيرهما ) . يقصد به الإمام المهدي ( عليه السلام ) فقد ورد أنه حضر وفاة أبيه ( عليهما السلام ) ، كما نذكره في فصل وفاته ( عليه السلام ) .
2 . كان بإمكان الإمام العسكري ( عليه السلام ) أن يترك الأمر بعده للسلطة ، لتشيع ما تريد ، وتعطي إرثه إلى أخيه . لكن القضية عنده ( عليه السلام ) أنه يجب أن تكون أبواب الهدى مفتوحة كما هي أبواب الضلال ، فكما توجد مؤشرات لعدم وجود ولدٍ له وإمام بعده ، يجب الحرص على المؤشرات التي ترشد طالب الحق إلى ولادة الإمام المهدي ووجوده بعد أبيه ( عليهما السلام ) . وهذا هو التوازن المطلوب لله تعالى .
لذلك كان من أعظم الجهاد في ذلك الوقت تعريف المسلمين بولادة الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وهو ما قام بأدائه الإمام العسكري ( عليه السلام ) مع الفعالين من شيعته ، ابتداء من إخباره به قبل ولادته ، ثم بإخباره الواسع بولادته ، ثم بإراءته للناس ، ثم بوصيته له ووصيته به .
وكانت خطته ( عليه السلام ) أن يبقى بيته بعد وفاته مفتوحاً أطول مدة ممكنة ، وأن تحضر والدته من المدينة ، لتقف في وجه أخيه جعفر الكذاب ، الذي يدعي أنه وارث الإمام لأنه لا ولد له ، وتُبرز وصية الإمام ( عليه السلام ) لها .
وهكذا كان ، فقد قامت بدورها خير قيام ، وكانت النتيجة كما قال ابن رئيس الوزراء : ( قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر ، وادعت أمه وصيته ، وثبت ذلك عند القاضي . والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده ) . ( الكافي : 1 / 305 ) .
ومن هذا الباب كان ظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) في أوقات حرجة وزجره لجعفر عن فعله . وقد روي ظهوره أمام المسؤولين في الصلاة على أبيه ( عليه السلام ) ، وعندما اشتد نزاع جعفر لوالدته ، وعندما أراد جعفر منع دفنها في منزل الإمام ( عليه السلام ) .
جاء في خبر الصلاة على الإمام ( عليه السلام ) : ( فتقدم جعفر ليصلي عليه فلما همَّ بالتكبير ، خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط وبأسنانه تفليج ، فجذب رداء جعفر وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد ارْبَدَّ وجهه ، فتقدم الصبي وصلى عليه ) . ( الخرائج : 3 / 1101 ) .
وفي كمال الدين / 442 : ( عن محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى الرضا ( عليه السلام ) قال : خرج صاحب الزمان على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضي أبي محمد ( عليه السلام ) فقال له : يا جعفر مالك تعرض في حقوقي ؟ فتحير جعفر وبهت ، ثم غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره ! فلما ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار فنازعهم وقال هي داري لاتدفن فيها ، فخرج ( عليه السلام ) فقال : يا جعفر أدارك هي ! ثم غاب عنه فلم يره بعد ذلك ) .
3 . نقل الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) ( كمال الدين / 107 ) رد ابن قبة على ادعاءات جعفر بقوله : ( ثم ظهر لنا من جعفر ما دلنا على أنه جاهل بأحكام الله عز وجل وهو أنه جاء يطالب أم أبي محمد بالميراث ، وفي حكم آبائه أن الأخ لا يرث مع الأم ، فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتى تبين فيه نقصه وجهله ، كيف يكون إماماً ؟ وإنما تعبدنا الله بالظاهر من هذه الأمور ولو شئنا أن نقول لقلنا ، وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أن جعفراً ليس بإمام ) .
4 . يظهر من حديث تمريض الإمام العسكري ( عليه السلام ) أن صقيلاً الجارية وعقيداً الخادم كانا من أوثق الناس عند الإمام ( عليه السلام ) . ويظهر من ادعاء صقيل أنها حامل أنها فعلت ذلك بأمر الجدة ، ليؤخر القاضي الحكم حتى ينكشف الحال فحبسوها وأخروا الحكم .
أدت دورها ودفنت بجانب زوجها وولدها ( عليهم السلام )
قد يقال إن درجة والدة الإمام العسكري أعلى درجة من والدة الإمام المهدي رضي الله عنهما . وذلك لأن الإمام العسكري ( عليه السلام ) عرَّفها ما يجري بعده ، وتحملت وقامت بدورها الذي كلفها به .
ولا نعرف المدة التي عاشتها في سامراء ، ولعلها سنتان ، وقد أدارت فيها معركتها مع جعفر الكذاب والخليفة المعتمد ، وولي عهده الموفق ، وقاضي قضاته ابن أبي الشوارب . وأدارت شؤون الدار الواسعة ، وأجابت المراجعين الشيعة الذين يسألون عن الإمام بعد الإمام الحسن العسكري ( عليهما السلام ) .
ويظهر من أحاديثها أنها انتزعت الحكم بنصف التركة وبإدارة بيت الإمام ( عليه السلام ) ، وأنها كانت ذات شخصية قوية ، مطاعة من خاصة ابنها الإمام العسكري ( عليه السلام ) وكل موظفي البيت .
روى الخصيبي في الهداية / 381 : ( عن محمد بن عبد الحميد البزاز ، وأبي الحسين بن مسعود الفراتي قالا جميعاً ، وقد سألتهم في مشهد سيدنا أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء عن جعفر وما جرى في أمره بعد غيبة سيدنا أبي الحسن علي وأبي محمد الحسن بن الرضا ( عليهم السلام ) وما ادعاه له جعفر وما فعل ، فحدثوني بجملة أخباره : أن سيدنا أبا الحسن ( عليه السلام ) كان يقول لهم تجنبوا ابني جعفراً ، أما إنه مني مثل حام من نوح الذي قال الله جل من قائل فيه : فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِي فقال له الله : يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ! وإن أبا محمد ( عليه السلام ) كان يقول لنا بعد أبي الحسن : الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سر ، فوالله ما مثلي ومثله إلا مثل هابيل وقابيل ابني آدم ، حيث حسد قابيل لهابيل على ما أعطاه الله لهابيل من فضله فقتله . ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكن الله غالب على أمره !
فلقد كان عهدنا بجعفر وكل من في البلد وكل من في العسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم ، يشكون إذا أوردنا أمر جعفر ويقولون إنه يلبس المصنعات من ثياب النساء ويضرب له بالعيدان ، فيأخذون منه ولا يكتمون عليه . وإن الشيعة بعد أبي محمد ( عليه السلام ) زادوا في هجره وتركوا رمي السلام عليه وقالوا : لا تقية بيننا وبينه نتجمل بها ، وإن نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه فنحن نضل الناس فيه ، وعملوا على ما يرونا نفعله فنكون بذلك من أهل النار .
وإن جعفراً كان في ليلة أبي محمد ( عليه السلام ) ختم الخزائن وكل ما في الدار ومضى إلى منزله ، فلما أصبح أتى الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه ، فلما فتح الخواتم ودخل نظرنا فلم يبق في الدار ولا في الخزائن إلا قدر يسير ، فضرب جماعة من الخدم ومن الإماء فقالوا له : لاتضربنا فوالله لقد رأينا الأمتعة والرجال توقر الجمال في الشارع ، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة ، إلى أن سارت الجمال وغلقت الأبواب كما كانت ! فولول جعفر وضرب على رأسه أسفاً على ما خرج من الدار !
وإنه بقي يأكل ما كان له ويبيع حتى ما بقي له قوت يوم ، وكان له في الدار أربعة وعشرون ولداً بنون وبنات ، ولهم أمهات وأولاد وحشم وخدم وغلمان ، فبلغ به الفقر إلى أن أمرت الجدة وهي جدة أبي محمد ( عليه السلام ) أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لدوابه ، وكسوة لأولاده وأمهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم ، ولقد ظهرت أشياء منه أكثر مما وصفنا ، نسأل الله العافية من البلاء والعصمة في الدنيا والآخرة ) .
وقول الراوي : أمرت الجدة أن يجري عليه من مالها ، يدل على وجود مال لها غير ما في الدار ، وعلى نبلها وحسن إدارتها ، فقد أنفقت على عائلة جعفر الكبيرة رغم أعماله السيئة معهم ، لمجرد أنه منسوب إلى بني علي وفاطمة ( عليهما السلام ) !
وبعد أن أدت دورها رضوان الله عليها ، شاء الله تعالى أن يتوفاها وتدفن قرب زوجها وابنها ( عليهما السلام ) ، وقد ظهر الإمام المهدي ( عليه السلام ) ليردع عمه جعفر عن تصرفاته الهوجاء ، ولم يستطع منع دفنها إلى جانب ابنها وزوجها ( عليهم السلام ) !
الاكثر قراءة في الولادة والنشأة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
