ولد المهدي ( عليه السلام ) بعد هلاك الخليفة المهتدي بشهر
زادت محاولات خلفاء بني العباس لقتل الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، والرقابة على زوجته وجواريه ، لئلا يولد له ولد ، أو يقتلوه إن ولد !
لكن الله تعالى شغلهم بأحدات وقعت بعد شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، فقد ظهرت حركة الزنج في البصرة ، وحركة الصفار في خراسان ، ثم نقم الأتراك على المعتز فقتلوه شر قتلة .
وجاء المهتدي فواصلَ سياسة المعتز في مضايقة الإمام العسكري ( عليه السلام ) وحبسه ، لكن سرعان ما أغضب الأتراك عليه لما حاول أن يوقع بينهم ، فاتفقوا عليه وكانت بينهم معارك انتهت بهزيمته وقتله .
قال الطبري « 7 / 582 » : « في رجب من هذه السنة « 256 » لأربع عشرة ليلة خلت منه خلع المهتدي ، وتوفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب . ذُكر أن ساكني الكرخ بسامرا والدور ، تحركوا لليلتين خلتا من رجب من هذه السنة يطلبون أرزاقهم ، فوجه إليهم المهتدي طبايغو الرئيس عليهم وعبد الله أخا المهتدي ، فكلماهم فلم يقبلوا منهما ، وقالوا نحن نريد أن نكلم أمير المؤمنين مشافهة » .
ثم ذكر الطبري محاورة المهتدي مع بايكباك ، وأن المهتدي قتله وألقى رأسه إلى الأتراك ، فجاشوا واتحدوا ، ليأخذوا ثأر صاحبهم من الخليفة !
قال الطبري « 7 / 584 » : « فاجتمع جميع الأتراك فصار أمرهم واحداً ، فجاء منهم زهاء عشرة آلاف رجل ، وجاء طوغتيا أخو بايكباك وأحمد بن خاقان حاجب بايكباك ، في نحو من خمس مائة ، مع من جاء مع طغوتيا من الأتراك والعجم .
وخرج المهتدي ومعه صالح بن علي ، والمصحف في عنقه يدعوالناس إلى أن ينصروا خليفتهم ! فلما التحم الشر مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى أصحابهم الذين مع أخي بايكباك ، وبقي المهتدي في الفراغنة والمغاربة ومن خف معه من العامة ، فحمل عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حران موتور ، فنقض تعبيتهم وهزمهم ، وأكثر فيهم القتل ، وولوا منهزمين . ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور وهو ينادي : يا معشر الناس أنصروا خليفتكم !
حتى صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وهو بعد خشبة بابك ، وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة ، فدخلها ووضع سلاحه ولبس البياض ليعلوداراً وينزل أخرى ويهرب ، فطُلب فلم يوجد ! وجاء أحمد بن خاقان في ثلاثين فارساً يسأل عنه ، حتى وقف على خبره في دار ابن جميل ، فبادرهم ليصعد فرُمِيَ بسهم وبُعِج بالسيف ، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أو بغل ، وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره ، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخرثي ، فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها الكرخي الناس ببغداد ، وأصابوا عنده خَسَف الواضحة ، مُغَنِّيَة . فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار . ودفعوه إلى رجل فوطأ على خصييه حتى قتله » !
ومدح الذهبي في سيره « 12 / 535 » المهتدي ، ولكنه ذكر فراره الذليل !
قال : « وكان المهتدي أسمر رقيقاً مليح الوجه ورعاً عادلاً صالحاً متعبداً ، بطلاً شجاعاً ! قوياً في أمرالله ، خليقاً للإمارة ، لكنه لم يجد معيناً ولا ناصراً . . وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين ، يجلس بنفسه ويُجلس بين يديه الكتاب يعملون الحساب . . . وتفلل جمع المهتدي واستحرَّ بهم القتل ، فولَّى والسيفُ في يده ) . ثم ذكر الذهبي ما قاله الطبري !
لاحظ قول الإمام ( عليه السلام ) وهو في السجن : ( إن هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده ، ولم يكن لي ولد وسأرزق ولداً !
قال أبو هاشم : فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه وسلمنا الله تعالى ) . ( غيبة الطوسي / 205 ) .
فقد كان الإمام ( عليه السلام ) يعلم أن زوجته نرجس حامل بالإمام المهدي الموعود ، ويعلم أن الخليفة الذي قرر أن يقتله غداً ، إنما يريد أن يعبث بأمر الله تعالى ومقاديره ، فكان من مقادير الله تعالى أن هذا الخليفة سيقتل غداً ، ويخرج الإمام ( عليه السلام ) من سجنه ، ويولد مولوده المبارك الموعود ( عليهما السلام ) !
ولاحظ استجابة الله للإمام ( عليه السلام ) في قول الطبري : ( في رجب من هذه السنة « 256 » لأربع عشرة ليلة خلت منه ، خُلع المهتدي ، وتوفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب ) .
الإمام العسكري يعلن ولادة ابنه المهدي ( عليهما السلام ) !
قال عندما ولد ابنه المهدي ( عليهما السلام ) : ( زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر . وسماه المؤمل ) . ( مهج الدعوات / 276 ) .
وفي كمال الدين / 431 ، عن أبي غانم الخادم قال : ( ولد لأبي محمد ولد فسماه محمداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال : هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم ، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً ، خرج فملأها قسطاً وعدلاً ) .
وفي كمال الدين / 408 : ( عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) يقول : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلقاً وخلقاً ، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ، ثم يظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ) .
وفي كمال الدين / 432 : ( عن حمزة بن أبي الفتح قال : جاءني يوماً فقال لي : البشارة ! ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد ( عليه السلام ) وأمر بكتمانه . قلت : وما اسمه ؟ قال : سُمي بمحمد ، وكُني بجعفر ) .
وفي كمال الدين / 435 ، عن معاوية بن حكيم ، ومحمد بن أيوب بن نوح ، ومحمد بن عثمان العمري قالوا : ( عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي ( عليه السلام ) ونحن في منزله ، وكنا أربعين رجلاً ، فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا ! قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد ( عليه السلام ) » .
وقال لعمته حكيمة رضي الله عنها ( كمال الدين / 427 : ( يا عمتا بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزَّ وجل ، الذي يُحيي الله عزَّ وجل به الأرض بعد موتها ! فقلت : ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل ؟ فقال : من نرجس لا من غيرها !
قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أرَ بها أثر حبل ، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت ، فتبسم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل ، لأن مثلها مثل أم موسى ( عليه السلام ) لم يظهر بها الحبل ، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى ، وهذا نظير موسى ( عليه السلام ) ) !
وهذا يعني أن الخليفة كان عنده جاسوسات على زوجة الإمام ( عليه السلام ) !
وفي منتخب الأنوار المضيئة / 318 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إن الله عز وجل أدار في القائم منا ثلاثةً أدارها في ثلاثة من الرسل : قدر مولده بقدر موسى ( عليه السلام ) ، وقدر غيبته بقدر غيبة عيسى ( عليه السلام ) ، وقدر إبطاءه بقدر إبطاء نوح ( عليه السلام ) ، وجعل بعد ذلك عمر العبد الصالح الخضردليلاً على عمره ) .
أقول : هذه الأحاديث صحيحة السند . ويؤيدها استنفار الخليفة وبحثه عنه ، واستمرار ذلك بعد وفاة أبيه الحسن العسكري ( عليه السلام ) !
قال الصدوق ( كمال الدين / 475 ) : « فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ! فتأخر جعفر وقد ارْبَدَّ وجهه واصفرَّ . فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي فسُلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ) .
وصقيل هذه جارية الإمام العسكري ( عليه السلام ) وليست والدة الإمام المهدي ( عليه السلام ) فقد توفيت والدته رضي الله عنها في حياة زوجها الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
وقال الصدوق في كمال الدين / 431 : ( حدثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدثني أبو علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمد ( عليه السلام ) فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارَّةً من جعفر فتزوج بها . قال أبو علي : فحدثتني أنها حضرت ولادة السيد ( عليه السلام ) وأن اسم أم السيد صقيل وأن أبا محمد ( عليه السلام ) حدثها بما يجري على عياله ، فسألته أن يدعو الله عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله ، فماتت في حياة أبي محمد ( عليه السلام ) وعلى قبرها لوحٌ مكتوب عليه : هذا قبر أم محمد . قال أبو علي : وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيد ( عليه السلام ) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء ، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ، ثم تطير . فأخبرنا أبا محمد ( عليه السلام ) بذلك فضحك ثم قال : تلك ملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود ، وهي أنصاره إذا خرج ) .
ووالدة الإمام المهدي صلوات الله عليه هي السيدة نرجس أو مليكة ، من ذرية شمعون الصفا وصي عيسى ( عليهما السلام ) ، وقد أوصلها الله تعالى بقدرته إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) أسيرة من أرض الروم ، وكان الإمام يغير اسمها ، لأن رقابة الخليفة عليه كانت شديدة ومباشرة !
وسَّع الإمام إعلان ولادة ابنه ( عليهما السلام ) لرد إشاعة السلطة !
قامت سياسة السلطة تجاه الإمام ( عليه السلام ) على محاولة قتله ، كما رأيت في محاولة أربعة خلفاء . وعلى إشاعة أنه لا ولد له , أو أنه عقيم لا يلد !
ولذلك استعمل الإمام ( عليه السلام ) أساليب متعددة في إعلان ولادة ابنه الموعود ( عليهما السلام ) :
منها : رسائله إلى وكلائه كأحمد بن إسحاق يبشرهم بولادته ( عليه السلام ) .
منها : إراءة المولود ( عليه السلام ) للعديد من شيعته ، فرادى ومجموعات .
ومنها : متابعته موقف شيعته من إخباره بولادة ابنه الموعود ( عليهما السلام ) .
ومنها : تهيئتهم لما بعده ، وإخبارهم بأنهم سيفقدونه سنة ستين .
روى المسعودي في إثبات الوصية / 217 : ( عن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمد ( عليه السلام ) فقال لي : يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب ؟ قلت يا سيدي لما ورد الكتاب بخبر سيدنا ومولده ، لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق . فقال : أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة الله . ثم أمر أبو محمد ( عليه السلام ) والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومأتين ، وعرفها مايناله في سنة الستين وأحضر الصاحب ( عليه السلام ) فأوصى إليه وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه ، وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب ( عليه السلام ) جميعاً إلى مكة ) .
أقول : معناه أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) كتب إلى أحمد بن إسحاق يخبره بولادة ابنه المهدي ( عليه السلام ) ، فأخبر الناس وآمنوا به ( عليه السلام ) .
وأن الإمام سأل ابن إسحاق عن موقف أهل قم من رسالته ، فأخبره أنهم قبلوها وقالوا بإمامة المهدي ( عليه السلام ) . ورواه ابن مصقلة ( عيون المعجزات / 138 ) . ويأتي في خبر والدة الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
وروى ابن إسحاق أنه جاء في رسالة للإمام العسكري ( عليه السلام ) إلى بعض خاصته : ( ما مُني أحد من آبائي بما مُنيت به من شك هذه العصابة في ، فإن كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع ، وإن كان متصلاً ما اتصلت أمور الله عز وجل فما معنى هذا الشك ) . ( كمال الدين / 222 ) . وليس مقصوده ( عليه السلام ) الشك في إمامته ، بل في المهدي ( عليه السلام ) .
وقال الإمام ( عليه السلام ) : ( سنة ستين تفترق شيعتنا ) . ( إثبات الوصية : 1 / 250 ) .
ومعناه أن بعضهم سيفشل في الامتحان الإلهي ولا يؤمن بالإمام المهدي ( عليه السلام ) .
ومنها : توسعة العقيقة عنه ، وهي الضحية بمناسبة ولادة المولود ، وقد ذبح الإمام عنه عدة ذبائح ، وأرسل إلى عدد من أصحابه في البلاد ليذبحوا عنه .
وينبغي أن نلفت إلى أن الله تعالى عندما بشر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بكوثر العترة ( عليهم السلام ) ، أمره أن يصلي لربه وينحر ، فنحر عقيقة عن الحسن والحسين واقتدى به الأئمة ( عليهم السلام ) فكانوا يذبحون الذبائح ويطعمون الناس بمناسبة ولادة أولادهم .
وقد تَعَمَّدَ الإمام ( عليه السلام ) أن يوسع العقيقة عن ابنه المهدي صلوات الله عليهما ، إعلاناً منه للمؤمنين ، وتحدىاً للظالمين الذين قرروا أن يقتلوه قبل أن يأتيه ولد .
ففي كمال الدين : 2 / 430 ، عن أبي جعفر العمري قال : ( لما ولد السيد ( عليه السلام ) قال أبو محمد ( عليه السلام ) : إبعثوا إلى أبي عمرو ، فبعث إليه فصار إليه ، فقال له : إشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه , أحسبه قال على بني هاشم ، وعق عنه بكذا وكذا شاة .
محمد بن إبراهيم الكوفي : إن أبا محمد ( عليه السلام ) بعث إلى بعض من سماه لي بشاة مذبوحة ، وقال : هذه من عقيقة ابني محمد ) .
وفي الهداية الكبرى / 358 : ( عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب نفقة أبي محمد ( عليه السلام ) قال : وجه إليَّ مولاي أبو محمد كبشين وقال : أعقرهما عن أبي الحسن ، وكل وأطعم إخوانك ، ففعلت ثم لقيته بعد ذلك فقال : المولود الذي ولد لي مات ، ثم وجه لي بأربع أكبشة وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكل هنأك الله ، ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي : إنما ستر الله ابني الحسن بابني الحسين وموسى ، لولادة محمد مهدي هذه الأمة والفرج الأعظم ) .
أقول : إذا صحت الرواية فقد يكون معناها أن الإمام ( عليه السلام ) رزق بثلاثة أبناء غير المهدي ( عليه السلام ) وأنهم توفوا وقايةً للمهدي ( عليه السلام ) ، والظاهر أن في نستها تصحيفاً .
وفي كمال الدين / 432 : ( حدثني عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثني محمد بن إبراهيم الكوفي إن أبا محمد ( عليه السلام ) بعث إلى بعض من سماه لي بشاة مذبوحة ، وقال : هذه من عقيقة ابني محمد ) .
وفد تهنئة بالإمام المهدي ( عليه السلام )
في دلائل الإمامة / 427 : ( عن عيسى بن مهدي الجوهري قال : خرجت أنا والحسين بن غياث ، والحسن بن مسعود ، والحسين بن إبراهيم ، وأحمد بن حسان ، وطالب بن إبراهيم بن حاتم ، والحسن بن محمد بن سعيد ، ومحمد بن أحمد بن الخضيب ، من جنبلاء إلى سر من رأى في سنة سبع وخمسين ومائتين ، فعدنا من المدائن إلى كربلاء ، فزرنا أبا عبد الله ( عليه السلام ) في ليلة النصف من شعبان ، فتلقينا إخواننا المجاورين لسيدنا أبي الحسن وأبي محمد ( عليهما السلام ) بسر من رأى ، وكنا خرجنا للتهنئة بمولد المهدي ( عليه السلام ) ، فبشرنا إخواننا بأن المولود كان قبل طلوع الفجر يوم الجمعة ، فقضينا زيارتنا ودخلنا بغداد ، فزرنا أبا الحسن موسى وأبا جعفر الجواد محمد بن علي ( عليهم السلام ) وصعدنا إلى سر من رأى فلما دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) بدأنا بالتهنئة قبل أن نبدأه بالسلام ، فجهرنا بالبكاء بين يديه ، ونحن نيف وسبعون رجلاً من أهل السواد ، فقال : إن البكاء من السرور من نعم الله ، مثل الشكر لها ، فطيبوا نفساً وقروا عيناً ، فوالله إنكم لعلى دين الله الذي جاءت به الملائكة والكتب ، وإنكم كما قال جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إياكم أن تزهدوا في فقراء الشيعة ، فإن لفقيرهم المحسن المتقى عند الله يوم القيامة شفاعة يدخل فيها مثل ربيعة ومضر ، فإذا كان هذا من فضل الله عليكم وعلينا فيكم فأي شئ بقي لكم ؟ فقلنا بأجمعنا : الحمد لله والشكر لكم يا ساداتنا ، فبكم بلغنا هذه المنزلة فقال : بلغتموها بالله وبطاعتكم له واجتهادكم في عبادته وموالاتكم أوليائه ومعاداتكم أعداءه . فقال عيسى بن مهدي الجوهري : فأردنا الكلام والمسألة ، فقال لنا قبل السؤال : فيكم من أضمر مسألتي عن ولدي المهدي ( عليه السلام ) وأين هو وقد استودعته لله ، كما استودعت أم موسى ( عليه السلام ) ابنها ، حيث قذفته في التابوت فألقته في اليم إلى أن رده الله إليها ، فقالت طائفة منا : إي والله يا سيدنا لقد كانت هذه المسالة في أنفسنا . قال ( عليه السلام ) : وفيكم من أضمر مسألتي عن الاختلاف بينكم وبين أعداء الله وأعدائنا من أهل القبلة والإسلام ، فإني منبئكم بذلك فافهموه ، فقالت طائفة أخرى : والله يا سيدنا لقد أضمرنا ذلك . فقال : إن الله عز وجل أوحى إلى جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني خصصتك وعلياً وحججي منه إلى يوم القيامة وشيعتكم بعشر خصال : صلاة إحدى وخمسين ، وتعفير الجبين ، والتختم باليمين ، والأذان والإقامة مثنى مثنى ، وحى على خير العمل ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين ، والقنوت في ثاني كل ركعتين ، وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية ، وصلاة الفجر مغلسة ، وخضاب الرأس واللحية بالوسمة . فخالفنا من أخذ حقنا ، فجعلوا صلاة التراويح في شهر رمضان عوضاً من صلاة الخمسين في كل يوم وليلة ، وكتف أيديهم على صدورهم في الصلاة ، والتختم باليسار عوضاً عن اليمين ، والإقامة فرادى خلافاً على مثنى ، والصلاة خير من النوم خلافاً على حي على خير العمل ، والإخفات في بسم الله الرحمن الرحيم في السورتين خلافاً على الجهر ، وآمين بعد ولا الضالين عوضاً عن القنوت ، وصلاة العصر والشمس صفراء كشحم البقر الأصفر خلافاً على بيضاء نقية ، وصلاة الفجر عند تماحق النجوم خلافاً على صلاتها مغلسة ، وهُجر الخضاب ونهيَ عنه خلافاً على الأمر به واستعماله . . .
قال الحسين بن حمدان : لقيت هؤلاء النيف وسبعون رجلاً وسألتهم عما حدثني به عيسى بن مهدي الجوهري ، فحدثوني به جميعاً ، ولقيت بالعسكر مولى لأبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولقيت الريان مولى الرضا ( عليه السلام ) ، وكل يروي ما روته الرجال ) .
نشأ المهدي ( عليه السلام ) بين أبيه والملائكة
كان الإمام المهدي بعد ولادته عند أبيه ( عليهما السلام ) ، وكان يُغَيِّبه عن أعين السلطة أحياناً ويظهره أحياناً لبعض خاصته . وقد رويَ أنه سلمه إلى ملائكة جاؤوا على شكل طيور خضر ، وكانوا يأخذونه يأتون به إلى أبويه كل أربعين يوماً . كما ورد أن أباه أسكنه مع جدته في المدينة .
ولاعلم لنا بخطط الله تعالى لحفظ وليه الحجة ( عليه السلام ) ، لكن نعلم أن له جنود السماوات والأرض ، وأنه يحفظ أولياءه بوسائل عديدة .
وقد رأيت في رواية حكيمة عمة الإمام العسكري ( عليه السلام ) في ولادة المهدي ( عليه السلام ) : ( الخرائج ( 1 / 456 ) : ( قالت : وغمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال له : خذه واحفظه حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ أمره !
قالت حكيمة : قلت لأبي محمد : ما هذا الطائر وما هذه الطيور ؟ قال : هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة ، ثم قال : يا عمة رديه إلى أمه : كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاتَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لايَعْلَمُونَ . فرددته إلى أمه ) .
وفي الهداية الكبرى / 357 : ( وعنه ( موسى بن محمد ) عن أبي محمد جعفر بن محمد بن إسماعيل الحسني ، عن أبي محمد ( عليه السلام ) قال : لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة ، أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش ، حتى وقف بين يدي الله فقال له : مرحباً بعبدي المختار لنصرة ديني ، وإظهار أمري ، ومهدي خلقي . آليت أني بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أغفر ، وبك أعذب . أردداه أيها الملكان على أبيه رداً رفيقاً ، وبلغاه أنه في ضماني وكنفي وبعيني ، إلى أن أُحق به الحق وأزهق الباطل ، ويكون الدين لي واصباً ) . ونحوه إثبات الوصية : 1 / 260 .
ملاحظات
1 . يستكثر البعض أن يأخذ الملائكة الإمام المهدي ( عليه السلام ) ليحفظوه ويبعدوه عن عيون الخليفة ، الذي أراد قتل أبيه من أجل أن لا يولد !
لكن إذا قلت لهم إن طفلاً في غابة كانت حياته مهددة من الحيوانات المفترسة ، فأرسل الله تعالى ملائكة أنقذوه وأبعدوه عن الخطر ، وساعدوا أمه على تربيته ، لقبلوا ذلك !
2 . أما عن المقام الذي يعطيه هذا الحديث للإمام المهدي ( عليه السلام ) فهو طبيعي والحديث لم يدع له النبوة بل يقول إنه وقف مستمعاً في سرادق العرش ، وأن الله تعالى خاطب هذا الطفل الملائكي ورحب به ، وأخبر عما قرره بشأن مستقبله ، وأمر الملكين بحفظه ، وأن يبلغا أباه ويبلغاه أنه في حفظ الله تعالى وضمانته ، حتى يحق به الحق في الأرض ويبطل به الباطل ، ويكون له الدين واصباً ، أي خالصاً ومستمراً إلى يوم القيامة .
الاكثر قراءة في الولادة والنشأة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة