وجوب اللطف ولزومه والأدلة على ذلك
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص231-233
2025-08-04
268
وجوب اللطف ولزومه ، وهو كبرى القياس ، ولا يخفى عليك أن الأدلة الدالة على وجوبه متعددة:
منها : ما أشار إليه في المتن من برهان الخلف ، فإن اللطف مقتضي كونه تعالى كمالا مطلقا ، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لذلك الفيض ، كما هو المفروض ، فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه ، إذ لا بخل في ساحة رحمته ، ولا نقص في وجوده وكرمه ، ولا مصلحة في منعه ، وإلّا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا ، أو عدم حاجة الإنسان إلى البعثة وكلاهما ممنوعان.
وبعبارة اخرى : إن حاجة الإنسان إلى البعثة كما عرفت ، أشد من الحاجة إلى كل شيء آخر ، كانبات الشعر على الاشفار وعلى الحاجبين وتقعير الأخمص من القدمين ، وغير ذلك ، فإن الإنسان بدون البعثة لا يتمكن من السلوك نحو الكمال اللائق به ، والنيل إلى السعادة في الدارين.
فحينئذ نقول كما قال الشيخ أبو علي بن سينا : فلا يجوز أن يكون العناية الاولى وعلمه تعالى بنظام الخير ، تقتضي تلك المنافع ، ولا تقتضي هذه التي هي اسها ، مع أنه لا مانع من وجود الأنبياء والرسل ، لتعليم الناس ما يصلحهم وما يضرهم ولتزكيتهم وسوقهم نحو سعادتهم في الدنيا والآخرة ، بل مقتضى كماله وعلمه وقابلية المحل وعدم وجود المانع ، هو الاقتضاء المذكور والافاضة ، وإلّا لزم الخلف في كونه عالما بنظام الخير وكمالا مطلقا ، هذا مضافا إلى لزوم تكليف الناس بما لا يطيقون ، من السلوك نحو السعادة والكمال في الدارين ، من دون ايجاد شرطه ، وإلى نقض الغرض من خلقة الإنسان للاستكمال والنيل إلى السعادة ، مع عدم اعداد مقدماته ، ومن المعلوم أنهما لا يصدران عن الكمال المطلق ، وإلّا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا.
ومنها : ما استدل به في علم الكلام من نقض الغرض وتحصيله. قال المحقق الطوسي ـ قدس سره ـ : «واللطف واجب لتحصيل الغرض به». قال العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ في شرحه : «والدليل على وجوبه أنه يحصل غرض المكلف ، فيكون واجبا ، وإلّا لزم نقض الغرض. بيان الملازمة : أن المكلف إذا علم أن المكلف لا يطيع إلّا باللطف ، فلو كلفه من دونه ، كان ناقضا لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلّا إذا فعل معه نوعا من التأدب ، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب ، كان ناقضا لغرضه ، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض» (1).
قال المحقق اللاهيجي في تقريبه : «إن ترك اللطف نقض للغرض ، ونقض الغرض قبيح ، فترك اللطف قبيح» (2) وهو تعالى لا يفعل القبيح. ثم لا يخفى عليك أن مبنى الدليل المذكور هو الحسن والقبح العقليين ، كما أن مبنى الدليل الذي ذكره المصنف هو برهان الخلف.
ومنها : ما استدل به المحقق اللاهيجي ـ قدس سره ـ من وجوب الأصلح فيما إذا لم يكن منافيا لمصلحة كل النظام ، لأن علمه تعالى يقتضي وقوع النظام على أتم وجوهه ، لأنه مبدأ كل خير ولا مانع منه (3).
وتقريب ذلك الدليل بأن يقال : إن اللطف على الأقل أصلح ، فيما إذا لم يكن منافيا لمصلحة كل النظام ، كما هو المفروض في البعثة وارسال الرسل ، والأصلح مما يقتضيه علمه تعالى ؛ لأنه مبدأ كل خير ، ولا مانع منه ، فاللطف مما يقتضيه ، ولا بد من وقوعه ، وإلّا لزم الخلف في كون علمه تعالى يقتضي وقوع النظام على أتم وجوهه ، وهذا التقريب يقرب من التقريب الأول الذي أشار إليه المصنف كما لا يخفى.
وهنا تقريب آخر عن المحقق اللاهيجي أيضا وهو : أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه ، لكان الإمساك عن الاصلح وافاضة غير الأصلح قبيحا ؛ لأن ترك الأصلح وأخذ غير الأصلح مذموم عقلا ، فنقول بطريق القياس الاستثنائي : إذا كان ترك الأصلح قبيحا ، كان وجود الأصلح واجبا ، ولكن ترك الأصلح قبيح فيكون وجود الأصلح واجبا (4).
بل هنا تقريب خامس وهو : أنه إذا لم يكن للأصلح مانع مع وجود داعيه ، لكان الامساك عن الأصلح وإفاضة غير الأصلح ممتنعا ؛ لأنه ترجيح للمرجوح ، وهو ممتنع ؛ لأنه يرجع إلى ترجح من غير مرجح ، وإليه أشار المحقق اللاهيجي في ضمن التقريب السابق فراجع (5).
ولا يخفى أن الصغرى ليس كل أصلح ولو كان مقرونا بالمانع ، بل الأصلح الخاص ، وهو الذي لا يكون مقرونا بالمانع مع وجود داعيه ، وبهذا التقييد المذكور لا يرد عليه شيء من الايرادات ، وبقية الكلام في محله (6).
وإرسال الرسل سواء كان ممكنا كما قلنا أو مقربا أو أصلح ، واجب بالتقريبات المذكورة فتدبر جيدا.
__________________
(1) شرح تجريد الاعتقاد : ص 324 ـ 325 الطبعة الحديثة.
(2) سرمايه ايمان : ص 79 الطبعة الحديثة.
(3) گوهر مراد : ص 250.
(4) سرمايه ايمان : ص 81.
(5) سرمايه ايمان : ص 81.
(6) سرمايه ايمان : ص 81.
الاكثر قراءة في اللطف الالهي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة