معنى ووجه وجوب اللطف على الله تعالى
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 148 - 151
2025-05-07
779
ان معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود (أي اللزوم واستحالة الانفكاك) وليس معناه أن أحدا يأمره بذلك، فيجب عليه أن يطيعه - تعالى عن ذلك - فإنه لا يناسب علو مقامه، وذلك لأن اللطف وهو الرحمانية والرحيمية بالعباد، ناش عن كماله المطلق، الذي هو عين ذاته، ولا ينفك عنه، ولا حاجة إلى وراء ذاته في إفاضة اللطف إلى غيره، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لفيض الجود واللطف، فمقتضى كونه كمالا مطلقا هو لزوم إفاضة ذلك، إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه، ولا جهل له بالمستحق، هذا، مع أن المحل قابل الاستفاضة، وبهذا الاعتبار نقول: إن اللطف واجب لا باعتبار أنه محكوم بحكم أحد من خلقه.
وعليه فيؤول وجوب اللطف إلى لزومه، واستحالة انفكاكه، كما صرح به المصنف هنا، وأما ما ذهب إليه العلامة الحلي - قدس سره - من أنه لا نعني بوجوبه عليه، حكم غيره عليه، بل وجوب صدوره منه نظرا إلى حكمته، وقد بينا أن القبح عقلي لا سمعي (1) فالظاهر أن المراد منه هو الحكم العقلي بوجوب الصدور منه، وهو بظاهره لا يرفع إشكال بعض أهل السنة وغيرهم، من أنه لا يجب على الله تعالى شئ (2). اللهم إلا أن يقال: إن المراد من الحكم العقلي هو ادراك ضرورة صدوره منه، وعليه فيرجع ما ذهب إليه العلامة، إلى ما ذهب إليه الحكماء، كما أشار إليه المصنف. قال المحقق اللاهيجي: " إن تشنيع المخالفين في وجوب شئ على الله واستبعادهم، ناش عن قلة تدبرهم في مراد القوم من وجوب شئ بحكم العقل عليه تعالى، فإن مرادهم منه أن كل فعل من شأنه استحقاق مذمة فاعله لا يفعله الله ولا يصدر منه تعالى، وهكذا كل فعل حسن لو أخل به غيره استحق المذمة فهو تعالى منزه عن الإخلال به، وأما منع تصور الذم بالنسبة إليه تعالى فهو مجرد تهويل، لأن الذم مقابل المدح، والمدح مرادف أو مساو للحمد، وهو واقع في حقه، فما لا يعقل هو استحقاق الذم بالنسبة إليه تعالى لا تصور الذم " (3).
ويظهر مما ذكره المحقق اللاهيجي - قدس سره - في تصوير وجوب شئ عليه تعالى، أن الحكم العقلي ليس بمعنى أمر العقل حتى يستبعد في حقه تعالى، ويقال: كيف يمكن أن يكون هو تعالى منقادا لأمر العقل مع أنه مخلوق من مخلوقاته، فلو إنقاد لأمر العقل ونهيه لزم حاكمية العقل المخلوق، على خالقه، بل معناه ادراك ضرورة صدوره عنه وكونه منزها عن الإخلال به، هذا.
ثم إنه أجيب عن الاشكال أيضا، بما حاصله أن المراد من العقل ليس هو عقل الانسان، بل عقله تعالى، فالله تعالى هو الذي عقل الكل، وعقله يحكم بذاك، فلا يلزم حاكمية العقل المخلوق عليه، ورده بعض المحققين بأن الجواب المذكور جواب يصلح لاقناع العامة، ولكن الإشكال فيه أن التعدد في ذاته تعالى غير متصور، فليس فيه قوة باسم العقل، وقوة أخرى منقادة لحكم العقل، فالجواب يؤول في الواقع إلى تشبيهه تعالى بخلقه في نسبة العقل إليه، مضافا إلى أن شأن العقل هو درك المفاهيم، والمفاهيم من قبيل العلوم الحصولية، فلا تناسب علمه تعالى، فإن علمه من قبيل العلم الحضوري، كما أن شأن العقل ليس هو الأمر والنهي، فلا يتصور حاكمية عقله تعالى وآمريته.
وفي الجواب والرد كليهما نظر، أما الرد فبأن التعدد الاعتباري يكفي في تصوير الحاكم والمحكوم، كما أنه يكفي في تصوير العالم والمعلوم، مع اتحادهما في ذاته تعالى، ومما ذكر يظهر أنه لا تشبيه ولا تنظير في صفاته بمخلوقاته بعد كون صفاته عين ذاته، والتعدد بالاعتبار، هذا مضافا إلى أن حمل " عاقل " كحمل " عالم " عليه تعالى في الحاجة إلى تجريده عما يشوبه من خصوصيات الممكنات، من الحاجة إلى المبادئ والمقدمات، ومن كونه كيفا أو فعلا حادثا للنفس وغيرهما من الأمور التي تكون من خصوصية مصاديقهما فهو تعالى عالم بالعلم الحضوري وعاقل ومدرك بالعلم الحضوري.
وأما الجواب فبأن مرادهم من العقل هو مطلق العقل لا خصوص عقله تعالى، فاختصاص العقل به أجنبي عن مرادهم، هذا مضافا إلى ما أشير إليه في الرد المذكور من أن شأن العقل هو الدرك، لا الأمر والنهي.
وكيف كان فذاته الكامل لا يقتضي إلا النظام الأحسن، ومن المعلوم أن القبيح لا يناسب ذاته الكامل، والمناسبة والسنخية من أحكام العلية، فيمتنع صدور القبيح أو ترك الحسن منه تعالى، من جهة اقتضاء ذاته وصفاته، لا من جهة تأثير العوامل الخارجية فيه تعالى، من حكم عقلي، أو عقلائي بوجوب صدور الحسن، وترك القبيح، مع أنه لا ينفعل من شئ.
وعليه فمقتضى كمال ذاته هو لزوم إفاضة اللطف منه للعباد، ومنه التكليف، إذ عدم التكليف إما من جهة الجهل أو من جهة النقص في الجود والكرم، أو من جهة العجز، أو من جهة البخل، أو من جهة عدم المحبة بالكمال والنظام الأحسن، وكل هذه مفقودة في ذاته تعالى، وإلا لزم الخلف في كونه صرفا في العلم والكمال والقدرة وفي كونه عالما بنفسه وبكماله وآثاره ومحبا له، فلا سبب لترك التكليف، وفرض ترك التكليف حينئذ يستلزم ترجيح المرجوح وهو محال، لرجوعه إلى ترجح من غير مرجح.
_____________
(1) كشف الفوائد: ص 68.
(2) كما نسب إليهم ا لمحقق الطوسي في قواعد العقائد. راجع كشف الفوائد: ص 68.
(3) گوهر مراد: ص 248.
الاكثر قراءة في اللطف الالهي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة